وهو يغري الجسد بالشهوة أو المتعة أو اللذة، كما يغري النفس بالسلطة أو الشهرة، أو التفوق علي الآخرين، أو العظمة بجميع أنواعها، أو اشباع الذات حسبما تري. يغري الرجال بالنساء ويغري المرأة بنوع معين من الرجال.. ويغري الضعيف بالقوة ويغري القوي بالتشامخ والفخر ولايترك احدا بدون اغراء.
والشيطان يحاول أن يقدم اغراءاته مؤثرة وقوية فإن وجد شخصا قد عزم علي التوبة بكل إصرار وحزم يقدم له خطية كان يشتهيها منذ زمن، ويبحث عنها فلا يجدها فيضعها أمامه فجأة وهي تسعي اليه! ويغريه بها فيسقط، إذ يقول له: إنها فرصة أمامك لاتعوض فلا تترك هذه الفرصة تمر ويمكن ان تتوب بعدها! التوبة امامك في أي وقت. ولكن مثل هذه الخطية ليست متاحة في كل وقت! وهكذا يجد المسكين نفسه أضعف من الإغراء فيسقط ان الشيطان يعرف بخبرته أين يوجد الجرح الذي يضغط عليه فيؤلم.
الانقياد للتيار:
يقول لك: الكل هنا يفعل هكذا فهل تشذ أنت ويكون لك اسلوب خاص يغايرهم؟! تقول إنك تتبع الحق ولو كان ضد تصرف الكل، ولكن هذا سيجعل الكل ضدك لانك بهذا تكشفهم وتحرجهم فهل تستطيع ان تسبح عكس التيار؟! ستقول كما قال الشاعر:
سأطيع الله حتي.. لو أطعت الله وحدي
لكن الجميع لايستطيعون مثل هذا الصمود، فشيطان الانقياد للتيار السائد يدفع إلي هذا التيار بطرق شتي: احيانا يجعل البعض يسيرون في نفس التيار من باب المجاملة أو بدافع الخجل أو الخوف من مواجهة الآخرين أو تفاديا لتهكم الناس وتعييرهم أو نتيجة لضغط الظروف الخارجة والالحاح الواقع عليهم أو خضوعا لسلطة أقوي أو يقول له الشيطان: دع هذه المرة تمر ولن تتكرر ثم تتكرر طبعا أو يبكته الشيطان قائلا: ما هذه الكبرياء؟! هل من المعقول ان يكون كل الناس مخطئين وأنت الوحيد الذي علي حق؟! أو يقول له الشيطان في خبث: كبر عقلك ومشي امورك ماذا تنتفع ان خسرت الكل؟!
وقد يخضع الإنسان للتيار السائد نتيجة لضعف شخصيته إما أنه لايقدر علي المقاومة أو أنه يقاوم قليلا، ولايثبت، أو أن صديقا له تأثير عليه يقول له ليس من الحكمة أن نبدأ بمقاومة التيار. والأفضل أن نجاريهم فترة ثم بعد ذلك نقاوم! علي أننا لاندري إلي أي مدي تمتد هذه الفترة.
إن الانقياد للتيار لايجرف الا الضعفاء، أما الشجعان أو أصحاب المباديء والقيم فإنهم يثبتون علي مبادئهم مهما احتملوا في سبيل ذلك، وبثباتهم يقدمون قدوة صالحة لغيرهم، وربما يصيرون أمثلة يذكرها التاريخ. انهم يرفضون الخطأ حتي إن رأوا كبارا يسيرون فيه أو وقعت فيه الغالبية! فكل ذلك لايمكن ان يجعل الخطأ صوابا.
العنف:
والمعروف ان العنف هو ضد الوداعة والهدوء، وضد الاتضاع أيضا، وهو لون أيضا من قساوة القلب ومن الكبرياء. والشيطان لايغري الخطاة فقط بالعنف إنما يغري كذلك المتدينين والروحيين، ولذلك ما أكثر ما نري المتدين عنيفا يواجه بالعنف كل ما يراه خطأ، وبينما نري الله ـ تبارك اسمه ـ يصبر علي الخاطئين ويدربهم في حكمة وهدوء علي الطريق السليم فإن المتدين العنيف لايسلك هكذا.
والبر لا يأتي بطريق العنف ولابإرغام الغير علي السلوك فيه إنما يأتي باقتناع العقل ورضي القلب فيصير الإنسان بارا بقلب نقي يعمل الخير حبا في الخير لامرغما عليه، ومن الواضح ان ضغط المتدينين العنفاء لايوجد حقيقيا بل قد يؤدي الي مظهرية دينية لاعلاقة لها بنقاوة القلب من الداخل وحتي هذه المظهرية قد لاتستمر بل تزول بزوال الضغط.
عجيب ان شيطان العنف، يدخل في مجال التدين، كما يدخل في مجالات الخطية لانه بمكره لايجعله تدينا حقيقيا، أما أنت يا أخي إن اردت أن تجذب الناس الي التدين اجعلهم يحبون البر والفضيلة، ويجدون فيها متعة دون ان يكونوا مكرهين علي ذلك باسلوب العنف.
اليأس:
والشيطان يلجأ الي محاربة الإنسان باليأس بعد مقدمات طويلة تمهيدية يشعره بها أنه لم يعد له خلاص من الخطية وانه قد تشبع بها تماما بالإثم بحيث لايمكن ان يتوب فيري أنه ليس فقط لاقدرة له علي التوبة بل بالأكثر لا رغبة له في التوبة. حدث هذا احيانا بعد سقطة كبيرة يظن فيها الخاطيء أنه لا مغفرة! وأنه لا حل للقيام من سقطته!
وقد لاتكون السقطة بهذه الدرجة ولكن الشيطان من عادته ان يضخم في الاخطاء ليوقع صاحبها في اليأس.
انه ماكر جدا فهو قبل اسقاط الإنسان يسهل في موضوع الخطية جدا حتي تبدو شيئا عاديا ويضع لها مبررات.. أما بعد السقوط فإما أن يستمر في سياسة التهوين لكي يتكرر السقوط وإما أن يلجأ الي التهويل فيقول للخاطيء: هل من المعقول أن يغفر لك الرب كل هذا الذي فعلته وكل هذا المستوي الذي هبطت اليه؟! وعبثا يمكنك ان تتوب!
وقد يلقي الإنسان في اليأس ـ لا من جهة خطايا قد وقع فيها ـ إنما من جهة مشاكل تبدو معقدة جدا أمامه وليس لها من حل.. بينما الله قادر أن يحل كل المشاكل بحنانه الذي لايحد واشفاقه علي من يلجأ اليه.
إن الإنسان القوي القلب والعميق في ايمانه لايمكن ان يعرف اليأس اليه طريقا بل مهما كان الجو مظلما جدا فإن الرجاء يفتح أمامه طاقات من نور.
مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44638 – يوم الأحد الموافق 22 فبراير (شباط) 2009 ميلادية، 15 أمشير 1725 شهداء (قبطية)، 27 صفر 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg
No comments:
Post a Comment