Tuesday, February 24, 2009

حروب الشياطين

من طبيعة الشيطان ان يقاوم البر والأبرار‏،‏ وحروبه هي اختبار لحرية إرادتنا‏،‏ فإذا انتصرنا فيها نصبح مستحقين لخيرات السماء‏،‏ وأيضا تكون لنا مكافآت علي الأرض‏‏

والشيطان باستمرار يحسد السالكين في الفضيلة‏،‏ لكي لا ينالوا البركة الإلهية التي حرم هو منها‏

وحروب الشيطان وكل جنوده وأعوانه هي ضد الكل‏،‏ لم ينج منها أحد إذ يحاول الشيطان بكل جهده ان يبعد البشرية عن الله‏،‏ فلا تظنوا أن حروب الشياطين هي للمبتدئين فقط أو للخطاة‏،‏ كلا فهو يحارب الكل مهما ارتفعوا في حياة البر‏،‏ بل يحارب الأبرار بالأكثر‏،‏ لذلك علي كل إنسان أن يحترس‏،‏ ولا يظن انه قد ارتفع فوق مستوي هذه الحروب‏،‏ والشيطان دائم الجولان في الأرض لكي يصيد ضحاياه ويبحث عن أية فريسة ليسقطها‏‏

الشيطان لا ييأس مهما كان الذي يحاربه قويا‏،‏ فالخطية قد طرحت كثيرين جرحي وكل قتلاها أقوياء‏،‏ وان كانت ملائكة السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب‏،‏ فلا شك ان الشياطين تفرح ببار واحد إذا سقط‏،‏ بل تفرح بسقوط أي أحد يخضع لهم ويصبح من أعوانهم‏،‏ وهي حروب دائمة‏،‏ قد تتنوع ولكنها لا تنتهي‏‏

وحروب الشيطان قد تشتد في الأوقات المقدسة‏، كالصوم مثلا‏،‏ والشيطان يتضايق جدا حينما نبدأ في أي عمل روحي‏،‏ فيسعي بكل الحيل لئلا تفلت الفريسة منه‏،‏ فنحن نبدأ العمل الروحي وهو يبدأ في المقاومة‏،‏ لأنه لا يستريح لأية صلة لنا مع الله‏،‏ كذلك إن بدأ الانسان بالصلاة الطاهرة العميقة أو التأمل الروحي أو التسبيح‏،‏ فإن الشيطان لا يقف مكتوف اليدين او متفرجا وإنما يعمل هو أيضا عمله‏، والعمل الروحي بما فيه خدمة الله يثير حسد الشياطين‏،‏ اذ كيف للبشر الذين لهم جسد من تراب تكون لهم حياة مرتبطة بالله‏،‏ بينما الشيطان وهو روح بعيد عن الله وروحه نجسة‏!‏

ومحاربات الشيطان قد تكون خفيفة أحيانا أو ثقيلة‏،‏ فإنسان يحاربه الشيطان بشهوة ما‏، فإن استجاب لها يكتفي الشيطان بنقطة البدء هذه‏،‏ ثم يترك هذه الفريسة المسكينة يحاربها فسادها الداخلي أو تحاربها عاداتها الخاطئة أو غرائزها‏،‏ والانسان المنتصر في حروب الشياطين علي طول الخط ربما يحاربه الشيطان بالكبرياء لكي يرتفع قلبه وتتركه النعمة‏‏

وهناك حروب شيطانية عنيفة وفجائية‏،‏ منها الظهورات المفزعة‏،‏ أو الرؤي الكاذبة وسائر الضربات الشيطانية‏،‏ ولكن الله لايسمح لأن تحدث أمثال هذه الحروب لكل أحد‏،‏ لأنه لا يدعنا نجرب فوق ما نستطيع‏.‏ ولهذا ننصح الذين يحاربون بالرؤي والأحلام المضللة ان يعرفوا ان ليست كل الرؤي والأحلام من الله أو من العقل الباطن‏،‏ فبعضها من الشياطين‏‏

لا ننسي ان الشيطان حارب العالم القديم بالوثنية وعبادة الأصنام‏، وبعبادة الأرواح وبعض مظاهر الطبيعة مثل عبادة الشمس‏،‏ كما حاربهم بتعدد الآلهة أيضا‏،‏ والبعض حاربه بإنكار وجود الله كما حدث في الشيوعية‏،‏ وأيضا مع الوجوديين الذي غلبهم أولا بالشهوات‏،‏ ثم أقنعهم أن يقولوا من الخير ان الله لايوجد لكي نوجد نحن علي اعتبار ان وصايا الله تحد من حريتهم‏‏

ومن محاربات الشيطان‏، حروب الشك‏،‏ كالشك في رعاية الله وخصوصا اذا صلي شخص وشعر ان صلواته لم تستجب‏،‏ وحروب الشك في القيامة وفي السماء وفي عقائد كثيرة‏،‏ فإن اتتك بعض هذه الحروب لا تظن انك قد ضعت تماما‏،‏ إنها محاربات من الشيطان فعليك بالصلاة لكي ينجيك الرب منها‏،‏ وقل له في صلاتك أنا يارب أعبدك وأؤمن بك‏،‏ لكن هذه الأفكار غريبة عني وتأتيني من الخارج‏،‏ كذلك امتنع عن القراءات التي تجلب مثل هذه الأفكار‏،‏ وثق ان الله لايمنع أمثال هذه الحروب ولكنه يساعدنا لكي ننتصر عليها‏‏

لا تخافوا من الشيطان وحروبه‏،‏ لأننا إن ضعفنا أمامه نجعل للشيطان كرامة ليست له‏،‏ ونجعله يتجرأ علينا‏،‏ بل يجب ان نصمد امام الشيطان ونقاومه‏،‏ حينئذ لايجد له مكانا فينا فيهرب ويبعد عنا‏،‏ كذلك لايليق ان نترك عقولنا في فراغ لئلا يجدها الشيطان فرصة لكي يملأ فراغنا بما يلقيه فيه من أفكار وشهوات‏‏

إن الشيطان قد يحاربنا بحياة اللهو‏،‏ وحياة الترف‏، ومحبة المادة أو المال‏،‏ أو الانقياد الي ملاذ الجسد وإشباع غرائزه‏،‏ كل ذلك لكي يمهد قلوبنا وأفكارنا لحروب أشد‏،‏ ومنها شهوات يلقيها في ذهن الانسان‏،‏ وهذه تكون ضعيفة في أولها‏،‏ لأنها غريبة عليها‏،‏ وتظل هكذا ضعيفة الي ان يفتح لها الانسان بابا تدخل منه الي قلبه‏،‏ وإلي مشاعره وهكذا يكون قد أخطأ‏،‏ بفتح القلب للشيطان وهذه خيانة روحية لله‏،‏ ومحاولة لتحطيم ملكوت الله داخلنا‏‏

هناك حروب أخري للشيطان تكون بطيئة طويلة المدي جدا لايشعر بها الشخص‏، وبها يجذب الشيطان ضحاياه بتدرج طويل يخدرهم قليلا قليلا‏،‏ وينقص من حرارتهم الروحية شيئا فشيئا علي مدي واسع حتي تتغير حياتهم وهم لايدركون ذلك الا بعد فوات الفرصة‏،‏ حينئذ ينتهز الشيطان ما وصلوا اليه من فتور فيضربهم بعد ذلك ضربة شديدة وهم غير مستعدين لها‏‏

وربما يغري الشيطان بعض الناس بأن يقيموا أنفسهم مصلحين لغيرهم‏، وقضاة علي أفعال الغير‏،‏ فإن اقتنعوا بهذا يعلمهم الغضب والثورة ومسك سيرة الناس‏،‏ والتدرج حتي الوصول الي انتقاء القادة‏،‏ واعتبار أنفسهم أبطالا في كل هذا‏، ولامانع من أن يتلفظوا بكلمات جارحة في انتقاداتهم‏،‏ ويفخرون بكل ذلك‏،‏ ويعتبرون انهم يفعلون خيرا أو لا تؤنبهم ضمائرهم‏

فهذه إحدي محاربات الشيطان أن يلبس الخطية ثوب فضيلة‏‏
علي أننا لكي ننتصر في حروب الشيطان‏،‏ ينبغي ان نعرف صفاته واسلوبه في القتال‏،‏ حتي ندرك كيف نقاومه‏،‏ فما هي صفات الشيطان؟ وكيف يحارب؟ وهل له اسلوب ثابت‏،‏ أم انه يتغير في أساليبه حسب تغير الحالة؟ هذا ما نود ان نحدثك عنه أيها القارئ العزيز في المقال المقبل ان شاء الله‏‏‏

مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44610 – يوم الأحد الموافق 25 يناير (كانون ثان) 2009 ميلادية، 17 طوبه 1725 شهداء (قبطية)، 28 محرم 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏


Share/Save/Bookmark

No comments:

Post a Comment

Facebook Comments

Twitter

I Read

Word of the Day

Quote of the Day

Article of the Day

This Day in History

Today's Birthday

In the News