Friday, May 1, 2020

حاجتنا إلى عذوبة ونور كلمة ربنا


إن حاجتنا إلى كلمة ربنا ليست أمراً إختيارياً عارضاً، إنما هي ضروره حياتية، فهي أساس الإيمان، وهي نور الحياة، مرشد الطريق ومصدر المساندة والتعزية وقت الآلام والمحن، وتحت ضوئها ينكشف إنحراف قلبنا عن محبة المسيح، فنعدل مسارنا بالتوبة والرجوع... فهيا إلى ينابيع الخلاص لنستقي مياهاً حيه بفرح... فَتَسْتَقُونَ مِيَاهًا بِفَرَحٍ مِنْ يَنَابِيعِ الْخَلاَصِ. إشعياء 12: 3 وكفا عطشاً والنهر يفيض

كلمة الله يتكئ عليها المؤمن فيجد قوته وفرحه وخلاصه إلى الأبد، فيطمئن على الدوام دون تخّوف. وكما يقول القديس أغسطينوس: إن شئت أن يكون فرحك ثابتًا باقيًا، التصق بالله السرمدي، ذاك الذي لا يعتريه تغيير، بل يستمر ثابتًا على حال واحد إلى الأبد

كلمة الله ما أجملها، فهي واسطة لا نستغني عنها لكي نقدر أن نحيا في نور المسيح... سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي. المزامير 119: 105


عذوبة كلمة الله في فم المرتل لا تعني مجرد لذة فكرية، وإنما هي عذوبة خبرة وتمتع بالنور الحقيقي بعدما ألقته الخطية في ظلمة القبر وحكمت عليه بالموت الأبدي. يبعث الله بكلمته كنورٍ يشرق على العالم المظلم بمعرفة الشر، فتدخل إلى قلب المؤمن لتنير أعماقه وتكشف له عن عالم الروح. عوض خبرة الشر وعالم الإثم يتمتع المؤمن بخبرة برّ الله الساكن في نور لا يُدنى منه، فيرتل قائلًا: بنورك يا رب نعاين النور... لأَنَّ عِنْدَكَ يَنْبُوعَ الْحَيَاةِ. بِنُورِكَ نَرَى نُورًا. المزامير 36: 9

يرى القديس كيرلس الكبير أن الإيمان هو السراج، وكلمة الله المتجسد هو النور، إذ يقول: كلمة الله هو موضوع إيماننا، وهو النور. فالسراج هو الإيمان، إذ كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ. يوحنا 1: 9

كلمة الله نور مثل المنارة الذهبية المتقدة سرجها بلا انقطاع في هيكل الرب، ومثل عمود النور الذي كان يقود شعب بني إسرائيل في البرية نهارًا. أينما كنا سواء في الهيكل أو في الطريق فإن كلمة الله هي القائد الحقيقي الذي ينير لنا الطريق

 لماذا يدعوها: مصباح لرجلي؟ إنها لا تنير العينين فقط فتنال فهمًا وحكمة، وإنما تنير للقدمين كي يسيرا في الطريق الملوكي، فلا يكفي للمؤمن أن يتعرف عليه خلال الاستنارة الإلهية، إنما أن يسير فيه حتى يبلغ غايته. وكأن غاية الوصية ليس فقط الكشف عن إرادة الله لنا، إنما تبدد من أمامنا ظلمة الطريق الخاطئ، وتكشف لأقدامنا طريق الحق فنتبعه

السراج هو الشريعة بالنسبة للذين يسلكون في الظلمة قبل أن تشرق عليهم شمس البر... وَمَنْ يَحْتَمِلُ يَوْمَ مَجِيئِهِ؟ وَمَنْ يَثْبُتُ عِنْدَ ظُهُورِهِ؟ لأَنَّهُ مِثْلُ نَارِ الْمُمَحِّصِ، وَمِثْلُ أَشْنَانِ الْقَصَّارِ. ملاخي 3: 2
مع أنه جاء متجسدًا في تواضعٍ، لكي يلتقي بكل الطبقات حتى العبيد الذين كانوا في ذلك الحين مُحتقرين، لكن جاء لا ليدين بل ليخلص العالم، ومع هذا فكان صاحب السلطان الذي كانت القيادات اليهودية ترتعب أمامه
هذا عن مجيئه الأول ليخلص، فماذا يكون في مجيئه الأخير ليدين؟ يراه المؤمنون وعيناه حمامتان، بينما يتطلع إليه الأشرار وعيناه متقدتان نارًا
جاء السيد المسيح مثل نار الممحص، مثل أشنان (صابون) القصار الذي ينقي الأقمشة وينظفها مما تعلق بها من أقذار. جاء ليلقي نارًا على الأرض... جِئْتُ لأُلْقِيَ نَارًا عَلَى الأَرْضِ، فَمَاذَا أُرِيدُ لَوِ اضْطَرَمَتْ؟ وَلِي صِبْغَةٌ أَصْطَبِغُهَا، وَكَيْفَ أَنْحَصِرُ حَتَّى تُكْمَلَ؟ لوقا 12: 49 - 50

المسيح نفسه الذي فعل هذا كله سيقف فيما بعد أمامنا كديانٍ لنا. بالتأكيد لم يعبر الأنبياء على هذا، بل تنبأوا عنه. البعض رآه في ذات الشكل الذي يكون عليه حين يقف أمامنا، والبعض تنبأ فقط خلال الكلمات. كان دانيال بين البرابرة والبابليين عندما رأى المسيح آتيًا على السحاب. أنصتوا إلى قوله: رأيت، هوذا مثل ابن إنسان آتيا على السحاب. وجاء إلى القديم الأيام وقُدم أمامه وأعطي الحكم والمملكة وكل الشعوب والقبائل والألسنة لتتعبد له... كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ.  دانيال 7: 13 - 14. أشار إلى قضاء الله وحكمه بقوله: العروش أعدت والكتب انفتحت. ونهر من النار جرى أمامه. ألوف ألوف خدمته، وربوات ربوات تنتظره... كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ وُضِعَتْ عُرُوشٌ، وَجَلَسَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ. لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ، وَعَرْشُهُ لَهِيبُ نَارٍ، وَبَكَرَاتُهُ نَارٌ مُتَّقِدَةٌ. نَهْرُ نَارٍ جَرَى وَخَرَجَ مِنْ قُدَّامِهِ. أُلُوفُ أُلُوفٍ تَخْدِمُهُ، وَرَبَوَاتُ رَبَوَاتٍ وُقُوفٌ قُدَّامَهُ. فَجَلَسَ الدِّينُ، وَفُتِحَتِ الأَسْفَارُ. دانيال 7: 9 - 10. لم يعلن دانيال هذا فحسب، وإنما أظهر الكرامة التي ينالها الأبرار حين قال: أعطي حكما للقديسين الذين للعلي، وملك القديسون... حَتَّى جَاءَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ، وَأُعْطِيَ الدِّينُ لِقِدِّيسِيِ الْعَلِيِّ، وَبَلَغَ الْوَقْتُ، فَامْتَلَكَ الْقِدِّيسُونَ الْمَمْلَكَةَ. دانيال 7: 22. هذا الحكم سيأتي خلال نارٍ. قال ملاخي: إنه آتٍ (كنار أتون مطهرٍ) مثل طرقات القصارين. عندئذ يتمتع الأبرار بكرامةٍ عظيمةٍ. ويتحدث دانيال عن القيامة حيث يقول: الراقدون في التراب يقومون... وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ، هؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ. دانيال 12: 2 . القديس يوحنا الذهبي الفم

والنور الحقيقي ليس مصباحًا بل هو الشمس التي تضيء على الذين قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ. رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 13: 12. في هذا النهار يمكننا أن نسلك بلياقة... لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ: لاَ بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ، لاَ بِالْمَضَاجعِ وَالْعَهَرِ، لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ. رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 13: 13. القديس ديديموس الضرير


لأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِصْبَاحٌ، وَالشَّرِيعَةَ نُورٌ، وَتَوْبِيخَاتِ الأَدَبِ طَرِيقُ الْحَيَاةِ. أمثال 6: 23
تُنير الوصية أعماقنا فنرى حقيقة أنفسنا، وندرك عوزنا الدائم إلى المخلص. نكتشف أيضًا عمل الثالوث القدوس فينا فنمتلئ رجاءً، كما تنفتح أعيننا على معرفة الإرادة الإلهية وإدراك الأسرار الإلهية. بهذا نتقبل كل تأديب من قبل الرب، ونحسبه نافعًا لأعماقنا، حيث يسحبنا من ملذات الخطايا وإغراءاتها لنسلك طريق الحياة الأبدي، تسحبنا من خداعات الشرير لنقبل الحق الإلهي والطهارة

وَصَايَا الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ تُفَرِّحُ الْقَلْبَ. أَمْرُ الرَّبِّ طَاهِرٌ يُنِيرُ الْعَيْنَيْنِ. المزامير 19: 8
كلمة الرب ليست أوامر ونواهٍ تسبب مرارة للنفس، إنما هي علامة حب بين الله والإنسان، تبعث الفرح الداخلي. لاحظ كيف بدأ المرتل برجوع النفس إلى الله (ترد النفس) ثم تلاها بالتعليم (تعلم الأطفال)... نَامُوسُ الرَّبِّ كَامِلٌ يَرُدُّ النَّفْسَ. شَهَادَاتُ الرَّبِّ صَادِقَةٌ تُصَيِّرُ الْجَاهِلَ حَكِيمًا. المزامير 19: 7، بعد ذلك فرح القلب. عندما تقود الكلمة النفس تردها بالتوبة إلى الحضن الأبوي، فيتعلم كطفل صغير كيف يثق في مشيئة أبيه، ويفرح داخليًا بتحقيق إرادة الله أبيه فيه. أفراح العالم تقف إلى حد ما عند الشفتين وإلى حين أما فرح الرب فيهز أعماق النفس الداخلية، لذا قال: يفرّح القلب. تفيض تعزيات الروح في أعماق الإنسان إذ يجد أنه بكلمة الله قد ارتد إلى الحضن الأبوي، وتغيرت طبيعته من أعماقها، وتمتع بأسرار الله خلال اتحاده معه
إن كانت الخطية قد أظلمت بصيرتنا الداخلية فصار الله بالنسبة لنا مرعبًا ومخيفًا، نهرب منه كما فعل أبوانا الأولان حين سمعا صوت الله ماشيًا في الجنة، فإن كلمة الله الخلاصية تفرّح القلب وتنزع عنه الحزن القاتل وتنيره بروح الفرح والرجاء فترى في الله إلهها المخلص. تنفتح البصيرة لا لمعرفة الخير والشر وإنما لإدراك وخبرة عربون الحياة الجديدة السماوية والميراث الأبدي. لذلك يترنم داود النبي، قائلًا: وصية الرب مضيئة، تنير العينين من البعد، أي تهبهما أبعاد جديدة في النظر... ترفع العينين إلى السماء عينها لتعاين الأمور غير المنظورة

ولعلاقة كلمة الله بالنور يقف الشمامسة عند قراءة الإنجيل حوله حاملين الشموع... إشارة إلى نور كلمة ربنا



Share

Facebook Comments

Twitter

I Read

Word of the Day

Quote of the Day

Article of the Day

This Day in History

Today's Birthday

In the News