ولكنهم ألحدوا، لأنهم حاولوا أن يبحثوا أمورا فوق مستوي عقلهم!! ففشل العقل في الوصول، وضلوا..
حقا، إن العقل هو نعمة كبيرة من عند الله ولكن له حدودا لايجوز له أن يتجاوزها. هذه الأمور أعلنها الله بطريق الوحي والأنبياء، ولايمكن الوصول إليها بالعقل وحده وإذا حاول بالعقل بعيدا عن الإيمان أن يصل إليها قد يقع في الشك. مثال ذلك خلق الإنسان من تراب..!! وأيضا المعجزات. ولهذا فإن المعجزات قد تحدث مع البسطاء الذين يقبلونها بالإيمان.. بينما بعض العقلاء الذين لايقبلون شيئا إلا بعد تفكير وفحص.. هؤلاء لاتحدث لهم معجزة، ولايؤمنون بها..
من مصادر الشك أيضا، بل من أهمها الشيطان فهو ماهر جدا في ايجاد الشكوك وفي تصديرها. وله خبرة طويلة في غرس الشكوك في عقول الناس. ويجد لذة في ذلك. ويعتبر قبول البشر لشكوكه انتصارا له، والشيطان يعرف جميع الشكوك التي مرت علي العالم من آلاف السنين، ويمكنه أن يحارب بها. وقد يلقي الشكوك في الإيمان، وفي العلاقة مع الآخرين، وفي القيم والمبادئ، وفي كل شيء.. لكي يجعل الإنسان في حيرة من أمره، وفي دوامة من الشك.. وربما يأتي الشك إلي الإنسان من غيره من الناس، إذا ماترك أذنيه فريسة لأقوالهم.. وهكذا قد تأتي الشكوك من معاشرة الشكاكين. فاحترس إذن من كلام هؤلاء ولاتصدقه. لأنه كما أن معاشرة المؤمنين الثابتين في إيمانهم تنقل إليك الإيمان والثقة، فإن معاشرة الشكاكين تنقل إليك الشك إذا قبلت مايقولونه لك. ومثال ذلك أن شخصا قال لي: حينما أقرأ بعض الجرائد في الصباح, يخيل إلي أن البلد قد ضاعت، وأن الخطر قريب، فهم يشككوننا في الحال وفي المستقبل وفي الأشخاص..
ولذلك فمن أشهر مصادر الشك، الشائعات. وكثيرا ماتكون خاطئة أو مغرضة، وفي ذلك قال أحد الأدباء: إذا أردت أن تشعل حريقا في بلد ما أطلق فيها شائعات مهمة فإن الشائعات يمكن أن تثير جوا من القلق والاضطراب وربما الخوف أيضا.. ويشك الناس قائلين: تري ماالذي حدث؟! من أسباب الشك أيضا: الانحصار في سبب واحد.. وقد يكون هذا السبب هو أسوأ افتراض ممكن. مثال ذلك: أم قد تأخرت ابنتها في العودة إلي البيت مساء فتشك في إصابتها بسوء، كأن حدث لها حادث، أو أن أحدا قد خطفها، وتظل في قلق بسبب هذا الشك حتي تعود.. وربما تشك في أنها ستعود!! بينما يكون السبب في تأخرها هو زحمة المواصلات أو زميلة لها قد عطلتها، أو احتاجت أن تشتري شيئا من مكان بعيد، أو.. ولكن حصر التفكير في سبب واحد، وهو إصابتها بسوء هذا مايجلب الشك.
ومشكلة الانحصار في سبب واحد، كثيرا مايجلب الشك بين الأزواج.. وهذا السبب هو سوء الظن في شريك الحياة. فإن حدث أن الزوج قد ألزمته الضرورة في الاهتمام بوالدته أو والده في ضيقة معينة، ربما تشك الزوجة قائلة: إنه يحب عائلته اكثر مني، وبسببهم يتأخر عن بيته، أو ينفق عليهم اكثر مما ينفق علي أولاده وأسرته!!. وإذا أعجب الزوج بدعابة قالتها امرأة أخري، أو برأي ذكي عرضته تبدأ الزوجة في أن تشك وتظن ان هذا الاعجاب ربما وراءه علاقة ما، أو أنه سيقود الي انحراف، وتتعب!! إن الانحصار في سبب واحد هو ضيق في التفكير بينما الفكر المتسع يضع أمامه افتراضات كثيرة، فلايشك ولايتعب.
قد يحدث الشك ايضا بسبب الوهم. فقد يتوهم البعض أن رقم13 مثلا وراءه شر ما فيدخلهم الشك في كل يوم يكون تاريخه13 أو مضاعفاته! وهكذا في بعض البلاد نري أن المصعد( الأسانسير) ينتقل من رقم12 إلي14 مباشرة، ويلغي رقم13 ونفس الوضع في أدوار المساكن.. وكل ذلك عبارة عن وهم.. وقد يحدث الشك بسبب الضيقات وبخاصة إذا ما طالت مدتها، واقترب الإنسان من اليأس. حينئذ قد يحاربه الشك في رحمة الله، وفي جدوي الصلاة التي لم تكن لها نتيجة. أو أن فتاة طال بها الوقت ولم تتزوج، أو كلما يأتي إليها عريس يذهب ولايعود.. حينئذ قد يدخلها الشك في أن( عملا) قد عمل لها وبسببه يحدث كل هذا!! وتبدأ في الذهاب إلي المشعوذين لكي يفكوا لها ذلك العمل! وكل ذلك خرافات.
ومن أسباب الشك أيضا عدم الثقة بالنفس، ومثال ذلك كثير من ألوان الشك بين الأزواج، فالزوجة التي تشك في خيانة زوجها. وراء هذا الشك يوجد شك منها في نفسها، وفي مدي كفايتها للزوج، أما الزوجة الواثقة بنفسها فهي لاتشك بل تقول في نفسها: لا توجد امرأة أفضل مني في الجمال أو الجاذبية يمكن أن ينجذب إليها زوجي أنا واثقة أنه في قبضة يدي، لايمكنه الخروج منها!
وبنفس المنطق يمكن أن يتحدث الزوج الواثق تماما بقوته وتأثيره علي زوجته وبمدي محبتها له. أما إذا فقد الثقة بنفسه، فحينئذ يمكن ان يشك في زوجته، وفي إمكانية أن تتجه إلي رجل آخر وتتعلق به.
مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44652 – يوم الأحد الموافق 8 مارس (آذار) 2009 ميلادية، 29 أمشير 1725 شهداء (قبطية)، 11 ربيع الاول 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg
No comments:
Post a Comment