Wednesday, March 25, 2009

أسباب الشك

أحيانا يرجع سبب الشك إلي طبيعة الشخص نفسه‏،‏ إذ تكون شخصيته مهزوزة غير ثابتة‏،‏ أو يكون موسوسا‏،‏ وطريقته في التفكير وفي الحكم علي الأمور تجلب له الشك‏.‏ وقد يكون بسيطا يصدق كل مايقال له‏،‏ فيصبح ألعوبة في يد من يلهو به‏.‏ إن حكي له أحد عن صديق يتقول عليه‏،‏ ما أسهل ان تتغير معاملته لهذا الصديق‏،‏ ويشك في إخلاصه بل إنه قد يتعرض إلي الشك في أمور عقائدية أو إيمانية‏،‏ إذا ماشككه شخص أكثر منه فهما‏،‏ ونفس الوضع من جهة الفكر السياسي‏،‏ فإن البعض الذين لهم اتجاه سياسي معين‏،‏ يجدون لهم مجالا في أمثال هؤلاء البسطاء والقليلي المعرفة لكي يضموهم إليهم‏.‏ ومثل هؤلاء البسطاء ـ ربما بالشك ـ يتحولون من اتجاه الي عكسه‏،‏ ويكونون كما قال الشاعر‏:‏ كريشة في مهب الريح طائرة‏..‏ لاتستقر علي حال من القلق وعلي عكس هذا فإن الشك قد يحارب أشخاصا لهم عقول عميقة التفكير‏،‏ فبينما الإنسان العميق التفكير يستطيع أن يكتشف زيف الشكوك فلا يقع فيها‏،‏ نراه من الناحية المضادة‏.‏ إذا ما بحث أمورا أعلي من مستوي عقله خاصة بالله والسماء والأبدية وطبيعة الخليقة ـ ربما يقع في الشك ويرتبك عقله‏.‏ وهذا هو الذي حدث مع الفلاسفة الملحدين‏..‏ كانوا فلاسفة علي مستوي عقلي عميق‏.‏

ولكنهم ألحدوا‏،‏ لأنهم حاولوا أن يبحثوا أمورا فوق مستوي عقلهم‏!!‏ ففشل العقل في الوصول‏،‏ وضلوا‏..‏

حقا‏،‏ إن العقل هو نعمة كبيرة من عند الله ولكن له حدودا لايجوز له أن يتجاوزها‏.‏ هذه الأمور أعلنها الله بطريق الوحي والأنبياء‏،‏ ولايمكن الوصول إليها بالعقل وحده وإذا حاول بالعقل بعيدا عن الإيمان أن يصل إليها قد يقع في الشك‏.‏ مثال ذلك خلق الإنسان من تراب‏..!!‏ وأيضا المعجزات‏.‏ ولهذا فإن المعجزات قد تحدث مع البسطاء الذين يقبلونها بالإيمان‏..‏ بينما بعض العقلاء الذين لايقبلون شيئا إلا بعد تفكير وفحص‏..‏ هؤلاء لاتحدث لهم معجزة‏،‏ ولايؤمنون بها‏..‏

من مصادر الشك أيضا‏،‏ بل من أهمها الشيطان فهو ماهر جدا في ايجاد الشكوك وفي تصديرها‏.‏ وله خبرة طويلة في غرس الشكوك في عقول الناس‏.‏ ويجد لذة في ذلك‏.‏ ويعتبر قبول البشر لشكوكه انتصارا له‏،‏ والشيطان يعرف جميع الشكوك التي مرت علي العالم من آلاف السنين‏، ويمكنه أن يحارب بها‏.‏ وقد يلقي الشكوك في الإيمان‏،‏ وفي العلاقة مع الآخرين‏،‏ وفي القيم والمبادئ‏،‏ وفي كل شيء‏..‏ لكي يجعل الإنسان في حيرة من أمره‏،‏ وفي دوامة من الشك‏..‏ وربما يأتي الشك إلي الإنسان من غيره من الناس‏،‏ إذا ماترك أذنيه فريسة لأقوالهم‏..‏ وهكذا قد تأتي الشكوك من معاشرة الشكاكين‏.‏ فاحترس إذن من كلام هؤلاء ولاتصدقه‏.‏ لأنه كما أن معاشرة المؤمنين الثابتين في إيمانهم تنقل إليك الإيمان والثقة‏،‏ فإن معاشرة الشكاكين تنقل إليك الشك إذا قبلت مايقولونه لك‏.‏ ومثال ذلك أن شخصا قال لي‏:‏ حينما أقرأ بعض الجرائد في الصباح‏,‏ يخيل إلي أن البلد قد ضاعت‏، وأن الخطر قريب‏،‏ فهم يشككوننا في الحال وفي المستقبل وفي الأشخاص‏..‏

ولذلك فمن أشهر مصادر الشك‏،‏ الشائعات‏.‏ وكثيرا ماتكون خاطئة أو مغرضة‏،‏ وفي ذلك قال أحد الأدباء‏:‏ إذا أردت أن تشعل حريقا في بلد ما أطلق فيها شائعات مهمة فإن الشائعات يمكن أن تثير جوا من القلق والاضطراب وربما الخوف أيضا‏..‏ ويشك الناس قائلين‏:‏ تري ماالذي حدث؟‏!‏ من أسباب الشك أيضا‏:‏ الانحصار في سبب واحد‏..‏ وقد يكون هذا السبب هو أسوأ افتراض ممكن‏.‏ مثال ذلك‏:‏ أم قد تأخرت ابنتها في العودة إلي البيت مساء فتشك في إصابتها بسوء‏،‏ كأن حدث لها حادث‏،‏ أو أن أحدا قد خطفها‏،‏ وتظل في قلق بسبب هذا الشك حتي تعود‏..‏ وربما تشك في أنها ستعود‏!!‏ بينما يكون السبب في تأخرها هو زحمة المواصلات أو زميلة لها قد عطلتها‏،‏ أو احتاجت أن تشتري شيئا من مكان بعيد‏،‏ أو‏..‏ ولكن حصر التفكير في سبب واحد‏، وهو إصابتها بسوء هذا مايجلب الشك‏.‏

ومشكلة الانحصار في سبب واحد‏،‏ كثيرا مايجلب الشك بين الأزواج‏..‏ وهذا السبب هو سوء الظن في شريك الحياة‏.‏ فإن حدث أن الزوج قد ألزمته الضرورة في الاهتمام بوالدته أو والده في ضيقة معينة‏،‏ ربما تشك الزوجة قائلة‏:‏ إنه يحب عائلته اكثر مني‏،‏ وبسببهم يتأخر عن بيته‏،‏ أو ينفق عليهم اكثر مما ينفق علي أولاده وأسرته‏!!.‏ وإذا أعجب الزوج بدعابة قالتها امرأة أخري‏،‏ أو برأي ذكي عرضته تبدأ الزوجة في أن تشك وتظن ان هذا الاعجاب ربما وراءه علاقة ما‏،‏ أو أنه سيقود الي انحراف‏،‏ وتتعب‏!!‏ إن الانحصار في سبب واحد هو ضيق في التفكير بينما الفكر المتسع يضع أمامه افتراضات كثيرة‏،‏ فلايشك ولايتعب‏.‏

قد يحدث الشك ايضا بسبب الوهم‏.‏ فقد يتوهم البعض أن رقم‏13‏ مثلا وراءه شر ما فيدخلهم الشك في كل يوم يكون تاريخه‏13‏ أو مضاعفاته‏!‏ وهكذا في بعض البلاد نري أن المصعد‏(‏ الأسانسير‏)‏ ينتقل من رقم‏12‏ إلي‏14‏ مباشرة‏،‏ ويلغي رقم‏13‏ ونفس الوضع في أدوار المساكن‏..‏ وكل ذلك عبارة عن وهم‏..‏ وقد يحدث الشك بسبب الضيقات وبخاصة إذا ما طالت مدتها‏،‏ واقترب الإنسان من اليأس‏.‏ حينئذ قد يحاربه الشك في رحمة الله‏،‏ وفي جدوي الصلاة التي لم تكن لها نتيجة‏.‏ أو أن فتاة طال بها الوقت ولم تتزوج‏،‏ أو كلما يأتي إليها عريس يذهب ولايعود‏..‏ حينئذ قد يدخلها الشك في أن‏(‏ عملا‏)‏ قد عمل لها وبسببه يحدث كل هذا‏!!‏ وتبدأ في الذهاب إلي المشعوذين لكي يفكوا لها ذلك العمل‏!‏ وكل ذلك خرافات‏.‏

ومن أسباب الشك أيضا عدم الثقة بالنفس‏،‏ ومثال ذلك كثير من ألوان الشك بين الأزواج‏،‏ فالزوجة التي تشك في خيانة زوجها‏.‏ وراء هذا الشك يوجد شك منها في نفسها‏،‏ وفي مدي كفايتها للزوج‏،‏ أما الزوجة الواثقة بنفسها فهي لاتشك بل تقول في نفسها‏:‏ لا توجد امرأة أفضل مني في الجمال أو الجاذبية يمكن أن ينجذب إليها زوجي أنا واثقة أنه في قبضة يدي‏،‏ لايمكنه الخروج منها‏!‏

وبنفس المنطق يمكن أن يتحدث الزوج الواثق تماما بقوته وتأثيره علي زوجته وبمدي محبتها له‏.‏ أما إذا فقد الثقة بنفسه‏،‏ فحينئذ يمكن ان يشك في زوجته‏،‏ وفي إمكانية أن تتجه إلي رجل آخر وتتعلق به‏.‏

مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44652 – يوم الأحد الموافق 8 مارس (آذار) 2009 ميلادية، 29 أمشير 1725 شهداء (قبطية)، 11 ربيع الاول 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg


Share/Save/Bookmark

No comments:

Post a Comment

Facebook Comments

Twitter

I Read

Word of the Day

Quote of the Day

Article of the Day

This Day in History

Today's Birthday

In the News