Thursday, May 14, 2009

آداب الحديث والمناقشة

آداب الحديث والمناقشة
بقلم: البابا شنودة الثالث

هناك اداب كثيرة للحديث والمناقشة سنذكر في هذا المقال بعضا منها‏:‏ اذا جلست تتحدث مع مجموعة من الناس فلا تأخذ الجلسة كلها لحسابك الخاص‏،‏ لا تحاول ان تكون المتكلم الوحيد‏،‏ او المسيطر علي دفة النقاش‏..‏ اعط فرصة لغيرك لكي يتحدث هو ايضا ويعبر عن رأيه ولا تشعر احدا انه غريب في مجلسك‏،‏ بل شجعه وقل له في مودة‏: (‏ يسرنا ان نسمع رأيك‏).‏ حبذا لو كنت في الحوار آخر المتكلمين وليكن لتأخرك في الحديث هدفان‏:‏ هما الادب والحكمة‏

اما الحكمة فهي لكي تكون لك فرصة في ان تدرس موضوع الحديث جيدا قبل ان تتكلم فيه مع الحاضرين‏،‏ وان تستعرض في ذهنك كل وجهات النظر وبراهينها واسانيدها حتي اذا ما تحدثت يكون ذلك عن دراية ومعرفة وتكون قد أعطيت غيرك فرصة للتعبير واعطيت نفسك فرصة للاستيعاب والتفكير‏.‏ اما الادب فهو ان تفضل غيرك علي نفسك‏..‏ تقدمه عليك في الحديث احتراما لرأيه او لسنه‏،‏ او لرتبته في ابداء الرأي‏،‏ او لخبرته‏

وفي هذا الادب لا تحاول ان تجيب بنفسك عن كل سؤال وبخاصة الموجه الي غيرك وانتظر الي ان يتكلم الآخرون وان كان هناك ما يحتاج الي اضافة‏،‏ اذكره في اتضاع مع احترامك لكل ما قيل من قبل‏

في حديثك راع الدقة والدماثة بهذا تكسب محبة السامعين واحترامهم اذا تستأسرهم برقة اسلوبك وهذه الرقة في الحديث تتماشي مع فضيلة الوداعة والانسان الوديع يتناقش بطريقة طيبة‏،‏ ولا تصدر منه كلمة قاسية او جارحة‏،‏ وفي هذه الرقة اوالوداعة لاتحتد علي احد ولا تتفاخر برأي حسن قد أبديته‏

وان سئلت عن موضوع لم تدرسه‏،‏ فلا تدع معرفتك بكل شئ ويمكن ان تقول‏: (‏آسف انني لم ادرس هذا الموضوع جيدا‏)‏ وعلي رأي المثل‏: (‏من قال لا اعرف فقد افتي‏)‏ ولا تظن ان قولك هذا يقلل من كرامتك‏،‏ بل علي العكس يزيد الناس ثقة بما تقوله‏

وطبعا يقتفي الاتضاع الادب انك لا تقاطع غيرك اثناء حديثه لا تسكته لكي تتكلم انت‏،‏ فإن هذا يدل علي عدم احترامك لمحدثك‏،‏ ويحدث احيانا اذا ما قاطعت غيرك في الحديث‏،‏ انه لا يقبل ذلك منك ويقاطعك هو الآخر‏،‏ ولا يكون مستعدا لسماعك‏،‏ وتتبادلان المقاطعة انتما معا بدون فائدة وتختلط كلماتكما بطريقة مشوشة‏،‏ واسلوب معثر للآخرين ويبدو للسامعين انكما لستما في حوار وإنما في شجار‏

وان كنت في حوار وأخطأ من تحاوره‏،‏ فلا تكشفه بطريقة تحرجه او تخجله‏،‏ ولا تتهكم عليه ولا تتعرض لأخطائه في قسوة‏،‏ اظهر الرأي السليم في ايجابية ووقار دون ان تحطم غيرك‏،‏ خذ الخير الذي في كلام محدثك واترك الباقي وامتدح للنقاط البيضاء السليمة التي في حديث من أخطأ قبل ان تتعرض للرد علي اخطائه وليكن كلامك كله في موضوعية وايجابية‏

ان كنت تعرف ما سيقوله محدثك‏،‏ سواء كان ذلك في قصة او فكاهة او في اقتباس ما فلا تخجله وتسكته بل استمع الي كلامه في هدوء‏،‏ كما لو كنت تسمعه لأول مرة‏،‏ واظهر اعجابك بما يستحق الاعجاب فيما تسمعه ولا تسبقه بالكلام او تكمل له ما يريد ان يقوله فيضطر ان يقطع حديثه ويصمت في خجل‏

لا يكن هدفك من النقاش ان تغلب الناس وتهزمهم بل الافيد ان تريحهم وان تقنعهم لا ان تضرهم بكسب المناقشة‏،‏ ان بعض الناس يظنون ان الانتصار يكون في تحطيم مناقشيهم او في اضحاك الناس عليهم‏،‏ لكن الانسان الناجح هو الذي يريح من يناقشه وبهذا يربح المناقشة‏

إن القديس ديديموس الضرير استطاع ان يهدي الي الايمان كثيرا من الفلاسفة الوثنيين‏،‏ وذلك باسلوبه المهذب في الحوار معهم‏

كن دقيقا في كلامك وفي اختيار الالفاظ وهناك كلمات كثيرة يمكنك ان تستبدل بها غيرها ويكون ذلك افضل واصوب واكثر دقة وايضا يكون اخف وقعا علي آذان الناس وعلي قلوبهم‏،‏ ويؤدي نفس المعني دون ان تخطئ‏

فكن حكيما في اختيار الالفاظ وقل كل كلمة بميزان دقيق ولا تبالغ‏،‏ فالمبالغة تتنافي مع الحق وتكون مكشوفة وغير مقبولة‏.‏ ليكن كلامك بقدر‏،‏ وحافظ علي وقت محدثك فلا يصح أن تطيل الكلام في موضوع لا يستحق الاطالة فيه او في موضوع لا يهم محدثك في قليل أو كثير‏،‏ ولا تطل الحديث مع انسان يكون مشغولا‏،‏ والوقت غير مناسب‏،‏ أو هو يريد ان ينهي الحديث‏،‏ سواء كان صريحا في ذلك او يمنعه خجله‏،‏ لذلك من الخير أن تبادر أنت بإنهاء الحديث في لباقة‏،‏ ولا تنتظر ان يمل هو‏،‏ أو يقلق بسبب مشغولياته الأخري‏.‏ لا تكن كثير الشروخات او طويل المقدمات‏،‏ خاصة ان كنت تتحدث مع انسان ذكي يفهم بسرعة‏،‏ او مع انسان قد ادرك تماما ما تريد ان تقوله‏،‏ وليس في حاجة الي توضيح اكثر‏،‏ والا تصبح شروحاتك واطالتك ضغطا علي اعصابه‏.‏ في حديثك مع الناس‏،‏ لا تضغط عليهم في معرفة اسرارهم‏،‏ او اسرار غيرهم‏،‏ ولا تكن لحوحا في ذلك‏،‏ واحترس جدا من الاسئلة التي تمس حياة الناس الخاصة‏،‏ ولا تحاول ان تعرف ما ليس من حقك ان تعرفه‏،‏ ولا ما يحرص غيرك علي كتمانه‏،‏ سواء كان ذلك فيما يتعلق به‏،‏ او بأقاربه او بأصدقائه أو بمعارفه‏

ينبغي ان تحترم خصوصيات الناس‏،‏ ولا تصر علي كشف ما يريد غيرك ان يستره او يغطيه‏،‏ فليس هذا نافعا لك ولا لهم‏،‏ وان وجدته غير مستعد لما تريده منه‏،‏ فلا تصر علي طلبك‏،‏ متجاهلا اعصابه ونفسيته‏،‏ ان كان عازفا عن الاجابة‏،‏ فلابد ان هناك سببا يدعوه الي ذلك فلا تضغط عليه‏

في المناقشة ان وجدت الحق في الجانب الآخر فلا تغالط فإن المغالطة تفقدك احترام الناس ومن الخير لك ان تقول لمناقشك انت علي حق في هذه النقطة‏،‏ وبهذا تكسب تقديره لك‏،‏ اما اذا كنت صاحب الرأي الصواب وتنازل محدثك عن رأيه‏،‏ تتركه ينسحب دون اذلال‏،‏ ولا تحاول ان تريق ماء وجهه في انسحابه‏.‏ وهناك امور من الافضل ان تناقش فيها غيرك علي انفراد وربما يعترف بخطئه امامك ولا يستطيع ذلك امام الناس‏


مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44708 – يوم الأحد الموافق 3 مايو (أيار) 2009 ميلادية، 25 برموده 1725 شهداء (قبطية)، 8 جمادى الأولى 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء
http://www.ahram.org.eg


Share/Save/Bookmark

No comments:

Post a Comment

Facebook Comments

Twitter

I Read

Word of the Day

Quote of the Day

Article of the Day

This Day in History

Today's Birthday

In the News