Showing posts with label محاربات روحية. Show all posts
Showing posts with label محاربات روحية. Show all posts

Wednesday, April 15, 2009

البشاشة

البشاشة فضيلة اجتماعية مميزة‏.‏ فالإنسان البشوش يسعد الناس ببشاشته‏،‏ يشركهم معه في فرحه أو في سلامه وهم يستبشرون به‏،‏ إذ ينقلهم إلي نفس مشاعر البهجة التي له‏.‏

إنه يشيع السلام حوله‏.‏ ويبعث الطمأنينة في قلوب الآخرين‏.‏ وبشاشته تشع من نظرات عينيه‏،‏ ومن ابتسامته‏،‏ ومن ملامح وجهه‏، ومن أسلوب حديثه‏.‏ إنه نفس مستريحة من الداخل‏،‏ وقادرة علي إراحة الغير‏.‏ تشعر من حولها بأنه لايوجد ما يدعو إلي الكآبة‏،‏ بل هناك فرح علي الرغم من كل شيء‏.‏

الإنسان البشوش لا يسمح للمشاكل بأن تحصره داخلها‏.‏ و إنما يكسر دائراتها‏،‏ ويفتح له بابا ليخرج منها‏.‏

إنه لايعتمد علي عقله وحده‏،‏ وإنما علي الإيمان بالأكثر‏.‏ أي الإيمان بالله الذي يحب البشر‏،‏ ودائما يعمل معهم خيرا‏.‏ فإن كنا لانري هذا الخير‏،‏ فذلك قصور منا لا يمنع من وجود الخير أو من انتظار مجيئه‏.‏

الإنسان البشوش‏،‏ حتي إن حاربته الأحزان من كل جانب‏،‏ يقول لنفسه‏:‏ وما ذنب الناس في أن يروني عابس الوجه فيحزنوا؟‏!‏ لذلك فهو في نبل نفسه ‏-‏ إن أدركه الحزن ‏-‏ يحتفظ به لذاته وحده‏.‏ ويقدم بشاشته للآخرين‏.‏ فهو لا يشركهم في الحزن بل في الفرح‏..‏

الإنسان البشوش ينتصر علي المتاعب‏،‏ ولاتنتصر المتاعب عليه‏..‏ إنه لا يقع في الحصر النفسي‏، ولاتكون نفسه عدوة له في داخله‏.‏ وهنا يكون عقله صديقا له‏،‏ ودائما يريحه‏.‏ أما الكئيب‏،‏ فعقله يكون ألد أعدائه‏،‏ لأنه يصور له متاعب‏،‏ ربما لا وجود لها‏.‏ ودائما يضخم له ما يمكن أن تنتظره من مشاكل‏.‏ ويغلق أمامه أبواب الحلول‏..!‏ وإن إراد أن يخرج من بيته‏،‏ يقول له‏:‏ لاتنس المتاعب التي ستقابلك‏!‏

الإنسان البشوش حقا هو الذي يتمتع بالبشاشة الداخلية‏.‏ فهو ليس فقط بشوشا في مظهره‏،‏ من الخارج‏.‏ بل البشاشة تملك أعماق قلبه وفكره‏،‏ وتنبع من ذاخله‏.‏ فلا يحمل هما‏...‏ إذا أخطأ‏:‏ فبدلا من أن يفقد بشاشته‏، يعمل علي إصلاح الخطأ‏.‏ وحينئذ يعيش في سلام داخلي وفي سلام مع الله‏.‏ كثيرون إذا وقعوا في خطأ أو في مشكلة‏،‏ يكون الرد الطبيعي عندهم هو الكآبة‏.‏

ولكن الكآبة ليست حلا عمليا للمشاكل‏.‏ أما الشخص البشوش‏،‏ فإنه يبحث عن الحل العملي الذي يتخلص به من المشكلة وينقذه من الكآبة‏.‏ فإن وجد الحل‏، تزول المشكلة ويملكه الفرح‏.‏

أما الكئيب‏:‏ فإن المشكلة تستولي علي كيانه كله‏.‏ وبالأكثر عقله ومشاعره‏.‏ فيظل يفكر في المشكلة وأعماقها وأبعادها‏،‏ وكيف حدثت‏،‏ وما يتوقعه من نتائج سوداء لها‏..‏ فيزداد كآبة‏،‏ ولايفكر مطلقا في حل المشكلة وإن فكر في حل‏،‏ فإنه يستصعبه ويضع أمامه العقبات‏..‏ أو يتخيل أنه لا حل‏..!‏ وهنا تشمل الكآبة كل تفكيره‏.‏ فلا يبصر الحل وهو موجود‏!‏ وهكذا يستمر في كآبته‏،‏ بل تزداد تلك الكآبة‏.‏ ولايستطيع أن يكون بشوشا‏.‏

الإنسان البشوش إن لم يجد حلا لمشاكله‏،‏ يتركها إلي الله‏،‏ وينساها في يديه الإلهيتين‏.‏

أما الكئيب‏،‏ فلا يستطيع أن ينسي مشاكله‏.‏ إنها قائمة دائما أمام عينيه‏،‏ تتعبه وتزعجه‏.‏

وكلما فكر فيها‏،‏ ترهق أعصابه‏.‏ وربما يحتاج إلي طبيب نفسي‏،‏ يعطيه منوما أو مهدئا‏،‏ لكي تستريح أعصابه‏.‏ علي أن تلك المهدئات‏،‏ هي مجرد علاج من الخارج‏،‏ بينما الداخل في تعب‏...‏

البشوش لا يعطي للمتاعب وزنا فوق وزنها الطبيعي‏.‏ وكثير من الأمور يأخذها ببساطة‏،‏ فلا تتعقد أمامه‏.‏ وبطبيعة نفسه لايتضايق إلا من الأمور التي هي فوق الاحتمال‏..‏ وهو في العادة له قلب واسع لايتضايق لأي سبب‏، ولايفقد بشاشته‏.‏

إن الإنسان عموما قد يفقد بشاشته بسبب عدم الاكتفاء‏.‏ أي أنه لايكتفي بما عنده‏،‏ بل يتطلع باستمرار إلي طموحات عالية ربما لا تكون سهلة المنال‏.‏ فإن لم ينلها يكتئب‏.‏ ولهذا فالإنسان القنوع الراضي بما قسم الله له‏،‏ يكون دائما بشوشا شاكرا‏، إن الطامع في منصب كبير أو في مستوي عال‏،‏ إن لم تتحقق آماله‏،‏ فإنه يكتئب ويفقد بشاشته‏.‏ ومن العجيب أن كبار الأغنياء قد يفقدون بشاشتهم أيضا‏،‏ إن أرادوا نموا لثرواتهم ولم يتحقق ذلك‏.‏ وقد يتحقق لهم ما يريدون‏،‏ ومع ذلك يفقدون البشاشة إذ يجدون أمامهم ضرائب ومستحقات للدولة لا يحبون دفعها كلها‏.‏ وإن لجأوا إلي التهرب الضريبي تصدمهم قضايا وأحكام تفقدهم البشاشة أيضا‏!!‏

الإنسان البشوش يحب أن يكون جميع الناس بشوشين مثله‏.‏ فلذلك هو يحاول دائما أن ينسيهم أحزانهم‏،‏ ويشع فيهم الاطمئنان‏،‏ ويبحث عن حلول لمشاكلهم‏،‏ ويعطيهم تعليلا مريحا لكل الضيقات‏،‏ يجلب البهجة لهم مهما حدث‏..‏

إنه يخفف من قدر المتاعب‏،‏ ولايحسب لها ثقلا‏.‏ وفي كل مشكلة تحل لغيره‏،‏ يريحه بأن الرب الحنون المحب يقول‏:‏ تعالوا إلي يا جميع التعابي والثقيلي الأحمال‏،‏ وأنا أريحكم‏.‏

الإنسان البشوش لا يعيش في التعب الحاضر‏،‏ وإنما بالرجاء يعيش في الفرح المقبل يعيش سعيدا ولو في الخيال‏.‏ وله إيمان أن الله لابد سينقذه من تعبه‏.‏ إنه مؤمن بالمعونة الإلهية التي لايشك مطلقا في وصولها إليه‏.‏ إن لم يكن اليوم‏،‏ فغدا‏.‏

هناك مشكلة في موضوع البشاشة وهي أن البعض يخلط بين الجدية والعبوسة‏،‏ وبين الضحك والخطيئة‏.‏ وكأن الذي لا يكون عابسا‏،‏ فهو بالضرورة يكون عابثا‏!!‏ أو علي الأقل يكون ساهيا عن نفسه‏، أو غافلا عن الاهتمام بأبديته وناسيا لخطاياه‏.‏ ومن هنا نري أن بعض المتدينين أو رجال الدين يحرصون دائما أن يتصفوا بالجدية أو بالتزمت‏.‏ وهذا يقودهم إلي أن يكون كل منهم عابسا‏.‏ ويعتبرون المرح أو البشاشة حراما‏..!‏

وهذا التزمت له خطورته‏،‏ لأنهم يخيفون الناس من التدين‏.‏ أو هم يقدمون للناس صورة عن التدين غير سليمة‏.‏ ونقول‏:‏ لماذا لايكون الإنسان متدينا‏،‏ ومرحا وبشوشا في نفس الوقت؟

وهل معني التدين أن ينفصل الإنسان عن الحياة الاجتماعية وما فيها من مرح وبهجة؟

وهل إذا ضحك المتدين يبكته ضميره ؟ وماذا عن الحفلات التي تتميز بالمرح‏،‏ هل مستواها هابط؟ وماذا عن الطفل الذي يحب أن يضحك‏، ويحب من يضحكه؟ هل نعلمه التزمت؟‏!‏

مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44666 – يوم الأحد الموافق 22 مارس (آذار) 2009 ميلادية، 13 برمهات 1725 شهداء (قبطية)، 25 ربيع الاول 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏


Share/Save/Bookmark

Friday, March 27, 2009

طول البال

هذه الفضيلة يسمونها أيضا طول الأناة‏،‏ وطول الروح‏،‏ وسعة الصدر‏،‏ والحليم‏،‏ وفي ذلك قيل عن موسي النبي وكان الرجل موسي حليما جدا أكثر من جميع الناس الذين علي وجه الأرض‏.‏ إلهنا الصالح ـ تبارك اسمه ـ طويل الأناة‏،‏ وينبع ذلك من عمق رحمته‏،‏ ولولا طول أناته علينا ـ مع كثرة اخطائنا ـ لهلكنا جميعا‏،‏ إنها طول أناة الله تقتاد الناس إلي التوبة‏.‏ وبطول أناته صبر علي عبدة الأصنام زمانا طويلا‏،‏ حتي رجعوا أخيرا إلي الإيمان وعبدوه‏،‏ كما صبر علي الشيوعيين الذين وقعوا في الإلحاد‏،‏ وبعد سبعين سنة عادوا إلي الإيمان‏،‏ كما أطال الله أناته علي أوغسطينوس في خطاياه‏،‏ حتي تاب أخيرا وصار قديسا‏...‏ وبالمثل أطال الرب أناته علي فلاسفة الوثنية حتي آمن البعض منهم‏.‏
طول أناة الله تقود إلي التوبة أو إلي الدينونة أي العقاب‏،‏ فلا تظن يا أخي القارئ العزيز‏،‏ إذا أطال الرب أناته عليك في كل أخطائك وخطاياك المتكررة أنك بعيد عن العدل الإلهي‏،‏ انما هي فرصة تمنح لك لكي تغير مسلكك‏،‏ وإلا‏...‏

كذلك اذا احاطت بك التجارب والضيقات‏، ولم يسرع الله إلي معونتك‏،‏ لا تظن أنه قد تخلي عنك‏،‏ كلا‏،‏ بل هو بطول أناته يعد الوقت المناسب الذي يبعد فيه كل ضيقة عنك‏،‏ تأمل مثلا قصة يوسف الصديق‏،‏ وكيف طال به الزمن في عديد من الضيقات‏،‏ وأخيرا دبر الله الفرصة المناسبة التي جعله فيها الرجل الثاني في مصر‏،‏ ورفع من شأنه جدا‏.‏

إن قصة يوسف الصديق هي درس لنا‏،‏ لذلك أطل أنت أناتك في كل ضيقاتك‏،‏ وثق أن معونة الله لابد ستأتيك في الوقت الذي يراه مناسبا‏،‏ كما أن الله ـ بطول أناته ـ إنما يعطينا نحن أيضا درسا في الصبر وفي التعامل مع الناس‏...‏ قد يتضايق البعض من معاملات الناس له‏،‏ ومن أسلوبهم الذي لا يحتمله‏،‏ ويطلب إليهم أن يغيروا أسلوبهم فلا يغيرونه‏،‏ وربما تطلب الزوجة هذا الطلب من زوجها فيظل كما هو‏..‏ ولكن علينا أن نعرف أن طباع الناس تحتاج إلي وقت لكي يمكنهم أن يغيروها‏،‏ وليس من السهل عليهم أن يغيروا أسلوبهم بسرعة‏،‏ والأمر يحتاج منا إلي طول بال‏،‏ وبخاصة لو كان أسلوب الناس قد تحول إلي طباع فيهم‏،‏ فالبعض منهم لا يشعر أنه علي خطأ‏،‏ ولا يريد أن يتغير‏،‏ والبعض يريد ولا يستطيع‏.‏ كذلك فإن طول البال يحررنا من الغضب علي الناس‏،‏ ويعطي العقل فرصة أن يتدبر الأمر‏،‏ وعموما فالإنسان الطويل البال‏،‏ هو إنسان بطئ الغضب‏.‏

نفس الوضع بالنسبة إلي التعليم والارشاد‏،‏ يحتاج ذلك ايضا الي طول بال مع التلميذ حتي يقبل الدرس‏،‏ وحتي يتفهمه ويهضمه‏،‏ ثم يغرسه في ذاكرته‏،‏ ثم لا ينساه‏،‏ إن المدرس الضيق الصدر لا يمكنه ان يفيد تلاميذه‏،‏ فبعضهم لا يفهم بسرعة‏، ويحتاج مدرسه إلي ان يطيل أناته عليه حتي يفهم‏،‏ وحتي يحفظ‏،‏ ولامدارس تطيل اناتها علي الراسبين ايضا‏،‏ فالذي لا ينجح من الدور الاول يعطونه فرصة في الدور الثاني لكي ينجح ويعوض ما قد فشل فيه من قبل‏.‏

أتذكر انني منذ ستين عاما اخذت درسا روحيا في طول البال من احد تلاميذي‏،‏ كان طالبا في احدي المدارس الاجنبية التي كنت مدرسا فيها‏،‏ وقد طلب مني ان اعطيه درسا خاصا في مادة هو ضعيف في استذكارها‏،‏ فأعطيته الدرس الأول ومعه واجب كانت نتيجة اجابته صفرا‏،‏ ثم اخذ الدرس الثاني ومعه ايضا واجب ليحله‏،‏ وبالمثل كانت نتيجته صفرا كسابقه‏،‏ فتضايقت وقلت له انت بهذا الشكل لا يمكن ان تنفع‏،‏ فعاتبني هذا التلميذ وقال لي لماذا تثبط همتي‏،‏ وانا بذلت كل جهدي وتحسنت؟‏!.‏ فتعجبت من كلامه وسألته أي تحسن هذا ـ وقد اخذت صفرين متتاليين؟‏!‏ فقال لي في الواجب الأول كانت لي‏18‏ غلطة فأخذت صفرا‏،‏ وفي الواجب الثاني كانت لي‏12‏ غلطة فقط فأخذت صفرا‏،‏ انه بلا شك تحسن ولو انه تحت الصفر‏، اذ قلت الاخطاء‏،‏ فبشيء من التشجيع يمكن ان اتحسن اكثر‏،‏ واصعد من تحت الصفر وآخذ درجة‏.‏ ومن ذلك الحين‏،‏ وحتي الآن‏،‏ مازالت في ذهني عبارة التحسن تحت الصفر‏،‏ فأطلت بالي علي ذلك التلميذ الذي صار فيما بعد مهندسا كبيرا‏.‏

إننا نحتاج ايضا ان نطيل بالنا علي الاطفال حتي ينمو تفكيرهم‏،‏ وينضج ادراكهم‏،‏ فيتحولون من مرحلة اللهو الي الجدية‏، ولاشك لابد ان يأخذ ذلك زمنا‏،‏ وهكذا تخطئ الام التي تضجر من تصرفات طفلها‏،‏ فتنهره او تضربه علي اخطاء هو لا يعرف انها اخطاء‏،‏ ومن المفروض ان تتصف بطول البال حتي يمكنها ان تتعامل مع الطفل بما يناسب عقليته ونفسيته في تلك السن‏.‏

بالمثل في الارشاد الروحي‏،‏ قد يبذل المرشد وقتا وجهدا في قيادة شخص الي التوبة‏،‏ ثم يلاحظ انه لم يتب بعد‏،‏ فيدركه اليأس منه‏،‏ وهذا خطأ‏،‏ لأن التوبة لا تأتي هكذا بسرعة‏، إذ توجد معوقات كثيرة من التعود السابق علي الخطية‏،‏ ومن شهوات القلب‏،‏ ومن المحاربات الخارجية‏،‏ والامر يحتاج الي طول بال من المرشد‏،‏ ومداومة التشجيع‏.‏

ان يئس المرشد من امكانية توبة الخاطئ‏،‏ فسوف يتركه الي الضياع والهلاك وهكذا اذا يئس الطبيب من علاج مريضه فسيتركه الي الموت لا محالة‏،‏ الامر في الحالين يحتاج الي طول بال‏.‏ وكثير من الامراض تحتاج الي صبر من المريض والطبيب حتي يتم الشفاء منها‏،‏ او علي الاقل حتي تتحسن الحالة ويمكن احتمالها‏..‏

في مجال العمل ايضا‏:‏ اذا قام شخص بمشروع‏،‏ ليس له ان ينتظر نجاح مشروعه من اول خطوة‏،‏ بل عليه ان يطيل أناته حتي يعرف مشروعه وينتشر‏،‏ وتنفتح امامه الاسواق‏،‏ وتنتصر علي المنافسات‏،‏ ويدخل في تجربة الربح والخسارة‏، ويستقر اخيرا‏.‏ ان طول البال يلزم في كل المجالات في العلاقات السياسية والاجتماعية‏،‏ وفي السياسة والاقتصاد‏،‏ وفي الحصول علي عمل‏،‏ بل وفي الوصول الي كمال الديمقراطية‏،‏ وكقاعدة عامة لا يمكن الوصول الي الكمال من اول خطوة‏،‏ انما بالتدرج والصبر‏.‏ والانسان الذي ليس له طول بال‏، ما اسهل ان يقع في القلق والضجر والانزعاج‏،‏ وتتعب نفسيته ويفقد سلامه الداخلي‏،‏ وقد يصاب بالاندفاع والتسرع مما تكون له نتائج سيئة‏،‏ وربما في تسرعه يأخذ قرارات او مواقف ارتجالية او عشوائية‏،‏ وبعض الناس ليس لهم طول بال في حل مشاكلهم‏،‏ فيلجأون الي السحرة والمشعوذين لعلهم يجدون عندهم حلا‏.‏

مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44659 – يوم الأحد الموافق 15 مارس (آذار) 2009 ميلادية، 6 برمهات 1725 شهداء (قبطية)، 18 ربيع الاول 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،

http://www.ahram.org.eg


Share/Save/Bookmark

Wednesday, March 25, 2009

أسباب الشك

أحيانا يرجع سبب الشك إلي طبيعة الشخص نفسه‏،‏ إذ تكون شخصيته مهزوزة غير ثابتة‏،‏ أو يكون موسوسا‏،‏ وطريقته في التفكير وفي الحكم علي الأمور تجلب له الشك‏.‏ وقد يكون بسيطا يصدق كل مايقال له‏،‏ فيصبح ألعوبة في يد من يلهو به‏.‏ إن حكي له أحد عن صديق يتقول عليه‏،‏ ما أسهل ان تتغير معاملته لهذا الصديق‏،‏ ويشك في إخلاصه بل إنه قد يتعرض إلي الشك في أمور عقائدية أو إيمانية‏،‏ إذا ماشككه شخص أكثر منه فهما‏،‏ ونفس الوضع من جهة الفكر السياسي‏،‏ فإن البعض الذين لهم اتجاه سياسي معين‏،‏ يجدون لهم مجالا في أمثال هؤلاء البسطاء والقليلي المعرفة لكي يضموهم إليهم‏.‏ ومثل هؤلاء البسطاء ـ ربما بالشك ـ يتحولون من اتجاه الي عكسه‏،‏ ويكونون كما قال الشاعر‏:‏ كريشة في مهب الريح طائرة‏..‏ لاتستقر علي حال من القلق وعلي عكس هذا فإن الشك قد يحارب أشخاصا لهم عقول عميقة التفكير‏،‏ فبينما الإنسان العميق التفكير يستطيع أن يكتشف زيف الشكوك فلا يقع فيها‏،‏ نراه من الناحية المضادة‏.‏ إذا ما بحث أمورا أعلي من مستوي عقله خاصة بالله والسماء والأبدية وطبيعة الخليقة ـ ربما يقع في الشك ويرتبك عقله‏.‏ وهذا هو الذي حدث مع الفلاسفة الملحدين‏..‏ كانوا فلاسفة علي مستوي عقلي عميق‏.‏

ولكنهم ألحدوا‏،‏ لأنهم حاولوا أن يبحثوا أمورا فوق مستوي عقلهم‏!!‏ ففشل العقل في الوصول‏،‏ وضلوا‏..‏

حقا‏،‏ إن العقل هو نعمة كبيرة من عند الله ولكن له حدودا لايجوز له أن يتجاوزها‏.‏ هذه الأمور أعلنها الله بطريق الوحي والأنبياء‏،‏ ولايمكن الوصول إليها بالعقل وحده وإذا حاول بالعقل بعيدا عن الإيمان أن يصل إليها قد يقع في الشك‏.‏ مثال ذلك خلق الإنسان من تراب‏..!!‏ وأيضا المعجزات‏.‏ ولهذا فإن المعجزات قد تحدث مع البسطاء الذين يقبلونها بالإيمان‏..‏ بينما بعض العقلاء الذين لايقبلون شيئا إلا بعد تفكير وفحص‏..‏ هؤلاء لاتحدث لهم معجزة‏،‏ ولايؤمنون بها‏..‏

من مصادر الشك أيضا‏،‏ بل من أهمها الشيطان فهو ماهر جدا في ايجاد الشكوك وفي تصديرها‏.‏ وله خبرة طويلة في غرس الشكوك في عقول الناس‏.‏ ويجد لذة في ذلك‏.‏ ويعتبر قبول البشر لشكوكه انتصارا له‏،‏ والشيطان يعرف جميع الشكوك التي مرت علي العالم من آلاف السنين‏، ويمكنه أن يحارب بها‏.‏ وقد يلقي الشكوك في الإيمان‏،‏ وفي العلاقة مع الآخرين‏،‏ وفي القيم والمبادئ‏،‏ وفي كل شيء‏..‏ لكي يجعل الإنسان في حيرة من أمره‏،‏ وفي دوامة من الشك‏..‏ وربما يأتي الشك إلي الإنسان من غيره من الناس‏،‏ إذا ماترك أذنيه فريسة لأقوالهم‏..‏ وهكذا قد تأتي الشكوك من معاشرة الشكاكين‏.‏ فاحترس إذن من كلام هؤلاء ولاتصدقه‏.‏ لأنه كما أن معاشرة المؤمنين الثابتين في إيمانهم تنقل إليك الإيمان والثقة‏،‏ فإن معاشرة الشكاكين تنقل إليك الشك إذا قبلت مايقولونه لك‏.‏ ومثال ذلك أن شخصا قال لي‏:‏ حينما أقرأ بعض الجرائد في الصباح‏,‏ يخيل إلي أن البلد قد ضاعت‏، وأن الخطر قريب‏،‏ فهم يشككوننا في الحال وفي المستقبل وفي الأشخاص‏..‏

ولذلك فمن أشهر مصادر الشك‏،‏ الشائعات‏.‏ وكثيرا ماتكون خاطئة أو مغرضة‏،‏ وفي ذلك قال أحد الأدباء‏:‏ إذا أردت أن تشعل حريقا في بلد ما أطلق فيها شائعات مهمة فإن الشائعات يمكن أن تثير جوا من القلق والاضطراب وربما الخوف أيضا‏..‏ ويشك الناس قائلين‏:‏ تري ماالذي حدث؟‏!‏ من أسباب الشك أيضا‏:‏ الانحصار في سبب واحد‏..‏ وقد يكون هذا السبب هو أسوأ افتراض ممكن‏.‏ مثال ذلك‏:‏ أم قد تأخرت ابنتها في العودة إلي البيت مساء فتشك في إصابتها بسوء‏،‏ كأن حدث لها حادث‏،‏ أو أن أحدا قد خطفها‏،‏ وتظل في قلق بسبب هذا الشك حتي تعود‏..‏ وربما تشك في أنها ستعود‏!!‏ بينما يكون السبب في تأخرها هو زحمة المواصلات أو زميلة لها قد عطلتها‏،‏ أو احتاجت أن تشتري شيئا من مكان بعيد‏،‏ أو‏..‏ ولكن حصر التفكير في سبب واحد‏، وهو إصابتها بسوء هذا مايجلب الشك‏.‏

ومشكلة الانحصار في سبب واحد‏،‏ كثيرا مايجلب الشك بين الأزواج‏..‏ وهذا السبب هو سوء الظن في شريك الحياة‏.‏ فإن حدث أن الزوج قد ألزمته الضرورة في الاهتمام بوالدته أو والده في ضيقة معينة‏،‏ ربما تشك الزوجة قائلة‏:‏ إنه يحب عائلته اكثر مني‏،‏ وبسببهم يتأخر عن بيته‏،‏ أو ينفق عليهم اكثر مما ينفق علي أولاده وأسرته‏!!.‏ وإذا أعجب الزوج بدعابة قالتها امرأة أخري‏،‏ أو برأي ذكي عرضته تبدأ الزوجة في أن تشك وتظن ان هذا الاعجاب ربما وراءه علاقة ما‏،‏ أو أنه سيقود الي انحراف‏،‏ وتتعب‏!!‏ إن الانحصار في سبب واحد هو ضيق في التفكير بينما الفكر المتسع يضع أمامه افتراضات كثيرة‏،‏ فلايشك ولايتعب‏.‏

قد يحدث الشك ايضا بسبب الوهم‏.‏ فقد يتوهم البعض أن رقم‏13‏ مثلا وراءه شر ما فيدخلهم الشك في كل يوم يكون تاريخه‏13‏ أو مضاعفاته‏!‏ وهكذا في بعض البلاد نري أن المصعد‏(‏ الأسانسير‏)‏ ينتقل من رقم‏12‏ إلي‏14‏ مباشرة‏،‏ ويلغي رقم‏13‏ ونفس الوضع في أدوار المساكن‏..‏ وكل ذلك عبارة عن وهم‏..‏ وقد يحدث الشك بسبب الضيقات وبخاصة إذا ما طالت مدتها‏،‏ واقترب الإنسان من اليأس‏.‏ حينئذ قد يحاربه الشك في رحمة الله‏،‏ وفي جدوي الصلاة التي لم تكن لها نتيجة‏.‏ أو أن فتاة طال بها الوقت ولم تتزوج‏،‏ أو كلما يأتي إليها عريس يذهب ولايعود‏..‏ حينئذ قد يدخلها الشك في أن‏(‏ عملا‏)‏ قد عمل لها وبسببه يحدث كل هذا‏!!‏ وتبدأ في الذهاب إلي المشعوذين لكي يفكوا لها ذلك العمل‏!‏ وكل ذلك خرافات‏.‏

ومن أسباب الشك أيضا عدم الثقة بالنفس‏،‏ ومثال ذلك كثير من ألوان الشك بين الأزواج‏،‏ فالزوجة التي تشك في خيانة زوجها‏.‏ وراء هذا الشك يوجد شك منها في نفسها‏،‏ وفي مدي كفايتها للزوج‏،‏ أما الزوجة الواثقة بنفسها فهي لاتشك بل تقول في نفسها‏:‏ لا توجد امرأة أفضل مني في الجمال أو الجاذبية يمكن أن ينجذب إليها زوجي أنا واثقة أنه في قبضة يدي‏،‏ لايمكنه الخروج منها‏!‏

وبنفس المنطق يمكن أن يتحدث الزوج الواثق تماما بقوته وتأثيره علي زوجته وبمدي محبتها له‏.‏ أما إذا فقد الثقة بنفسه‏،‏ فحينئذ يمكن ان يشك في زوجته‏،‏ وفي إمكانية أن تتجه إلي رجل آخر وتتعلق به‏.‏

مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44652 – يوم الأحد الموافق 8 مارس (آذار) 2009 ميلادية، 29 أمشير 1725 شهداء (قبطية)، 11 ربيع الاول 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg


Share/Save/Bookmark

Monday, March 9, 2009

الشكوك‏..‏ أنواعها وعلاجها

الشك حالة يكون فيها الإنسان مزعزعا قلقا‏،‏ لا يدري في أي طريق يسير‏،‏ هو في حالة من عدم وضوح الرؤيا يفقد فيها سلامه الداخلي‏،‏ ويكون مضطربا في نفسه وفكره‏،‏ فاقدا للثقة وهكذا يصير الشك جحيما للفكر والقلب معا‏.‏ أحيانا يكون دخول الشك سهلا‏،‏ ولكن خروجه يكون صعبا جدا وقد يترك أثرا مخفيا‏،‏ مايلبث أن يظهر بعد حين‏..‏ واذا استمر الشك‏،‏ ما أسهل ان يتحول الي مرض والي عقد لها نتائجها‏،‏ فيقال ان هذا الشخص شكاك‏، أي أن الشك صار طبعا له‏.‏ وهذا الشك ـ إذا استمر ـ فإنه يتلف الأعصاب‏،‏ ويدعو الي الحيرة وارتباك الفكر‏،‏ وفي عنف الشك‏،‏ يمنع النوم‏،‏ ومن نتائجه أيضا‏،‏ أنه يؤدي الي التردد وعدم القدرة علي البت في الأمور‏.‏ والشك علي أنواع كثيرة‏:‏ منها الشك في الله وفي العقيدة‏،‏ والشك في الناس وفي الأصدقاء والأقارب‏، وأحيانا الشك في بعض الفضائل والقيم‏،‏ بل الشك في النفس أيضا‏، وفي امكانية التوبة وفي قبول الله لها‏،‏ وما أكثر تفرعات الشك ومجالاته‏،‏ وسنحاول في هذا المقال ان نتعرض ولو بإيجاز لكل ذلك‏..‏

فمن جهة الشك في الله جل جلاله يكون ذلك علي نوعين‏:‏ إما في وجود الله‏،‏ وإما في مدي معونته لنا‏،‏ والشك في وجود الله‏،‏ أي الإلحاد‏،‏ فهو إما محاربة من الشيطان‏،‏ يحاول أن يزعج بها فكر المؤمن‏،‏ بينما القلب يرفضها بشدة‏،‏ فلا يجوز للإنسان ان يتعامل مع هذا الفكر ولا أن يضطرب بسببه‏،‏ والاثباتات علي وجود الله كثيرة‏.‏ وقد يكون السبب في هذا الشك قراءة كتب الملحدين أو معاشرتهم والاختلاط بأفكارهم‏،‏ أو يأتي ذلك من بحوث منحرفة في الفلسفة‏،‏ أو في العلاقة بين الدين والعلم‏،‏ وأصل الكون ونشأته‏،‏ بينما لا خلاف بين الدين والعلم‏،‏ فإن عرض البعض خلافا‏،‏ فإما ان يكون سببه خطأ فيما يسمونه علما‏، أو فهما خاطئا للدين‏.‏

وقد يكون الشك هو في مدي معونة الله وحفظه كأن يقول شخص‏:‏ لقد صليت من أجل أمر معين مرات عديدة بلا نتيجة‏،‏ فما قيمة الصلاة إذن وما نفعها؟‏!‏ ويبدأ ان يشك في جدوي الصلاة أو في مراحم الله‏،‏ بينما الله سيستجيب في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة‏.‏ ويعطي الإنسان ما ينفعه وليس مايطلبه‏،‏ والله بحكمته يعرف تماما ماينفعنا‏،‏ ويمنحنا إياه دون أن نطلب‏..‏ ان الشيطان يلقي بذاره من جهة الشك في الله‏،‏ لكي يجعلك تترك الله‏،‏ وتصبح فريسة في يديه هو‏،‏ فعليك ان تبعد عن كل مصدر يبعدك عن الله‏،‏ أما الكتب التي تشكك في وجود الله أو معونته‏،‏ فلا يصح أن يقرأها إلا الثابت في الإيمان‏،‏ القوي في عقيدته‏،‏ الذي يستطيع أن يرد علي ما فيها من انحراف فكري‏..‏

هناك نوع آخر من الشك هو الشك في بعض الأصدقاء والأحباء والأقارب هؤلاء إن كانت تربطم المحبة والثقة‏،‏ فلن يعرف الشك اليهم سبيلا ولكن ان نقصت المحبة‏،‏ حينئذ تنقص الثقة‏،‏ فيكون القلب مستعدا للشك‏،‏ والأذن مفتوحة لكلام الوشاة‏، وكما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي‏:‏ قد صادفوا أذنا صغواء لينة‏..‏ فأسمعوها الذي لم يسمعوا أحدا‏.‏

وعلاج هذا الأمر هو المواجهة والصراحة علي أن يكون ذلك في محبة وفي غير اتهام أو قسوة مع عدم التأثر بالسماعات والوشايات‏،‏ وعدم تصديق كل ما يقال‏،‏ فكثير ما يكون الاتهام ظالما مهما كانت الدلالات واضحة‏،‏ ولايجوز الحكم علي أحد بدون الاستماع اليه‏.‏

وقد يحدث الشك أحيانا بين زوجين‏،‏ فيشك الزوج في أن زوجته تخونه‏،‏ أو تشكك الزوجة في أن زوجها يخونها‏،‏ وقد يكون سبب ذلك كلمة إعجاب بريئة أو ابتسامة‏.‏ وأحيانا يحدث الشك كرد فعل لوسائل الاعلام فإن رأت الزوجة فيلما فيه زوج خان زوجته‏،‏ وهو في سفر أو في غربة‏،‏ ثم تصادف أو زوجها قال لها انه سيسافر في مهمة لبضعة أشهر‏، حينئذ يحاربها الشك وتقول له‏:‏ لن تسافر وحدك رجلي علي رجلك في سفري معك أكون حصنا لك يحميك من أية امرأة تحاول اجتذابك إليها‏.‏

هناك شك آخر يمكن ان يوقعه الشيطان في بعض الفضائل أو القيم‏،‏ كأن يشكك انسانا في التسامح فيقول عنه انه لون من ضعف الشخصية‏،‏ أو أثناء الصوم يحاربه بالأكل اذا جاع ويقول له‏:‏ مالزوم الصوم؟‏!‏ وهل الفضيلة الجسدية لها قيمة؟‏!‏ إن الله يهمه الروح قبل كل شئ ليكن قلبك مع الله‏،‏ وكل ماتشاء‏!!‏ وقد يشكك الانسان فيما هو الحرام؟ وما هو الحلال؟ ويحاول ان يطبق هذه الحيلة علي السينما والتليفزيون وكل أنواع اللهو والموسيقي‏،‏ ثم يتدرج الي كل مال يصل اليه‏،‏ وهل فيه حرام أو شبه حرام‏،‏ كفوائد البنوك مثلا‏،‏ ثم في حق الله من ماله‏،‏ وعلي أية جهة من العطاء يجوز أو لايجوز‏،‏ وهكذا يحيا في شك وفي حيرة‏..‏

الشك أيضا ما أكثر ما يتعب الإنسان في المراحل المصيرية‏،‏ ففي فترة الخطوبة‏:‏ من تفضل الفتاة‏:‏ هل الشاب الجذاب الذي تحبه؟ أم الغني الذي يكفل لها كل وسائل الراحة؟ أم صاحب المنصب الكبير؟ أم الذكي جدا الممتاز في دراسته؟ أم الشاب الذي يحبها ويهواها؟ وتبقي في حالة شك وفي كل ذلك‏،‏ هل تقبل مايفضله أبوها‏، أم ما يفضله قلبها؟ أم ما يفضله عقلها؟‏..‏

وفي المراحل المصيرية عموما‏،‏ يحتاج الإنسان الي ثبات في هدف سليم‏،‏ وفي وسيلة تحققه مع معرفة للنفس وقدراتها‏..‏ ومن النواحي الخطيرة في الشك‏،‏ شك الانسان في نفسه‏،‏ اذ لا تكون له ثقة في نفسه وفي قدرته كالطالب الذي يشكك في قدرته علي النجاح‏،‏ أو في كفاية الوقت الباقي له علي الامتحان لكي يدرس فيه المقرر عليه‏،‏ ومثال آخر شك انسان يريد اقامة مشروع معين‏، ‏وهل ينجح فيه أم يفشل؟ أو شك إنسان في نفسه‏:‏ هل هو محبوب من الناس أم لا؟ وهل تصرفاته مقبولة أم غير مقبولة؟ ان الفاقدين الثقة في نفوسهم يحتاجون الي تشجيع‏، وكما ان الأطفال يحتاجون الي كلمات مديح أو تشجيع ليثبتوا في الطريق السليم‏،‏ كذلك الكبار أيضا يحتاجون الي كلمة طيبة‏،‏ والي رفع روحهم المعنوية وبخاصة ان كانوا في حالة مرض‏،‏ أو في مشكلة أو ضيقة‏.‏ حتي لايدركهم اليأس‏،‏ أو ان يقول الواحد منهم‏:‏ لافائذة‏..‏ قد ضعت‏!!.‏

ومن جهة موضوع الشك‏:‏ أشك انه انتهي عند هذا الحد‏!‏

مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44645 – يوم الأحد الموافق 1 مارس (آذار) 2009 ميلادية، 22 أمشير 1725 شهداء (قبطية)، 4 ربيع الاول 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg


Share/Save/Bookmark

Saturday, March 7, 2009

حيل أخري للشيطان

الإغراءات‏:‏ منذ البدء والشيطان يقدم ألوانا من الاغراءات ليسقط بها ضحاياه من البشر‏،‏ إنه يجس نبض الإنسان‏،‏ لكي يكتشف هل يضعف أمام إغراء معين أم لا؟ فإن وجده لا يهتم بهذا الاغراء ولا يتأثر‏،‏ يجرب معه إغراء آخر‏...‏ وبخبرة الشيطان مع الناس‏،‏ يحرص أن ينتقي لكل منهم ما يناسبه‏.‏ وإغراءات الشيطان لاتسقط إلا قلبا يميل إليها‏،‏ أو يمكن أن يميل إذا استمر الوقت‏،‏ أما القلب القوي فإنه يرفض تلك الاغراءات ولا يعبأ بها‏.‏ الشيطان يعرض ولكنه لايرغم وتتوقف النتيجة علي القلب‏:‏ هل يستجيب للاغراء أم لا يستجيب؟‏.‏

وهو يغري الجسد بالشهوة أو المتعة أو اللذة‏،‏ كما يغري النفس بالسلطة أو الشهرة‏،‏ أو التفوق علي الآخرين‏، أو العظمة بجميع أنواعها‏،‏ أو اشباع الذات حسبما تري‏.‏ يغري الرجال بالنساء ويغري المرأة بنوع معين من الرجال‏..‏ ويغري الضعيف بالقوة ويغري القوي بالتشامخ والفخر ولايترك احدا بدون اغراء‏.‏

والشيطان يحاول أن يقدم اغراءاته مؤثرة وقوية فإن وجد شخصا قد عزم علي التوبة بكل إصرار وحزم يقدم له خطية كان يشتهيها منذ زمن‏،‏ ويبحث عنها فلا يجدها فيضعها أمامه فجأة وهي تسعي اليه‏!‏ ويغريه بها فيسقط‏،‏ إذ يقول له‏:‏ إنها فرصة أمامك لاتعوض فلا تترك هذه الفرصة تمر ويمكن ان تتوب بعدها‏!‏ التوبة امامك في أي وقت‏.‏ ولكن مثل هذه الخطية ليست متاحة في كل وقت‏!‏ وهكذا يجد المسكين نفسه أضعف من الإغراء فيسقط ان الشيطان يعرف بخبرته أين يوجد الجرح الذي يضغط عليه فيؤلم‏.‏

الانقياد للتيار‏:‏
يقول لك‏:‏ الكل هنا يفعل هكذا فهل تشذ أنت ويكون لك اسلوب خاص يغايرهم؟‏!‏ تقول إنك تتبع الحق ولو كان ضد تصرف الكل‏،‏ ولكن هذا سيجعل الكل ضدك لانك بهذا تكشفهم وتحرجهم فهل تستطيع ان تسبح عكس التيار؟‏!‏ ستقول كما قال الشاعر‏:‏

سأطيع الله حتي‏..‏ لو أطعت الله وحدي
لكن الجميع لايستطيعون مثل هذا الصمود‏،‏ فشيطان الانقياد للتيار السائد يدفع إلي هذا التيار بطرق شتي‏:‏ احيانا يجعل البعض يسيرون في نفس التيار من باب المجاملة أو بدافع الخجل أو الخوف من مواجهة الآخرين أو تفاديا لتهكم الناس وتعييرهم أو نتيجة لضغط الظروف الخارجة والالحاح الواقع عليهم أو خضوعا لسلطة أقوي أو يقول له الشيطان‏:‏ دع هذه المرة تمر ولن تتكرر ثم تتكرر طبعا أو يبكته الشيطان قائلا‏:‏ ما هذه الكبرياء؟‏!‏ هل من المعقول ان يكون كل الناس مخطئين وأنت الوحيد الذي علي حق؟‏!‏ أو يقول له الشيطان في خبث‏:‏ كبر عقلك ومشي امورك ماذا تنتفع ان خسرت الكل؟‏!‏

وقد يخضع الإنسان للتيار السائد نتيجة لضعف شخصيته إما أنه لايقدر علي المقاومة أو أنه يقاوم قليلا‏،‏ ولايثبت‏،‏ أو أن صديقا له تأثير عليه يقول له ليس من الحكمة أن نبدأ بمقاومة التيار‏.‏ والأفضل أن نجاريهم فترة ثم بعد ذلك نقاوم‏!‏ علي أننا لاندري إلي أي مدي تمتد هذه الفترة‏.‏

إن الانقياد للتيار لايجرف الا الضعفاء‏،‏ أما الشجعان أو أصحاب المباديء والقيم فإنهم يثبتون علي مبادئهم مهما احتملوا في سبيل ذلك‏،‏ وبثباتهم يقدمون قدوة صالحة لغيرهم‏،‏ وربما يصيرون أمثلة يذكرها التاريخ‏.‏ انهم يرفضون الخطأ حتي إن رأوا كبارا يسيرون فيه أو وقعت فيه الغالبية‏!‏ فكل ذلك لايمكن ان يجعل الخطأ صوابا‏.‏

العنف‏:‏
والمعروف ان العنف هو ضد الوداعة والهدوء‏، وضد الاتضاع أيضا‏،‏ وهو لون أيضا من قساوة القلب ومن الكبرياء‏.‏ والشيطان لايغري الخطاة فقط بالعنف إنما يغري كذلك المتدينين والروحيين‏،‏ ولذلك ما أكثر ما نري المتدين عنيفا يواجه بالعنف كل ما يراه خطأ‏،‏ وبينما نري الله ـ تبارك اسمه ـ يصبر علي الخاطئين ويدربهم في حكمة وهدوء علي الطريق السليم فإن المتدين العنيف لايسلك هكذا‏.‏

والبر لا يأتي بطريق العنف ولابإرغام الغير علي السلوك فيه إنما يأتي باقتناع العقل ورضي القلب فيصير الإنسان بارا بقلب نقي يعمل الخير حبا في الخير لامرغما عليه‏،‏ ومن الواضح ان ضغط المتدينين العنفاء لايوجد حقيقيا بل قد يؤدي الي مظهرية دينية لاعلاقة لها بنقاوة القلب من الداخل وحتي هذه المظهرية قد لاتستمر بل تزول بزوال الضغط‏.‏

عجيب ان شيطان العنف‏،‏ يدخل في مجال التدين‏،‏ كما يدخل في مجالات الخطية لانه بمكره لايجعله تدينا حقيقيا‏،‏ أما أنت يا أخي إن اردت أن تجذب الناس الي التدين اجعلهم يحبون البر والفضيلة‏، ويجدون فيها متعة دون ان يكونوا مكرهين علي ذلك باسلوب العنف‏.‏

اليأس‏:
والشيطان يلجأ الي محاربة الإنسان باليأس بعد مقدمات طويلة تمهيدية يشعره بها أنه لم يعد له خلاص من الخطية وانه قد تشبع بها تماما بالإثم بحيث لايمكن ان يتوب فيري أنه ليس فقط لاقدرة له علي التوبة بل بالأكثر لا رغبة له في التوبة‏.‏ حدث هذا احيانا بعد سقطة كبيرة يظن فيها الخاطيء أنه لا مغفرة‏!‏ وأنه لا حل للقيام من سقطته‏!‏

وقد لاتكون السقطة بهذه الدرجة ولكن الشيطان من عادته ان يضخم في الاخطاء ليوقع صاحبها في اليأس‏.‏

انه ماكر جدا فهو قبل اسقاط الإنسان يسهل في موضوع الخطية جدا حتي تبدو شيئا عاديا ويضع لها مبررات‏..‏ أما بعد السقوط فإما أن يستمر في سياسة التهوين لكي يتكرر السقوط وإما أن يلجأ الي التهويل فيقول للخاطيء‏:‏ هل من المعقول أن يغفر لك الرب كل هذا الذي فعلته وكل هذا المستوي الذي هبطت اليه؟‏!‏ وعبثا يمكنك ان تتوب‏!‏

وقد يلقي الإنسان في اليأس ـ لا من جهة خطايا قد وقع فيها ـ إنما من جهة مشاكل تبدو معقدة جدا أمامه وليس لها من حل‏..‏ بينما الله قادر أن يحل كل المشاكل بحنانه الذي لايحد واشفاقه علي من يلجأ اليه‏.‏

إن الإنسان القوي القلب والعميق في ايمانه لايمكن ان يعرف اليأس اليه طريقا بل مهما كان الجو مظلما جدا فإن الرجاء يفتح أمامه طاقات من نور‏.‏


مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44638 – يوم الأحد الموافق 22 فبراير (شباط) 2009 ميلادية، 15 أمشير 1725 شهداء (قبطية)، 27 صفر 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg


Share/Save/Bookmark

تخصصات في العمل الشيطاني

كما أنه توجد في العلم تخصصات‏، هكذا أيضا في أعمال الشياطين تخصصات متعددة يتقدمها إخصائيون من الشياطين‏،‏ لهم بها معرفة وخبرة‏..‏ نذكر من بينها‏:‏

(1)‏ شيطان متخصص في التخدير‏:‏ ذلك أنه حينما يكون الانسان متيقظا ومتنبها لخلاص نفسه‏،‏ صاحيا عقلا وروحا‏،‏ فإنه من الصعب أن يسقط‏.‏ وهكذا قال أحد الآباء إن الخطية يسبقها إما الشهوة أو الغفلة أو النسيان‏.‏ فهذه الحالة الأخيرة‏،‏ حالة الغفلة والنسيان‏، هي تخدير من الشيطان للانسان‏.‏ بالتخدير ينساق الشخص إلي الخطية‏،‏ كأنه ليس في وعيه‏،‏ يخدره الشيطان بحيث ينسي كل شيء ما عدا الخطية‏،‏ فتكون كل حواسه وأفكاره ومشاعره مركزة في الخطية وحدها‏.‏ وأما كل ما عداها فلا يحس به الانسان إطلاقا‏،‏ كأنه قد نسيه تماما‏!‏

نسي علاقته بالله‏.‏ وينسي كل وصايا الله‏،‏ وينسي مبادئه واحتراسه‏.‏ وينسي وعوده لله وتعهداته‏،‏ وينسي نقاوة قلبه‏.‏ وينسي أيضا نتائج الخطية عليه وعلي غيره‏،‏ وينسي عقوبات الله وإنذاراته‏.‏ ويكون كأنه مخدر تماما‏،‏ لا يعرف إلا الخطية‏.‏ ولا يفيق إلا بعد السقوط‏، حينما يكون كل شيء قد انتهي‏!!‏

وقد يفيق الانسان بعد الخطية مباشرة‏،‏ وربما بعد مدة طويلة‏.‏ فيهوذا مثلا لم يفق إلا بعد فوات الفرصة‏..‏

وهناك من يفيق من تخديره فيتوب‏.‏ وهناك من يفيق‏،‏ فيصاب بصغر نفس أو قد ييأس‏..‏ لذلك هناك نصيحتان أقدمهما لك‏،‏ إذا خدرك الشيطان‏:‏

الأولي‏:‏ أن تفيق بسرعة‏،‏ وهذا لا يتوافر إلا إذا كان قلبك من الأصل محبا للفضيلة‏.‏ واحذر من أن تستمر مخدرا بالخطية إلي أن تصبح عادة‏!‏ أو أن تصحو من تخديرك بعد أن تكون قد وصلت إلي نتائج سيئة جدا‏..‏

والنصيحة الثانية‏:‏ هي أنك حينما تفيق‏،‏ إنما تفيق إلي توبة حقيقية وسريعة‏، وليس إلي يأس أو صغر نفس‏.‏ واستخدم الندم وإنسحاق القلب لنفعك الروحي‏.‏

(2)‏ شيطان الخجل‏:‏ إن الخجل يكون فضيلة إذا أحسن الانسان استخدامه‏.‏ ولكن الشيطان كثيرا ما يستخدمه بطريقة تساعد علي السقوط‏.‏

كإنسان كان جالسا وسط أناس‏،‏ وبدأوا يتكلمون كلاما رديئا من الناحية الأخلاقية‏،‏ أو يتحدثون بالسوء في سيرة شخص ما‏، له مكانته ويشهرون به‏،‏ أو يسردون قصصا غير لائقة‏..‏ وهذا الانسان الجالس بينهم لم يكن يتوقع كل هذا‏.‏ فيفكر أن يتركهم وينسحب‏.‏ ولكن شيطان الخجل يمنعه ويستمر في البقاء‏.‏ أو أنه يفكر أن يقول لهم‏:‏ هذا الحديث لا يليق‏.‏ ولكن شيطان الخجل يمنعه‏.‏ فيستمر جالسا يستمع‏.‏ ويمتليء عقله بأفكار ما كان يجب أن تجول بذهنه‏.‏

وأحيانا أخري يدفعه شيطان الخجل إلي أن يوقع علي تزكية لا يوافق عليها ضميره‏.‏ وذلك خجلا من الشخص المزكي‏!‏

أو يوقع علي بيان أو قرار‏،‏ هو في أعماقه غير راض عنه‏!‏ أو يشترك في مدح إنسان لايستحق ذلك‏..‏ وإن حاول أن يمتنع عن كل ذلك‏،‏ يدفعه شيطان الخجل‏!‏

وقد يجعل الشيطان فتاة تخجل من ملابسها المحتشمة‏،‏ بحجة أن التيار العام ضد ذلك‏!‏ وبالمثل قد يجعل شابا متدينا يرفض سيجارة يقدمها إليه زميل أو أستاذ له‏،‏ بحجة عدم جرح شعوره‏!‏

وكم من خطايا يقع فيها الانسان بسبب شيطان الخجل‏..!‏

والمفروض أن يرفض المتدينون هذا الخجل‏،‏ أو يجدوا سببا يبعدون به عن الاحراج بلباقة‏.‏ أو أن يكون الشاب المتدين قوي الشخصية يستطيع أن يدافع عن موقفه الروحي بإقناع الآخرين‏.‏ أو علي الأقل يبعد تماما عن الصحبة أو المناسبات التي تعرضه لشيطان الخجل‏.‏

والعجيب أن الروحيين يخجلون أحيانا من تدينهم‏، بينما تكون للخاطئين جرأة وجسارة في التباهي بأخطائهم‏.‏

(3)‏ شيطان الوقت الضائع‏:‏ الذي يضيع وقته في تفاهات‏،‏ بلا أدني فائدة روحية أو عقلية أو صحية‏، وبلا فائدة للآخرين‏.‏

لايهم الشيطان أن ترتكب خطية في هذا الوقت‏،‏ بل يكفيه أن هذا الوقت يضيع بينما هو جزء من عمرك‏!‏

والأمثلة كثيرة لهذا الوقت الضائع‏،‏ ومنها‏:‏ أحاديث قد تطول بالساعات في موضوعات لا فائدة لك منها‏،‏ وتكون بلاحجة‏.‏ ومجادلات ومناقشات لاجدوي منها سوي تعب الأعصاب وضياع الوقت‏.‏ وزيارات وسهرات وترفيهات زائدة علي الحد‏.‏ ومسليات تأخذ كل الوقت‏،‏ وتعطل إيجابيات مهمة في حياتك مثل جلوس البعض في المقاهي‏،‏ والكلام وقتل الوقت‏..‏ وطبيعي أن الذي يقبل ضياع وقته‏،‏ تكون حياته رخيصة في عينيه‏..‏

(4)‏ شيطان التأجيل‏:‏ إن الشيطان يريد بكل جهده ان يمنعك من كل أعمال البر‏.‏ فإن وجدك مقدما علي عمل فضيلة معينة‏، لايمنعك عنها صراحة لئلا يكشف نفسه‏،‏ وإنما يدعوك إلي التأجيل‏.‏

يقول لك‏:‏ لماذا الاسراع؟ الأمر في يدنا نستطيع أن نعمله في أي وقت‏.‏ ربما التريث يعطينا فرصة لفحص الأمر بطريقة اعمق‏،‏ أو لاختيار أسهل السبل للوصول إليه‏،‏ أو يعطينا مزيدا من الاقتناع‏..‏ علي أية الحالات عندنا بعض أمور مهمة حاليا‏،‏ ما إن ننتهي منها‏،‏ حتي نقوم بعمل هذا البر‏..‏

والمقصود بالتأجيل هو إضاعة الحماس للعمل‏،‏ أو إضاعة الفرصة‏، أو ترك الموضوع‏،‏ فرصة لعلك تنساه‏،‏ أو يحدث ما يغطي عليه‏.‏ كأن تأتيك مشغولية كبيرة تأخذ كل اهتمامك ووقتك‏، أو يحدث حادث يعطلك‏،‏ أو تبدو عوائق معينة تعرقل التنفيذ‏،‏ أو يلقي الشيطان في طريقك بخطية تقترفها‏،‏ فتفتر حرارتك الروحية‏،‏ فلا تنفذ ما كنت تنوي عمله من أعمال البر‏.‏ يا أخي‏،‏ ربما هي إحدي زيارات النعمة تدعوك‏.‏ فإن أنت أجلت العمل‏،‏ ضاع تأثيرها‏.‏ إن الفرصة حاليا في يدك‏، فاعمل ما تريده من الخير‏،‏ ولا تؤجل‏.‏ لأن التأجيل قد يكون خطوة إلي الالغاء‏،‏ يعرضها الشيطان بلباقة منه‏.‏

إن كنت مقبلا علي عمل من أعمال الرحمة‏، فاستمع إذن إلي قول سليمان الحكيم‏:‏ لا تمنع الخير عن أهله حين يكون في طاقة يدك أن تفعله‏.‏ لا تقل لصاحبك‏:‏ ارجع فأعطيك غدا‏،‏ وموجود عندك‏.‏ كذلك إن دعاك صوت في داخلك أن تتوب‏،‏ فلا تؤجل التوبة‏،‏ لعلك لا تجد ما يدفعك إليها فيما بعد‏.

مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44631 – يوم الأحد الموافق 15 فبراير (شباط) 2009 ميلادية، 8 أمشير 1725 شهداء (قبطية)، 20 صفر 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg
‏‏‏‏


Share/Save/Bookmark

Saturday, February 28, 2009

من حيل الشياطين

ما أكثر حيل الشياطين‏:‏ إنها لاتنتهي إن لم تصلح حيلة منها‏،‏ يستبدلها بغيرها‏،‏ إلي أن يصل إلي غرضه‏.‏ وليست هناك خطة واحدة أمامه لتوصله‏.‏ بل يتخذ لكل حالة مايراه مناسبا لها‏،‏ دون أن يتقيد بشيء علي أنه من أشهر حيله الواضحة المتكررة بضعة أساليب صارت معروفة ومحفوظة‏،‏ نذكر منها‏.‏

‏1 ‏ ـ خطبة تلبس ثوب فضيلة‏.‏
ما أسهل أن يقدم لك الشيطان بعض الخطايا بأسماء غير أسمائها‏،‏ بأسلوب يسهل قبوله بحيث تلبس ثياب فضائل‏:‏

فالدهاء أو الخبث يطلق عليه اسم الذكاء ويقدم القسوة في معاملة الأبناء باسم الحرص علي تأديبهم بحيث إن لم يستخدم الأب القسوة‏،‏ ضميره يوبخه‏،‏ والتبرج‏،‏ والتزين غير اللائق‏،‏ يقدمها باسم الأناقة والنظافة‏،‏ والتهكم علي الناس والاستهزاء بهم يقدمه علي أنه لطف وظرف‏،‏ ومحبة ودالة‏،‏ وخفة روح‏،‏ ومحاولة للترفيه‏.‏

إن الشيطان لايقدم الخطية مكشوفة لئلا يرفضها الإنسان الحريص ـ بل يقدمها باسم مقبول‏،‏ وهي هي ولافرق‏.‏ يقول إنني سأدخل مع هذا الشخص في حرب مسميات‏،‏ وأسقطه كما أريد‏،‏ ربما دون أن يشعر‏،‏ أو قد يشعر‏،‏ وضميره لايبكته فلو أنني دعوته إلي الرياء ـ بهذا الاسم المنفر ـ فلن يقبله‏.‏ اذن ماذا أفعل؟ أسميه عدم إعثار الآخرين أو القدوة الحسنة‏.‏

قال السيد المسيح‏:‏ تأتي ساعة يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم قربانا لله‏.‏ ويقينا إن الشيطان يقدم القتل إلي أولئك الناس‏، علي أنه غيرة مقدسة‏،‏ أو دفاع عن الدين‏،‏ أو تطهير للأرض من الخطاة‏.‏

والكذب يمكن أن يقدمه الشيطان تحت اسم الحكمة‏،‏ أو كنوع من حسن التصرف‏، أو انقاذ للموقف‏!‏ والطبيب قد يكذب علي المريض في تسمية نوع مرضه‏.‏ ويعتبر هذا أمام ضميره أنه حفظ لمعنويات المريض‏،‏ وحمايته من الانهيار لكي يشفي‏، والبعض يسمي بعض أنواع الكذب الأبيض‏!‏ وما أشهر مايسمونها‏(‏ كذبة‏)‏ أبريل كنوع من الدعابة أو الفكاهة‏!‏

وبهذا الشكل ما أسهل أن يسمي الشيطان الرقص المعثر باسم الفن‏.‏ وكذلك الصور العارية والماجنة هي أيضا فن‏،‏ وبالمثل التماثيل العارية أيضا‏،‏ وبعض التمثيليات التي يقولون عنها للرجال فقط‏!‏ وتحت اسم الفن يخفي الشيطان كثيرا من الخطايا والمعثرات التي لاتستحق اسم الفن‏.‏ فالفن الحقيقي له اسم جميل ومحترم‏.‏

إلباس الخطية ثوب الفضيلة هو حيلة ماكرة من الشيطان‏.‏ أتراه يدعو البخل بخلا؟‏!‏ ما كان أحد اذن يقبله‏،‏ ولكنه يسميه حسن تدبير المال أو حفظ المال لحاجة المستقبل أو يسميه عدم التبذير أو عدم الإسراف‏!!‏

وإذا أراد الشيطان أن يمنع غنيا من أن يدفع للفقراء‏،‏ يقول له‏:‏ ليس من الخير أن تعلمهم الشحاذة‏،‏ أو تعودهم علي التشرد والتواكل‏.‏ إن عدم إعطائهم هو حكمة وعين الحكمة‏.‏ لكي يبحثوا عن عمل‏،‏ ويأكلوا خبزهم بعرق جبينهم حسب الوصية؟‏!‏

إن إعطاء الخطية اسم فضيلة‏،‏ يشجع الناس علي الاستمرار فيها‏،‏ ولايبكتهم ضميرهم علي مايفعلون‏.‏ احترس اذن من المسميات الخاطئة‏،‏ ولاتسمح للشيطان أن يخدعك‏، فإن الخطية هي خطية مهما اختفت وراء اسم آخر‏.‏

‏2‏ ـ من حيل الشيطان أيضا‏:‏ الأمور الصغيرة‏:‏
إن الخطايا الكبيرة الواضحة الدنس‏،‏ يحترس منها الإنسان الحريص علي نقاوته‏،‏ ويفر منها‏:‏ لذلك فالشيطان يؤجل محاربته بها‏،‏ مادام هو منتبها لها‏.‏ أما الأمور الصغيرة‏،‏ فيحاربه بها‏،‏ لأنه لايحترس منها‏،‏ ولايهتم بها‏..‏ ويظن أن مثل هذه الأمور الصغيرة‏،‏ إنما تحارب المبتدئين والصغار‏..‏ ويقول‏:‏ أما نحن قد كبرنا عن أمثال هذه الأمور‏.‏ لهذا يحاربه الشيطان بها‏.‏

فما هي هذه الأمور الصغيرة؟ وما أمثلتها؟

ربما تكون مثل تمسك الإنسان برأيه‏،‏ وقد يكون خاطئا‏!‏ ومع ذلك لايستشير أحدا‏، وقد يقول له الشيطان‏:‏ وماذا في ذلك؟ أي خطأ فيه؟‏!‏ وهل لابد أن تستشير؟ وهل عقلك لا يكفي؟ وما أعظم عقلك‏!..‏ وهكذا يسلك حسب هواه ويسقط‏..‏

وقد تكون الأمور الصغيرة مثل التساهل قليلا مع الحواس والقراءات والسماعات ظانا انها لاتأثير لها عليه‏!‏ بينما قد يضره ذلك‏.‏ وماتجلبه الحواس ينغرس في عقله الواعي وفي عقله الباطن‏،‏ وتكون له ثماره الخطيرة‏،‏ ولو بعد حين‏..‏ إن الأمور الصغيرة قد لاتكون صغيرة فعلا‏،‏ بل الشيطان يسميها هكذا‏،‏ وربما توصل إلي أخطر النتائج‏.‏ إن الإنسان ينظر إلي الزنا والسرقة والكذب‏،‏ وما أشبه علي انها من الكبائر‏،‏ ولكنه لا ينظر بنفس الاعتبار إلي خطايا الفكر أو خطايا اللسان‏،‏ ويعتبرها من الأمور الصغيرة‏،‏ وهي ليست كذلك ـ وربما يهلك نتيجة لعدم حرصه في الكلام‏،‏ وتؤخذ لفظة عليه مما يقوله‏،‏ وتكبر وتصير جريمة قذف‏..‏ كما أن فكره ـ الذي يستهين به ـ قد يتحول إلي شهوة تؤدي به إلي السقوط‏.‏

حقا إن شيطان الأمور الصغيرة يمكن أن يهلك الإنسان‏..‏ فيمكن أن تغرق سفينة كبيرة‏،‏ بسبب ثقب صغير في قاعها‏،‏ والإنسان لايكون موته فقط بواسطة وحش كبير يفترسه‏،‏ إنما يكفي لموته ميكروب صغير لايري بالعين المجردة‏..!‏

وأبشع العلاقات بين فتي وفتاة قد تبدأ بعلاقة بريئة جدا‏..‏ ولكنها ـ مع التساهل والدالة ـ تتطور إلي ماهو اسوأ وأخطر حتي تنتهي بخطية كبيرة‏.‏

وعوامل النصب والاحتيال‏،‏ قد تبدأ بأمور بسيطة مثل الثقة مع الطرف الآخر‏، وفي ظل هذه الثقة التوقيع علي أوراق بدون حرص أو شك في النوايا‏.‏ وينتهي الأمر أخيرا بكارثة اقتصادية سببها تلك الأمور التي تبدو صغيرة‏.‏

وقد تبدأ الكارثة الاقتصادية بأمور أخري صغيرة‏، أو تبدو أيضا صغيرة‏،‏ مثل ضمانك لإنسان صديق لك‏،‏ وتوقيعك علي ذلك‏.‏ ثم يسافر ذلك الصديق إلي الخارج ولايعود‏..‏ وتطالب أنت بكل ماعليه من ديون أو مستحقات مالية‏.‏ إن الخلاص من شيطان الأمور الصغيرة يحتاج بالضرورة إلي حياة التدقيق والحرص لئلا تتحول تلك الأمور إلي كبائر تهدد حياتك الروحية‏،‏ وحياتك العملية أيضا‏.‏

مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44624 – يوم الأحد الموافق 8 فبراير (شباط) 2009 ميلادية، 1 أمشير 1725 شهداء (قبطية)، 13 صفر 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg

‏‏


Share/Save/Bookmark

صفات الشيطان في حروبه

يفيدنا جدا أن نعرف صفات الشيطان في حروبه معنا لكي ندرك كيف نواجهه والمعروف عن الشيطان الصفات الآتية‏:‏

الشيطان صاحب قتال لايهدأ‏،‏ وهوايته اسقاط الآخرين‏.‏ وهو في قتاله لايمل ولا يستريح‏.‏ إنه ماهر‏،‏ باستمرار يرقب حالة ضحاياه‏،‏ ويلقي بذاره في كل مكان‏،‏ وحتي ان كانت حروبه تنتهي أخيرا إلي هزيمته‏،‏ ولكنه لايستطيع أن يبطل الحرب لأنها صارت جزءا من طبيعته‏.‏

والشيطان قوي ودلائل قوته انه استطاع ان يضل العالم كله أيام الطوفان‏،‏ ولم تنج من ضلاله سوي أسرة واحدة هي أسرة أبينا نوح‏.‏

ونفس الوضع نقوله عن مدينة سدوم أيام لوط البار‏،‏ التي ألقاها في الشذوذ الجنسي حتي استحقت عقوبة الله‏.‏

وقوة الشيطان تظهر ايضا في القائه العالم كله في الوثنية في العهد القديم ماعدا شعب واحد حدث انه وقع في الوثنية أيضا‏، فكثير من ملوك يهوذا وإسرائيل وقعوا في عبادة الاصنام وأخطأ معهم الشعب‏، كذلك أوقع العالم في تعدد الآلهة في كثير من البلدان‏،‏ ومن أمثلة قوته انه صرع أناسا كثيرين قيل انه كانت عليهم أرواح نجسة‏.‏

ولكن ليس معني الحديث عن قوة الشيطان أن نخاف منه‏!‏ كلا فان كان الشيطان قويا‏،‏ فان قوة الله أعظم وأعظم وهو ينقذ الناس من قوة الشيطان‏،‏ وآباء عديدون قد غلبوا الشيطان وكان يخاف منهم‏.‏

والشيطان خبير بالحروب وخبير بالبشر‏،‏ تصوروا ان الشيطان كان يحارب الانسان منذ أكثر من سبعة آلاف سنة منذ الانسان الاول فأي خبرة تكون له في حربه مع البشرية‏.‏ لاشك انه أقدر مخلوق علي فهم النفس البشرية وطريقة محاربتها‏،‏ ويعرف نواحي القوة والضعف فيها‏،‏ ويعرف الاسلوب الذي يمكنه أن يحاربها به‏.‏

إن أكبر عالم نفساني وأكبر محلل نفساني‏،‏ هو الشيطان علم النفس عنده ليس مجرد نظريات‏، إنما هو خبرات علي المستوي العملي والعلمي ايضا‏،‏ وبنطاق واسع جدا شمل البشرية كلها‏،‏ كذلك هو يعرف متي يحارب وكيف يحارب ومتي ينتظر‏!‏ ومن أي الابواب يدخل إلي الفكر أو إلي القلب‏.‏

والشيطان ذكي وحكيم في الشر‏،‏ وحكمة الشيطان كلها خبث ومكر وحيلة‏،‏ ومن مظاهر ذكاء الشيطان انه قد يغير خططه وأساليبه لتوافق الظروف‏،‏ فهو يسبك حيله بطريقة ذكية لا يشعر بها الانسان المحارب منه‏،‏ أو أنه يقدم الخطية في أسلوب فضيلة‏.‏

ومن صفات الشيطان انه كذاب فلا يجوز أن نصدق كل ما يقوله الشيطان ولا ننخدع به مهما قدم في حيله من إغراءات وهو يعلن كذبه في الاحلام والرؤي الكاذبة‏،‏ ومن أمثلة ذلك أنه ظهر مرة لراهب متوحد وقال له أنا الملاك ميخائيل أرسلني الله اليك فأجابه الراهب في اتضاع انني انسان خاطيء لا أستحق ان يظهر له ملاك‏،‏ فلعلك ارسلت إلي غيري واخطأت الطريق فمضي الشيطان عنه وظهر كذبه‏.‏ ولعل من كذب الشيطان ايضا ما يقوله علي أفواه المنجمين ومن يدعون معرفة الغيب‏،‏ كمن يقرأ الكف‏،‏ أو يضرب الرمل أو يقرأ فنجان القهوة أو يدعي معرفة البخت والطالع بأنواع وطرق شتي‏،‏ وواضح لاهوتيا انه لايعرف الغيب سوي الله وحده‏.‏

وإغراءات الشيطان كلها أكاذيب حيث يصور للانسان سعادة تأتيه من وراء الخطية فاذا سقط الشخص يجد ان كل اغراءات الشيطان هي سراب زائل‏.‏

كذلك أحلام اليقظة التي يقدمها لضحاياه كلها أكاذيب‏.‏

ومن أكاذيب الشيطان إيهام المنتحر أن الموت سوف يريحه من متاعبه‏،‏ وأنه لا حل لمشاكله سوي الموت حيث يتخلص من كل متاعبه ويستريح‏،‏ فاذا صدق من ينتحر يجد نفسه في الجحيم وليس في راحة‏.‏

وتقريبا في غالبية الخطايا يضع الشيطان أكاذيبه فهو يوحي للسارق بأنه ليس أحد يكشف سرقته وكذلك يوحي للمرتشي والمهرب والغشاش وهو يوحي للقاتل بأن المقتول يستحق القتل أو أن القتل غسل للعار الذي يلوث الشرف بل لعل الالحاد هو أكثر أكذوبة قدمها الشيطان للبشرية‏.‏

والشيطان أيضا لحوح لايمل من الالحاح‏،‏ وربما ما يعرضه من فكر خاطيء يظل يعرضه مرات عديدة مهما رفض الناس‏، وربما من كثرة ضغطه والحاحه يستسلم الانسان له ويخضع‏.‏

والشيطان في الحاحه لا ييأس من الفشل أبدا بل يعود‏،‏ وهو في الحاحه لايعترف بالعقابات ولايهمه مراكز الناس ولاروحياتهم بل يضرب ضربته ويحدث مايحدث وربما الذي لايهلك بسمومه اليوم‏،‏ قد يهلك بها غدا أو بعد سنين أو أكثر انه مثابر نشيط دائب علي العمل‏.‏

والشيطان كثير المواهب فهو يعرف الموسيقي والفن والنحت والرسم والشعر والاغاني ويمكنه ان يلهم المشتغلين بالملاهي كل ما يحتاجونه في فنونهم لاغراء الناس واسقاطهم‏.‏ وهو قاس يسقط الناس بلا رحمة وتظهر قسوته أحيانا في محاربة البعض بالمناظر المخيفة وايضا في قسوته علي من يصرعهم‏،‏ وهو قاس فيما يثيره علي العالم من حروب وويلات وجرائم ويفرح بكل ويلات العالم ويحسب ذلك انتصارا له وهو يبث الخصومات والانشقاقات ويفرح بالتخريب‏.‏ وهو خبيث في تظاهره بالعطف‏،‏ وفي ذلك يبرر لك الخطأ حتي لايتعبك ضميرك‏، وكل أخطائك يقدم لها العديد من الاعذار والتبريرات وينصحك قائلا‏:‏ لاتقل علي كل شيء انه خطأ‏،‏ ولا تبالغ في تبكيت نفسك لئلا يقودك هذا إلي الوسوسة حقا ان ما فعلته خطأ ولكنك لم تقصد ونيتك طيبة‏،‏ الله ينظر إلي النيات وماذا كان بامكانك ان تفعل‏!‏ الظروف كانت ضاغطة‏، وهو يعطف عليك حينما تصوم ويدعوك إلي الاكل حرصا علي صحتك وهو لا يلومك علي التدخين واضرارك الصحية‏،‏ ان عطف الشيطان ليس حبا وإنما هو حيلة للإسقاط‏.‏

الشيطان أيضا حسود ونهاز للفرص‏،‏ ومن أمثلة ذلك انه حسد يوسف الصديق علي ما رآه من رؤي ونقل الحسد إلي قلوب إخوته‏،‏ وهو يحسد كل انسان في حياة الفضيلة فيحرمه منها‏.‏

مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44617 – يوم الأحد الموافق 1 فبراير (شباط) 2009 ميلادية، 24 طوبه 1725 شهداء (قبطية)، 6 صفر 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg


Share/Save/Bookmark

Tuesday, February 24, 2009

حروب الشياطين

من طبيعة الشيطان ان يقاوم البر والأبرار‏،‏ وحروبه هي اختبار لحرية إرادتنا‏،‏ فإذا انتصرنا فيها نصبح مستحقين لخيرات السماء‏،‏ وأيضا تكون لنا مكافآت علي الأرض‏‏

والشيطان باستمرار يحسد السالكين في الفضيلة‏،‏ لكي لا ينالوا البركة الإلهية التي حرم هو منها‏

وحروب الشيطان وكل جنوده وأعوانه هي ضد الكل‏،‏ لم ينج منها أحد إذ يحاول الشيطان بكل جهده ان يبعد البشرية عن الله‏،‏ فلا تظنوا أن حروب الشياطين هي للمبتدئين فقط أو للخطاة‏،‏ كلا فهو يحارب الكل مهما ارتفعوا في حياة البر‏،‏ بل يحارب الأبرار بالأكثر‏،‏ لذلك علي كل إنسان أن يحترس‏،‏ ولا يظن انه قد ارتفع فوق مستوي هذه الحروب‏،‏ والشيطان دائم الجولان في الأرض لكي يصيد ضحاياه ويبحث عن أية فريسة ليسقطها‏‏

الشيطان لا ييأس مهما كان الذي يحاربه قويا‏،‏ فالخطية قد طرحت كثيرين جرحي وكل قتلاها أقوياء‏،‏ وان كانت ملائكة السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب‏،‏ فلا شك ان الشياطين تفرح ببار واحد إذا سقط‏،‏ بل تفرح بسقوط أي أحد يخضع لهم ويصبح من أعوانهم‏،‏ وهي حروب دائمة‏،‏ قد تتنوع ولكنها لا تنتهي‏‏

وحروب الشيطان قد تشتد في الأوقات المقدسة‏، كالصوم مثلا‏،‏ والشيطان يتضايق جدا حينما نبدأ في أي عمل روحي‏،‏ فيسعي بكل الحيل لئلا تفلت الفريسة منه‏،‏ فنحن نبدأ العمل الروحي وهو يبدأ في المقاومة‏،‏ لأنه لا يستريح لأية صلة لنا مع الله‏،‏ كذلك إن بدأ الانسان بالصلاة الطاهرة العميقة أو التأمل الروحي أو التسبيح‏،‏ فإن الشيطان لا يقف مكتوف اليدين او متفرجا وإنما يعمل هو أيضا عمله‏، والعمل الروحي بما فيه خدمة الله يثير حسد الشياطين‏،‏ اذ كيف للبشر الذين لهم جسد من تراب تكون لهم حياة مرتبطة بالله‏،‏ بينما الشيطان وهو روح بعيد عن الله وروحه نجسة‏!‏

ومحاربات الشيطان قد تكون خفيفة أحيانا أو ثقيلة‏،‏ فإنسان يحاربه الشيطان بشهوة ما‏، فإن استجاب لها يكتفي الشيطان بنقطة البدء هذه‏،‏ ثم يترك هذه الفريسة المسكينة يحاربها فسادها الداخلي أو تحاربها عاداتها الخاطئة أو غرائزها‏،‏ والانسان المنتصر في حروب الشياطين علي طول الخط ربما يحاربه الشيطان بالكبرياء لكي يرتفع قلبه وتتركه النعمة‏‏

وهناك حروب شيطانية عنيفة وفجائية‏،‏ منها الظهورات المفزعة‏،‏ أو الرؤي الكاذبة وسائر الضربات الشيطانية‏،‏ ولكن الله لايسمح لأن تحدث أمثال هذه الحروب لكل أحد‏،‏ لأنه لا يدعنا نجرب فوق ما نستطيع‏.‏ ولهذا ننصح الذين يحاربون بالرؤي والأحلام المضللة ان يعرفوا ان ليست كل الرؤي والأحلام من الله أو من العقل الباطن‏،‏ فبعضها من الشياطين‏‏

لا ننسي ان الشيطان حارب العالم القديم بالوثنية وعبادة الأصنام‏، وبعبادة الأرواح وبعض مظاهر الطبيعة مثل عبادة الشمس‏،‏ كما حاربهم بتعدد الآلهة أيضا‏،‏ والبعض حاربه بإنكار وجود الله كما حدث في الشيوعية‏،‏ وأيضا مع الوجوديين الذي غلبهم أولا بالشهوات‏،‏ ثم أقنعهم أن يقولوا من الخير ان الله لايوجد لكي نوجد نحن علي اعتبار ان وصايا الله تحد من حريتهم‏‏

ومن محاربات الشيطان‏، حروب الشك‏،‏ كالشك في رعاية الله وخصوصا اذا صلي شخص وشعر ان صلواته لم تستجب‏،‏ وحروب الشك في القيامة وفي السماء وفي عقائد كثيرة‏،‏ فإن اتتك بعض هذه الحروب لا تظن انك قد ضعت تماما‏،‏ إنها محاربات من الشيطان فعليك بالصلاة لكي ينجيك الرب منها‏،‏ وقل له في صلاتك أنا يارب أعبدك وأؤمن بك‏،‏ لكن هذه الأفكار غريبة عني وتأتيني من الخارج‏،‏ كذلك امتنع عن القراءات التي تجلب مثل هذه الأفكار‏،‏ وثق ان الله لايمنع أمثال هذه الحروب ولكنه يساعدنا لكي ننتصر عليها‏‏

لا تخافوا من الشيطان وحروبه‏،‏ لأننا إن ضعفنا أمامه نجعل للشيطان كرامة ليست له‏،‏ ونجعله يتجرأ علينا‏،‏ بل يجب ان نصمد امام الشيطان ونقاومه‏،‏ حينئذ لايجد له مكانا فينا فيهرب ويبعد عنا‏،‏ كذلك لايليق ان نترك عقولنا في فراغ لئلا يجدها الشيطان فرصة لكي يملأ فراغنا بما يلقيه فيه من أفكار وشهوات‏‏

إن الشيطان قد يحاربنا بحياة اللهو‏،‏ وحياة الترف‏، ومحبة المادة أو المال‏،‏ أو الانقياد الي ملاذ الجسد وإشباع غرائزه‏،‏ كل ذلك لكي يمهد قلوبنا وأفكارنا لحروب أشد‏،‏ ومنها شهوات يلقيها في ذهن الانسان‏،‏ وهذه تكون ضعيفة في أولها‏،‏ لأنها غريبة عليها‏،‏ وتظل هكذا ضعيفة الي ان يفتح لها الانسان بابا تدخل منه الي قلبه‏،‏ وإلي مشاعره وهكذا يكون قد أخطأ‏،‏ بفتح القلب للشيطان وهذه خيانة روحية لله‏،‏ ومحاولة لتحطيم ملكوت الله داخلنا‏‏

هناك حروب أخري للشيطان تكون بطيئة طويلة المدي جدا لايشعر بها الشخص‏، وبها يجذب الشيطان ضحاياه بتدرج طويل يخدرهم قليلا قليلا‏،‏ وينقص من حرارتهم الروحية شيئا فشيئا علي مدي واسع حتي تتغير حياتهم وهم لايدركون ذلك الا بعد فوات الفرصة‏،‏ حينئذ ينتهز الشيطان ما وصلوا اليه من فتور فيضربهم بعد ذلك ضربة شديدة وهم غير مستعدين لها‏‏

وربما يغري الشيطان بعض الناس بأن يقيموا أنفسهم مصلحين لغيرهم‏، وقضاة علي أفعال الغير‏،‏ فإن اقتنعوا بهذا يعلمهم الغضب والثورة ومسك سيرة الناس‏،‏ والتدرج حتي الوصول الي انتقاء القادة‏،‏ واعتبار أنفسهم أبطالا في كل هذا‏، ولامانع من أن يتلفظوا بكلمات جارحة في انتقاداتهم‏،‏ ويفخرون بكل ذلك‏،‏ ويعتبرون انهم يفعلون خيرا أو لا تؤنبهم ضمائرهم‏

فهذه إحدي محاربات الشيطان أن يلبس الخطية ثوب فضيلة‏‏
علي أننا لكي ننتصر في حروب الشيطان‏،‏ ينبغي ان نعرف صفاته واسلوبه في القتال‏،‏ حتي ندرك كيف نقاومه‏،‏ فما هي صفات الشيطان؟ وكيف يحارب؟ وهل له اسلوب ثابت‏،‏ أم انه يتغير في أساليبه حسب تغير الحالة؟ هذا ما نود ان نحدثك عنه أيها القارئ العزيز في المقال المقبل ان شاء الله‏‏‏

مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44610 – يوم الأحد الموافق 25 يناير (كانون ثان) 2009 ميلادية، 17 طوبه 1725 شهداء (قبطية)، 28 محرم 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏


Share/Save/Bookmark

Saturday, January 24, 2009

أنواع من حروب الفكر

هناك ثلاثة انواع من الناس تتعبهم. الافكار الخاطئة: احدهم يسعى هو بنفسه الى الفكر واخر يعايش الفكر ويستبقيه، والثالث له خيال خصب، يمكنه ان يؤلف قصصا وروايات حول الفكر الخاطئ. كل هؤلاء: ان كانت افكارهم تحوم حول خطايا معينة، فلا شك ان الافكار ستتعبهم كثيرا، لانها لا تجد في داخلهم مقاومة لها

فالذي يسعى وراء الفكر الخاطئ، هذا لا تأتيه الافكار وتتعبه، انما هو الذي يتعب نفسه بالافكار، انه يفتش عن مصادر الفكر فيرسل حواسه هنا وهناك بقصد ونية لكي تحصل له على مادة تغذي فكره ويفرح بذلك جدا ويشتهيه مثاله: النوع المحب للاستطلاع الذي يبحث عن اخبار الناس واسرارهم، وبخاصة ما يسئ اليهم ويسره ان يتحدث في امثال هذه الموضوعات، ويزيد على ما يسمعه تعليقات واستنتاجات من ذهنه، وحبذا لو كانت فضائح وشرورا وبهذا يكنز في ذهنه صورا تؤذيه روحيا.. وهكذا يقع في خطايا الفكر وخطايا اللسان او خطايا القلم ان كان كاتبا، وكل نوع من هذه الخطايا يغذي الاخر يسببه..

مثل هذا النوع من الناس، ان جلس مع احد من اصدقائه او معارفه، يبادره على الفور: ماذا عندك من اخبار؟ مالذي حدث لفلان او حدث منه؟ ماذا رأيت وماذا سمعت؟ ومارأيك في كل هذا؟ وماذا تعرف ايضا؟ ويظل ممسكا بهذا الصديق يستخرج كل ما عنده

انه بكل هذا، يضر نفسه ويضر غيره بما يعرف من اسرار الناس ومايرويه عنهم وكل شخص يصادفه في الطريق، يحاول ان يصطاد منه خبرا. وان جلس الى مائدة يأكل مع غيره، تجول عيناه ليعرف ما الذي يأكله فلان وكميته؟ وما طريقته في الاكل؟ وما الذي يحبه؟ وما الذي لا يقبله؟ وهكذا في باقي الاخبار حتى في صميم الخصوصيات!!

والعجيب في مثل هذا الشخص انه ان كان هناك شيئ ردئ يتهافت على سماعه، وان عرف شيئا حسنا لا يستقبله بحماس! انه يجمع الاخبار والاسرار، وحواسه طائشة وتسأله ما شأنك بهذا؟ وماالذي تستفسده من معرفة فضائح الناس؟ لا تجد جوابا! انه مرض، يصبح عادة عنده او جزءا من طبعه انها عادة حب الاستطلاع..

كم من اناس اضروا انفسهم واضروا غيرهم بحب استطلاع مالاشأن لهم به، ومحاولة كشف ما هو مستور من خصوصيات الغير، وربما بحيل غير لائقه تشتمل على خطايا اخرى كثيرة.. ولعل البعض يسأل: ماذا افعل ان لم اكن انا مصدر الفكر، بل ضحيته من اخرين؟ اقول لك ليس من صالحك ان تسمع اي خبر خاطئ، وان وصل اليك الخبر، فتعايشه ولا تجعله يعيش فيك. لا تستبق الفكر الخاطئ في ذهنك ولا حتى في اذنيك وابعد بكل جهدك عن الاشخاص الذين يسببون لك الفكر، وان اضطررت الى الاستماع اليهم بسبب خارج عن ارادتك فاشغل نفسك اثناء الحديث بموضوع اخر، ولا تأخذ معهم ولا تعط، ولا تركز في كلامهم وما سمعته من كلام خاطئ، ولا تعاود التفكير فيه مرة اخرى فان هذا يثبته في عقلك الباطن. واعرف انك ان تهاونت في طرد الافكار، فقد تلد لك افكارا اخرى. لانه لايوجد فكر عقيم. وقد يلد الفكر فكرا اخر من نوعه او من نوع اخر. وقد يلد انفعالا او شهوة، او مشاعر رديئة سيئة، وقد يلد خطايا يصعب طردها. ويصبح الفكر الخاطئ ابا لعائلة كبيرة. ان الفكر الخاطئ يجس نبضك اولا، ليعرف مدى نقاوة قلبك ومدى استعدادك الداخلي للتفاوض معه، فان رفضت التعامل معه، يعرف انك لست من النوع الرخيص السهل الذي يحب ما يعرضه، فيتركك، وان حاول ان يستمر، يكون ضعيفا بسبب نقاوتك الداخلية. اذن اغلق ابواب نفسك امام الفكر الخاطئ، لانه لا يستريح حتى يكمل، ان الفكر هو مجرد خادم مطيع ترسله الشهوة حتى يمهد الطريق امامها، ومن الصعب ان يبقى الفكر مجرد فكر دون ان يتطور الى ماهو اخطر، فالفكر يتطور في تنقلاته، من الحواس الى الذهن، الى القلب، الى الارادة. فان استبقيت الفكر في اذنيك ولو قليلا يزحف الى عقلك، وهنا قد يتناوله الخيال، فيلد منه ابناء كثيرين، وينمو الفكر في داخلك، حتى يصل الى قلبك، والى مشاعرك وعواطفك وغرائزك وشهواتك، وهنا تكون الحرب الفكرية قد وصلت الى قمتها، لانه بتداولك مع الفكر، يأخذ سلطانا عليك، لانه اجتاز حصونك ووصل الى قلبك. ما اخطر هذه الحالة، لانه فيها يكون قلبك هو الذي يحاربك، او تكون لك حربان: داخلية وخارجية، والداخلية اصعب.. ويكون وصول الفكر الى قلبك هو اقصى ما يتمناه. وحينئذ يجتمع بناته حولك وبناته هي شهوات القلب

فان سقط القلب في يد الفكر، تسقط بالتالي الارادة بسهولة، اذ يضغط القلب عليها، ان الارادة تكون قوية حينما يكون القلب قويا، وحينما يكون الفكر في الخارج، ولكن اذا ضعف القلب، تضعف الارادة تلقائيا، ان لم تفتقدها نعمة الله بقوة من فوق، ما اسهل ان تستسلم ويسقط الانسان في خطية عملية، فالحل السليم اذن هو عدم معايشة الفكر بل طرده. اذا سيطر الفكر على شخص، فليس فقط يقوده الى السقوط، انما بالاكثر الى مرحلة اخطر هي العبودية للفكر ودوام الخضوع له، فما دام الفكر يشعر بان قلب الانسان قد اصبح في يده، حينئذ يمكنه ان يستمر معه اياما او اسابيع، ويبقى ويبقى في ذهنه المستبعد له.. ويدخل الخيال، فيضيف اليه في كل حين شيئا جديدا، ويطرد منه كل شيئ خير، واذا بهذا الشخص ينام والفكر في ذهنه، ويصحو والفكر في ذهنه.. ويمشي او يعمل، والفكر قائم انها العبودية للفكر، وقد ييأس هذا الشخص، ويقول: خير لي ان انفذ ما يريده فكري، بدلا من ان ابقى في تعب منه..!

واذا نفذ ما يريده الفكر، ووقع في الخطية بالفعل، فان الخطية تريد ان تتكرر وتستمر، حتى تصبح عادة، وبدلا من العبودية للفكر، يدخل في العبودية لممارسة الخطية..

الحل اذا هو علاج المشكلة منذ البدء، وذلك بالبعد عن كل مصادر الفكر الخاطئ ومسبباته، علما بان فكر الخطية قد لا يبدأ بخطية، لانه بهذا يكون قد كشف نفسه، فيهرب منه القلب النقي او يطرده او يقاوم بكل السبل. لذلك يبدأ فكر الخطية بطريق ملتو يؤدي في النهاية الى خطية، والانسان الحكيم المختبر يعرف هذه السبل ويتحاشاها


مقال فداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرفسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44596 – يوم الأحد الموافق 11 يناير (كانون الثاني) 2009 ميلادية، 3 طوبه 1725 شهداء (قبطية)، 14 محرم 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg




Share/Save/Bookmark

Monday, January 12, 2009

محاربات روحية من الداخل والخارج

كل انسان معرض للحروب الروحية لاختبار ارادته حتى القديسين والأبرار، غير أن اولئك الأبرار كانوا منتصرين في محاربتهم ... والمحاربات الروحية فد تأتي الى الانسان من داخل نفسه، أو من الشيطان أو من العالم أو من الناس الأعداء الأشرار ... والمحاربات الداخلية التي من داخل النفس، من أفكار العقل وشهوات القلب وحركات الجسد، هي أصعب من المحاربات الخارجية، لأن الانسان يكون فيها عدو نفسه، ولأنه يضعف أمامها، اذ هو يشتهيها ولا يريد مقاومتها لذلك كانت نفاوة القلب هي أهم شيئ في الحياة الروحية، والقلب النقي هو حصن لا ينال، انه يشبه بيتا مبنيا على الصخر، مهما هبت عليه الزوابع لا تسقطه

وربما يكون سبب الحرب الداخلية اندماج الخطية في الطبع، بحيث يترسب في عقل الانسان وقلبه ما يحاربه ... وقد يكون سببها حالة فتور يجوزها الانسان، أو طبيعة ضعيفة تستسلم للخطأ، أو اهمال الانسان في ممارسة الوسائط الروحية، فيضعف القلب من الداخل، ويترك الفكر يطيش بلا ضابط ... وربما تبدأ بالتراخي في ضبط الحواس، والحواس هي ابواب يدخل منها الفكر، والحرب الروحية الداخلية قد تأتي خفيفة أو عنيفة، وحتى ان بدأت خفيفة، فان تراخي الانسان لها تسيطر عليه، ومن المحاربات الداخلية حرب الأفكار وحرب الشهوات

اما عن حرب الأفكار فقد تأتي في اليقظة أو أثناء النوم، والأفكار الخاطئة التي تحارب الانسان أثناء نومه، ربما تكون مترسبة من أفكار وأخبار وصور النهار، مما كمن في العقل الباطن من شهوات وأفكار، وما جلبته الأذن من حكايات وأخبار، وما قرأه الشخص من قصص، وما رأته العين من صور بحيث ترسب كل ذلك في ذهنه

كل هذه تأتي مرة أخرى في احلام أثناء الليل أو في سرحان أثناء النوم، أو ما يسمونه أحلام اليقظة، ويستمر الانسان في ذلك، ان كان القلب قابلا لها، اما ان كان رافضا لها، فانها تتوقف، ويصحو هو الى نفسه، وارادة الانسان ضابط هام للفكر، فهي التي تسمح بدخول الفكر، أما ان دخل خلسة، فهي التي تسمح باستمراره أو ايقافه، ومن موقف الارادة تأتي المسئولية

ومن هنا نرد على السؤال القائل : هل هذه الأفكار ارادية، أم غير ارادية، أم شبه ارادية : أي من النوع الذي هو غير ارادي الآن، ولكنه نابع من ارادة سابقة تسببت فيه؟! فقد يغرس الشيطان في عقل الانسان يدخل اليه بغير ارادته، وهذا الفكر ان لم تكن عليك مسئولية في دخوله، فلاشك عليك مسئولية في قبوله. ان أردت يمكنك أن تطرد الفكر ولا تتعامل معه ولا ترحب به، لانك ان قبلته تكون خائنا لمحبه الله ومقصرا في حفظ وصاياه، وفي صيانة قدسية قلبك من الداخل

وقد يأتيك الفكر الخاطئ في حلم فان كنت نقيا تماما، سوف لا تقبل هذا الفكر في الحلم أيضا، وان كنت لم تصل الى هذا المستوى وقبلته، فستحزن في يقظتك كثيرا لقبوله، وحزنك سيترك أثره العميق في عقلك الباطن، بحيث ترفض كل حلم مماثل في المستقبل، ولو بالتدريج، الى أن تصل الى نقاوة عقلك الباطن. اذن قاوم الفكر الخاطئ بالنهار أثناء يقظتك لكي تتعود مقاومته حتى الليل أثناء نومك .. وتنغرس هذه المقاومة في أعماق شعورك، ويتعودها العقل الباطن ... اذن زمام أفكارك في يدك : سواء الأفكار التي تصنعها بنفسك، أو التي ترد اليك من الخارج، من الشيطان أو من الناس، وما أصدق المثل القائل : ان كنت لا تستطيع ان تمنع الطير من أن يحوم حول رأسك، فعلى الأقل تستطيع أن تمنعه من أن يعشش في شعرك ... وان اشتدت عليك الأفكار بطريقة ضاغطة ومستمرة، فلا تيأس ولا تقل لا فائدة من المقاومة، وتستسلم للفكر!! فان اليأس يجعل الانسان يتراخى مع الفكر، ويفتح له أبوابه الداخلية، ويضعف امامه ويسقط ... أما أنت فحارب الأفكار، وأصمد في قتال الأفكار، ولا تجعلها تقودك، انما اطلب نعمة الله لكي تنقذك حتى وأنت ساقط قل يا رب : حتى ان أنا سقطت فانني واحد من رعيتك، ومن خليقتك فلا تتركني، بل أنقذني من سقوطي، انها خطية ضعف، وليست خطية خيانة لك

وعموما الجأ أولا الى الوقاية فانها خير من العلاج، املأ ذهنك اذن بقكر صالح حتى اذا أتاك الشيطان يوما بفكر ردئ، لا يجدك متفرغا له، فيبتعد عنك لا تترك عقلك في فراغ، خوفا من أن يحتك الشيطان ويغرس فيه ما يريد، ولذلك فالقراءة الروحية مفيدة لك جدا، وكذلك أية قراءة عميقة، فانها تشغل الذهن وتمنع الأفكار الرديئة عنه

كن مستيقظا باستمرار، ساهرا على نقاوة قلبك فلا يسرقك الفكر الخاطئ دون أن تحس ... فاطرد الأفكار في بادئ الأمر حينما تكون ضعيفة، وأنت لاتزال قويا لانك ان تركت الافكار الخاطئة باقية فترة في ذهنك وتثبت أقدامها وتقوى عليك، وتضعف أنت ولا تقوى عليها

اهتم بالفضيلة الروحية التي يسمونها استحياء الفكر ... اذ يستحي الفكر من أن يخطئ بينما هو أمام الله الذي يراه ويسمعه في كل مكان وكل وقت. ابتعد ايضا عن مسببات الخطأ عن العثرات التي تجلب لك أفكارا خاطئة، ابتعد عن كل لقاء ضار، وعن كل معاشرة أو صداقة خاطئة، وعن كل القراءات التي تسبب لك أفكارا دنسة، وعن كل السماعات والمناظر التي هي مصدر للفكر الخاطئ ومادامت الحواس هي أبواب الفكر، فلتكن حواسك نقية، لكي تجلب لك أفكارا نقية، أما ان تراخيت مع الحواس فانك تحارب نفسك بنفسك ... ان أتعبك الفكر وأنت وحدك، أهرب منه بالحديث مع الناس، لأنه ليس بالامكان الجمع بين ما يقوله الناس وما يوحى به الفكر الخاطئ، واعلم أن الهروب من فكر الخطية أفضل من محاربته، لأنك حتى لو قاتلت الفكر الخاطئ وانتصرت عليه، يكون قد لوث ذهنك ولو الى لحظات

لا تخدع نفسك وتقول : سأرى كيف يسير الفكر وكيف ينتهي؟ ولو من باب حب الاستطلاع لأنك تعرف تماما أن هذا الفكر سيضرك، وربما يخضعك له

أيضا ان الأفكار الخاطئة اذا استمرت، قد تقودك الى انفعالات وشهوات تكون أخطر لأنها تنتقل من الفكر الى القلب، ومن الذهن الى العاطفة
وحرب الشهوات هذه أود أن أحدثك عنها في مقال آخر


مقال فداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرفسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44589 – يوم الأحد الموافق 4 يناير (كانون الثاني) 2009 ميلادية، 26 كيهك 1725 شهداء (قبطية)، 7 محرم 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء، http://www.ahram.org.eg


Share/Save/Bookmark

Facebook Comments

Twitter

I Read

Word of the Day

Quote of the Day

Article of the Day

This Day in History

Today's Birthday

In the News