Saturday, March 7, 2009

تخصصات في العمل الشيطاني

كما أنه توجد في العلم تخصصات‏، هكذا أيضا في أعمال الشياطين تخصصات متعددة يتقدمها إخصائيون من الشياطين‏،‏ لهم بها معرفة وخبرة‏..‏ نذكر من بينها‏:‏

(1)‏ شيطان متخصص في التخدير‏:‏ ذلك أنه حينما يكون الانسان متيقظا ومتنبها لخلاص نفسه‏،‏ صاحيا عقلا وروحا‏،‏ فإنه من الصعب أن يسقط‏.‏ وهكذا قال أحد الآباء إن الخطية يسبقها إما الشهوة أو الغفلة أو النسيان‏.‏ فهذه الحالة الأخيرة‏،‏ حالة الغفلة والنسيان‏، هي تخدير من الشيطان للانسان‏.‏ بالتخدير ينساق الشخص إلي الخطية‏،‏ كأنه ليس في وعيه‏،‏ يخدره الشيطان بحيث ينسي كل شيء ما عدا الخطية‏،‏ فتكون كل حواسه وأفكاره ومشاعره مركزة في الخطية وحدها‏.‏ وأما كل ما عداها فلا يحس به الانسان إطلاقا‏،‏ كأنه قد نسيه تماما‏!‏

نسي علاقته بالله‏.‏ وينسي كل وصايا الله‏،‏ وينسي مبادئه واحتراسه‏.‏ وينسي وعوده لله وتعهداته‏،‏ وينسي نقاوة قلبه‏.‏ وينسي أيضا نتائج الخطية عليه وعلي غيره‏،‏ وينسي عقوبات الله وإنذاراته‏.‏ ويكون كأنه مخدر تماما‏،‏ لا يعرف إلا الخطية‏.‏ ولا يفيق إلا بعد السقوط‏، حينما يكون كل شيء قد انتهي‏!!‏

وقد يفيق الانسان بعد الخطية مباشرة‏،‏ وربما بعد مدة طويلة‏.‏ فيهوذا مثلا لم يفق إلا بعد فوات الفرصة‏..‏

وهناك من يفيق من تخديره فيتوب‏.‏ وهناك من يفيق‏،‏ فيصاب بصغر نفس أو قد ييأس‏..‏ لذلك هناك نصيحتان أقدمهما لك‏،‏ إذا خدرك الشيطان‏:‏

الأولي‏:‏ أن تفيق بسرعة‏،‏ وهذا لا يتوافر إلا إذا كان قلبك من الأصل محبا للفضيلة‏.‏ واحذر من أن تستمر مخدرا بالخطية إلي أن تصبح عادة‏!‏ أو أن تصحو من تخديرك بعد أن تكون قد وصلت إلي نتائج سيئة جدا‏..‏

والنصيحة الثانية‏:‏ هي أنك حينما تفيق‏،‏ إنما تفيق إلي توبة حقيقية وسريعة‏، وليس إلي يأس أو صغر نفس‏.‏ واستخدم الندم وإنسحاق القلب لنفعك الروحي‏.‏

(2)‏ شيطان الخجل‏:‏ إن الخجل يكون فضيلة إذا أحسن الانسان استخدامه‏.‏ ولكن الشيطان كثيرا ما يستخدمه بطريقة تساعد علي السقوط‏.‏

كإنسان كان جالسا وسط أناس‏،‏ وبدأوا يتكلمون كلاما رديئا من الناحية الأخلاقية‏،‏ أو يتحدثون بالسوء في سيرة شخص ما‏، له مكانته ويشهرون به‏،‏ أو يسردون قصصا غير لائقة‏..‏ وهذا الانسان الجالس بينهم لم يكن يتوقع كل هذا‏.‏ فيفكر أن يتركهم وينسحب‏.‏ ولكن شيطان الخجل يمنعه ويستمر في البقاء‏.‏ أو أنه يفكر أن يقول لهم‏:‏ هذا الحديث لا يليق‏.‏ ولكن شيطان الخجل يمنعه‏.‏ فيستمر جالسا يستمع‏.‏ ويمتليء عقله بأفكار ما كان يجب أن تجول بذهنه‏.‏

وأحيانا أخري يدفعه شيطان الخجل إلي أن يوقع علي تزكية لا يوافق عليها ضميره‏.‏ وذلك خجلا من الشخص المزكي‏!‏

أو يوقع علي بيان أو قرار‏،‏ هو في أعماقه غير راض عنه‏!‏ أو يشترك في مدح إنسان لايستحق ذلك‏..‏ وإن حاول أن يمتنع عن كل ذلك‏،‏ يدفعه شيطان الخجل‏!‏

وقد يجعل الشيطان فتاة تخجل من ملابسها المحتشمة‏،‏ بحجة أن التيار العام ضد ذلك‏!‏ وبالمثل قد يجعل شابا متدينا يرفض سيجارة يقدمها إليه زميل أو أستاذ له‏،‏ بحجة عدم جرح شعوره‏!‏

وكم من خطايا يقع فيها الانسان بسبب شيطان الخجل‏..!‏

والمفروض أن يرفض المتدينون هذا الخجل‏،‏ أو يجدوا سببا يبعدون به عن الاحراج بلباقة‏.‏ أو أن يكون الشاب المتدين قوي الشخصية يستطيع أن يدافع عن موقفه الروحي بإقناع الآخرين‏.‏ أو علي الأقل يبعد تماما عن الصحبة أو المناسبات التي تعرضه لشيطان الخجل‏.‏

والعجيب أن الروحيين يخجلون أحيانا من تدينهم‏، بينما تكون للخاطئين جرأة وجسارة في التباهي بأخطائهم‏.‏

(3)‏ شيطان الوقت الضائع‏:‏ الذي يضيع وقته في تفاهات‏،‏ بلا أدني فائدة روحية أو عقلية أو صحية‏، وبلا فائدة للآخرين‏.‏

لايهم الشيطان أن ترتكب خطية في هذا الوقت‏،‏ بل يكفيه أن هذا الوقت يضيع بينما هو جزء من عمرك‏!‏

والأمثلة كثيرة لهذا الوقت الضائع‏،‏ ومنها‏:‏ أحاديث قد تطول بالساعات في موضوعات لا فائدة لك منها‏،‏ وتكون بلاحجة‏.‏ ومجادلات ومناقشات لاجدوي منها سوي تعب الأعصاب وضياع الوقت‏.‏ وزيارات وسهرات وترفيهات زائدة علي الحد‏.‏ ومسليات تأخذ كل الوقت‏،‏ وتعطل إيجابيات مهمة في حياتك مثل جلوس البعض في المقاهي‏،‏ والكلام وقتل الوقت‏..‏ وطبيعي أن الذي يقبل ضياع وقته‏،‏ تكون حياته رخيصة في عينيه‏..‏

(4)‏ شيطان التأجيل‏:‏ إن الشيطان يريد بكل جهده ان يمنعك من كل أعمال البر‏.‏ فإن وجدك مقدما علي عمل فضيلة معينة‏، لايمنعك عنها صراحة لئلا يكشف نفسه‏،‏ وإنما يدعوك إلي التأجيل‏.‏

يقول لك‏:‏ لماذا الاسراع؟ الأمر في يدنا نستطيع أن نعمله في أي وقت‏.‏ ربما التريث يعطينا فرصة لفحص الأمر بطريقة اعمق‏،‏ أو لاختيار أسهل السبل للوصول إليه‏،‏ أو يعطينا مزيدا من الاقتناع‏..‏ علي أية الحالات عندنا بعض أمور مهمة حاليا‏،‏ ما إن ننتهي منها‏،‏ حتي نقوم بعمل هذا البر‏..‏

والمقصود بالتأجيل هو إضاعة الحماس للعمل‏،‏ أو إضاعة الفرصة‏، أو ترك الموضوع‏،‏ فرصة لعلك تنساه‏،‏ أو يحدث ما يغطي عليه‏.‏ كأن تأتيك مشغولية كبيرة تأخذ كل اهتمامك ووقتك‏، أو يحدث حادث يعطلك‏،‏ أو تبدو عوائق معينة تعرقل التنفيذ‏،‏ أو يلقي الشيطان في طريقك بخطية تقترفها‏،‏ فتفتر حرارتك الروحية‏،‏ فلا تنفذ ما كنت تنوي عمله من أعمال البر‏.‏ يا أخي‏،‏ ربما هي إحدي زيارات النعمة تدعوك‏.‏ فإن أنت أجلت العمل‏،‏ ضاع تأثيرها‏.‏ إن الفرصة حاليا في يدك‏، فاعمل ما تريده من الخير‏،‏ ولا تؤجل‏.‏ لأن التأجيل قد يكون خطوة إلي الالغاء‏،‏ يعرضها الشيطان بلباقة منه‏.‏

إن كنت مقبلا علي عمل من أعمال الرحمة‏، فاستمع إذن إلي قول سليمان الحكيم‏:‏ لا تمنع الخير عن أهله حين يكون في طاقة يدك أن تفعله‏.‏ لا تقل لصاحبك‏:‏ ارجع فأعطيك غدا‏،‏ وموجود عندك‏.‏ كذلك إن دعاك صوت في داخلك أن تتوب‏،‏ فلا تؤجل التوبة‏،‏ لعلك لا تجد ما يدفعك إليها فيما بعد‏.

مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44631 – يوم الأحد الموافق 15 فبراير (شباط) 2009 ميلادية، 8 أمشير 1725 شهداء (قبطية)، 20 صفر 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg
‏‏‏‏


Share/Save/Bookmark

No comments:

Post a Comment

Facebook Comments

Twitter

I Read

Word of the Day

Quote of the Day

Article of the Day

This Day in History

Today's Birthday

In the News