Monday, January 12, 2009

محاربات روحية من الداخل والخارج

كل انسان معرض للحروب الروحية لاختبار ارادته حتى القديسين والأبرار، غير أن اولئك الأبرار كانوا منتصرين في محاربتهم ... والمحاربات الروحية فد تأتي الى الانسان من داخل نفسه، أو من الشيطان أو من العالم أو من الناس الأعداء الأشرار ... والمحاربات الداخلية التي من داخل النفس، من أفكار العقل وشهوات القلب وحركات الجسد، هي أصعب من المحاربات الخارجية، لأن الانسان يكون فيها عدو نفسه، ولأنه يضعف أمامها، اذ هو يشتهيها ولا يريد مقاومتها لذلك كانت نفاوة القلب هي أهم شيئ في الحياة الروحية، والقلب النقي هو حصن لا ينال، انه يشبه بيتا مبنيا على الصخر، مهما هبت عليه الزوابع لا تسقطه

وربما يكون سبب الحرب الداخلية اندماج الخطية في الطبع، بحيث يترسب في عقل الانسان وقلبه ما يحاربه ... وقد يكون سببها حالة فتور يجوزها الانسان، أو طبيعة ضعيفة تستسلم للخطأ، أو اهمال الانسان في ممارسة الوسائط الروحية، فيضعف القلب من الداخل، ويترك الفكر يطيش بلا ضابط ... وربما تبدأ بالتراخي في ضبط الحواس، والحواس هي ابواب يدخل منها الفكر، والحرب الروحية الداخلية قد تأتي خفيفة أو عنيفة، وحتى ان بدأت خفيفة، فان تراخي الانسان لها تسيطر عليه، ومن المحاربات الداخلية حرب الأفكار وحرب الشهوات

اما عن حرب الأفكار فقد تأتي في اليقظة أو أثناء النوم، والأفكار الخاطئة التي تحارب الانسان أثناء نومه، ربما تكون مترسبة من أفكار وأخبار وصور النهار، مما كمن في العقل الباطن من شهوات وأفكار، وما جلبته الأذن من حكايات وأخبار، وما قرأه الشخص من قصص، وما رأته العين من صور بحيث ترسب كل ذلك في ذهنه

كل هذه تأتي مرة أخرى في احلام أثناء الليل أو في سرحان أثناء النوم، أو ما يسمونه أحلام اليقظة، ويستمر الانسان في ذلك، ان كان القلب قابلا لها، اما ان كان رافضا لها، فانها تتوقف، ويصحو هو الى نفسه، وارادة الانسان ضابط هام للفكر، فهي التي تسمح بدخول الفكر، أما ان دخل خلسة، فهي التي تسمح باستمراره أو ايقافه، ومن موقف الارادة تأتي المسئولية

ومن هنا نرد على السؤال القائل : هل هذه الأفكار ارادية، أم غير ارادية، أم شبه ارادية : أي من النوع الذي هو غير ارادي الآن، ولكنه نابع من ارادة سابقة تسببت فيه؟! فقد يغرس الشيطان في عقل الانسان يدخل اليه بغير ارادته، وهذا الفكر ان لم تكن عليك مسئولية في دخوله، فلاشك عليك مسئولية في قبوله. ان أردت يمكنك أن تطرد الفكر ولا تتعامل معه ولا ترحب به، لانك ان قبلته تكون خائنا لمحبه الله ومقصرا في حفظ وصاياه، وفي صيانة قدسية قلبك من الداخل

وقد يأتيك الفكر الخاطئ في حلم فان كنت نقيا تماما، سوف لا تقبل هذا الفكر في الحلم أيضا، وان كنت لم تصل الى هذا المستوى وقبلته، فستحزن في يقظتك كثيرا لقبوله، وحزنك سيترك أثره العميق في عقلك الباطن، بحيث ترفض كل حلم مماثل في المستقبل، ولو بالتدريج، الى أن تصل الى نقاوة عقلك الباطن. اذن قاوم الفكر الخاطئ بالنهار أثناء يقظتك لكي تتعود مقاومته حتى الليل أثناء نومك .. وتنغرس هذه المقاومة في أعماق شعورك، ويتعودها العقل الباطن ... اذن زمام أفكارك في يدك : سواء الأفكار التي تصنعها بنفسك، أو التي ترد اليك من الخارج، من الشيطان أو من الناس، وما أصدق المثل القائل : ان كنت لا تستطيع ان تمنع الطير من أن يحوم حول رأسك، فعلى الأقل تستطيع أن تمنعه من أن يعشش في شعرك ... وان اشتدت عليك الأفكار بطريقة ضاغطة ومستمرة، فلا تيأس ولا تقل لا فائدة من المقاومة، وتستسلم للفكر!! فان اليأس يجعل الانسان يتراخى مع الفكر، ويفتح له أبوابه الداخلية، ويضعف امامه ويسقط ... أما أنت فحارب الأفكار، وأصمد في قتال الأفكار، ولا تجعلها تقودك، انما اطلب نعمة الله لكي تنقذك حتى وأنت ساقط قل يا رب : حتى ان أنا سقطت فانني واحد من رعيتك، ومن خليقتك فلا تتركني، بل أنقذني من سقوطي، انها خطية ضعف، وليست خطية خيانة لك

وعموما الجأ أولا الى الوقاية فانها خير من العلاج، املأ ذهنك اذن بقكر صالح حتى اذا أتاك الشيطان يوما بفكر ردئ، لا يجدك متفرغا له، فيبتعد عنك لا تترك عقلك في فراغ، خوفا من أن يحتك الشيطان ويغرس فيه ما يريد، ولذلك فالقراءة الروحية مفيدة لك جدا، وكذلك أية قراءة عميقة، فانها تشغل الذهن وتمنع الأفكار الرديئة عنه

كن مستيقظا باستمرار، ساهرا على نقاوة قلبك فلا يسرقك الفكر الخاطئ دون أن تحس ... فاطرد الأفكار في بادئ الأمر حينما تكون ضعيفة، وأنت لاتزال قويا لانك ان تركت الافكار الخاطئة باقية فترة في ذهنك وتثبت أقدامها وتقوى عليك، وتضعف أنت ولا تقوى عليها

اهتم بالفضيلة الروحية التي يسمونها استحياء الفكر ... اذ يستحي الفكر من أن يخطئ بينما هو أمام الله الذي يراه ويسمعه في كل مكان وكل وقت. ابتعد ايضا عن مسببات الخطأ عن العثرات التي تجلب لك أفكارا خاطئة، ابتعد عن كل لقاء ضار، وعن كل معاشرة أو صداقة خاطئة، وعن كل القراءات التي تسبب لك أفكارا دنسة، وعن كل السماعات والمناظر التي هي مصدر للفكر الخاطئ ومادامت الحواس هي أبواب الفكر، فلتكن حواسك نقية، لكي تجلب لك أفكارا نقية، أما ان تراخيت مع الحواس فانك تحارب نفسك بنفسك ... ان أتعبك الفكر وأنت وحدك، أهرب منه بالحديث مع الناس، لأنه ليس بالامكان الجمع بين ما يقوله الناس وما يوحى به الفكر الخاطئ، واعلم أن الهروب من فكر الخطية أفضل من محاربته، لأنك حتى لو قاتلت الفكر الخاطئ وانتصرت عليه، يكون قد لوث ذهنك ولو الى لحظات

لا تخدع نفسك وتقول : سأرى كيف يسير الفكر وكيف ينتهي؟ ولو من باب حب الاستطلاع لأنك تعرف تماما أن هذا الفكر سيضرك، وربما يخضعك له

أيضا ان الأفكار الخاطئة اذا استمرت، قد تقودك الى انفعالات وشهوات تكون أخطر لأنها تنتقل من الفكر الى القلب، ومن الذهن الى العاطفة
وحرب الشهوات هذه أود أن أحدثك عنها في مقال آخر


مقال فداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرفسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44589 – يوم الأحد الموافق 4 يناير (كانون الثاني) 2009 ميلادية، 26 كيهك 1725 شهداء (قبطية)، 7 محرم 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء، http://www.ahram.org.eg


Share/Save/Bookmark

No comments:

Post a Comment

Facebook Comments

Twitter

I Read

Word of the Day

Quote of the Day

Article of the Day

This Day in History

Today's Birthday

In the News