Thursday, April 30, 2009

ما بين الصمت والكلام

ما بين الصمت والكلام
بقلم: البابا شنودة الثالث


يقف أمامنا سؤال مهم‏:‏ أيهما أفضل الصمت أم الكلام؟

لكل شيء تحت السموات وقت‏،‏ فلا يجوز الصمت حين ينبغي الكلام‏،‏ ولايجوز الكلام حين يجب الصمت‏،‏ وقد قال الآباء‏:‏ الصمت من أجل الله جيد‏،‏ والكلام من أجل الله جيد‏،‏ ولقد خلق الله الانسان كائنا عاقلا ناطقا‏،‏ لكي ينطق ولكن بعقل‏، كما ان الله خلق للانسان اذنين ولسانا واحدا‏،‏ لكي يسمع اكثر مما يتكلم‏،‏ كما جعل الاذنين مفتوحتين باستمرار‏،‏ اما اللسان فجعله في فم مغلق بشفتين وحول اللسان أسوار من الاسنان‏،‏ كل ذلك لكي يستمع أكثر مما يتكلم‏،‏ وقد جعل الله الاذنين كلا منهما في اتجاه‏،‏ واحدة منهما في اليمين والأخري في اليسار‏،‏ لكي من الناحية الرمزية يستمع الانسان إلي الرأي وإلي الآخر وبين الأذنين يوجد الرأس يرمز إلي العقل والفكر‏،‏ للحكم بين الرأي والرأي الآخر‏.‏ والكلام علي انواع‏:‏ فقد يكون وصفا أو شرحا‏،‏ وقد يكون فخرا وذما في الآخرين‏،‏ وقد يكون عبادة أو مجونا‏،‏ وقد يكون سؤالا أو حكما علي الآخرين‏،‏ وقد يكون وعظا أو تعليقا علي الواعظ قد يكون نقدا أو إعجابا‏..‏ وفي كل ذلك وغيره ينبغي ان تكون الحكمة مشرفة علي ذلك كله‏.‏ من جهة المشيرين‏:‏ يحدث أن أبا في ساعة وفاته يترك وصية لابنائه‏،‏ كما يحدث ان يتلقوا مشورات من آخرين‏:‏ من قادة دينيين‏،‏ ومن مدرسين ومعلمين‏،‏ ومن بعض ذوي الخبرة‏،‏ ومن آخرين‏،‏ وقديما كان اشخاص يأتون من اقاصي الأرض ليسمعوا كلمة منفعة من أحد المتوحدين في البراري‏..‏ كل ذلك تتلقاه الأذنان‏،‏ ويصل إلي العقل‏،‏ وإلي الضمير‏،‏ ويكون الانسان مستمعا لامتكلما‏..‏ واحيانا بالضرورة يلجأ إلي الحوار فيما يسمع‏،‏ إما لكي يفهم‏،‏ أو لكي يتأكد‏..‏ أما المتكلمون في أذنيه فيشعرون ان هذا واجب عليهم‏.‏ ومع كل ذلك لقد قدم لنا التاريخ امثلة من الصامتين‏،‏ كان النساك المتوحدون يرون ان الصمت افضل‏، لانهم بذلك يتفرغون للحديث مع الله وليس مع الناس‏،‏ أما الصمت بالنسبة للناس العاديين فانه يعطيهم مزيدا من التفكير‏،‏ عن أخطاء اللسان‏،‏ وبالتالي حكمة في التدبير‏،‏ والانسان الحكيم اذا سئل سؤالا‏،‏ احيانا يصمت قليلا ثم يجيب‏،‏ لكي يعطي مجالا ليقدم احسن اجابة‏،‏ وذلك لان التعمق فيما ينبغي ان يقال هو افضل من التسرع في الاجابة عن شيء قبل فهمه جيدا واستيعابه بعمق‏

إن كان حكماء كثيرون قد فضلوا الصمت علي الكلام‏،‏ ففي الواقع ليس كل صمت فضيلة‏،‏ وليس كل كلام خطيئة أو نقصا‏،‏ فكما اننا في بعض الاحيان ندان علي كلام خاطيء أو متسرع‏،‏ فإننا في أحيانا اخري ندان علي صمتنا‏،‏ فالمسألة تحتاج إلي حكمة وتمييز لنعرف متي نتكلم وبأي اسلوب؟ ومتي نصمت؟ وإلي متي ؟ لاشك ان هناك كلاما نافعا ومفيدا حين نتكلم بالصالحات‏، والصمت حالة سلبية‏،‏ بينما الكلام حالة إيجابية‏.‏ وإنما يدرب الناس أنفسهم علي الصمت كحالة وقائية من اخطاء اللسان‏،‏ إلي ان يتدربوا علي الكلام النافع‏

وسوف نقدم هنا امثلة للكلام النافع‏،‏ وهو كل كلمة تفيد السامع لبنيان عقله وروحه‏،‏ ولثقافته وهدايته‏:‏ من ذلك كلمة النصح والارشاد لمن يحتاج إليها‏،‏ حتي لايضل الطريق‏،‏ وكلمة الحكمة التي يجعلها السامع نبراسا له في طريق الحياة‏،‏ وكلمة التشجيع لانسان علي حافة اليأس أو في حالة انهيار‏،‏ لكي تبعث فيه الرجاء من جديد‏،‏ وكلمة العزاء لشخص حزين‏.‏ كذلك كلام التعليم علي شرط ان يكون تعليما سليما‏،‏ يضاف إلي ذلك كلمة البركة من اب لابنه‏،‏ أو من استاذ لتلميذه‏

كذلك كلمة التوبيخ المخلصة التي تصدر من صديق أو مرشد أو أب‏، لكي تحذر شخصيا يسير في طريق خاطيء‏،‏ حتي يصحح سلوكه أو يمتنع عن خطأ سيفعله‏،‏ كل ذلك يدخل في نطاق كلام المنفعة‏،‏ لان من يسمعه ينتفع به‏

ما أكثر كلام المنفعة في الحياة العملية‏،‏ من أجله تنعقد مؤتمرات التوعية في شتي المجالات‏:‏ منها مؤتمرات الأسرة ليتكلم فيها متخصصون عن كيف يتعامل الخطيبان معا‏،‏ أو كيف يسلك المتزوجون حديثا في حياة جديدة عليهم‏،‏ أوكيف تحل المشكلات الزوجية دون ان تتسع أو تصل إلي المحاكم‏، ودون ان تدخل فيها الحموات فتعقدها‏،‏ بل ربما يعقد مؤتمر أسري عن مثالية سلوك الحموات الفضليات‏..‏ كل ذلك كلام منفعة‏.‏ تعقد مؤتمرات للشباب يسمعون فيها ممن هم أكبر منهم سنا‏،‏ وأكثر منهم معرفة‏،‏ يحدثونهم عن طاقة الشباب في تلك السن وكيف تستخدم‏،‏ وعن المفهوم السليم لكلمة الحرية‏،‏ والمفهوم السليم للقوة وعن النجاح في الحياة وكيف يكون؟ وعن العلاقة المثلي في محيط الأسرة‏،‏ وبين الاصدقاء وفي المجتمع‏..‏وكل ذلك كلام نافع‏

مثل آخر هو المؤتمرات العلمية التي تعقد لكي يستمع فيها رجال العلم إلي آخر ماوصل إليه العلم في نقاط معينة‏

كل ذلك كلام نافع يسعي إليه الناس للاستفادة‏،‏ يضاف إليه كلام الحكماء والادباء والمتخصصين في نطاقهم‏،‏ وايضا كلام المسئولين إلي من هم تحت ادارتهم‏..‏ ويعتبر كل ذلك في حدود الواجب يلام من يقصر فيه‏

لايستطيع الاب ان يقول الصمت فضيلة ويقصر في تربية أولاده‏،‏ بينما يقول الشاعر‏:‏ وينشأ ناشيء الفتيان منا‏..‏ علي ما كان عوده ابوه‏

وكذلك الأم في تربيتها لاطفالها من بدء سنهم‏.‏ هناك كلام يدخل في حدود الواجب‏، وهو لازم وملزم‏،‏ فلايجوز التقصير في واجب التعليم والتهذيب والتربية‏.‏ كذلك ان صمتنا عن الشهادة للحق ندان علي صمتنا وان أعطي صمتنا مجالا للباطل ان ينتشر وان ينتصر‏،‏ كذلك ندان علي صمتنا وان قصرنا في إنذار البعض وأضر ذلك بنفسه أو بغيره ندان ايضا‏..‏ وهكذا إن رأيت شخصا يوشك ان يسقط في حفرة‏،‏ ولم تحذره‏،‏ فان سقط ومات يطالبك الله بدمه ويزعجك ضميرك‏..‏ بهذا يكون الواجب علي الرعاة والقادة ان يتكلموا‏،‏ ويجب الكلام ايضا علي من كلفهم الله ان يقولوا كلمة الحق ويشهدوا لوصاياه‏

وحينئذ تكون الفضيلة ان نتكلم حين يجب الكلام‏

أما عن الصمت لكي نتقي اخطاء الكلام‏،‏ وكذلك الحديث عن أخطاء الكلام وأداب الحديث فله منا بمشيئة الله مقال آخر‏


مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44701 – يوم الأحد الموافق 26 ابريل (نيسان) 2009 ميلادية، 18 برموده 1725 شهداء (قبطية)، 30 ربيع الاخر 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg


Share/Save/Bookmark

Tuesday, April 28, 2009

السنكسار 20 برمودة

التقويم القبطي 20 برمودة للشهداء
28 أبريل 2009

استشهاد القديس ببنودة من دندرة - 20 برمودة

في مثل هذا اليوم استشهد القديس ببنوده الذي من دندره هذا القديس كان راهبا متوحدا. فظهر له ملاك الرب وقال له البس ثياب الخدمة الكهنوتية، واذهب لمقابلة أريانوس الوالي. الذي كان قد رسا بمركبه علي دندره يجد في طلب هذا القديس. فجاء إليه وصرخ في وجهه بأعلى صوته قائلا "أنا نصراني مؤمن بالسيد المسيح" فلما عرفه الوالي أنه ذلك المتوحد، الذي يجد في طلبه عذبه عذابا كثيرا ثم كبله بالحديد وطرحه في سجن مظلم. فأشرق عليه نور سماوي وظهر له ملاك الرب وشفاه من جراحاته وعزاه وكان في المدينة رجل اسمه كيرلس وزوجته وابنته واثنا عشر صبيا فوعظهم القديس وثبتهم فاستشهدوا جميعا بقطع رؤوسهم ونالوا إكليل الشهادة وغضب الوالي عليه فأمر بأن يعلق في رقبته حجر ويطرح في البحر فنال إكليل الشهادة. صلاته تكون معنا ولربنا المجد دائما. آمين


استشهاد السعيد يوحنا أبو نجاح الكبير - 20 برمودة

في مثل هذا اليوم من سنة 719 للشهداء استشهد السعيد الذكر يوحنا أبو نجاح الكبير وقد كان من عظماء الأقباط في الجيلين العاشر والحادي عشر للميلاد. وكان كبير الكتاب المباشرين في عصره. كما كان مقدم الأراخنة في عهد الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي. وكان هذا الشيخ الكبير يعاصر البابا فيلوثاؤس البطريرك 63 الذي تولي الكرسي من 28 مارس سنة 979 م إلى 8 نوفمبر سنة 1003م
وكان يوحنا هذا مسيحيا تقيا وبارا محسنا كبيرا، ومحبا للكنيسة غيورا علي الإيمان الأرثوذكسي. ولما انتهي الحاكم بأمر الله من إفناء خواصه ومقدمي جيشه، عاد إلى مقدمي الأراخنة ورؤساء الكتاب فأخذ منهم عشرة وعرض عليهم الإسلام وكان أولهم يوحنا أبو نجاح رئيس المقدمين، فأحضره إليه وقال له " أريد أن تترك دينك وتعود إلى ديني وأجعلك وزيري فتقوم بتدبير أمور مملكتي" فأجابه يوحنا قائلا "أمهلني إلى غد حتى أشاور نفسي "فأمهله وأطلقه فمضي يوحنا إلى منزله وأحضر أصدقاءه وعرفهم ما جرى له مع الخليفة وقال لهم "أنا مستعد أن أموت علي اسم السيد المسيح وان غرضي من طلب المهلة إلى الغد لم يكن لمشاورة نفسي بل قلت هذا حتى اجتمع بكم وبأهلي فأودعكم وأوصيكم"، ثم أوصاهم قائلا "والآن يا أخوتي لا تطلبوا هذا المجد الفاني فتضيعوا عليكم مجد السيد المسيح الدائم الباقي فقد اشبع نفوسنا من خيرات الأرض وهوذا برحمته قد دعانا إلى ملكوت السموات فقووا قلوبكم ".
وقد كان من أثر كلامه الذهبي المملوء حكمة أن تشددت قلوب سامعيه أجمعين وعزموا علي أن يموتوا علي اسم السيد المسيح، ثم صنع لهم في ذلك اليوم وليمة عظيمة وأقاموا عنده إلى المساء ثم مضوا إلى منازلهم
وفي الصباح مضي يوحنا إلى الحاكم بأمر الله فقال له الخليفة : "يا نجاح، أتري هل طابت نفسك ؟" أجابه يوحنا قائلا: "نعم" قال الخليفة: "علي أية قضية ؟" قال يوحنا بشجاعة وثبات: بقائي علي ديني."
فاجتهد الحاكم بكل أنواع الترغيب والوعيد أن ينقله من النصرانية فكان يوحنا كالصخرة لا يتزعزع، وثبت متمسكا بالإيمان المسيح ولم يقو الحاكم - مع ما أوتي من قوة - علي أن يزحزحه عن دين آبائه
ولما فشل الحاكم أمام يوحنا أمر بنزع ثيابه وأن يشد في المعصرة ويضرب، فضربوه خمسمائة سوط علي ذلك الجسم الناعم حتى أنتثر لحمه وسأل دمه مثل الماء وكانت السياط المستعملة في الضرب مصنوعة من عروق البقر لا تقوي الجبابرة علي احتمال سوط منها علي أجسامهم فكم يكون الحال في هذا العود الرطب. ثم أمر الحاكم بأن يضرب إلى تمام الآلف سوط فلما ضرب ثلاثمائة أخري قال مثل سيده "أنا عطشان" فأوقفوا عنه الضرب وأعلموا الحاكم بذلك فقال "اسقوه بعد أن تقولوا له أن يرجع عن دينه" فلما جاءوا إليه بالماء وقالوا له ما أمرهم به الخليفة، أجابهم يوحنا بكل أباء وشمم قائلا: "أعيدوا له ماءه فآني غير محتاج إليه لأن سيدي يسوع المسيح قد سقاني وأطفأ ظمأى" وقد شهد قوم من الأعوان وغيرهم ممن كانوا هناك أنهم أبصروا الماء يسقط في هذه اللحظة من لحيته. ولما قال هذا اسلم الروح فأعلموا الخليفة الجبار بوفاته فأمر أن يضرب وهو جثة هامدة حتى تمام الآلف سوط وهكذا تمت شهادته ونال الإكليل المعد له من الملك العظيم يسوع المسيح ولم يذكر تاريخ البطاركة اليوم الذي استشهد فيه إلا أن المقريزي في خططه قال: "ان الرئيس فهد بن إبراهيم وهو أحد العشرة وزميل يوحنا بن نجاح قتل في 8 جمادى الآخر سنة 393 هجرية الموافق 19 برمودة سنة 719 ش و 14 أبريل سنة 1003 م " .
وقد جاء استشهاد السعيد الذكر يوحنا بن نجاح في تاريخ البطاركة، قبل ذكر استشهاد الرئيس فهد بن إبراهيم كما أن يوحنا في وليمة أصدقائه وأهله الذين كان من بينهم التسعة المختارون الآخرون- لم يذكر خبر استشهاد هذا القديس في نفس اليوم الذي استشهد فيه الرئيس فهد فيما تكلم به أثناء الوليمة وعلي ذلك يكون استشهاد هذا القديس في نفس اليوم الذي استشهد فيه الرئيس فهد


استشهاد الرئيس أبو العلا فهد بن إبراهيم وزملائه - 20 برمودة

تحتفل الكنيسة بتذكار الشيخ الرئيس أبو العلا فهد بن إبراهيم الذي نبغ في النصف الأخير من الجيل العاشر وأول الجيل الحادي عشر وقد عاصر أيضا البابا فيلوثاوس البطريرك 63 كما عاصر من الملوك الخلفاء الفاطميين الأمام العزيز بالله وابنه الحاكم بأمر الله
وكان أرخنا أرثوذكسيا متمسكا بدينه مخلصا لكنيسته كثير الإحسان فلم يرد في حياته سائلا تقدم إليه حتى أنه كان يجتاز الشوارع راكبا فيليفاه طالب الصدقة فيمد إليه كم جبته فيجد فيه السائل خيرا جزيلا وذلك إمعانا في إخفاء عطائه
وكان هذا الرئيس من أكابر رجال الدولة في العهد الفاطمي حتى أن الحاكم بأمر الله قدمه علي جميع الكتاب وأصحاب الدواوين، وأنشا الرئيس أبو العلاء كنيسة الشهيد مرقوريوس بدير أنبا رويس الحالي الذي كان معروفا وقتئذ بدير الخندق
وجاء في تاريخ البطاركة أنه لما أراد الحاكم بأمر الله أن يجعل كبار الكتاب الأقباط يتخلون عن دينهم كان الرئيس فهد من بين الرؤساء العشرة الذين اختارهم لهذا الغرض فأحضره بين يديه وقال له: "أنت تعلم أني اصطفيتك وقدمتك علي كل من في دولتي فاسمع مني وكن معي في ديني فأرفعك أكثر مما أنت فيه وتكون لي مثل أخ" فلم يجبه إلى قوله فأمر أن يضرب عنقه وأحرق جسده بالنار وظلت النار مشتعلة ثلاثة أيام ولم يحترق وبقيت يده اليمني التي كان يمدها للصدقة في كل وقت سليمة كأن النار لم تكن منها البتة
وجاء في كتاب الخطط التوفيقية أن الرئيس أبو العلاء فهد بن إبراهيم كان ينظر في أمر المملكة مع قائد القواد الحسين بن جوهر وكان الحاكم بأمر الله يرغبه في ترك مذهبه بوعود عظيمة فلم يقبل فقطع رقبته وأمر بحرق جسمه ولكن الله حماه من الاحتراق ودفن في الركن القبلي من كنيسة القديس مرقوريوس إلى شيدها في دير الخندق
وذكر المقريزي في خططه: وقتل فهد بن إبراهيم بعد أن أستمر في الرئاسة خمس سنين وتسعة أشهر وأثنا عشر يوما
وقد انتقم الله شر انتقام من الأشرار الذين سعوا بالرئيس أبي العلاء فهد لدي الخليفة وغيروا قلبه عليه فقد كان علي بن عمر بن العداس هو الذي حرك قلب الحاكم بأمر الله عليه فلم يمض علي وفاة الرئيس فهد 29 يوما حتى قتل علي ثم قتل شريكه طاهر محمود بن النحوي
وتحتفل الكنيسة أيضا بباقي الرؤساء العشرة الذين لما طالبهم الحاكم بترك دينهم لم يفعلوا ذلك ولم يطيعوه فأمر بتعذيبهم فضربوا بالسياط ولما تزايد عليهم الضرب أسلم منهم أربعة مات أحدهم في ليلته بعينها وأما الثلاثة الآخرون فانهم بعد انقضاء زمان الاضطهاد عادوا إلى دينهم المسيحي وأما الباقون فقد ماتوا وهم يعذبون ونالوا إكليل الشهادة استحقوا الحياة الدائمة


استشهاد داود الراهب - 20 برمودة

في مثل هذا اليوم استشهد داود الراهب - ورد ذلك في مخطوط شبين الكوم بن غبريال البرجي من بركة قرموط - وقد عذب كثيرا ولم ينكر الإيمان ونال إكليل الشهادة سنة 1099 للشهداء. شفاعة الجميع تكون معنا ولربنا المجد دائما. أمين



Share/Save/Bookmark

Saturday, April 25, 2009

لقاءات عجيبة في القيامة

بقلم : البابا شنودة الثالث
أهنئكم يا أخوتي وأبنائي بعيد القيامة‏،‏ راجيا فيه لبلادنا العزيزة سلاما وأمنا‏،‏ وراجيا للعالم كله قياما من سقطته المالية‏،‏ وكل آثارها المؤلمة في جميع الأقطار‏..‏

وبعد‏.‏ نحن قد تعودنا في كل عام أن نتحدث عن القيامة العامة‏،‏ وما تحوي من معان وأفكار وتأملات‏،‏ عارفين الأهمية العظمي لقيامة الأموات‏،‏ التي لولاها لتشابه البشر مع الحيوانات والحشرات والهوام‏،‏ تلك التي تنتهي حياتها بالموت وبعده الفناء‏....‏ أما البشر فيمتازون بأن لهم حياة أخري بعد الموت بدايتها القيامة التي يدخلون بها إلي الحياة الأبدية التي لا تنتهي‏.‏

ومن نعم القيامة أنها تفتح الباب للقاءات كثيرة وعجيبة ومجيدة‏،‏ ما كان ممكنا أن تحدث إطلاقا بدون القيامة‏..‏

أول هذه اللقاءات‏:‏ لقاء اثنين كانا متلازمين ومتزاملين طول العمر كله‏،‏ لا يفترقان لحظة واحدة‏،‏ بل إنهما كانا في وحدة عجيبة واندماج فوق الوصف‏....‏ وأعني بهذين الاثنين‏:‏ الروح والجسد في كل إنسان‏،‏ وفي الوحدة التي عاشاها‏، كانت مشاعرهما تندمج‏،‏ فإن فرحت الروح‏،‏ يبتسم الجسد أو يضحك ويتهلل‏،‏ وإن حزنت الروح‏،‏ فإن الجسد يكتئب أو يبكي‏،‏ وإن دخلت الروح في مجال الصلاة‏،‏ فإن الجسد يركع أو يسجد أو يقف في خشوع‏،‏ وما إلي ذلك من نواحي المشاركة في كل المشاعر والانفعالات التي يسمونها في عالم الطب سيكو سوماتيك حقا كل منهما للآخر شريك العمر‏.‏

هذان الصديقان المتلازمان افترقا بالموت‏،‏ فصعدت الروح إلي فوق‏،‏ ونزل الجسد إلي أسفل ودفن‏،‏ وبقيت الروح حية لم تمت‏،‏ أما الجسد فتحلل وتحول إلي تراب‏..‏ ومرت مئات أو آلاف السنين علي الافتراق الكامل بين الروح والجسد‏.‏

وأخيرا بالقيامة قام الجسد‏،‏ وارسل الله الروح لتتحد بالجسد وبلا شك أنها وجدته يختلف في بعض الأحوال عما كان من قبل‏،‏ لأن الله لا يقيم جسدا بعيوب كانت له‏،‏ فالأعمي لا يقوم أعمي‏،‏ بل يقوم ببصر جيد‏،‏ والأعرج والكسيح لا يقومان‏،‏ كما هما‏،‏ بل بأرجل سليمة‏،‏ وهكذا باقي المعاقين لا يقومون بأية إعاقة‏،‏ وأيضا المشوه والذي يمنحه الرب في القيامة جمالا‏.‏

والذين بترت اعضاء من جسهم في حوادث أو جراحات‏...‏ وركبت لهم أعضاء تعويضية‏، كل أولئك يقومون بأعضاء طبيعية سليمة‏..‏

هنا‏، يقف أمامنا سؤال هو‏:‏ كيف ستتعرف الروح علي جسدها لكيما تتحد به‏،‏ بعد تلك الغربة الطويلة والتغيرات الكثيرة؟ لاشك أن ذلك معجزة أخري‏!‏ هل هي ترجع إلي ذاكرة عجيبة للروح؟ أم أنها نعمة معرفة موهوبة لها؟‏!‏

المهم أن كل روح تتحد بجسدها ثم يقفان معا امام الله العادل في يوم الحساب الرهيب أو يوم الدينونة العامة‏،‏ لكي يقدما حسابا عن كل ما فعلاه خلال عمرهما الأرضي‏،‏ خيرا كان أم شرا مما اشتركا فيه معا‏،‏ وبعد صدور حكم الله عليهما‏،‏ يذهبان معا إلي مصيرهما الأبدي‏..‏

هذا هو اللقاء الأول في القيامة‏..‏ وماذا عن اللقاء الثاني؟ إنه لقاء الأحباء معا‏،‏ والأقارب والمعارف والأصدقاء‏...‏ منه لقاء الأسرة التي فقد لها حبيب بالموت‏،‏ ومرت علي ذلك سنوات لهم في الحزن والبكاء عليه‏،‏ ثم يكون اللقاء معه في القيامة العامة‏...‏ إنه لقاء الأرامل بالأزواج‏،‏ أو لقاء اليتامي بالآباء والأمهات‏...‏

وهنا أضع مثالا نادرا‏،‏ وهو رجل مات وقد ترك زوجته حبلي‏،‏ فولدت ابنا بعد موت ابيه‏،‏ لم ير أباه قط‏،‏ ولا يعرف شكله‏، هذا كيف سيتعرف علي أبيه في وقت القيامة؟‏!‏

مثال آخر وهو التعرف علي سلسلة الأنساب‏:‏ أي تعرف شخص علي جده وأبي جده‏،‏ وجد جده وجد جد جده‏،‏ إلي آخر السلسلة؟‏!‏ من سيقوم بتعريف الأسرة علي أصولها‏...‏؟‏!‏ ثم إذا كانت الأجساد ستقوم روحية غير مادية‏،‏ كما نعتقد ــ فكيف ستكون عملية التعرف أو التعريف؟

ثالث لقاء هو لقاء الناس عموما‏،‏ بعضهم بالبعض؟ علما بأن اللقاء في النعيم الأبدي سيكون فقط للأبرار مع الأبرار‏،‏ أما الخطاة فإنهم سيطرحون خارجا في الظلمة‏،‏ بعيدا عن نور الله ونور ملائكته وقديسيه‏...‏

وهنا تخطر لي بعض اسئلة منها‏:‏
أم بارة كان لها ابنان‏:‏ أحدهما بار ذهب إلي السماء‏،‏ ورأته معها‏،‏ والابن الآخر لم يستحق أن يدخل السماء‏،‏ فلم تره أمه‏،‏ ولن تراه‏...‏ ماذا يكون شعورها وعاطفتها نحوه‏، مع معرفتنا بأن مكان النعيم الأبدي قد هرب منه الحزن والكآبة والتنهد‏،‏ إنه مكان للفرح الكامل الدائم‏،‏ فهل تلك الأم التي فقدت أحد ابنيها في الأبدية‏،‏ سينعم الله عليها بنسيانه تماما‏،‏ وكأنه لم يولد؟ أم أن مشاعرها ستكون كلها مركزة في الله وفي البر والأبرار‏،‏ بحيث لا يخطر لها علي بال ذلك الابن؟‏!‏

مثال آخر‏:‏ إنسان بار مات قتيلا‏.‏ وكان قاتله قد ندم من كل قلبه علي القتل‏،‏ وتاب توبة حقيقية‏،‏ وقبل الله توبته وذهب إلي السماء‏،‏ والتقي القاتل والقتيل معا في دار النعيم‏،‏ كيف يكون شعورهما‏،‏ وفي الأبدية لا توجد مشاعر خاطئة إطلاقا‏،‏ يقينيا سيلتقيان بكل مودة وحب وفرح‏،‏ ولكن من أي نوع ستكون تلك المودة وذلك الفرح؟

النوع الرابع من اللقاء في العالم الآخر‏،‏ سيكون لقاء شعوب وأمم وأجناس‏،‏ من الأبرار من كل مكان‏،‏ من الجنس الآري إلي الجنس الزنجي‏،‏ وما بينهما من أجناس حسب تقسيم علم الأنثروبولوجي‏:‏ شعوب بيضاء وسوداء وصفراء بدرجاتها وأنواعها‏...‏ حشد كبير لا يحصي‏.‏

لا أدري كيف سيتعرفون علي بعضهم البعض؟ أم أن الله ــ تبارك اسمه ــ سوف يصنفهم صفوفا صفوفا‏،‏ وفرقا فرقا حسب درجات إيمانهم ودرجات روحانيتهم ودرجات معرفتهم‏،‏ والكل أبرار ومقبولون‏...‏ ولكن هل يمكن لقاء الكل بالكل؟ أم هذا غير ممكن؟ هنا يقف عقلي محتارا‏،‏ لا يعرف كيف يجيب‏،‏ وعلي رأي الشاعر ذو الحجي من قال إني لست أدري‏.‏

وهنا تحضرني قصة أخ أرسل إلي قديس شيخ متوحد‏،‏ في أيامه الأخيرة يقول له‏:‏ اسمح لي يا أبي أن أزورك الآن وأراك قبل أن تنطلق إلي مستواك العالي في الأبدية حيث لا يستطيع ضعيف مثلي أن يقترب‏،‏ فهل يعني هذا أن درجات الأبرار تكون في مستويات كل منها أعلي من الآخر‏،‏ وليست الخلطة متاحة للكل‏!‏ بل يرون من بعيد دون أن يندمجوا معهم ويعطلوا ما هم فيه من متعة روحية في الأبدية‏!‏

إن كان الأمر هكذا فكيف يتاح للأبرار اللقاء الخامس الذي هو اللقاء مع الملائكة‏،‏ وما هم فيه من درجات يعلو بعضها بعضا؟‏!‏ أم أن في الحياة الأخري عشرة مع الملائكة‏،‏ دون أن يعني هذا اندماجا شاملا؟ أم هناك اندماج لأن عدد الملائكة لا يحصي‏،‏ فيمكن لأعدادهم الوافرة أن تندمج بالبشر الأبرار‏،‏ وبدء ذلك الشهداء منهم والأنبياء والرسل وسائر القديسين الذين سيكون لقاء الأبرار بهم نوعا من اللقاءات في الأبدية‏...‏

أخيرا يخيل إلي انني تناولت موضوعات أعلي من مستوي فهمي البشري‏،‏ ويكفي أن نقول إنه ستكون لنا في الأبدية لقاءات عديدة تحدثنا عن أنواعها‏،‏ أما كنه تلك اللقاءات ونوعيتها‏،‏ فإنه من الأمور التي لم تعلن لنا‏،‏ ولا يسوغ لنا الخوض في أعماقها‏...‏

ختاما أرجو لكم كل خير‏،‏ وكل عام وأنتم في بركة ونعمة‏،‏ مصلين من أجل رئيس دولتنا المحبوب محمد حسني مبارك أن يمنحه الرب قوة خاصة تسنده في جهاده من أجل حفظ السلام في بلادنا وما يحيط بها‏.‏


مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44694 – يوم الأحد الموافق 19 ابريل (نيسان) 2009 ميلادية، 11 برموده 1725 شهداء (قبطية)، 23 ربيع الاخر 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg


‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏


Share/Save/Bookmark

Friday, April 17, 2009

توتر الأعصاب

ماهي الأسباب التي تؤدي إلي توتر الأعصاب؟ وكيف يتصرف الإنسان إذا وجد أن أعصابه متوترة؟ وما هو علاج توتر الأعصاب بصفة عامة؟ إن أسباب توتر الأعصاب‏:‏ بعضها جسدية‏،‏ والبعض نفسية أو روحية‏.‏ فمن الأسباب الجسدية التعب والإرهاق‏:‏ إن الأعصاب تتعب ضمن الجسد المتعب‏.‏ وتكون في حالة لاتحتمل فيها شيئا‏.‏ وأي ضغط عليها أو أية إثارة‏،‏ تسبب لها توترا‏،‏ يظهر في انفلات الإنسان وتصرفاته‏:‏ إن العمل المتواصل يعرض الأعصاب ـ كما يعرض الجسد كله ـ إلي الإرهاق‏.‏ لذلك يحتاج الإنسان إلي الراحة والاسترخاء خلال فترات العمل‏.‏ كما يحدث مع تلاميذ المدارس‏:‏ يعطونهم فسحة بين الحصص‏،‏ يسمونها في الإنجليزية ‏break ، لأنها تكسر حدة العمل المتواصل‏،‏ وتريح الذهن‏،‏ كما تريح الجسد‏،‏ وبالتالي تريح الأعصاب‏.‏ ونلاحظ أن الله ـ تبارك اسمه ـ قد منحنا يوم راحة في الأسبوع‏.‏ لأنه وهو الخالق لطبيعتنا‏،‏ يعرف أن طبيعتنا تحتاج إلي هذه الراحة‏،‏ كما يعرف أن العمل المتواصل بدون راحة‏،‏ يسبب للإنسان مشاكل كثيرة‏.‏ لذلك احترس من أن تدخل في لقاء أو حوار ساخن‏،‏ وأنت مرهق جسديا‏،‏ لأن أعصابك أيضا تكون مرهقة‏،‏ ولاتحتمل سخونة الحوار‏..‏ بينما إذا تم ذلك اللقاء ـ وأنت مستريح جسديا وعصبيا ـ فانه يمر بطريقة سهلة ويأتي بنتيجة أفضل‏.‏ إذن لاتعتبر فترات الراحة والاسترخاء لونا من الترفه‏،‏ بل هي من لوازم النجاح‏.‏ وكما لاتدخل في نقاش حاد وأنت مرهق‏، كذلك لاتدخل في مثل هذا النقاش مع شخص تعرف أنه مرهق‏،‏ لأن حالته الصحية لاتساعده علي التفكير العميق‏،‏ ولاعلي مجابهة رأي معارض‏.‏

أيضا قد يكون من أسباب التوتر‏،‏ مرض الأعصاب‏:‏

فالأعصاب المريضة لاتحتمل كثيرا‏،‏ بل تتوتر بسرعة‏.‏ وهي تحتاج إلي علاج عند أطباء متخصصين‏،‏ وبعض أمراض الأعصاب لاعلاقة لها بالنفسية والأخلاق‏.‏ مثال ذلك‏:‏ شخص مريض بالعمود الفقري‏،‏ وإحدي الفقرات تضغط علي عصب معين فتتعبه أو تلهبه‏.‏ ويكون هذا المريض ـ في ألمه ـ غير محتمل لحوار أو نقاش‏.‏ بل المرضي عموما‏،‏ الذين يشتد عليهم المرض والألم‏،‏ قد يكونون في حالة من التعب لاتحتمل أي لون من الجدل‏.‏ وقد يكون سبب التوتر‏،‏ أن الشخص عصبي بطبعه‏،‏ يثور بسرعة لأدني سبب‏.‏ ويحتد ويرتفع صوته‏،‏ وتتغير لهجته‏،‏ وتتجهم ملامحه‏،‏ ومثل هذا الشخص يحتاج إلي علاج نفسي‏،‏ وإلي تداريب روحية علي الهدوء وضبط النفس وحسن معاملة الآخرين‏.‏ والمعروف أن كلمة نرفزة مأخوذة من كلمة ‏nerves‏ أي أعصاب‏..‏ فابعد عن الاحتكاك بمثل هؤلاء‏،‏ لئلا تسمع منهم ما لايرضيك‏.‏ وقد يكون سبب توتر الأعصاب‏،‏ هو طبع العنف أو التزمت‏:‏
فالإنسان الذي يتخذ العنف منهجا في حياته‏،‏ تكون طبيعة تصرفاته مصحوبة بالتوتر‏.‏ ولايقبل نقاشا ولامخالفة له في الرأي‏.‏ ويحاول أن يصل إلي هدفه بسرعة ومن أقصر الطرق‏،‏ وبشدة‏.‏ فلو قوبل عنفه بعنف‏،‏ يزداد الأمر توترا من الجانبين‏.‏ كذلك الإنسان المتزمت لايكون واسع الصدر‏،‏ ولاواسعا في تفكيره‏.‏ وتزمته يجعله يضيق علي نفسه‏،‏ وعلي غيره أيضا‏، ويكون التعامل معه مشحونا بالتوتر‏.‏ وكما نجد الأشخاص المتزمتين ملامحهم عابسة‏،‏ بجدية متحفزة وعيون ملتهبة‏،‏ وأعصاب مستعدة للهجوم‏،‏ مع تعليقات متشددة قاسية‏:'‏ هذا خطأ‏،‏ وهذا حرام‏،‏ وهذا لايليق‏'.‏ والمتزمت قد يقيم نفسه رقيبا علي جميع الناس‏،‏ ومصلحا للمجتمع كله‏،‏ محاولا أن يصلح الكبار كما يصلح الصغار‏،‏ والذين يعرفهم والذين لايعرفهم‏،‏ إنه يثور علي كل شيء‏، في كل مكان‏،‏ في كل مناسبة ولامناسبة‏..‏ كل ذلك بأعصاب متوترة‏.‏ لذلك‏، نصيحتي إليك ـ لكي تهدأ أعصابك وتبعد عن التوتر ـ أنك لاتقم نفسك رقيبا علي غيرك‏.‏ ولاتتدخل فيما لايعنيك‏،‏ ولا تحاسب أحدا إلا ما هو في حدود مسئوليتك الخاصة‏.‏ أما ما هو خارج ذلك‏،‏ فلا تحشر نفسك فيه‏،‏ وقل لنفسك‏:'‏ من أقامني قاضيا أو محاسبا‏'.‏ بهذا تستريح أعصابك وتهدأ‏.‏ وقد يكون سبب التوتر حالة نفسية‏:‏ مثل الاضطراب أو القلق‏،‏ أو الخوف أو الخجل أو التردد‏.‏ ففي هذه الحالات تتوتر الأعصاب‏،‏ وبخاصة لو لم تجد حلا‏،‏ ولم تجد وسيلة للتعبير عما تريد‏..‏ ويحتاج الإنسان في هذه الحالة‏،‏ أن يهدئ نفسه من الداخل‏.‏ كذلك قد تتعب الأعصاب‏،‏ بسبب الأفكار السوداء‏:‏ إذ يفكرون بطريقة تشد أعصابهم وتتعبهم‏.‏ مثال ذلك الذي لايتوقع إلا شرا‏،‏ ولا يتخيل إلا أسوأ النتائج‏.‏ ومثله الإنسان الشكاك‏،‏ والمعقد‏،‏ والذي يتمادي بسرعة في تفكيره‏،‏ بغير حدود‏، فتتعب أعصابه‏.‏ ومن أسباب توتر الأعصاب‏،‏ الضغوط الخارجية‏:‏ مع خطأ التعامل معها‏.‏ كالمشاكل والضيقات المتتابعة‏،‏ والتي تبدو صعبة الحل‏.‏ وأيضا أخطاء الآخرين ونتائجها‏،‏ أو قسوتهم وسوء معاملتهم‏.‏ علي أن كل الضغوط الخارجية لاتؤثر إلا من جهة نفسية الشخص‏.‏ فالبعض قد يقابلها باحتمال أو بحكمة‏،‏ والبعض يقابلها بلا مبالاة أو يجعلها خارج نفسه‏.‏ والبعض يقابلها بانفعال‏،‏ وتتوتر أعصابه بسببها‏.‏ ومن أسباب التوتر سماع أو قراءة الأخبار المتعبة‏:‏ فهي إما أن تكون متعبة في نوعيتها‏، أو في تكرارها‏.‏ فالأخبار المزعجة والمقلقة والمثيرة‏،‏ أو التي تحوي ظلما أو تسبب شرا‏،‏ والأخبار المغرضة‏، والأخبار الكاذبة‏..‏ كل هذه كلها تثير الأعصاب وتسبب توترا‏،‏ لذلك فالبعد عن هذه الأخبار يريح النفس‏،‏ وأيضا مقابلتها بلا مبالاة‏..‏

من أسباب توتر الأعصاب أيضا الإلحاح المستمر‏، والإطالة والتكرار‏:‏ ويكون ذلك الإلحاح ضغطا علي أعصابك‏،‏ وبخاصة إذا قلت للمتكلم قد فهمت ماتقصد‏،‏ ومع ذلك يزيد ويعيد نفس المفهوم‏،‏ أو إذا وعدته بأنك ستنفذ طلبه‏،‏ ومع ذلك يلح ويلح‏،‏ غير مهتم بوقتك أو بأعصابك‏.‏ أو من يشرح لك شيئا‏،‏ وتقول له‏:'‏ قد عرفت‏'‏ ومع ذلك يطيل الشرح ويكرر الكلام‏.‏ كل ذلك يسبب توتر الأعصاب‏.‏ مما يريح أعصابك‏، أن تتعود البشاشة وأن يدخل في حياتك روح المرح‏،‏ ففي ذلك تنبسط الأعصاب بدلا من التوتر‏.‏ وبعكس ذلك يحكم المتزمتون علي المرح والضحك بأنه حرام‏!‏ وتوتر الأعصاب يعالج أيضا بالحياة الروحية السليمة‏.‏ فالإنسان الروحي بعيد عن التوتر‏،‏ يؤمن أن الله يتدخل في المشاكل لكي يحلها‏،‏ ويؤمن أن كل باب مغلق‏،‏ له مفتاح يرسله الله‏،‏ أو عدة مفاتيح‏.‏ وهو إن قرأ عن أخبار متعبة‏،‏ يضيفها إلي معلوماته وليس إلي أعصابه‏.‏ ويؤمن أن الله سيحولها إلي خير‏.‏

مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44673 – يوم الأحد الموافق 29 مارس (آذار) 2009 ميلادية، 20 برمهات 1725 شهداء (قبطية)، 2 ربيع الاخر 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg



Share/Save/Bookmark

Thursday, April 16, 2009

ترنيمة مبدع الكون القدير



Share/Save/Bookmark

Wednesday, April 15, 2009

البشاشة

البشاشة فضيلة اجتماعية مميزة‏.‏ فالإنسان البشوش يسعد الناس ببشاشته‏،‏ يشركهم معه في فرحه أو في سلامه وهم يستبشرون به‏،‏ إذ ينقلهم إلي نفس مشاعر البهجة التي له‏.‏

إنه يشيع السلام حوله‏.‏ ويبعث الطمأنينة في قلوب الآخرين‏.‏ وبشاشته تشع من نظرات عينيه‏،‏ ومن ابتسامته‏،‏ ومن ملامح وجهه‏، ومن أسلوب حديثه‏.‏ إنه نفس مستريحة من الداخل‏،‏ وقادرة علي إراحة الغير‏.‏ تشعر من حولها بأنه لايوجد ما يدعو إلي الكآبة‏،‏ بل هناك فرح علي الرغم من كل شيء‏.‏

الإنسان البشوش لا يسمح للمشاكل بأن تحصره داخلها‏.‏ و إنما يكسر دائراتها‏،‏ ويفتح له بابا ليخرج منها‏.‏

إنه لايعتمد علي عقله وحده‏،‏ وإنما علي الإيمان بالأكثر‏.‏ أي الإيمان بالله الذي يحب البشر‏،‏ ودائما يعمل معهم خيرا‏.‏ فإن كنا لانري هذا الخير‏،‏ فذلك قصور منا لا يمنع من وجود الخير أو من انتظار مجيئه‏.‏

الإنسان البشوش‏،‏ حتي إن حاربته الأحزان من كل جانب‏،‏ يقول لنفسه‏:‏ وما ذنب الناس في أن يروني عابس الوجه فيحزنوا؟‏!‏ لذلك فهو في نبل نفسه ‏-‏ إن أدركه الحزن ‏-‏ يحتفظ به لذاته وحده‏.‏ ويقدم بشاشته للآخرين‏.‏ فهو لا يشركهم في الحزن بل في الفرح‏..‏

الإنسان البشوش ينتصر علي المتاعب‏،‏ ولاتنتصر المتاعب عليه‏..‏ إنه لا يقع في الحصر النفسي‏، ولاتكون نفسه عدوة له في داخله‏.‏ وهنا يكون عقله صديقا له‏،‏ ودائما يريحه‏.‏ أما الكئيب‏،‏ فعقله يكون ألد أعدائه‏،‏ لأنه يصور له متاعب‏،‏ ربما لا وجود لها‏.‏ ودائما يضخم له ما يمكن أن تنتظره من مشاكل‏.‏ ويغلق أمامه أبواب الحلول‏..!‏ وإن إراد أن يخرج من بيته‏،‏ يقول له‏:‏ لاتنس المتاعب التي ستقابلك‏!‏

الإنسان البشوش حقا هو الذي يتمتع بالبشاشة الداخلية‏.‏ فهو ليس فقط بشوشا في مظهره‏،‏ من الخارج‏.‏ بل البشاشة تملك أعماق قلبه وفكره‏،‏ وتنبع من ذاخله‏.‏ فلا يحمل هما‏...‏ إذا أخطأ‏:‏ فبدلا من أن يفقد بشاشته‏، يعمل علي إصلاح الخطأ‏.‏ وحينئذ يعيش في سلام داخلي وفي سلام مع الله‏.‏ كثيرون إذا وقعوا في خطأ أو في مشكلة‏،‏ يكون الرد الطبيعي عندهم هو الكآبة‏.‏

ولكن الكآبة ليست حلا عمليا للمشاكل‏.‏ أما الشخص البشوش‏،‏ فإنه يبحث عن الحل العملي الذي يتخلص به من المشكلة وينقذه من الكآبة‏.‏ فإن وجد الحل‏، تزول المشكلة ويملكه الفرح‏.‏

أما الكئيب‏:‏ فإن المشكلة تستولي علي كيانه كله‏.‏ وبالأكثر عقله ومشاعره‏.‏ فيظل يفكر في المشكلة وأعماقها وأبعادها‏،‏ وكيف حدثت‏،‏ وما يتوقعه من نتائج سوداء لها‏..‏ فيزداد كآبة‏،‏ ولايفكر مطلقا في حل المشكلة وإن فكر في حل‏،‏ فإنه يستصعبه ويضع أمامه العقبات‏..‏ أو يتخيل أنه لا حل‏..!‏ وهنا تشمل الكآبة كل تفكيره‏.‏ فلا يبصر الحل وهو موجود‏!‏ وهكذا يستمر في كآبته‏،‏ بل تزداد تلك الكآبة‏.‏ ولايستطيع أن يكون بشوشا‏.‏

الإنسان البشوش إن لم يجد حلا لمشاكله‏،‏ يتركها إلي الله‏،‏ وينساها في يديه الإلهيتين‏.‏

أما الكئيب‏،‏ فلا يستطيع أن ينسي مشاكله‏.‏ إنها قائمة دائما أمام عينيه‏،‏ تتعبه وتزعجه‏.‏

وكلما فكر فيها‏،‏ ترهق أعصابه‏.‏ وربما يحتاج إلي طبيب نفسي‏،‏ يعطيه منوما أو مهدئا‏،‏ لكي تستريح أعصابه‏.‏ علي أن تلك المهدئات‏،‏ هي مجرد علاج من الخارج‏،‏ بينما الداخل في تعب‏...‏

البشوش لا يعطي للمتاعب وزنا فوق وزنها الطبيعي‏.‏ وكثير من الأمور يأخذها ببساطة‏،‏ فلا تتعقد أمامه‏.‏ وبطبيعة نفسه لايتضايق إلا من الأمور التي هي فوق الاحتمال‏..‏ وهو في العادة له قلب واسع لايتضايق لأي سبب‏، ولايفقد بشاشته‏.‏

إن الإنسان عموما قد يفقد بشاشته بسبب عدم الاكتفاء‏.‏ أي أنه لايكتفي بما عنده‏،‏ بل يتطلع باستمرار إلي طموحات عالية ربما لا تكون سهلة المنال‏.‏ فإن لم ينلها يكتئب‏.‏ ولهذا فالإنسان القنوع الراضي بما قسم الله له‏،‏ يكون دائما بشوشا شاكرا‏، إن الطامع في منصب كبير أو في مستوي عال‏،‏ إن لم تتحقق آماله‏،‏ فإنه يكتئب ويفقد بشاشته‏.‏ ومن العجيب أن كبار الأغنياء قد يفقدون بشاشتهم أيضا‏،‏ إن أرادوا نموا لثرواتهم ولم يتحقق ذلك‏.‏ وقد يتحقق لهم ما يريدون‏،‏ ومع ذلك يفقدون البشاشة إذ يجدون أمامهم ضرائب ومستحقات للدولة لا يحبون دفعها كلها‏.‏ وإن لجأوا إلي التهرب الضريبي تصدمهم قضايا وأحكام تفقدهم البشاشة أيضا‏!!‏

الإنسان البشوش يحب أن يكون جميع الناس بشوشين مثله‏.‏ فلذلك هو يحاول دائما أن ينسيهم أحزانهم‏،‏ ويشع فيهم الاطمئنان‏،‏ ويبحث عن حلول لمشاكلهم‏،‏ ويعطيهم تعليلا مريحا لكل الضيقات‏،‏ يجلب البهجة لهم مهما حدث‏..‏

إنه يخفف من قدر المتاعب‏،‏ ولايحسب لها ثقلا‏.‏ وفي كل مشكلة تحل لغيره‏،‏ يريحه بأن الرب الحنون المحب يقول‏:‏ تعالوا إلي يا جميع التعابي والثقيلي الأحمال‏،‏ وأنا أريحكم‏.‏

الإنسان البشوش لا يعيش في التعب الحاضر‏،‏ وإنما بالرجاء يعيش في الفرح المقبل يعيش سعيدا ولو في الخيال‏.‏ وله إيمان أن الله لابد سينقذه من تعبه‏.‏ إنه مؤمن بالمعونة الإلهية التي لايشك مطلقا في وصولها إليه‏.‏ إن لم يكن اليوم‏،‏ فغدا‏.‏

هناك مشكلة في موضوع البشاشة وهي أن البعض يخلط بين الجدية والعبوسة‏،‏ وبين الضحك والخطيئة‏.‏ وكأن الذي لا يكون عابسا‏،‏ فهو بالضرورة يكون عابثا‏!!‏ أو علي الأقل يكون ساهيا عن نفسه‏، أو غافلا عن الاهتمام بأبديته وناسيا لخطاياه‏.‏ ومن هنا نري أن بعض المتدينين أو رجال الدين يحرصون دائما أن يتصفوا بالجدية أو بالتزمت‏.‏ وهذا يقودهم إلي أن يكون كل منهم عابسا‏.‏ ويعتبرون المرح أو البشاشة حراما‏..!‏

وهذا التزمت له خطورته‏،‏ لأنهم يخيفون الناس من التدين‏.‏ أو هم يقدمون للناس صورة عن التدين غير سليمة‏.‏ ونقول‏:‏ لماذا لايكون الإنسان متدينا‏،‏ ومرحا وبشوشا في نفس الوقت؟

وهل معني التدين أن ينفصل الإنسان عن الحياة الاجتماعية وما فيها من مرح وبهجة؟

وهل إذا ضحك المتدين يبكته ضميره ؟ وماذا عن الحفلات التي تتميز بالمرح‏،‏ هل مستواها هابط؟ وماذا عن الطفل الذي يحب أن يضحك‏، ويحب من يضحكه؟ هل نعلمه التزمت؟‏!‏

مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44666 – يوم الأحد الموافق 22 مارس (آذار) 2009 ميلادية، 13 برمهات 1725 شهداء (قبطية)، 25 ربيع الاول 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏


Share/Save/Bookmark

Facebook Comments

Twitter

I Read

Word of the Day

Quote of the Day

Article of the Day

This Day in History

Today's Birthday

In the News