Monday, March 9, 2009

الشكوك‏..‏ أنواعها وعلاجها

الشك حالة يكون فيها الإنسان مزعزعا قلقا‏،‏ لا يدري في أي طريق يسير‏،‏ هو في حالة من عدم وضوح الرؤيا يفقد فيها سلامه الداخلي‏،‏ ويكون مضطربا في نفسه وفكره‏،‏ فاقدا للثقة وهكذا يصير الشك جحيما للفكر والقلب معا‏.‏ أحيانا يكون دخول الشك سهلا‏،‏ ولكن خروجه يكون صعبا جدا وقد يترك أثرا مخفيا‏،‏ مايلبث أن يظهر بعد حين‏..‏ واذا استمر الشك‏،‏ ما أسهل ان يتحول الي مرض والي عقد لها نتائجها‏،‏ فيقال ان هذا الشخص شكاك‏، أي أن الشك صار طبعا له‏.‏ وهذا الشك ـ إذا استمر ـ فإنه يتلف الأعصاب‏،‏ ويدعو الي الحيرة وارتباك الفكر‏،‏ وفي عنف الشك‏،‏ يمنع النوم‏،‏ ومن نتائجه أيضا‏،‏ أنه يؤدي الي التردد وعدم القدرة علي البت في الأمور‏.‏ والشك علي أنواع كثيرة‏:‏ منها الشك في الله وفي العقيدة‏،‏ والشك في الناس وفي الأصدقاء والأقارب‏، وأحيانا الشك في بعض الفضائل والقيم‏،‏ بل الشك في النفس أيضا‏، وفي امكانية التوبة وفي قبول الله لها‏،‏ وما أكثر تفرعات الشك ومجالاته‏،‏ وسنحاول في هذا المقال ان نتعرض ولو بإيجاز لكل ذلك‏..‏

فمن جهة الشك في الله جل جلاله يكون ذلك علي نوعين‏:‏ إما في وجود الله‏،‏ وإما في مدي معونته لنا‏،‏ والشك في وجود الله‏،‏ أي الإلحاد‏،‏ فهو إما محاربة من الشيطان‏،‏ يحاول أن يزعج بها فكر المؤمن‏،‏ بينما القلب يرفضها بشدة‏،‏ فلا يجوز للإنسان ان يتعامل مع هذا الفكر ولا أن يضطرب بسببه‏،‏ والاثباتات علي وجود الله كثيرة‏.‏ وقد يكون السبب في هذا الشك قراءة كتب الملحدين أو معاشرتهم والاختلاط بأفكارهم‏،‏ أو يأتي ذلك من بحوث منحرفة في الفلسفة‏،‏ أو في العلاقة بين الدين والعلم‏،‏ وأصل الكون ونشأته‏،‏ بينما لا خلاف بين الدين والعلم‏،‏ فإن عرض البعض خلافا‏،‏ فإما ان يكون سببه خطأ فيما يسمونه علما‏، أو فهما خاطئا للدين‏.‏

وقد يكون الشك هو في مدي معونة الله وحفظه كأن يقول شخص‏:‏ لقد صليت من أجل أمر معين مرات عديدة بلا نتيجة‏،‏ فما قيمة الصلاة إذن وما نفعها؟‏!‏ ويبدأ ان يشك في جدوي الصلاة أو في مراحم الله‏،‏ بينما الله سيستجيب في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة‏.‏ ويعطي الإنسان ما ينفعه وليس مايطلبه‏،‏ والله بحكمته يعرف تماما ماينفعنا‏،‏ ويمنحنا إياه دون أن نطلب‏..‏ ان الشيطان يلقي بذاره من جهة الشك في الله‏،‏ لكي يجعلك تترك الله‏،‏ وتصبح فريسة في يديه هو‏،‏ فعليك ان تبعد عن كل مصدر يبعدك عن الله‏،‏ أما الكتب التي تشكك في وجود الله أو معونته‏،‏ فلا يصح أن يقرأها إلا الثابت في الإيمان‏،‏ القوي في عقيدته‏،‏ الذي يستطيع أن يرد علي ما فيها من انحراف فكري‏..‏

هناك نوع آخر من الشك هو الشك في بعض الأصدقاء والأحباء والأقارب هؤلاء إن كانت تربطم المحبة والثقة‏،‏ فلن يعرف الشك اليهم سبيلا ولكن ان نقصت المحبة‏،‏ حينئذ تنقص الثقة‏،‏ فيكون القلب مستعدا للشك‏،‏ والأذن مفتوحة لكلام الوشاة‏، وكما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي‏:‏ قد صادفوا أذنا صغواء لينة‏..‏ فأسمعوها الذي لم يسمعوا أحدا‏.‏

وعلاج هذا الأمر هو المواجهة والصراحة علي أن يكون ذلك في محبة وفي غير اتهام أو قسوة مع عدم التأثر بالسماعات والوشايات‏،‏ وعدم تصديق كل ما يقال‏،‏ فكثير ما يكون الاتهام ظالما مهما كانت الدلالات واضحة‏،‏ ولايجوز الحكم علي أحد بدون الاستماع اليه‏.‏

وقد يحدث الشك أحيانا بين زوجين‏،‏ فيشك الزوج في أن زوجته تخونه‏،‏ أو تشكك الزوجة في أن زوجها يخونها‏،‏ وقد يكون سبب ذلك كلمة إعجاب بريئة أو ابتسامة‏.‏ وأحيانا يحدث الشك كرد فعل لوسائل الاعلام فإن رأت الزوجة فيلما فيه زوج خان زوجته‏،‏ وهو في سفر أو في غربة‏،‏ ثم تصادف أو زوجها قال لها انه سيسافر في مهمة لبضعة أشهر‏، حينئذ يحاربها الشك وتقول له‏:‏ لن تسافر وحدك رجلي علي رجلك في سفري معك أكون حصنا لك يحميك من أية امرأة تحاول اجتذابك إليها‏.‏

هناك شك آخر يمكن ان يوقعه الشيطان في بعض الفضائل أو القيم‏،‏ كأن يشكك انسانا في التسامح فيقول عنه انه لون من ضعف الشخصية‏،‏ أو أثناء الصوم يحاربه بالأكل اذا جاع ويقول له‏:‏ مالزوم الصوم؟‏!‏ وهل الفضيلة الجسدية لها قيمة؟‏!‏ إن الله يهمه الروح قبل كل شئ ليكن قلبك مع الله‏،‏ وكل ماتشاء‏!!‏ وقد يشكك الانسان فيما هو الحرام؟ وما هو الحلال؟ ويحاول ان يطبق هذه الحيلة علي السينما والتليفزيون وكل أنواع اللهو والموسيقي‏،‏ ثم يتدرج الي كل مال يصل اليه‏،‏ وهل فيه حرام أو شبه حرام‏،‏ كفوائد البنوك مثلا‏،‏ ثم في حق الله من ماله‏،‏ وعلي أية جهة من العطاء يجوز أو لايجوز‏،‏ وهكذا يحيا في شك وفي حيرة‏..‏

الشك أيضا ما أكثر ما يتعب الإنسان في المراحل المصيرية‏،‏ ففي فترة الخطوبة‏:‏ من تفضل الفتاة‏:‏ هل الشاب الجذاب الذي تحبه؟ أم الغني الذي يكفل لها كل وسائل الراحة؟ أم صاحب المنصب الكبير؟ أم الذكي جدا الممتاز في دراسته؟ أم الشاب الذي يحبها ويهواها؟ وتبقي في حالة شك وفي كل ذلك‏،‏ هل تقبل مايفضله أبوها‏، أم ما يفضله قلبها؟ أم ما يفضله عقلها؟‏..‏

وفي المراحل المصيرية عموما‏،‏ يحتاج الإنسان الي ثبات في هدف سليم‏،‏ وفي وسيلة تحققه مع معرفة للنفس وقدراتها‏..‏ ومن النواحي الخطيرة في الشك‏،‏ شك الانسان في نفسه‏،‏ اذ لا تكون له ثقة في نفسه وفي قدرته كالطالب الذي يشكك في قدرته علي النجاح‏،‏ أو في كفاية الوقت الباقي له علي الامتحان لكي يدرس فيه المقرر عليه‏،‏ ومثال آخر شك انسان يريد اقامة مشروع معين‏، ‏وهل ينجح فيه أم يفشل؟ أو شك إنسان في نفسه‏:‏ هل هو محبوب من الناس أم لا؟ وهل تصرفاته مقبولة أم غير مقبولة؟ ان الفاقدين الثقة في نفوسهم يحتاجون الي تشجيع‏، وكما ان الأطفال يحتاجون الي كلمات مديح أو تشجيع ليثبتوا في الطريق السليم‏،‏ كذلك الكبار أيضا يحتاجون الي كلمة طيبة‏،‏ والي رفع روحهم المعنوية وبخاصة ان كانوا في حالة مرض‏،‏ أو في مشكلة أو ضيقة‏.‏ حتي لايدركهم اليأس‏،‏ أو ان يقول الواحد منهم‏:‏ لافائذة‏..‏ قد ضعت‏!!.‏

ومن جهة موضوع الشك‏:‏ أشك انه انتهي عند هذا الحد‏!‏

مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44645 – يوم الأحد الموافق 1 مارس (آذار) 2009 ميلادية، 22 أمشير 1725 شهداء (قبطية)، 4 ربيع الاول 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg


Share/Save/Bookmark

1 comment:

  1. Nice to meet U, I am from Dumai Indonesia. Visit me on www.hendri-rena.net. Succesfull 4 U. See U again

    ReplyDelete

Facebook Comments

Twitter

I Read

Word of the Day

Quote of the Day

Article of the Day

This Day in History

Today's Birthday

In the News