Thursday, April 30, 2009

ما بين الصمت والكلام

ما بين الصمت والكلام
بقلم: البابا شنودة الثالث


يقف أمامنا سؤال مهم‏:‏ أيهما أفضل الصمت أم الكلام؟

لكل شيء تحت السموات وقت‏،‏ فلا يجوز الصمت حين ينبغي الكلام‏،‏ ولايجوز الكلام حين يجب الصمت‏،‏ وقد قال الآباء‏:‏ الصمت من أجل الله جيد‏،‏ والكلام من أجل الله جيد‏،‏ ولقد خلق الله الانسان كائنا عاقلا ناطقا‏،‏ لكي ينطق ولكن بعقل‏، كما ان الله خلق للانسان اذنين ولسانا واحدا‏،‏ لكي يسمع اكثر مما يتكلم‏،‏ كما جعل الاذنين مفتوحتين باستمرار‏،‏ اما اللسان فجعله في فم مغلق بشفتين وحول اللسان أسوار من الاسنان‏،‏ كل ذلك لكي يستمع أكثر مما يتكلم‏،‏ وقد جعل الله الاذنين كلا منهما في اتجاه‏،‏ واحدة منهما في اليمين والأخري في اليسار‏،‏ لكي من الناحية الرمزية يستمع الانسان إلي الرأي وإلي الآخر وبين الأذنين يوجد الرأس يرمز إلي العقل والفكر‏،‏ للحكم بين الرأي والرأي الآخر‏.‏ والكلام علي انواع‏:‏ فقد يكون وصفا أو شرحا‏،‏ وقد يكون فخرا وذما في الآخرين‏،‏ وقد يكون عبادة أو مجونا‏،‏ وقد يكون سؤالا أو حكما علي الآخرين‏،‏ وقد يكون وعظا أو تعليقا علي الواعظ قد يكون نقدا أو إعجابا‏..‏ وفي كل ذلك وغيره ينبغي ان تكون الحكمة مشرفة علي ذلك كله‏.‏ من جهة المشيرين‏:‏ يحدث أن أبا في ساعة وفاته يترك وصية لابنائه‏،‏ كما يحدث ان يتلقوا مشورات من آخرين‏:‏ من قادة دينيين‏،‏ ومن مدرسين ومعلمين‏،‏ ومن بعض ذوي الخبرة‏،‏ ومن آخرين‏،‏ وقديما كان اشخاص يأتون من اقاصي الأرض ليسمعوا كلمة منفعة من أحد المتوحدين في البراري‏..‏ كل ذلك تتلقاه الأذنان‏،‏ ويصل إلي العقل‏،‏ وإلي الضمير‏،‏ ويكون الانسان مستمعا لامتكلما‏..‏ واحيانا بالضرورة يلجأ إلي الحوار فيما يسمع‏،‏ إما لكي يفهم‏،‏ أو لكي يتأكد‏..‏ أما المتكلمون في أذنيه فيشعرون ان هذا واجب عليهم‏.‏ ومع كل ذلك لقد قدم لنا التاريخ امثلة من الصامتين‏،‏ كان النساك المتوحدون يرون ان الصمت افضل‏، لانهم بذلك يتفرغون للحديث مع الله وليس مع الناس‏،‏ أما الصمت بالنسبة للناس العاديين فانه يعطيهم مزيدا من التفكير‏،‏ عن أخطاء اللسان‏،‏ وبالتالي حكمة في التدبير‏،‏ والانسان الحكيم اذا سئل سؤالا‏،‏ احيانا يصمت قليلا ثم يجيب‏،‏ لكي يعطي مجالا ليقدم احسن اجابة‏،‏ وذلك لان التعمق فيما ينبغي ان يقال هو افضل من التسرع في الاجابة عن شيء قبل فهمه جيدا واستيعابه بعمق‏

إن كان حكماء كثيرون قد فضلوا الصمت علي الكلام‏،‏ ففي الواقع ليس كل صمت فضيلة‏،‏ وليس كل كلام خطيئة أو نقصا‏،‏ فكما اننا في بعض الاحيان ندان علي كلام خاطيء أو متسرع‏،‏ فإننا في أحيانا اخري ندان علي صمتنا‏،‏ فالمسألة تحتاج إلي حكمة وتمييز لنعرف متي نتكلم وبأي اسلوب؟ ومتي نصمت؟ وإلي متي ؟ لاشك ان هناك كلاما نافعا ومفيدا حين نتكلم بالصالحات‏، والصمت حالة سلبية‏،‏ بينما الكلام حالة إيجابية‏.‏ وإنما يدرب الناس أنفسهم علي الصمت كحالة وقائية من اخطاء اللسان‏،‏ إلي ان يتدربوا علي الكلام النافع‏

وسوف نقدم هنا امثلة للكلام النافع‏،‏ وهو كل كلمة تفيد السامع لبنيان عقله وروحه‏،‏ ولثقافته وهدايته‏:‏ من ذلك كلمة النصح والارشاد لمن يحتاج إليها‏،‏ حتي لايضل الطريق‏،‏ وكلمة الحكمة التي يجعلها السامع نبراسا له في طريق الحياة‏،‏ وكلمة التشجيع لانسان علي حافة اليأس أو في حالة انهيار‏،‏ لكي تبعث فيه الرجاء من جديد‏،‏ وكلمة العزاء لشخص حزين‏.‏ كذلك كلام التعليم علي شرط ان يكون تعليما سليما‏،‏ يضاف إلي ذلك كلمة البركة من اب لابنه‏،‏ أو من استاذ لتلميذه‏

كذلك كلمة التوبيخ المخلصة التي تصدر من صديق أو مرشد أو أب‏، لكي تحذر شخصيا يسير في طريق خاطيء‏،‏ حتي يصحح سلوكه أو يمتنع عن خطأ سيفعله‏،‏ كل ذلك يدخل في نطاق كلام المنفعة‏،‏ لان من يسمعه ينتفع به‏

ما أكثر كلام المنفعة في الحياة العملية‏،‏ من أجله تنعقد مؤتمرات التوعية في شتي المجالات‏:‏ منها مؤتمرات الأسرة ليتكلم فيها متخصصون عن كيف يتعامل الخطيبان معا‏،‏ أو كيف يسلك المتزوجون حديثا في حياة جديدة عليهم‏،‏ أوكيف تحل المشكلات الزوجية دون ان تتسع أو تصل إلي المحاكم‏، ودون ان تدخل فيها الحموات فتعقدها‏،‏ بل ربما يعقد مؤتمر أسري عن مثالية سلوك الحموات الفضليات‏..‏ كل ذلك كلام منفعة‏.‏ تعقد مؤتمرات للشباب يسمعون فيها ممن هم أكبر منهم سنا‏،‏ وأكثر منهم معرفة‏،‏ يحدثونهم عن طاقة الشباب في تلك السن وكيف تستخدم‏،‏ وعن المفهوم السليم لكلمة الحرية‏،‏ والمفهوم السليم للقوة وعن النجاح في الحياة وكيف يكون؟ وعن العلاقة المثلي في محيط الأسرة‏،‏ وبين الاصدقاء وفي المجتمع‏..‏وكل ذلك كلام نافع‏

مثل آخر هو المؤتمرات العلمية التي تعقد لكي يستمع فيها رجال العلم إلي آخر ماوصل إليه العلم في نقاط معينة‏

كل ذلك كلام نافع يسعي إليه الناس للاستفادة‏،‏ يضاف إليه كلام الحكماء والادباء والمتخصصين في نطاقهم‏،‏ وايضا كلام المسئولين إلي من هم تحت ادارتهم‏..‏ ويعتبر كل ذلك في حدود الواجب يلام من يقصر فيه‏

لايستطيع الاب ان يقول الصمت فضيلة ويقصر في تربية أولاده‏،‏ بينما يقول الشاعر‏:‏ وينشأ ناشيء الفتيان منا‏..‏ علي ما كان عوده ابوه‏

وكذلك الأم في تربيتها لاطفالها من بدء سنهم‏.‏ هناك كلام يدخل في حدود الواجب‏، وهو لازم وملزم‏،‏ فلايجوز التقصير في واجب التعليم والتهذيب والتربية‏.‏ كذلك ان صمتنا عن الشهادة للحق ندان علي صمتنا وان أعطي صمتنا مجالا للباطل ان ينتشر وان ينتصر‏،‏ كذلك ندان علي صمتنا وان قصرنا في إنذار البعض وأضر ذلك بنفسه أو بغيره ندان ايضا‏..‏ وهكذا إن رأيت شخصا يوشك ان يسقط في حفرة‏،‏ ولم تحذره‏،‏ فان سقط ومات يطالبك الله بدمه ويزعجك ضميرك‏..‏ بهذا يكون الواجب علي الرعاة والقادة ان يتكلموا‏،‏ ويجب الكلام ايضا علي من كلفهم الله ان يقولوا كلمة الحق ويشهدوا لوصاياه‏

وحينئذ تكون الفضيلة ان نتكلم حين يجب الكلام‏

أما عن الصمت لكي نتقي اخطاء الكلام‏،‏ وكذلك الحديث عن أخطاء الكلام وأداب الحديث فله منا بمشيئة الله مقال آخر‏


مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44701 – يوم الأحد الموافق 26 ابريل (نيسان) 2009 ميلادية، 18 برموده 1725 شهداء (قبطية)، 30 ربيع الاخر 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg


Share/Save/Bookmark

No comments:

Post a Comment

Facebook Comments

Twitter

I Read

Word of the Day

Quote of the Day

Article of the Day

This Day in History

Today's Birthday

In the News