وعلى الانسان ان يقاوم كل شهوة خاطئة. وما اجمل قول الحكيم: "افرحوا لا لشهوة نلتموها، بل لشهوة أذللتموها". ذلك لأن الشهوة اذا سيطرت على القلب، تكون ملكية الله للقلب قد انتقلت منه الى ذلك الشئ المشتهى
حقا انه من العيب ان يقال عن شخص انه "شهواني"، أى أنه يقاد بشهوته. فاذا اصطدمت بالشهوة، فأفضل وسيلة هى أن تهرب منها، بدلا من أن تدخل معها في صراع قد تنهزم فيه، أو على الأقل – اذا انتصرت – يكون قلبك قبل ذلك قد تدنس بالشهوة
ما دامت الشهوة لا تستريح حتى تكمل، فالأفضل لك هو الهروب منها، والبعد عن مسبباتها. لماذا تدخل معها في صراع أو نقاش؟ انك كلما أعطيتها مكانا أو تهاونت معها أو اتصلت بها، حينئذ تتقوى عليك. وتتحول من مرحلة الاتصال، الى الانفعال، الى الاشتعال... الى الاكتمال
فتتدرج من التفكير فيها، الى التعلق بها، الى الانقياد لها، الى التنفيذ، الى التكرار، الى الجنون بها، الى الاستعباد لها، وقد يلجأ الشخص الى طرق خاطئة لتحقيق شهواته:
الى الكذب، أو الخداع، أو الاحتيال، وربما الى أكثر من هذا... وأحيانا اذا تعب انسان من شهوة يقع في خدعة ويقول: "من الأفضل أن أشبع هذه الشهوة، حتى أقضى على هذا الاشتياق اليها، وأستريح"!!
إن الشهوة لا تشبع أبدا. فكما يمارس الإنسان الشهوة، يجد لذة، واللذة تدعوه إلي الممارسة. والقصة لا تنتهي...
إن إشباع الشهوة لا ينقذ الإنسان منها، بل يزيدها.. إنسان مثلا يشتهي المال: نراه كلما يجمع مالا، يشتاق إلي مال أكثر، ويحب أن يكثر ماله من الآلاف إلي المليون إلي المليار.... شاب طموح يشتهي الترقي: إن وصل إلي الدرجة الرابعة. يشتاق إلي الثالثة، ثم إلي الثانية فالأولي، فدرجة مدير عام. والذي يقع في شهوة الجسد، لا يشبع من شهواته.. أبونا آدم كان له شجر الجنة ما عدا واحدة، فاشتاق إلي هذه الواحدة، حتي أكل منها.. وبالوضع من وقع في شهوة النساء قد لا يكتفي...!
صدق سليمان الحكيم حينما قال:العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع.. كل الأنهار تجري إلي البحر، والبحر ليس بملآن...
لا تظن إذن أن إشباعك للشهوة ينقذك منها، لأنه لا ينقذك إلا ضبط النفس والهروب من الشهوة. إن يوسف الصديق لم تكن له شهوة تحاربه من الداخل.. ومع ذلك هرب من الشهوة التي تحاربه من الخارج من امرأة تشتهيه..
مفيد إذن هو البعد عن الشهوات، لأنها جذور الخطايا.. فالزنا يبدأ بشهوة الجسد، السرقة تبدأ بشهوة ما للغير أو بشهوة حب الاقتناء. والكذب يبدأ بشهوة تبرير الذات أو بشهوة تدبير شئ ما
والقتل يبدأ أحيانا بشهوة الانتقام أو الحسد، أو بشهوة الهروب من الانكشاف بخطية أخري...
ذلك إن نجا الإنسان من الشهوة، وانتصر عليها بالهروب منها، يكون قد انتصر علي كل الخطايا التي بدايتها الشهوة.. وحقا إن لذة الانتصار علي النفس، بضبط النفس من جهة الشهوات، هي أعمق من لذة ممارسة الشهوات...
ونصيحتي لك، هي أنك إن تعبت من شهواتك، فلا تيأس، ولا تظن أنه لا فائدة من المقاومة... بل فكر فيما تستطيع أن تعمله نعمة الله من أجلك، وليس ما تعجز أنت عن عمله..
إن الله لا يتركك وحدك في جهادك الروحي ضد الشهوات، بل هو يعينك بقوة من عنده تسندك مادمت ترغب في أن تحيا حياة البر. وفي ذلك قال أحد الآباء: إن الفضيلة تريدك أن تريدها لا غير. فإن أردت الفضيلة، حينئذ تدركك قوة من الأعالي تساندك حتي تنتصر... أما أنت فجاهد بكل إرادتك، وبالصلاة حتي يعينك الله. ولا تخجل من أن تصلي حتي وأنت ساقط تحت عنف الشهوة. بل تمسك بالله بالأكثر الذي يمكنه أن ينقذك ويطهرك..
قل له: أنا يا رب إن انهزمت أمام الشهوة، فأنا مازلت واحدا من خليقتك ومن رعاياك: أنا واحد من قطيعك الذي ترعاه حتي إن ضللت، فسوف تبحث عني وترجعني إليك
لأنك تريد أن الجميع يخلصون، وأن ينتصروا علي شهواتهم...
أنت يا رب لا تتخلي عني، وأنا لا أتخلي عنك، مهما حاول الشيطان أن يفصلني عنك..
وأنا يا رب وإن كنت قد انهزمت حينا أمام شهواتي، إلا أني لم أتركك في أعماق قلبي، ولن أتركك..
لا تجعل حروب الشهوة تفصلك عن محبة الله وعن محبة ملائكته وسمائه. وحتي إن ضعفت وسقطت، قل له في عمق: أنت تعرف يا رب أنها خطية ضعف، وليست خطية خيانة مني لك، ولو هي خطية بغضة لك حاشا أن تكون كذلك
وفي كل ذلك، ثق أن الله يهتم بإنقاذك من كل شهواتك، ومن كل سقوطك وضعفاتك، وسوف يجذبك إليه، ويردك إلي طريقه مهما بعدت بعيدا، أوحاولت إغراءات العالم شدك إليها. وتذكر دائما أولئك الذين انتصروا في حرب الشهوات ضدهم، فإن ذلك يشجعك ويقويك
ولا تضع أمامك ما تعرفه عن ضعفاتك وانهزاماتك، فإن ذلك يغرس اليأس في نفسك. أيضا تذكر الذين سقطوا وقاموا، ونموا في حياة التوبة حتي صاروا من الأبرار، والله ـ في رحمته ـ لم يذكر لهم ماضيهم
ولكي تتخلص من قوة الشهوات الخاطئة، حاول أن تجعل شهوة أمور أخري من صفات البر والفضيلة تحل محلها، وتجد عمقا في قلبك، لكي تقيم توازنا بين هذه وتلك في مشاعرك. وثق أن الجانب الخير سوف ينمو داخل قلبك شيئا فشئيا، حتي تتخلص من شهوات الخطية
وإن عرفت ضعفك، لا تعرض نفسك لمحاربات الشهوة مرة أخري، بل اهرب من كل مسبباتها، واغلق طرقها الموصلة إليك، واغلق أبواب قلبك أمامها، وليكن الله معك
مقال فداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرفسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44603 – يوم الأحد الموافق 18 يناير (كانون ثان) 2009 ميلادية، 10 طوبه 1725 شهداء (قبطية)، 21 محرم 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg
No comments:
Post a Comment