Saturday, February 28, 2009

من حيل الشياطين

ما أكثر حيل الشياطين‏:‏ إنها لاتنتهي إن لم تصلح حيلة منها‏،‏ يستبدلها بغيرها‏،‏ إلي أن يصل إلي غرضه‏.‏ وليست هناك خطة واحدة أمامه لتوصله‏.‏ بل يتخذ لكل حالة مايراه مناسبا لها‏،‏ دون أن يتقيد بشيء علي أنه من أشهر حيله الواضحة المتكررة بضعة أساليب صارت معروفة ومحفوظة‏،‏ نذكر منها‏.‏

‏1 ‏ ـ خطبة تلبس ثوب فضيلة‏.‏
ما أسهل أن يقدم لك الشيطان بعض الخطايا بأسماء غير أسمائها‏،‏ بأسلوب يسهل قبوله بحيث تلبس ثياب فضائل‏:‏

فالدهاء أو الخبث يطلق عليه اسم الذكاء ويقدم القسوة في معاملة الأبناء باسم الحرص علي تأديبهم بحيث إن لم يستخدم الأب القسوة‏،‏ ضميره يوبخه‏،‏ والتبرج‏،‏ والتزين غير اللائق‏،‏ يقدمها باسم الأناقة والنظافة‏،‏ والتهكم علي الناس والاستهزاء بهم يقدمه علي أنه لطف وظرف‏،‏ ومحبة ودالة‏،‏ وخفة روح‏،‏ ومحاولة للترفيه‏.‏

إن الشيطان لايقدم الخطية مكشوفة لئلا يرفضها الإنسان الحريص ـ بل يقدمها باسم مقبول‏،‏ وهي هي ولافرق‏.‏ يقول إنني سأدخل مع هذا الشخص في حرب مسميات‏،‏ وأسقطه كما أريد‏،‏ ربما دون أن يشعر‏،‏ أو قد يشعر‏،‏ وضميره لايبكته فلو أنني دعوته إلي الرياء ـ بهذا الاسم المنفر ـ فلن يقبله‏.‏ اذن ماذا أفعل؟ أسميه عدم إعثار الآخرين أو القدوة الحسنة‏.‏

قال السيد المسيح‏:‏ تأتي ساعة يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم قربانا لله‏.‏ ويقينا إن الشيطان يقدم القتل إلي أولئك الناس‏، علي أنه غيرة مقدسة‏،‏ أو دفاع عن الدين‏،‏ أو تطهير للأرض من الخطاة‏.‏

والكذب يمكن أن يقدمه الشيطان تحت اسم الحكمة‏،‏ أو كنوع من حسن التصرف‏، أو انقاذ للموقف‏!‏ والطبيب قد يكذب علي المريض في تسمية نوع مرضه‏.‏ ويعتبر هذا أمام ضميره أنه حفظ لمعنويات المريض‏،‏ وحمايته من الانهيار لكي يشفي‏، والبعض يسمي بعض أنواع الكذب الأبيض‏!‏ وما أشهر مايسمونها‏(‏ كذبة‏)‏ أبريل كنوع من الدعابة أو الفكاهة‏!‏

وبهذا الشكل ما أسهل أن يسمي الشيطان الرقص المعثر باسم الفن‏.‏ وكذلك الصور العارية والماجنة هي أيضا فن‏،‏ وبالمثل التماثيل العارية أيضا‏،‏ وبعض التمثيليات التي يقولون عنها للرجال فقط‏!‏ وتحت اسم الفن يخفي الشيطان كثيرا من الخطايا والمعثرات التي لاتستحق اسم الفن‏.‏ فالفن الحقيقي له اسم جميل ومحترم‏.‏

إلباس الخطية ثوب الفضيلة هو حيلة ماكرة من الشيطان‏.‏ أتراه يدعو البخل بخلا؟‏!‏ ما كان أحد اذن يقبله‏،‏ ولكنه يسميه حسن تدبير المال أو حفظ المال لحاجة المستقبل أو يسميه عدم التبذير أو عدم الإسراف‏!!‏

وإذا أراد الشيطان أن يمنع غنيا من أن يدفع للفقراء‏،‏ يقول له‏:‏ ليس من الخير أن تعلمهم الشحاذة‏،‏ أو تعودهم علي التشرد والتواكل‏.‏ إن عدم إعطائهم هو حكمة وعين الحكمة‏.‏ لكي يبحثوا عن عمل‏،‏ ويأكلوا خبزهم بعرق جبينهم حسب الوصية؟‏!‏

إن إعطاء الخطية اسم فضيلة‏،‏ يشجع الناس علي الاستمرار فيها‏،‏ ولايبكتهم ضميرهم علي مايفعلون‏.‏ احترس اذن من المسميات الخاطئة‏،‏ ولاتسمح للشيطان أن يخدعك‏، فإن الخطية هي خطية مهما اختفت وراء اسم آخر‏.‏

‏2‏ ـ من حيل الشيطان أيضا‏:‏ الأمور الصغيرة‏:‏
إن الخطايا الكبيرة الواضحة الدنس‏،‏ يحترس منها الإنسان الحريص علي نقاوته‏،‏ ويفر منها‏:‏ لذلك فالشيطان يؤجل محاربته بها‏،‏ مادام هو منتبها لها‏.‏ أما الأمور الصغيرة‏،‏ فيحاربه بها‏،‏ لأنه لايحترس منها‏،‏ ولايهتم بها‏..‏ ويظن أن مثل هذه الأمور الصغيرة‏،‏ إنما تحارب المبتدئين والصغار‏..‏ ويقول‏:‏ أما نحن قد كبرنا عن أمثال هذه الأمور‏.‏ لهذا يحاربه الشيطان بها‏.‏

فما هي هذه الأمور الصغيرة؟ وما أمثلتها؟

ربما تكون مثل تمسك الإنسان برأيه‏،‏ وقد يكون خاطئا‏!‏ ومع ذلك لايستشير أحدا‏، وقد يقول له الشيطان‏:‏ وماذا في ذلك؟ أي خطأ فيه؟‏!‏ وهل لابد أن تستشير؟ وهل عقلك لا يكفي؟ وما أعظم عقلك‏!..‏ وهكذا يسلك حسب هواه ويسقط‏..‏

وقد تكون الأمور الصغيرة مثل التساهل قليلا مع الحواس والقراءات والسماعات ظانا انها لاتأثير لها عليه‏!‏ بينما قد يضره ذلك‏.‏ وماتجلبه الحواس ينغرس في عقله الواعي وفي عقله الباطن‏،‏ وتكون له ثماره الخطيرة‏،‏ ولو بعد حين‏..‏ إن الأمور الصغيرة قد لاتكون صغيرة فعلا‏،‏ بل الشيطان يسميها هكذا‏،‏ وربما توصل إلي أخطر النتائج‏.‏ إن الإنسان ينظر إلي الزنا والسرقة والكذب‏،‏ وما أشبه علي انها من الكبائر‏،‏ ولكنه لا ينظر بنفس الاعتبار إلي خطايا الفكر أو خطايا اللسان‏،‏ ويعتبرها من الأمور الصغيرة‏،‏ وهي ليست كذلك ـ وربما يهلك نتيجة لعدم حرصه في الكلام‏،‏ وتؤخذ لفظة عليه مما يقوله‏،‏ وتكبر وتصير جريمة قذف‏..‏ كما أن فكره ـ الذي يستهين به ـ قد يتحول إلي شهوة تؤدي به إلي السقوط‏.‏

حقا إن شيطان الأمور الصغيرة يمكن أن يهلك الإنسان‏..‏ فيمكن أن تغرق سفينة كبيرة‏،‏ بسبب ثقب صغير في قاعها‏،‏ والإنسان لايكون موته فقط بواسطة وحش كبير يفترسه‏،‏ إنما يكفي لموته ميكروب صغير لايري بالعين المجردة‏..!‏

وأبشع العلاقات بين فتي وفتاة قد تبدأ بعلاقة بريئة جدا‏..‏ ولكنها ـ مع التساهل والدالة ـ تتطور إلي ماهو اسوأ وأخطر حتي تنتهي بخطية كبيرة‏.‏

وعوامل النصب والاحتيال‏،‏ قد تبدأ بأمور بسيطة مثل الثقة مع الطرف الآخر‏، وفي ظل هذه الثقة التوقيع علي أوراق بدون حرص أو شك في النوايا‏.‏ وينتهي الأمر أخيرا بكارثة اقتصادية سببها تلك الأمور التي تبدو صغيرة‏.‏

وقد تبدأ الكارثة الاقتصادية بأمور أخري صغيرة‏، أو تبدو أيضا صغيرة‏،‏ مثل ضمانك لإنسان صديق لك‏،‏ وتوقيعك علي ذلك‏.‏ ثم يسافر ذلك الصديق إلي الخارج ولايعود‏..‏ وتطالب أنت بكل ماعليه من ديون أو مستحقات مالية‏.‏ إن الخلاص من شيطان الأمور الصغيرة يحتاج بالضرورة إلي حياة التدقيق والحرص لئلا تتحول تلك الأمور إلي كبائر تهدد حياتك الروحية‏،‏ وحياتك العملية أيضا‏.‏

مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44624 – يوم الأحد الموافق 8 فبراير (شباط) 2009 ميلادية، 1 أمشير 1725 شهداء (قبطية)، 13 صفر 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg

‏‏


Share/Save/Bookmark

صفات الشيطان في حروبه

يفيدنا جدا أن نعرف صفات الشيطان في حروبه معنا لكي ندرك كيف نواجهه والمعروف عن الشيطان الصفات الآتية‏:‏

الشيطان صاحب قتال لايهدأ‏،‏ وهوايته اسقاط الآخرين‏.‏ وهو في قتاله لايمل ولا يستريح‏.‏ إنه ماهر‏،‏ باستمرار يرقب حالة ضحاياه‏،‏ ويلقي بذاره في كل مكان‏،‏ وحتي ان كانت حروبه تنتهي أخيرا إلي هزيمته‏،‏ ولكنه لايستطيع أن يبطل الحرب لأنها صارت جزءا من طبيعته‏.‏

والشيطان قوي ودلائل قوته انه استطاع ان يضل العالم كله أيام الطوفان‏،‏ ولم تنج من ضلاله سوي أسرة واحدة هي أسرة أبينا نوح‏.‏

ونفس الوضع نقوله عن مدينة سدوم أيام لوط البار‏،‏ التي ألقاها في الشذوذ الجنسي حتي استحقت عقوبة الله‏.‏

وقوة الشيطان تظهر ايضا في القائه العالم كله في الوثنية في العهد القديم ماعدا شعب واحد حدث انه وقع في الوثنية أيضا‏، فكثير من ملوك يهوذا وإسرائيل وقعوا في عبادة الاصنام وأخطأ معهم الشعب‏، كذلك أوقع العالم في تعدد الآلهة في كثير من البلدان‏،‏ ومن أمثلة قوته انه صرع أناسا كثيرين قيل انه كانت عليهم أرواح نجسة‏.‏

ولكن ليس معني الحديث عن قوة الشيطان أن نخاف منه‏!‏ كلا فان كان الشيطان قويا‏،‏ فان قوة الله أعظم وأعظم وهو ينقذ الناس من قوة الشيطان‏،‏ وآباء عديدون قد غلبوا الشيطان وكان يخاف منهم‏.‏

والشيطان خبير بالحروب وخبير بالبشر‏،‏ تصوروا ان الشيطان كان يحارب الانسان منذ أكثر من سبعة آلاف سنة منذ الانسان الاول فأي خبرة تكون له في حربه مع البشرية‏.‏ لاشك انه أقدر مخلوق علي فهم النفس البشرية وطريقة محاربتها‏،‏ ويعرف نواحي القوة والضعف فيها‏،‏ ويعرف الاسلوب الذي يمكنه أن يحاربها به‏.‏

إن أكبر عالم نفساني وأكبر محلل نفساني‏،‏ هو الشيطان علم النفس عنده ليس مجرد نظريات‏، إنما هو خبرات علي المستوي العملي والعلمي ايضا‏،‏ وبنطاق واسع جدا شمل البشرية كلها‏،‏ كذلك هو يعرف متي يحارب وكيف يحارب ومتي ينتظر‏!‏ ومن أي الابواب يدخل إلي الفكر أو إلي القلب‏.‏

والشيطان ذكي وحكيم في الشر‏،‏ وحكمة الشيطان كلها خبث ومكر وحيلة‏،‏ ومن مظاهر ذكاء الشيطان انه قد يغير خططه وأساليبه لتوافق الظروف‏،‏ فهو يسبك حيله بطريقة ذكية لا يشعر بها الانسان المحارب منه‏،‏ أو أنه يقدم الخطية في أسلوب فضيلة‏.‏

ومن صفات الشيطان انه كذاب فلا يجوز أن نصدق كل ما يقوله الشيطان ولا ننخدع به مهما قدم في حيله من إغراءات وهو يعلن كذبه في الاحلام والرؤي الكاذبة‏،‏ ومن أمثلة ذلك أنه ظهر مرة لراهب متوحد وقال له أنا الملاك ميخائيل أرسلني الله اليك فأجابه الراهب في اتضاع انني انسان خاطيء لا أستحق ان يظهر له ملاك‏،‏ فلعلك ارسلت إلي غيري واخطأت الطريق فمضي الشيطان عنه وظهر كذبه‏.‏ ولعل من كذب الشيطان ايضا ما يقوله علي أفواه المنجمين ومن يدعون معرفة الغيب‏،‏ كمن يقرأ الكف‏،‏ أو يضرب الرمل أو يقرأ فنجان القهوة أو يدعي معرفة البخت والطالع بأنواع وطرق شتي‏،‏ وواضح لاهوتيا انه لايعرف الغيب سوي الله وحده‏.‏

وإغراءات الشيطان كلها أكاذيب حيث يصور للانسان سعادة تأتيه من وراء الخطية فاذا سقط الشخص يجد ان كل اغراءات الشيطان هي سراب زائل‏.‏

كذلك أحلام اليقظة التي يقدمها لضحاياه كلها أكاذيب‏.‏

ومن أكاذيب الشيطان إيهام المنتحر أن الموت سوف يريحه من متاعبه‏،‏ وأنه لا حل لمشاكله سوي الموت حيث يتخلص من كل متاعبه ويستريح‏،‏ فاذا صدق من ينتحر يجد نفسه في الجحيم وليس في راحة‏.‏

وتقريبا في غالبية الخطايا يضع الشيطان أكاذيبه فهو يوحي للسارق بأنه ليس أحد يكشف سرقته وكذلك يوحي للمرتشي والمهرب والغشاش وهو يوحي للقاتل بأن المقتول يستحق القتل أو أن القتل غسل للعار الذي يلوث الشرف بل لعل الالحاد هو أكثر أكذوبة قدمها الشيطان للبشرية‏.‏

والشيطان أيضا لحوح لايمل من الالحاح‏،‏ وربما ما يعرضه من فكر خاطيء يظل يعرضه مرات عديدة مهما رفض الناس‏، وربما من كثرة ضغطه والحاحه يستسلم الانسان له ويخضع‏.‏

والشيطان في الحاحه لا ييأس من الفشل أبدا بل يعود‏،‏ وهو في الحاحه لايعترف بالعقابات ولايهمه مراكز الناس ولاروحياتهم بل يضرب ضربته ويحدث مايحدث وربما الذي لايهلك بسمومه اليوم‏،‏ قد يهلك بها غدا أو بعد سنين أو أكثر انه مثابر نشيط دائب علي العمل‏.‏

والشيطان كثير المواهب فهو يعرف الموسيقي والفن والنحت والرسم والشعر والاغاني ويمكنه ان يلهم المشتغلين بالملاهي كل ما يحتاجونه في فنونهم لاغراء الناس واسقاطهم‏.‏ وهو قاس يسقط الناس بلا رحمة وتظهر قسوته أحيانا في محاربة البعض بالمناظر المخيفة وايضا في قسوته علي من يصرعهم‏،‏ وهو قاس فيما يثيره علي العالم من حروب وويلات وجرائم ويفرح بكل ويلات العالم ويحسب ذلك انتصارا له وهو يبث الخصومات والانشقاقات ويفرح بالتخريب‏.‏ وهو خبيث في تظاهره بالعطف‏،‏ وفي ذلك يبرر لك الخطأ حتي لايتعبك ضميرك‏، وكل أخطائك يقدم لها العديد من الاعذار والتبريرات وينصحك قائلا‏:‏ لاتقل علي كل شيء انه خطأ‏،‏ ولا تبالغ في تبكيت نفسك لئلا يقودك هذا إلي الوسوسة حقا ان ما فعلته خطأ ولكنك لم تقصد ونيتك طيبة‏،‏ الله ينظر إلي النيات وماذا كان بامكانك ان تفعل‏!‏ الظروف كانت ضاغطة‏، وهو يعطف عليك حينما تصوم ويدعوك إلي الاكل حرصا علي صحتك وهو لا يلومك علي التدخين واضرارك الصحية‏،‏ ان عطف الشيطان ليس حبا وإنما هو حيلة للإسقاط‏.‏

الشيطان أيضا حسود ونهاز للفرص‏،‏ ومن أمثلة ذلك انه حسد يوسف الصديق علي ما رآه من رؤي ونقل الحسد إلي قلوب إخوته‏،‏ وهو يحسد كل انسان في حياة الفضيلة فيحرمه منها‏.‏

مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44617 – يوم الأحد الموافق 1 فبراير (شباط) 2009 ميلادية، 24 طوبه 1725 شهداء (قبطية)، 6 صفر 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg


Share/Save/Bookmark

Tuesday, February 24, 2009

حروب الشياطين

من طبيعة الشيطان ان يقاوم البر والأبرار‏،‏ وحروبه هي اختبار لحرية إرادتنا‏،‏ فإذا انتصرنا فيها نصبح مستحقين لخيرات السماء‏،‏ وأيضا تكون لنا مكافآت علي الأرض‏‏

والشيطان باستمرار يحسد السالكين في الفضيلة‏،‏ لكي لا ينالوا البركة الإلهية التي حرم هو منها‏

وحروب الشيطان وكل جنوده وأعوانه هي ضد الكل‏،‏ لم ينج منها أحد إذ يحاول الشيطان بكل جهده ان يبعد البشرية عن الله‏،‏ فلا تظنوا أن حروب الشياطين هي للمبتدئين فقط أو للخطاة‏،‏ كلا فهو يحارب الكل مهما ارتفعوا في حياة البر‏،‏ بل يحارب الأبرار بالأكثر‏،‏ لذلك علي كل إنسان أن يحترس‏،‏ ولا يظن انه قد ارتفع فوق مستوي هذه الحروب‏،‏ والشيطان دائم الجولان في الأرض لكي يصيد ضحاياه ويبحث عن أية فريسة ليسقطها‏‏

الشيطان لا ييأس مهما كان الذي يحاربه قويا‏،‏ فالخطية قد طرحت كثيرين جرحي وكل قتلاها أقوياء‏،‏ وان كانت ملائكة السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب‏،‏ فلا شك ان الشياطين تفرح ببار واحد إذا سقط‏،‏ بل تفرح بسقوط أي أحد يخضع لهم ويصبح من أعوانهم‏،‏ وهي حروب دائمة‏،‏ قد تتنوع ولكنها لا تنتهي‏‏

وحروب الشيطان قد تشتد في الأوقات المقدسة‏، كالصوم مثلا‏،‏ والشيطان يتضايق جدا حينما نبدأ في أي عمل روحي‏،‏ فيسعي بكل الحيل لئلا تفلت الفريسة منه‏،‏ فنحن نبدأ العمل الروحي وهو يبدأ في المقاومة‏،‏ لأنه لا يستريح لأية صلة لنا مع الله‏،‏ كذلك إن بدأ الانسان بالصلاة الطاهرة العميقة أو التأمل الروحي أو التسبيح‏،‏ فإن الشيطان لا يقف مكتوف اليدين او متفرجا وإنما يعمل هو أيضا عمله‏، والعمل الروحي بما فيه خدمة الله يثير حسد الشياطين‏،‏ اذ كيف للبشر الذين لهم جسد من تراب تكون لهم حياة مرتبطة بالله‏،‏ بينما الشيطان وهو روح بعيد عن الله وروحه نجسة‏!‏

ومحاربات الشيطان قد تكون خفيفة أحيانا أو ثقيلة‏،‏ فإنسان يحاربه الشيطان بشهوة ما‏، فإن استجاب لها يكتفي الشيطان بنقطة البدء هذه‏،‏ ثم يترك هذه الفريسة المسكينة يحاربها فسادها الداخلي أو تحاربها عاداتها الخاطئة أو غرائزها‏،‏ والانسان المنتصر في حروب الشياطين علي طول الخط ربما يحاربه الشيطان بالكبرياء لكي يرتفع قلبه وتتركه النعمة‏‏

وهناك حروب شيطانية عنيفة وفجائية‏،‏ منها الظهورات المفزعة‏،‏ أو الرؤي الكاذبة وسائر الضربات الشيطانية‏،‏ ولكن الله لايسمح لأن تحدث أمثال هذه الحروب لكل أحد‏،‏ لأنه لا يدعنا نجرب فوق ما نستطيع‏.‏ ولهذا ننصح الذين يحاربون بالرؤي والأحلام المضللة ان يعرفوا ان ليست كل الرؤي والأحلام من الله أو من العقل الباطن‏،‏ فبعضها من الشياطين‏‏

لا ننسي ان الشيطان حارب العالم القديم بالوثنية وعبادة الأصنام‏، وبعبادة الأرواح وبعض مظاهر الطبيعة مثل عبادة الشمس‏،‏ كما حاربهم بتعدد الآلهة أيضا‏،‏ والبعض حاربه بإنكار وجود الله كما حدث في الشيوعية‏،‏ وأيضا مع الوجوديين الذي غلبهم أولا بالشهوات‏،‏ ثم أقنعهم أن يقولوا من الخير ان الله لايوجد لكي نوجد نحن علي اعتبار ان وصايا الله تحد من حريتهم‏‏

ومن محاربات الشيطان‏، حروب الشك‏،‏ كالشك في رعاية الله وخصوصا اذا صلي شخص وشعر ان صلواته لم تستجب‏،‏ وحروب الشك في القيامة وفي السماء وفي عقائد كثيرة‏،‏ فإن اتتك بعض هذه الحروب لا تظن انك قد ضعت تماما‏،‏ إنها محاربات من الشيطان فعليك بالصلاة لكي ينجيك الرب منها‏،‏ وقل له في صلاتك أنا يارب أعبدك وأؤمن بك‏،‏ لكن هذه الأفكار غريبة عني وتأتيني من الخارج‏،‏ كذلك امتنع عن القراءات التي تجلب مثل هذه الأفكار‏،‏ وثق ان الله لايمنع أمثال هذه الحروب ولكنه يساعدنا لكي ننتصر عليها‏‏

لا تخافوا من الشيطان وحروبه‏،‏ لأننا إن ضعفنا أمامه نجعل للشيطان كرامة ليست له‏،‏ ونجعله يتجرأ علينا‏،‏ بل يجب ان نصمد امام الشيطان ونقاومه‏،‏ حينئذ لايجد له مكانا فينا فيهرب ويبعد عنا‏،‏ كذلك لايليق ان نترك عقولنا في فراغ لئلا يجدها الشيطان فرصة لكي يملأ فراغنا بما يلقيه فيه من أفكار وشهوات‏‏

إن الشيطان قد يحاربنا بحياة اللهو‏،‏ وحياة الترف‏، ومحبة المادة أو المال‏،‏ أو الانقياد الي ملاذ الجسد وإشباع غرائزه‏،‏ كل ذلك لكي يمهد قلوبنا وأفكارنا لحروب أشد‏،‏ ومنها شهوات يلقيها في ذهن الانسان‏،‏ وهذه تكون ضعيفة في أولها‏،‏ لأنها غريبة عليها‏،‏ وتظل هكذا ضعيفة الي ان يفتح لها الانسان بابا تدخل منه الي قلبه‏،‏ وإلي مشاعره وهكذا يكون قد أخطأ‏،‏ بفتح القلب للشيطان وهذه خيانة روحية لله‏،‏ ومحاولة لتحطيم ملكوت الله داخلنا‏‏

هناك حروب أخري للشيطان تكون بطيئة طويلة المدي جدا لايشعر بها الشخص‏، وبها يجذب الشيطان ضحاياه بتدرج طويل يخدرهم قليلا قليلا‏،‏ وينقص من حرارتهم الروحية شيئا فشيئا علي مدي واسع حتي تتغير حياتهم وهم لايدركون ذلك الا بعد فوات الفرصة‏،‏ حينئذ ينتهز الشيطان ما وصلوا اليه من فتور فيضربهم بعد ذلك ضربة شديدة وهم غير مستعدين لها‏‏

وربما يغري الشيطان بعض الناس بأن يقيموا أنفسهم مصلحين لغيرهم‏، وقضاة علي أفعال الغير‏،‏ فإن اقتنعوا بهذا يعلمهم الغضب والثورة ومسك سيرة الناس‏،‏ والتدرج حتي الوصول الي انتقاء القادة‏،‏ واعتبار أنفسهم أبطالا في كل هذا‏، ولامانع من أن يتلفظوا بكلمات جارحة في انتقاداتهم‏،‏ ويفخرون بكل ذلك‏،‏ ويعتبرون انهم يفعلون خيرا أو لا تؤنبهم ضمائرهم‏

فهذه إحدي محاربات الشيطان أن يلبس الخطية ثوب فضيلة‏‏
علي أننا لكي ننتصر في حروب الشيطان‏،‏ ينبغي ان نعرف صفاته واسلوبه في القتال‏،‏ حتي ندرك كيف نقاومه‏،‏ فما هي صفات الشيطان؟ وكيف يحارب؟ وهل له اسلوب ثابت‏،‏ أم انه يتغير في أساليبه حسب تغير الحالة؟ هذا ما نود ان نحدثك عنه أيها القارئ العزيز في المقال المقبل ان شاء الله‏‏‏

مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44610 – يوم الأحد الموافق 25 يناير (كانون ثان) 2009 ميلادية، 17 طوبه 1725 شهداء (قبطية)، 28 محرم 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏


Share/Save/Bookmark

Tuesday, February 3, 2009

حرب الشهوات

الشهوات كثيرة ومتنوعة، منها شهوة الجسد، وشهوة الرئاسة والمناصب، وشهوة الكرامة والعظمة، وشهوة المال، وشهوة الامتلاك أوالاقتناء، وشهوة الشهرة، وشهوة الزينة والجمال، وشهوة السيطرة أو السلطة، وشهوة الانتقام والتدمير، وشهوة المعرفة وحب الاستطلاع...

وعلى الانسان ان يقاوم كل شهوة خاطئة. وما اجمل قول الحكيم: "افرحوا لا لشهوة نلتموها، بل لشهوة أذللتموها". ذلك لأن الشهوة اذا سيطرت على القلب، تكون ملكية الله للقلب قد انتقلت منه الى ذلك الشئ المشتهى

حقا انه من العيب ان يقال عن شخص انه "شهواني"، أى أنه يقاد بشهوته. فاذا اصطدمت بالشهوة، فأفضل وسيلة هى أن تهرب منها، بدلا من أن تدخل معها في صراع قد تنهزم فيه، أو على الأقل – اذا انتصرت – يكون قلبك قبل ذلك قد تدنس بالشهوة

ما دامت الشهوة لا تستريح حتى تكمل، فالأفضل لك هو الهروب منها، والبعد عن مسبباتها. لماذا تدخل معها في صراع أو نقاش؟ انك كلما أعطيتها مكانا أو تهاونت معها أو اتصلت بها، حينئذ تتقوى عليك. وتتحول من مرحلة الاتصال، الى الانفعال، الى الاشتعال... الى الاكتمال

فتتدرج من التفكير فيها، الى التعلق بها، الى الانقياد لها، الى التنفيذ، الى التكرار، الى الجنون بها، الى الاستعباد لها، وقد يلجأ الشخص الى طرق خاطئة لتحقيق شهواته:
الى الكذب، أو الخداع، أو الاحتيال، وربما الى أكثر من هذا... وأحيانا اذا تعب انسان من شهوة يقع في خدعة ويقول: "من الأفضل أن أشبع هذه الشهوة، حتى أقضى على هذا الاشتياق اليها، وأستريح"!!

إن الشهوة لا تشبع أبدا‏.‏ فكما يمارس الإنسان الشهوة‏،‏ يجد لذة‏،‏ واللذة تدعوه إلي الممارسة‏.‏ والقصة لا تنتهي‏...‏

إن إشباع الشهوة لا ينقذ الإنسان منها‏،‏ بل يزيدها‏..‏ إنسان مثلا يشتهي المال‏:‏ نراه كلما يجمع مالا‏،‏ يشتاق إلي مال أكثر‏،‏ ويحب أن يكثر ماله من الآلاف إلي المليون إلي المليار‏....‏ شاب طموح يشتهي الترقي‏:‏ إن وصل إلي الدرجة الرابعة‏.‏ يشتاق إلي الثالثة‏،‏ ثم إلي الثانية فالأولي‏،‏ فدرجة مدير عام‏.‏ والذي يقع في شهوة الجسد‏،‏ لا يشبع من شهواته‏..‏ أبونا آدم كان له شجر الجنة ما عدا واحدة‏،‏ فاشتاق إلي هذه الواحدة‏،‏ حتي أكل منها‏..‏ وبالوضع من وقع في شهوة النساء قد لا يكتفي‏...!

صدق سليمان الحكيم حينما قال‏:‏العين لا تشبع من النظر‏،‏ والأذن لا تمتلئ من السمع‏..‏ كل الأنهار تجري إلي البحر‏،‏ والبحر ليس بملآن‏...‏

لا تظن إذن أن إشباعك للشهوة ينقذك منها‏،‏ لأنه لا ينقذك إلا ضبط النفس والهروب من الشهوة‏.‏ إن يوسف الصديق لم تكن له شهوة تحاربه من الداخل‏..‏ ومع ذلك هرب من الشهوة التي تحاربه من الخارج من امرأة تشتهيه‏..‏

مفيد إذن هو البعد عن الشهوات‏،‏ لأنها جذور الخطايا‏..‏ فالزنا يبدأ بشهوة الجسد‏،‏ السرقة تبدأ بشهوة ما للغير أو بشهوة حب الاقتناء‏.‏ والكذب يبدأ بشهوة تبرير الذات أو بشهوة تدبير شئ ما‏

والقتل يبدأ أحيانا بشهوة الانتقام أو الحسد‏،‏ أو بشهوة الهروب من الانكشاف بخطية أخري‏...‏

ذلك إن نجا الإنسان من الشهوة‏،‏ وانتصر عليها بالهروب منها‏،‏ يكون قد انتصر علي كل الخطايا التي بدايتها الشهوة‏..‏ وحقا إن لذة الانتصار علي النفس‏،‏ بضبط النفس من جهة الشهوات‏،‏ هي أعمق من لذة ممارسة الشهوات‏...

ونصيحتي لك‏،‏ هي أنك إن تعبت من شهواتك‏،‏ فلا تيأس‏،‏ ولا تظن أنه لا فائدة من المقاومة‏...‏ بل فكر فيما تستطيع أن تعمله نعمة الله من أجلك‏،‏ وليس ما تعجز أنت عن عمله‏..

إن الله لا يتركك وحدك في جهادك الروحي ضد الشهوات‏،‏ بل هو يعينك بقوة من عنده تسندك مادمت ترغب في أن تحيا حياة البر‏.‏ وفي ذلك قال أحد الآباء‏:‏ إن الفضيلة تريدك أن تريدها لا غير‏.‏ فإن أردت الفضيلة‏،‏ حينئذ تدركك قوة من الأعالي تساندك حتي تنتصر‏...‏ أما أنت فجاهد بكل إرادتك‏،‏ وبالصلاة حتي يعينك الله‏.‏ ولا تخجل من أن تصلي حتي وأنت ساقط تحت عنف الشهوة‏.‏ بل تمسك بالله بالأكثر الذي يمكنه أن ينقذك ويطهرك‏..‏

قل له‏:‏ أنا يا رب إن انهزمت أمام الشهوة‏،‏ فأنا مازلت واحدا من خليقتك ومن رعاياك‏:‏ أنا واحد من قطيعك الذي ترعاه حتي إن ضللت‏،‏ فسوف تبحث عني وترجعني إليك‏

لأنك تريد أن الجميع يخلصون‏،‏ وأن ينتصروا علي شهواتهم‏...

أنت يا رب لا تتخلي عني‏،‏ وأنا لا أتخلي عنك‏، مهما حاول الشيطان أن يفصلني عنك‏..

وأنا يا رب وإن كنت قد انهزمت حينا أمام شهواتي‏،‏ إلا أني لم أتركك في أعماق قلبي‏،‏ ولن أتركك‏..

لا تجعل حروب الشهوة تفصلك عن محبة الله وعن محبة ملائكته وسمائه‏.‏ وحتي إن ضعفت وسقطت‏،‏ قل له في عمق‏:‏ أنت تعرف يا رب أنها خطية ضعف‏، وليست خطية خيانة مني لك‏،‏ ولو هي خطية بغضة لك حاشا أن تكون كذلك

وفي كل ذلك‏،‏ ثق أن الله يهتم بإنقاذك من كل شهواتك‏،‏ ومن كل سقوطك وضعفاتك‏،‏ وسوف يجذبك إليه‏،‏ ويردك إلي طريقه مهما بعدت بعيدا‏،‏ أوحاولت إغراءات العالم شدك إليها‏.‏ وتذكر دائما أولئك الذين انتصروا في حرب الشهوات ضدهم‏، فإن ذلك يشجعك ويقويك‏

ولا تضع أمامك ما تعرفه عن ضعفاتك وانهزاماتك‏،‏ فإن ذلك يغرس اليأس في نفسك‏.‏ أيضا تذكر الذين سقطوا وقاموا‏،‏ ونموا في حياة التوبة حتي صاروا من الأبرار‏،‏ والله ـ في رحمته ـ لم يذكر لهم ماضيهم‏

ولكي تتخلص من قوة الشهوات الخاطئة‏،‏ حاول أن تجعل شهوة أمور أخري من صفات البر والفضيلة تحل محلها‏،‏ وتجد عمقا في قلبك‏،‏ لكي تقيم توازنا بين هذه وتلك في مشاعرك‏.‏ وثق أن الجانب الخير سوف ينمو داخل قلبك شيئا فشئيا‏، حتي تتخلص من شهوات الخطية‏

وإن عرفت ضعفك‏،‏ لا تعرض نفسك لمحاربات الشهوة مرة أخري‏،‏ بل اهرب من كل مسبباتها‏،‏ واغلق طرقها الموصلة إليك‏،‏ واغلق أبواب قلبك أمامها‏،‏ وليكن الله معك‏


مقال فداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرفسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44603 – يوم الأحد الموافق 18 يناير (كانون ثان) 2009 ميلادية، 10 طوبه 1725 شهداء (قبطية)، 21 محرم 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg


‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏


Share/Save/Bookmark

Facebook Comments

Twitter

I Read

Word of the Day

Quote of the Day

Article of the Day

This Day in History

Today's Birthday

In the News