إنه يشيع السلام حوله. ويبعث الطمأنينة في قلوب الآخرين. وبشاشته تشع من نظرات عينيه، ومن ابتسامته، ومن ملامح وجهه، ومن أسلوب حديثه. إنه نفس مستريحة من الداخل، وقادرة علي إراحة الغير. تشعر من حولها بأنه لايوجد ما يدعو إلي الكآبة، بل هناك فرح علي الرغم من كل شيء.
الإنسان البشوش لا يسمح للمشاكل بأن تحصره داخلها. و إنما يكسر دائراتها، ويفتح له بابا ليخرج منها.
إنه لايعتمد علي عقله وحده، وإنما علي الإيمان بالأكثر. أي الإيمان بالله الذي يحب البشر، ودائما يعمل معهم خيرا. فإن كنا لانري هذا الخير، فذلك قصور منا لا يمنع من وجود الخير أو من انتظار مجيئه.
الإنسان البشوش، حتي إن حاربته الأحزان من كل جانب، يقول لنفسه: وما ذنب الناس في أن يروني عابس الوجه فيحزنوا؟! لذلك فهو في نبل نفسه - إن أدركه الحزن - يحتفظ به لذاته وحده. ويقدم بشاشته للآخرين. فهو لا يشركهم في الحزن بل في الفرح..
الإنسان البشوش ينتصر علي المتاعب، ولاتنتصر المتاعب عليه.. إنه لا يقع في الحصر النفسي، ولاتكون نفسه عدوة له في داخله. وهنا يكون عقله صديقا له، ودائما يريحه. أما الكئيب، فعقله يكون ألد أعدائه، لأنه يصور له متاعب، ربما لا وجود لها. ودائما يضخم له ما يمكن أن تنتظره من مشاكل. ويغلق أمامه أبواب الحلول..! وإن إراد أن يخرج من بيته، يقول له: لاتنس المتاعب التي ستقابلك!
الإنسان البشوش حقا هو الذي يتمتع بالبشاشة الداخلية. فهو ليس فقط بشوشا في مظهره، من الخارج. بل البشاشة تملك أعماق قلبه وفكره، وتنبع من ذاخله. فلا يحمل هما... إذا أخطأ: فبدلا من أن يفقد بشاشته، يعمل علي إصلاح الخطأ. وحينئذ يعيش في سلام داخلي وفي سلام مع الله. كثيرون إذا وقعوا في خطأ أو في مشكلة، يكون الرد الطبيعي عندهم هو الكآبة.
ولكن الكآبة ليست حلا عمليا للمشاكل. أما الشخص البشوش، فإنه يبحث عن الحل العملي الذي يتخلص به من المشكلة وينقذه من الكآبة. فإن وجد الحل، تزول المشكلة ويملكه الفرح.
أما الكئيب: فإن المشكلة تستولي علي كيانه كله. وبالأكثر عقله ومشاعره. فيظل يفكر في المشكلة وأعماقها وأبعادها، وكيف حدثت، وما يتوقعه من نتائج سوداء لها.. فيزداد كآبة، ولايفكر مطلقا في حل المشكلة وإن فكر في حل، فإنه يستصعبه ويضع أمامه العقبات.. أو يتخيل أنه لا حل..! وهنا تشمل الكآبة كل تفكيره. فلا يبصر الحل وهو موجود! وهكذا يستمر في كآبته، بل تزداد تلك الكآبة. ولايستطيع أن يكون بشوشا.
الإنسان البشوش إن لم يجد حلا لمشاكله، يتركها إلي الله، وينساها في يديه الإلهيتين.
أما الكئيب، فلا يستطيع أن ينسي مشاكله. إنها قائمة دائما أمام عينيه، تتعبه وتزعجه.
وكلما فكر فيها، ترهق أعصابه. وربما يحتاج إلي طبيب نفسي، يعطيه منوما أو مهدئا، لكي تستريح أعصابه. علي أن تلك المهدئات، هي مجرد علاج من الخارج، بينما الداخل في تعب...
البشوش لا يعطي للمتاعب وزنا فوق وزنها الطبيعي. وكثير من الأمور يأخذها ببساطة، فلا تتعقد أمامه. وبطبيعة نفسه لايتضايق إلا من الأمور التي هي فوق الاحتمال.. وهو في العادة له قلب واسع لايتضايق لأي سبب، ولايفقد بشاشته.
إن الإنسان عموما قد يفقد بشاشته بسبب عدم الاكتفاء. أي أنه لايكتفي بما عنده، بل يتطلع باستمرار إلي طموحات عالية ربما لا تكون سهلة المنال. فإن لم ينلها يكتئب. ولهذا فالإنسان القنوع الراضي بما قسم الله له، يكون دائما بشوشا شاكرا، إن الطامع في منصب كبير أو في مستوي عال، إن لم تتحقق آماله، فإنه يكتئب ويفقد بشاشته. ومن العجيب أن كبار الأغنياء قد يفقدون بشاشتهم أيضا، إن أرادوا نموا لثرواتهم ولم يتحقق ذلك. وقد يتحقق لهم ما يريدون، ومع ذلك يفقدون البشاشة إذ يجدون أمامهم ضرائب ومستحقات للدولة لا يحبون دفعها كلها. وإن لجأوا إلي التهرب الضريبي تصدمهم قضايا وأحكام تفقدهم البشاشة أيضا!!
الإنسان البشوش يحب أن يكون جميع الناس بشوشين مثله. فلذلك هو يحاول دائما أن ينسيهم أحزانهم، ويشع فيهم الاطمئنان، ويبحث عن حلول لمشاكلهم، ويعطيهم تعليلا مريحا لكل الضيقات، يجلب البهجة لهم مهما حدث..
إنه يخفف من قدر المتاعب، ولايحسب لها ثقلا. وفي كل مشكلة تحل لغيره، يريحه بأن الرب الحنون المحب يقول: تعالوا إلي يا جميع التعابي والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم.
الإنسان البشوش لا يعيش في التعب الحاضر، وإنما بالرجاء يعيش في الفرح المقبل يعيش سعيدا ولو في الخيال. وله إيمان أن الله لابد سينقذه من تعبه. إنه مؤمن بالمعونة الإلهية التي لايشك مطلقا في وصولها إليه. إن لم يكن اليوم، فغدا.
هناك مشكلة في موضوع البشاشة وهي أن البعض يخلط بين الجدية والعبوسة، وبين الضحك والخطيئة. وكأن الذي لا يكون عابسا، فهو بالضرورة يكون عابثا!! أو علي الأقل يكون ساهيا عن نفسه، أو غافلا عن الاهتمام بأبديته وناسيا لخطاياه. ومن هنا نري أن بعض المتدينين أو رجال الدين يحرصون دائما أن يتصفوا بالجدية أو بالتزمت. وهذا يقودهم إلي أن يكون كل منهم عابسا. ويعتبرون المرح أو البشاشة حراما..!
وهذا التزمت له خطورته، لأنهم يخيفون الناس من التدين. أو هم يقدمون للناس صورة عن التدين غير سليمة. ونقول: لماذا لايكون الإنسان متدينا، ومرحا وبشوشا في نفس الوقت؟
وهل معني التدين أن ينفصل الإنسان عن الحياة الاجتماعية وما فيها من مرح وبهجة؟
وهل إذا ضحك المتدين يبكته ضميره ؟ وماذا عن الحفلات التي تتميز بالمرح، هل مستواها هابط؟ وماذا عن الطفل الذي يحب أن يضحك، ويحب من يضحكه؟ هل نعلمه التزمت؟!
مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44666 – يوم الأحد الموافق 22 مارس (آذار) 2009 ميلادية، 13 برمهات 1725 شهداء (قبطية)، 25 ربيع الاول 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء،
http://www.ahram.org.eg
No comments:
Post a Comment