Showing posts with label الاحتمال. Show all posts
Showing posts with label الاحتمال. Show all posts

Monday, December 9, 2013

من كلمات الأنبا موسى الأسود


ينبغي لنا أيها الحبيب أن نجتهد بقدر استطاعتها بالدموع أمام ربنا ليرحمنا بتحننه. لأن الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالفرح

الأنبا موسى الأسود


Share

Tuesday, February 5, 2013

لماذا تختفي في أزمنة الضيق


عندما نمر بالضيقات

قال لي صديق عزيز على نفسي وهو يمر بتجربةً صعبة، لماذا يختفي الله في أزمنة الضيق؟ كما تساءل داود النبي قديمًا.. يا رب لماذا تقف بعيدًا لماذا تختفي في أزمنة الضيق. مزمور 10: 1. وقد صرخ المرنم إلى الله طالبًا الإنصاف:  قم يا رب يا الله ارفع يدك لا تنس المساكين. لماذا أهان الشرير الله لماذا قال في قلبه لا تطالب. قد رأيت لأنك تبصر المشقة والغم لتجازي بيدك، إليك يسلم المسكين أمره أنت صرت معين اليتيم. مزمور 10: 12 - 14. إن ما نمر به من تجارب صعبة سواء أمراض صعبة، أو اضطهادات تتعرض لها الكنيسة، أو حتى انقسامات داخل البيوت أو الكنيسة أو المجتمع، وما نتعرض له من أزمات نفسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وما يتعرض له البعض من ظلم او ضيقات أو افتراء وتجريح، كلها مدعاة للتساؤل: أين الله من كل هذا؟ ولماذا يبدو أنه حجب وجهه هنا واختفي


حلول مختلفة لمشكلات قائمة

تساءلت النفس البشرية أو الكنيسة قديمًا فأجابها الرب سريعًا: و قالت صهيون قد تركني الرب و سيدي نسيني. هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك. هوذا على كفي نقشتك أسوارك أمامي دائمًا. إشعياء 49: 14 - 16. كثيرون يقولون لماذا ولا يسمعون الاستجابة؟ ويبقوا يصارعون بمفردهم، علْهم يجدوا الحلول أو يلجاوا لحلول بشرية خاطئة وغير مدروسة، البعض يهرب من مشكلاته بالإدمان أو يُعثر ويترك الإيمان، والآخر يلجأ إلى الهروب أو التأجيل، آخرون يقعوا في التذمر أو الشكوى، والبعض ينطوي على ذاته أو يقع في اليأس. البعض يعالج الضيقات بالصبر والعمل على إيجاد أفضل الحلول، ويبدأ بالعمل الإيجابي للوصل للحل والراحة. إن داود النبي تساءل هكذا لكنه وجد الإجابة داخله من الله.. لماذا أنت منحنية يا نفسي ولماذا تئنين فيَّ ارتجي الله لأني بعد أحمده لأجل خلاص وجهه. مزمور 42: 5


أمثلة من الكتاب المقدس

لقد تأنى الله على أبي الآباء إبراهيم وهو يصلي من أجل أن يرزقه الله ولدًا، رغم وعد الله، واستعجل أبونا إبراهيم وتزوج بهاجر، ليُرزق نسلاً، لكن الله أعطاه النسل الموعود بعد تأخر الاستجابة لحوالي ربع قرن! ثم كبر الصبي وطلب الله منه أن يقدمه ذبيحة لله! إنه الاختبار الصعب لتختبر محبة إبراهيم لله، ويكون مثالاً وأب المؤمنين في كل زمان، وأيوب البار كان رجلا بارًا كاملاً في جيله وحسده الشيطان لبره وتقواه، وهكذا سمح الله له بالتجارب الواحدة تلو الأخرى، فقد الممتلكات وموت الأبناء والمرض الطويل والصعب، وفوق كل هذا تقُول الاصدقاء وافترائهم عليه وحتى زوجته: فقالت له امرأته إلى متى أنت متمسك بعد بكمالك بارك الله ومت. أيوب 2: 9. وصبر أيوب إلى أن رد الله له ما فقده أزيد مما كان، وعوضه بالنسل الصالح، والعمر الطويل، والأبدية السعيدة، ليكون مثالاً في الصبر والعمل الصالح والسيرة الحسنة، لقد حسد يوسف الصديق أخوته وأرادوا التخلص منه، فألقوهُ في بئر، ثم باعوه عبدًا، وظنوا أنهم بذلك قد تخلصوا منه، ولكن ظلت ضمائرهم تبكتهم حتي عندما وقعوا في الضيقة.. وقالوا بعضهم لبعض حقًا إننا مذنبون إلى اخينا الذي رأينا ضيقة نفسه لما استرحمنا ولم نسمع لذلك جاءت علينا هذه الضيقة. التكوين 42: 21، ولعل يوسف البار كان يتساءل لماذا تختفي يارب في أزمنة الضيق؟ ولماذا يظلمني أخوتي

وفي بيت فوطيفار لم يخطئ يوسف ودُفع به ظلماً إلي السجن، إلي أن فسر أحلام ساقي وخباز الملك، ثم أحلام فرعون نفسه، ورفعه فرعون، وكان سببًا لنجاة مصر وذويه من المجاعة، ولقد كان يوسف نبيلاً في تعامله مع أخوته، وفهم خطة الله له.. ولما رأى أخوة يوسف أن أباهم قد مات قالوا لعل يوسف يضطهدنا ويرد علينا جميع الشر الذي صنعنا به. فأوصوا إلى يوسف قائلين أبوك اوصى قبل موته قائلاً: هكذا تقولون ليوسف آه اصفح عن ذنب اخوتك وخطيتهم فإنهم صنعوا بك شرًا فالآن اصفح عن ذنب عبيد إله أبيك فبكى يوسف حين كلموه. وأتى أخوته أيضًا ووقعوا أمامه وقالوا ها نحن عبيدك. فقال لهم يوسف لا تخافوا لأنه هل أنا مكان الله. أنتم قصدتم لي شرًا اما الله فقصد به خيًرا لكي يفعل كما اليوم ليحيي شعبًا كثيرًا. التكوين 50: 15 - 20. هكذا إن رأينا ظلم الأشرار والضيقات تحيط بالصديقين والمؤمنين فلنصبر، ونصلي ونطلب تدخل الله في الوقت المناسب، إن رايت ظلم الفقير و نزع الحق والعدل في البلاد فلا ترتع من الأمر لأن فوق العالي عاليًا يلاحظ والأعلى فوقهما. سفر الجامعة 5: 8. وهذا أيضا حدث مع زكريا الكاهن وأليصابات، وتأخر الله في إعطاءهم نسلاً إلى أن شاخا، ليعلما أن غير المستطاع لدى الناس مستطاع لدى الله وأنه في الوقت المناسب رزقهم الله بأعظم مواليد النساء

القديس بولس الرسول وتجاربة وجهاده وقداسته لم تمنع عنه الآلم، حتي قال ذات مرة: فإننا لا نريد أن تجهلوا أيها الأخوة من جهة ضيقتنا التي أصابتنا في آسيا أننا تثقلنا جدًا فوق الطاقة حتى يأسنا من الحياة أيضًا. كورنثوس الثانية 1: 8. لكن في ضعفه ويأسه لم يكن متروكًا.. ولكن لنا هذا الكنز في أوانٍ خزفية ليكون فضل القوة لله لا منا. مكتئبين في كل شيء لكن غير متضايقين متحيرين لكن غير يائسين. مضطهدين لكن غير متروكين مطروحين لكن غير هالكين. حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا. كورنثوس الثانية 4: 7 - 10. ورغم أنه كان بصلواته يشفي الكثيرين من أمراضهم إلا أنه قد أعطي شوكة في الجسد. ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات أُعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع. من جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني. فقال لي تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل فبكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل عليﱠ قوة المسيح. كورنثوس الثانية 12: 7 - 9


الله يعمل من أجلنا

إن الله يعمل دائمًا من أجل خلاصنا وأبديتنا، والأشجار المعمرة عندما تتعرض للرياح تزداد جذورها امتدادا في التربة، فتثبت وتتأصل، والنخيل العالي الثمر يتعرض للقذف بالأحجار فيلقي بأطيب الثمر. إننا إن كنا خطأة فبالتجارب نتنقى، وإن كنا ضعفاء فبالتجارب نتقوى، وإن كنا صديقين فبالتجارب تزداد أكاليلنا ومكأفاتنا لدى الله.. ها نحن نطوب الصابرين قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف. رسالة يعقوب 5: 11

لقد انهارت الشيوعية والإلحاد في الدول الشرقية بعد سبعين عامًا من الاضطهاد، ورجع الملايين للإيمان المسيحي، والله الطويل الأناة يقول لنا صلوا واسهروا واصبروا علي الضيقات.. وليس ذلك فقط بل نفتخر أيضًا في الضيقات عالمين أن الضيق ينشئ صبرًا. والصبر تزكية والتزكية رجاء. روميه 5: 3 - 4

لم ولن يختفي الله يا صديقي في أزمنة الضيق، إنه موجود ويعمل وإن أراد الناس بنا شرًا، فهو ضابط الكل قادر أن يحوله إلى خيرنا لكن علينا أن نرى يد الله الحنونة في الأحداث، ولا نلجأ إلا إليه بالركب المنحنية والأيدي المرفوعة والكتاب المقدس المفتوح والتوبة الدائمة، نقول دائمًا أن الشمس قد غابت وإن كانت الشمس لا تغيب، لكن الأرض هي التي تعطي ظهرها للشمس.. نحن كثيراً ما نعطي الله القفا لا الوجه، ونقول أين أنت يالله؟ ولماذا تتركني وحيدًا أصارع الأمواج وتيارات الإثم؟ لماذا تترك الظالم والمفسد والخائن يرتع في الأرض


يراقب الله جهادنا

من القصص المؤثرة التي جاءت عن القديس الأنبا أنطونيوس، أنه ذات مرة تعرض لحرب قوية من إبليس، ولما اشتدت الحرب ولم يستطع أن يحتمل صرخ إلى الله، فجاء إليه ونصره، وعندما تساءل القديس أين كنت يا رب؟ أجابه: نعم كنت حاضر أراقب جهادك ولما طلبتني وصرخت نحوى وجدتني! فهل نطلب الله بثقة في محبته.. اطلبوا الرب ما دام يوجد ادعوه وهو قريب. اشعياء 55: 6 هل نحتمل التأديب ونقول أن كل ما يقع علينا هو بسماح منه ولفائدتنا وخلاصنا، أم نتذمر ونشتكي.. إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين فأي ابن لا يؤدبه أبوه. العبرانيين 12: 7. إن صبرنا له أجر تام وإن احتمالنا وشكرنا في الضيق ينشئ لنا ثقل مجد أبدي، وإن مطالبتنا بحقوقنا وقيامنا بواجباتا لهو من صميم إيماننا. إن إيماننا بعدالة قضايانا وبعدالة السماء يجعلنا نعمل بلا كلل، ونصلي باستمرار ونطلب تدخل السماء.. فأجبتهم و قلت لهم إن إله السماء يعطينا النجاح و نحن عبيده نقوم ونبني. نحميا 2: 20. إن حياتنا ستنتهي ولكن يا ليتها تنتهي من أجل عمل صالح، وعندها سنقوم في قيامة الأبرار


يستجيب لك الرب

يستجيب لك الرب في يوم شدتك، ينصرك اسم إله يعقوب، يرسل لك عونًا من قدسه، أقوياء قاموا علينا، هم عثروا وسقطوا ونحن قمنا وانتصبنا، لأن الرب لنا راعٍ فلا يعوزنا شيء، في الضيق وجد شديدًا. حقاً لولا إنك يارب كنت معنا عندما قام الأشرار علينا لابتلعونا ونحن أحياء. نجت أنفسنا من فخ الصياد، الفخ انكسر ونحن نجونا، انتظر الرب واصبر له ولا تغر من الذي ينجح في طريقه من الرجل المجري مكايد، اتقي الرب واحفظ وصاياه واصبر على التأديب فإن الذهب يصفى بالنار، والمختارين من الله في أتون التجارب. واعلم يا أخي أننا غرباء على الأرض وحياتنا أشبار أو كبخار يظهر قليلاً ثم يضمحل، فلتتطلع عيوننا نحو الله والسماء، ومنها نستلهم الصبر والإيمان


لِيَسْتَجِبْ لَكَ الرَّبُّ فِي يَوْمِ الضِّيقِ. لِيَرْفَعْكَ اسْمُ إِلهِ يَعْقُوبَ
لِيُرْسِلْ لَكَ عَوْنًا مِنْ قُدْسِهِ، وَمِنْ صِهْيَوْنَ لِيَعْضُدْكَ
لِيَذْكُرْ كُلَّ تَقْدِمَاتِكَ، وَيَسْتَسْمِنْ مُحْرَقَاتِكَ. سِلاَهْ
لِيُعْطِكَ حَسَبَ قَلْبِكَ، وَيُتَمِّمْ كُلَّ رَأْيِكَ
نَتَرَنَّمُ بِخَلاَصِكَ، وَبِاسْمِ إِلهِنَا نَرْفَعُ رَايَتَنَا. لِيُكَمِّلِ الرَّبُّ كُلَّ سُؤْلِكَ
اَلآنَ عَرَفْتُ أَنَّ الرَّبَّ مُخَلِّصُ مَسِيحِهِ، يَسْتَجِيبُهُ مِنْ سَمَاءِ قُدْسِهِ، بِجَبَرُوتِ خَلاَصِ يَمِينِهِ
هؤُلاَءِ بِالْمَرْكَبَاتِ وَهؤُلاَءِ بِالْخَيْلِ، أَمَّا نَحْنُ فَاسْمَ الرَّبِّ إِلهِنَا نَذْكُرُ
هُمْ جَثَوْا وَسَقَطُوا، أَمَّا نَحْنُ فَقُمْنَا وَانْتَصَبْنَا
يَا رَبُّ خَلِّصْ! لِيَسْتَجِبْ لَنَا الْمَلِكُ فِي يَوْمِ دُعَائِنَا
المزامير 20


Share

Monday, October 8, 2012

في قبضة الحب


في قبضة رجال الشرطة

دخل عادل حجرة النوم في خطوات هادئة لم يعتدها من قبل، وأغلق الباب، لكنه عِوض أن يُلقى بجسده المُنهك على السرير، ارتمى على الأرض، وأسند برأسه على الكرسي، وهنا سبحت أفكاره يمينًا ويسارًا. تجلَّى أمامه الماضي البعيد والماضي القريب كما الحاضر أيضًا. كان يناجي نفسه تارة بصوت مسموع، وأخرى إذ يدرك أنه في بيتٍ غريبٍ يصمت ليناجي نفسه سرًا

لقد عشت يا عادل كل حياتك محرومًا من الحب، لا تذكر حتى في طفولتك أن أمك قد احتضنتك يومًا ما، ولا أباك كان يترفق بك، ولا أخوتك يهتمون بك. عشتَ لا تعرف العاطفة، ولا تذوقت الدفء العائلي

بدأت حياتك الدراسية طفلًا مشاكسًا، لا تعرف الرقة في التعامل ولا احترام الآخرين، تريد أن تنتقم من كل إنسان وتشاغب مع كل أحد. وكان نصيبك النبذ من المدرسين والطلبة. لم يعرف أحد أن يدخل قلبك ويروي عطشك أو يُضمد جراحاتك الخفية، أما أنت فلا تعرف لغة القلب

كان نصيبك الفشل المستمر، فصرت من جماعة المشاغبين، وانتهى أمرك بالطرد من المدرسة. قسا الزمان عليك، فقسوت على الناس، وصار العنف يسري في دمك. تعلمت أن تغتصب كل ما تقدر أن تمتد إليه يديك، فصرت مُحترفا السرقة. وأخيرًا انتهت حياتك بالسجن لتعيش منبوذًا من الجميع، محرومًا من أثمن ما في الوجود: الحرية

والآن ها أنت في فيلا جميلة، أصحابها أغنياء، أغنياء بالأكثر في الحب

لعلَّها أول مرة ترى فيها أُناسًا يبتسمون في وجهك ويهتمون بك ولا يحتقرونك. لماذا يُحبونك؟ وماذا يرجون فيك أو منك؟

هكذا لم يدرِ كم من الوقت قد قضاه سابحًا في أفكاره، يذكر لمسات الحنان التي قدمتها له السيدة العجوز والملابس الجديدة التي قدمها له ابناها. لكنه تحت ضغط الإرهاق الجسدي الشديد أغمض عادل عينيه ليغُط في نومٍ عميق وهو ملقى على الأرض بلا حراك

فجأة، فتح عادل عينيه على قرعات الباب الهادئة، وبدأ يفكر بسرعة خاطفة أين هو؟ وما الذي جاء به إلى هذه الحجرة الجميلة بأثاثها الفاخر. لكنه تدارك الأمر أنه في استضافة عائلة مُحبة تلقفته بعد أن قضى زمانًا في السجن

فتح عادل الباب ليجد أحد الشابين يعتذر له إن كان قد أيقظه من النوم بقرعات الباب

آسف جدًا يا أخ عادل. فإني ما كنت أحسبك نائمًا

خشيت أن تكون في خجل من أن تأتي وتجلس معنا

شكرًا يا أخي على محبتك، فقد كنت مُحتاجا فعلًا أن أنام كل هذه الفترة الطويلة

إذن، فلتتفضل معنا العشاء لتعود وتُكمل راحتك

ذهب عادل إلى الحمام وغسل وجهه بسرعة، ثم جلس مع الأم العجوز وابنيها على المائدة. بعد صلاة قصيرة بدأوا يأكلون وهم يتجاذبون أطراف الحديث

نرجو أن تكون قد أخذت قسطًا وافرًا من الراحة

أشكر اللَّه، فإني أشعر براحة، خاصة وأنا في وسطكم

يسرنا جدًا أن تعيش معنا، فالمكان مُتسع، وبركات الرب كثيرة

أنا لا استحق هذه المحبة، ولا استحق أن أعيش بين قديسين مثلكم، فإني إنسان شرير. قضيت عمري في الخطية والشر

لا تقل هذا يا عزيزي، فنحن جميعًا تحت الضعف. ولكل منا خطاياه، لكن الرب يستر علينا برحمته

لا... لا تقل هذا. لعلَّك لا تعرف ما أنا عليه... فقد امتزجت طبيعتي بالشر، وكأني والشر صرنا واحدًا

لا تخف، فإن اللَّه الذي خلقنا قدَّم حياته من أجلنا. إنه يحبنا، نزل إلينا، وصار مثلنا كواحد منَّا، ودفع حياته ثمنًا لخلاصنا

لعلَّه يُخلص آخرين غيري

لا... بل يريدك أنت. إنه يحب كل إنسان، ويشتهي خلاص كل أحد

ألم أقل لكم أنتم لا تعرفونني. لقد قضيت حياتي كلها في الشر. لقد امتزجت حياتي بكل أصناف الخطية، وما أظن إني أقدر أن أتخلص منها

اللَّه الذي يحب الخطاة هو يقدر أن يُعين الجميع. لقد غيَّر حياة الزناة والعشّارين ودخل بهم إلى الفردوس

إذ انتهوا من العشاء غسلوا أيديهم، ونزلوا معًا إلى الحديقة يُكملون الحديث عن محبة اللَّه اللانهائية. حتى انسابت دموع عادل بغزارة ووقف الكل يصلون

بعد فترة ليست بطويلة أرادت العائلة أن تُرحب بالضيف أكثر فأكثر، فسألوه إن كان يأخذ فكرة عن الفيلا ومحتوياتها. فأجاب بالإيجاب وبدءوا يسيرون معه من حجرة إلى حجرة، يكشفون له عن أسرار البيت كله. وأخيرًا استقرت وقفتهم أمام قطعة أثرية جميلة وُضعت على البيانو

إنها قطعة جميلة

نعم، وأثرية أيضًا.. أجابت العجوز

وما ثمنها

إنها تساوي خمسة آلاف جنيهًا مصريًا. لكنها في نظرنا أثمن من ذلك بكثير، إنها لا تقدر بثمن. فهي تحمل ذكرى والدي وأجدًادي الذين توارثناها عنهم

بعد أن أخذ عادل فكرة عن البيت ومحتوياته، دخل الجميع الحجرة المخصصة للصلاة العائلية، وأمام أيقونة السيد المسيح صلى الكل، وذهب كل منهم إلى حجرة نومه

وضع عادل رأسه على الوسادة وحاول أن ينام لكنه لم يستطع إذ بدأت الأفكار تتراقص في ذهنه

كيف تفلت هذه القطعة الأثرية من يدي؟

لكن كيف أخون الذين أحبوني من كل القلب؟

وهل أعيش عالة عليهم كل أيام حياتي؟

لأعيش عالة ولا أسرق، فقد وعدتهم ألا أعود إلى الخطية مرة أخرى

ما قيمة قطعة أثرية في أيدي أُناس أغنياء، هم ليسوا في حاجة إليها. لأسرقها وأبيعها كي أجد عملًا تجاريًا شريفًا، فلا أعود أنحرف بعد

في وسط هذا الصراع العنيف قام عادل وتسلل وسط الظلام على أطراف أصابعه حتى بلغ إلى الصالة، وهناك وقف أمام القطعة مترددًا. مدَّ يده ليمسكها، ثم عاد فتراجع، وتكرر الأمر مرة ومرات، وأخيرًا تشدد وأمسك بالقطعة وتسلل نحو الحديقة ليجد الباب الحديدي مُغلقًا. لكن هذا لا يشكل مشكلة، فبسرعة البرق قفز من السور إلى الشارع ليجد نفسه أمام رجلين من الشرطة، أمسكا به. ارتبك عادل جدًا، ولم يعرف ماذا يفعل. لقد فتشه الرجلان ووجدًا معه القطعة الأثرية فأخذاها منه واقتاداه إلى دار الشرطة


في دار الشرطة

أيقظت العجوز أحد ولديها على أثر قرعات غريبة على الباب بعد منتصف الليل، وكانت المفاجأة أن فتح الشاب ليجد أمامه رجلين من الشرطة

لا تقلق، فقد أمسكنا رجلًا يقفز من سور حديقتكم ومعه بعض المسروقات، فأتينا نخبركم

أشكركما تفضلا

ضابط البوليس ينتظرنا، ويطلب رب البيت أن يحضر ليتعرف على المسروقات

حالًا أحضر معكما

سمعت الأم العجوز الحديث، فأدركت أن عادل هو المقصود. للحال أسرعت نحو حجرته لتجد الباب مفتوحًا، وإذ دخلت لم تجده. عندئذ خرجت وأصرَّت أن تذهب مع ابنها إلى دار الشرطة. وعبثًا حاول ابنها أن يثنيها عن عزمها

انطلق الشاب بعربته ومعه والدته العجوز ورجليّ الشرطة، وهناك إذ دخل الكل حجرة الضابط، سلَّمت الأم على عادل سلامًا حارًا، أما هو فقد نكس رأسه ولم يقدر أن يرفع عينيه ويتطلع إليها

تعجب الضابط من المنظر

أتعرفينه يا سيدتي؟

نعم! أعرفه جيدًا، إنه صديقنا الحميم

لقد وجدناه يقفز من سور حديقتكم

إنه صديقنا والبيت هو بيته

وجدنا معه قطعة أثرية ثمينة

أنا أعطيته إيَّاها لكي يعالج عيبًا فيها

ألا تتهميه بالسرقة

مستحيل

إذن، نتركه على مسئوليتكم

لا، بل سنأخذه معنا يبيت الليلة عندنا

لم يحتمل عادل هذه المحاورة فقد شعر كأنه وقد أفلت من يد الشرطة صار أسير حب فريد لم يذقه من قبل. وهنا تسلّلت الدموع من عينيه وهو جامد الحركة لا يعرف ماذا يقول ولا كيف يتصرف. عندئذ تقدم الشاب في محبة، وأمسك بيده، واقتاده إلى السيارة ليذهب معهما إلى الفيلا

عند باب السيارة ثقلت قدمي عادل جدًا وانهمرت دموعه بكثرة وهو يُقبل يدي الأم العجوز، قائلًا: سامحيني فقد أسأت لليد التي أحسنت إلىَّ

لا تقل هذا يا عادل، فإن اللَّه يغفر لنا كل يوم

أشكرك، لكنني لا أقدر أن أعيش أسير هذا الحب. إني لا أستحق حبكم، ولا أستطيع حتى أن أقف وسطكم

إن كنتَ قد حكمت علينا أننا نحبك فاسمح أن تقضي بقية الليلة معنا

لا أحتمل يا أمي، فإن نارًا تلتهب داخلي

لا تقل هكذا يا عادل، اسمح أن نعود جميعًا فرحين

تحت لجاجة الأم العجوز ركب عادل معهما حتى وصلا الفيلا. وهناك نزل من السيارة ليقف على الرصيف وعيناه قد تسمَّرتا متجهتين نحو المكان الذي قفز منه

ربتت الأم على كتف عادل ودخل الكل إلى الفيلا، حيث تسلّل عادل إلى حجرته ليقضي بقية الليلة يجهش في البكاء، وفي الصباح المبكر بعد أن صلى مع العائلة وأخذ إفطاره استأذنهم وخرج بلا عودة


مع الراهب دانيال

مرت السنوات وأصيبت الأم بمرض الفالج (الشلل) الذي أفقدها قدرتها على الحركة، فصارت حبيسة بيتها مع ابنيها الرجلين اللذين يبذلان كل الجهد في خدمة الكنيسة

كان الابنان يلتقيان كل مساء مع أمهما ليشترك الكل معًا في الصلاة العائلية، وبعد دراسة في الكتاب المقدس يسير الولدان بأمهما إلى إحدى الشرفات على عجلة خاصة بها، يقضون وقتا ليس بقليل يتحدثون في سير القديسين السابقين، وما يدور حول شخص الراهب دانيال. فقد فاحت سيرته المقدسة في كل أنحاء القطر، وتحول الدير إلى مزار يفد إليه الناس من كل صوب يلتمسون بركة القديس، الأمر الذي دفع بالراهب دانيال أن يترك الدير ويهرب إلى مغارة على بعد عدة أميال من الدير

في إحدى الليالي، قالت الأم لولديها: اذهبا إلى أبينا دانيال ليبارككما، واطلبا منه أن يصلي عني

ولماذا لا تأتي معنا يا أماه؟

أنت تعلم يا ابني إني عاجزة عن الحركة، ولا أريد أن أثقل عليكما. يكفيني أن تنالا أنتما البركة

لا... بل إن أردتِ فلتذهبي معنا ليصلي عنك فيهبكِ الرب الشفاء

أنا لا أطلب شفاءً للجسد، بل أشتاق أن أكمل أيامي في رضى الرب وأعبر سريعًا

لا تقولي هذا يا أمي، فنحن محتاجون إلى بركتك معنا

لقد أكملت رسالتي يا ابني... إني اشتهي أن انطلق وأكون مع السيد المسيح، ذاك أفضل جدًا

أصر الابنان أن يأخذا أمهما معهما، وقرر الكل أن تكون الرحلة في اليوم التالي. وبالفعل في الصباح المبكر جدًا سار الابنان بأمهما إلى السيارة، وحملاها إلى المقعد الخلفي لتستريح، وانطلق الكل نحو البرية إلى الدير

لم يكن من السهل أن ينزلا بأمهما من السيارة ويحملانها على العجلة ليدخلا بها إلى كنيسة الدير. في الطريق إلى الكنيسة قالت الأم في ألم: أرجو أن تتركاني في الدير هنا وتذهبان أنتما إلى المغارة، فإن السيارة لا تقدر أن تصل إلى المغارة، وأظن أن العجلة لا تقدر أن تسير في الرمال. يكفيني أن تذهبا وتطلبان منه أن يصلي عني. وأنا أنتظركما هنا حتى آخر اليوم

لا تخافي يا أمي، فإن اللَّه سيدبر الأمر، نحن قد أتينا من أجلك وسنسأل إن كان بالدير سيارة جيب تقدر أن تصل بنا إلى المغارة

لا تتعبان، ولا تحرجا أنفسكما مع الآباء الرهبان

لقد علمتينا أننا بالإيمان لا يوجد مستحيل

هنا بلغ الكل باب الكنيسة، حيث خلع الكل أحذيتهم ودخلوا في مخافة وهدوء إلى الهيكل حيث سجد الابنان إلى الأرض وصلّيا. أما الأم فقد انذرفت دموعها وهي تصلي بكلمات غير مسموعة. وبعد أن قبَّل الكل أجساد القديسين خرجوا يسألون عن الراهب دانيال

سأل أحد الابنين راهبًا: كيف يمكننا الذهاب إلى مغارة أبينا دانيال؟

هل تريدون أبانا دانيال؟

لو سمحت، فإننا مشتاقون أن ننال بركته؛ وأمي كما تراها مريضة بالفالج

على أي الأحوال، إن تدبير اللَّه حسن، فإن الأب دانيال حاليًا في الدير

أشار الراهب إلى الموضع الذي يجلس فيه أبونا دانيال، الذي تفرس فيهم كثيرًا وهم قادمين إليه. وإذ وصلوا إليه مع الراهب سألوا: أبانا دانيال؟

أجاب الراهب في هدوء: نعم أنا... أنت بولس؟

كيف عرفتني؟

وأنت بطرس؟

نعم... أتعرفني؟

هل هذه أمكما؟

نعم

وفي لحظات ضرب الراهب دانيال مطانية أمامهم ثم أخذ الابنين بالأحضان وصار يقبلهما، ثم تقدم إلى الأم وصار يقبل يديها وهو يبكي

وقف الكل في دهشة، بل وتجمع عدد ليس بقليل من الرهبان يرون هذا المنظر الغريب. أخذ الراهب يقول للأم العجوز: ألا تعرفيني؟! أنا ابنك عادل، الذي احتملتم ضعفه وأسرتموه بالحب حين سرق القطعة الأثرية... أنا عادل الذي كنت لصًا، وعلى أيديكم عرفت مسيحي! إني مدين لكم بكل حياتي في المسيح يسوع

ثم ركع الراهب دانيال بجوار العجلة وصلى في اتضاع وانسحاق بدموع غزيرة ورشم الأم بالزيت باسم اللَّه القدوس الآب والابن والروح القدس، فتحركت الأعضاء اليابسة، وقامت العجوز عن العجلة لتمسك بيديها الأب دانيال وهي تسبح اللَّه وتمجده

    

هذه القصة رواها لي قداسة القس أثناسيوس بطرس وطلب منى تسجيلها في أسلوب قصصي... وإن كنت قد قمت بتغيير بعض أحداثها


المراجع

كتاب قصص قصيرة (مع مجموعة من القصص الطويلة) - القمص تادرس يعقوب ملطي - القصة 185 في قبضة الحب

القصة المسيحية رقم 22 - في قبضة الحب - كنيسة مارجرجس باسبورتنج


Share

Facebook Comments

Twitter

I Read

Word of the Day

Quote of the Day

Article of the Day

This Day in History

Today's Birthday

In the News