Showing posts with label التوبة. Show all posts
Showing posts with label التوبة. Show all posts

Friday, April 1, 2016

احد الابن الضال - القمص تادرس يعقوب ملطي





  الفصل 15

لوقا 15 : 11 - 32 
 
وقال : إنسان كان له ابنان 

فقال أصغرهما لأبيه : يا أبي أعطني القسم الذي يصيبني من المال . فقسم لهما معيشته 

وبعد أيام ليست بكثيرة جمع الابن الأصغر كل شيء وسافر إلى كورة بعيدة ، وهناك بذر ماله بعيش مسرف 

فلما أنفق كل شيء ، حدث جوع شديد في تلك الكورة ، فابتدأ يحتاج 

فمضى والتصق بواحد من أهل تلك الكورة ، فأرسله إلى حقوله ليرعى خنازير 

وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله ، فلم يعطه أحد 

فرجع إلى نفسه وقال : كم من أجير لأبي يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعا 

أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له : يا أبي ، أخطأت إلى السماء وقدامك 

ولست مستحقا بعد أن أدعى لك ابنا . اجعلني كأحد أجراك 

فقام وجاء إلى أبيه . وإذ كان لم يزل بعيدا رآه أبوه ، فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله 

فقال له الابن : يا أبي ، أخطأت إلى السماء وقدامك ، ولست مستحقا بعد أن أدعى لك ابنا 

فقال الأب لعبيده : أخرجوا الحلة الأولى وألبسوه ، واجعلوا خاتما في يده ، وحذاء في رجليه 

وقدموا العجل المسمن واذبحوه فنأكل ونفرح 

لأن ابني هذا كان ميتا فعاش ، وكان ضالا فوجد . فابتدأوا يفرحون 

وكان ابنه الأكبر في الحقل . فلما جاء وقرب من البيت ، سمع صوت آلات طرب ورقصا 

فدعا واحدا من الغلمان وسأله : ما عسى أن يكون هذا 

فقال له : أخوك جاء فذبح أبوك العجل المسمن ، لأنه قبله سالما 

فغضب ولم يرد أن يدخل . فخرج أبوه يطلب إليه 

فأجاب وقال لأبيه : ها أنا أخدمك سنين هذا عددها ، وقط لم أتجاوز وصيتك ، وجديا لم تعطني قط لأفرح مع أصدقائي 

ولكن لما جاء ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني ، ذبحت له العجل المسمن 

فقال له : يا بني أنت معي في كل حين ، وكل ما لي فهو لك 

ولكن كان ينبغي أن نفرح ونسر ، لأن أخاك هذا كان ميتا فعاش ، وكان ضالا فوجد

والمجد لله دائماً أبدياً، آمين   

تفسير انجيل القداس 

لقدس الاب الموقر
 - القمص تادرس يعقوب ملطي
  
 مثل الابن الضال
 
يُدعى "مثل الابن الناصح" أو "مثل الأب المحب"، لأنه بقدر ما يكشف عن جفاف قلب الابن الهارب من وجه أبيه المحب يشتاق الأب إلى عودته، ليستقبله بالقبلات، دون عتاب أو جرح لمشاعره، بينما وقف أخوه خارجًا في تذمر من أجل محبَّة الأب له
"وقال: إنسان كان له ابنان
فقال أصغرهما لأبيه
يا أبي أعطني القسم الذي يصيبني من المال 
فقسم لهما معيشته
وبعد أيام ليست بكثيرة جمع الابن الأصغر كل شيء
وسافر إلى كورة بعيدة
وهناك بذر ماله بعيش مسرف" [11-13]
 
في المثلين السابقين لم يكتفِ السيِّد المسيح بالكشف عن علاقة الله بالإنسان، إذ يبحث الله عنه كالراعي نحو خروفه الضال أو كالمرأة التي تضيء السراج وتنقب البيت وتفتشه من أجل الدرهم المفقود، وإنما كشف أيضًا عن علاقة السمائيين بنا. ففي المثل الأول ظهروا كتسعة وتسعين خروفًا لا يكمل عددهم إلا بعودتنا حيث تفرح السماء بخاطئ واحد يتوب، وكتسعة دراهم تكمل بنا نحن الدرهم المفقود. أما في المثل الذي بين أيدينا فيقدَّم صورة مُرّة لعلاقة الإنسان بأخيه، فيظهر الأخ الأكبر بالرغم مما يبدو عليه من تعقل وأمانة في العمل، لكنه لا يستطيع بسهولة أن يتقبل أخاه الراجع إلى بيت الآب، بل يقف موقف الناقد لأبيه على اتساع قلبه للابن الراجع إليه. على أي الأحوال ظهور ابنين في المثل يكشف عن أمور كثيرة نذكر منها

أولًا: لا يمكن الحكم على أحد مادام لا يزال في طريق الجهاد. فقد ظهر الأصغر في بدء حياته إنسانًا محبًا للملذّات، عنيفًا في معاملاته، إذ يطالب أباه بالميراث وهو بعد حيّ، مبددًا للوزنات غير أمين فيما بين يديه... لكنه يرجع بالتوبة إلى الأحضان الأبويَّة ليظهر لابسًا الثوب الجديد وخاتم البنوة وحذاء في قدَّميه ومتمتعًا بالوليمة في بيت أبيه. أما الآخر فقد بدأ حياته إنسانًا لطيفًا في معاملاته، يخدم والده، ولا يطلب أجرة يبقى في بيت أبيه، لكنه يختم حياته بالوقوف خارجًا ينتقد أباه على حبه، ويغلق قلبه نحو أخيه، فيفقد سلامه الداخلي وفرحه ليعيش بقلب مناقض لقلب أبيه.

ثانيًا: يبدو أن البعض ظن أن الابنين يشيران إلى الطغمات الملائكيَّة والجنس البشري فالابن الأكبر يشير إلى الملائكة القدِّيسين الذين يعيشون بتعقل والأصغر يشير إلى الجنس البشري الذي ترك بيت أبيه بالعصيان وقد عاد مرة أخرى خلال التوبة. وقد رفض القديس يوحنا الذهبي الفم هذا الرأي، قائلًا: [إن الابن الأكبر قد ثار عند عودة أخيه وسلامه بينما يقول الرب: يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب.] ويقول القديس كيرلس الكبير: [إن أشرنا للابن المستقيم بكونه الملائكة القدِّيسين لا نجد الحديث مناسبًا، ولا يحمل مشاعرهم نحو الخطاة التائبين، الذين يتحولون من الحياة الدنسة إلى السلوك المستحق للإعجاب، إذ يقول الرب مخلِّص الجميع: "يكون فرح في السماء أمام الملائكة القدِّيسين بخاطئ واحد يتوب" (راجع لو 15: 7). وأما الابن (الأكبر) المذكور في المثل الذي أمامنا، وإن كان مقبولًا لدى أبيه، ويسلك في حياة بلا لوم لكنه يعود فيظهر غاضبًا ومتماديًا في عدم محبَّته والظهور بلا إحساس، حاسبًا أن أباه مخطئًا لإظهار مشاعر الحب الطبيعيَّة نحو ذاك الذي خلص... هذا مُغاير لمشاعر الملائكة القدِّيسين، الذين يفرحون ويمجدون الله عندما يرون سكان الأرض يخلصون. فعندما خضع الابن لكي يولد من امرأة حسب الجسد في بيت لحم حملوا الأخبار المفرحة للرعاة، قائلين: "لا تخافوا، فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلِّص هو المسيح الرب" (2: 11). وإذ توجوا بالمديح والحمد لذاك الذي ولد، قالوا: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبين الناس الإرادة الصالحة"]

أما التفسير الذي قبله غالبية الآباء فهو أن الابنين يشيران إلى البشريَّة من جهة علاقتها بالله، فقد انقسمت إلى فريقين: اليهود والأمم. الابن الأكبر يمثل الشعب اليهودي الذي يُحسب بكرًا في معرفة الله، إذ قبل المواعيد الإلهيَّة والناموس والنبوات قبل سائر الأمم، والابن الأصغر يمثل الأمم التي لم تكن لها علاقة صادقة مع الله بل بددوا عطايا الله (الناموس الطبيعي) كما في عيش مسرف خلال الانغماس في عبادة الأصنام والرجاسات الوثنية، لكن عادت الأمم إلى الله ليصير الآخرون أولين، بينما تأخر اليهود خلال حسدهم للأمم ووقفوا خارج بيت الإيمان جاحدين الله وناقدين محبَّته للأمم

يرى القديس كيرلس الكبير أن الابن الأكبر لا ينطبق على اليهود، لأن اليهود لم يسلكوا حياة مستقيمة، بل كثيرًا ما انحرفوا إلى العبادة الوثنية وانغمسوا في رجاساتها، وقد جاء في إرميا: "ماذا وجد فيَّ آباؤكم من جور حتى ابتعدوا عني، وساروا وراء الباطل، وصاروا باطلًا؟!" (أر 2: 5)، وفي إشعياء: "هذا الشعب قد اقترب إليّ بفمه، وأكرمني بشفتيه، وأما قلبه فأبعده عني، باطلًا يخافونني، وصيَّة الناس مُعلمة" (إش 29: 13) . لهذا يرى القديس كيرلس الكبير أن الابن الأكبر ينطبق بالأكثر على جماعة الفرِّيسيِّين الذين يفتخرون أنهم يسلكون بالبرّ حسب الناموس، لكنهم في كبرياء يرفضون حب المخلِّص للخطاة والعشارين، عوض الفرح والبهجة بخلاصهم

ثالثًا: كان الابن الأصغر متجاسرًا، إذ طلب نصيبه من الميراث ووالده لا يزال حيًا، أراد أن يتمتع بنصيبه بخروجه خارج بيت أبيه، حاسبًا الارتباط ببيت أبيه هو مذلة وعبوديَّة وقيد، يجب التحرَّر منه، ليعيش حسب إرادته الذاتيَّة وهواه، فإذا به ينفق ماله في عيش مسرف

يا للعجب فإن الإنسان الذي وهبه الله، أبوه السماوي، عطيَّة الإرادة الحرة، كأعظم هبة يستخدمها ضد الله نفسه، فيحسب هذه الحريَّة لن تتحقَّق إلا بالعصيان والخروج عن دائرة طاعة الله ومحبَّته والتمثل بإرادته!
 
النصيب الذي بدده الأممي في عيش مسرف هو الناموس الطبيعي الذي أساء استخدامه، إذ يقول الرسول بولس عن الأمم: "لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله، بل حمقوا في أفكارهم، وأظلم قلبهم الغبي، وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء" (رو 1: 21-22). أما اليهودي فنال نصيبًا أعظم ليبدده، إذ لم يسئ استخدام الناموس الطبيعي فحسب، وإنما أيضًا الناموس الموسوي، فعوض أن يقوده للتوبة والاشتياق نحو المخلِّص للتمتع بالخلاص الأبدي سقط في الكبرياء وحسب نفسه أفضل من غيره فلم يدخل الملكوت ولا ترك الآخرين يدخلون. وأما المسيحي الساقط في البر الذاتي فهو أبشع من الاثنين لأنه إذ يتمتع ببركات جديدة وعطايا إلهيَّة فائقة يستغلها للشر. وكما يقول القديس أمبروسيوس: [قد بددنا ميراث كرامتنا الروحيَّة التي نلناها في الملذّات الأرضية.] على أي الأحوال، يفتح ربَّنا يسوع خلال هذا المثل أبواب الرجاء للجميع، فإن كنا قد بددنا العطايا الطبيعيَّة أو أخطأنا في حق الوصيَّة أو النعمة المجانية، لا يزال الله ينتظرنا فاتحًا ذراعيه ليتقبلنا كأولاد له نعود إلى بيت أبينا
 
في شيء من التوضيح نقول إن كان الإنسان قبل الناموس تمتع أيضًا ببعض الدوافع والغرائز الطبيعيَّة كالحب والخوف والغضب والأبوة أو الأمومة، إنما لتعمل لبنيان الإنسان في الرب، فيكون قادرًا على محبَّة الله والخوف من الشر والغضب ضد الإثم وممارسة الوالديَّة لبنيان أبنائنا روحياُ واجتماعيًا ونفسانيًا. فإذ ينحرف الإنسان، عوض حب الله يحب ملذّاته الجسديَّة، ويتحول الحب إلى شهوة جسديَّة. حتى في محبَّته للغير يتقوقع حول "الأنا"، فيطلب ما لجسده أو لذاته تحت ستار الحب، كما فعلت امرأة فوطيفار التي ظنت أنها أحبت يوسف جدّا. فأسلمته للسجن حين رفض تقديم الملذّات لجسدها. وأيضًا ما فعله أمنون بأخته التي مرض جدّا بسبب حبه لها، وإذ سقط معها، أذلها وطردها، إذ أبغضها للغاية. وما نقول عن الحب ينطبق على كل الدوافع الطبيعيَّة، كأن يتحول خوفنا من الشر إلى خوف من الناس وجبن من أحداث المستقبل وقلق وارتباك إلخ
 
ونحن إذ قبلنا الإيمان وصارت لنا عطايا إلهيَّة فائقة، صارت إمكانياتنا أعظم. لكن أن أهملناها يكون السقوط أبشع! لذا فسقوط المؤمن في الخطيَّة غالبًا ما يكون أكثر خطرًا من سقوط غير المؤمن، لأنه يسيء استخدام العطايا التي للبنيان، محولًا إيَّاها للهدم
 
نعود إلى هذا الابن لنراه هاربًا من بيت أبيه، حاسبًا في هذا تمتعًا بالحريَّة، وكما يقول القديس أمبروسيوس: [من يبتعد عن الكنيسة يبدد ميراثه
 
ويقول الشهيد كبريانوس: [من يبقى خارج الكنيسة فهو خارج معسكر المسيح.] [من ليس له الكنيسة أمًا، لا يقدر أن يكون الله أباه!]

رابعًا: يقول: "وسافر إلى كورة بعيدة" [13]. ما هي هذه الكورة البعيدة التي يمكن للإنسان أن يهرب إليها إلا "الأنا"؟ فينطلق الإنسان في كمال حريته بغباوة من الحياة السماويَّة، التي هي "الحب"، إلى الأنانية حيث يتقوقع حول ذاته، فيصير كمن هو في كورة بعيدة، لا عن الله فحسب، بل وعن الناس، وعن محبَّته لخلاص نفسه. خلال "الأنا" يفقد الإنسان التصاقه الداخلي بالكل، حتى وإن ظهر في أعين الآخرين اجتماعيًا ولطيفًا وسخيًا في العطاء! "الأنا" هي انغلاق داخلي محكم، يحبس فيه الإنسان نفسه وحيويته، ليفقد إنسانيته، ويعيش في عزلة داخليَّة حتى عن أولاده وأهل بيته!
 
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لم يسافر الابن الأصغر إلى كورة بعيدًا، فيرحل عن الله مكانيًا، لأن الله حاضر في كل موضع، وإنما يرحل عنه بقلبه؛ إذ يهرب الخاطئ من الله ليبتعد عنه بعيدًا.] يقول القديس أغسطينوس بأن هذا الرحيل هو اتكال الإنسان على ذاته وقوَّته الخاصة فيفقد عمل الله فيه، وعلى العكس الاقتراب من الله يعني الاتكال عليه، ليعمل فينا، فنصير على مثاله
 
يُعلِّق القديس أمبروسيوس على السفر إلى كورة بعيدة، قائلًا:[الابتعاد الأعظم هو أن ينفصل الإنسان لا خلال المسافات المكانية وإنما خلال العادات، فلا يذهب إلى بلاد مختلفة بل يحمل اتجاهات مختلفة... من ينفصل عن المسيح يتغرب عن الوطن، ويصير وطنه هذا العالم، أما نحن فلسنا بعد غرباء ونزلاء بل رعيَّة مع القدِّيسين وأهل بيت الله (أف 2: 19)، لأنه "أنتم الذين كنتم قبلًا بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح" (أف 2: 13). ليتنا لا نكن قساة على القادمين من كورة بعيدة، لأننا نحن أيضًا كنا بعيدين في كورة بعيدة... هي ظلال الموت... وقد صرنا أحياء في ظل المسيح، لذا تقول الكنيسة: "تحت ظله اشتهيت أن أجلس" (نش 2: 3).]

خامسًا: حدوث مجاعة "فلما أنفق كل شيء، حدث جوع شديد في تلك الكورة، فابتدأ يحتاج" [14]. إذ تهرب النفس من الله مصدر الشبع وكنز الحكمة تجد نفسها قد دخلت إلى حالة فراغ داخلي، فتكون كمن في "مجاعة"
 
خُلقت النفس البشريَّة على صورة الله ومثاله، لن تشبع إلا به بكونه الأصل. العالم كله بإغراءاته، والجسد بشهواته، والحياة الزمنيَّة بكل أحداثها، لن تملأ فراغ النفس التي تتطلب ذاك اللانهائي لكي يملأها
 
يقول القديس أمبروسيوس: [المجاعة التي اجتاحت تلك الكورة لم تكن مجاعة طعام، بل مجاعة للأعمال الصالحة والفضائل. هل يوجد أمر يحتاج إلى رثاء أكثر من هذا؟! فإن من يبتعد عن كلمة الله يصير جائعًا، لأنه "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (لو 4: 4). بالابتعاد عن الينبوع نعطش، وبالابتعاد عن الكنز نفتقر، وبالابتعاد عن الحكمة نصير جهلاء، وبالابتعاد عن الفضيلة نموت. إذن كان طبيعيًا (لهذا الابن) أن يحتاج، لأنه ترك الله الذي فيه كنوز الحكمة والعلم (كو 2: 3)، وترك أعماق الخيرات السمائية، فشعر بالجوع إذ لا يوجد ما يُشبع الإنسان الضال. الإنسان يصير في جوعٍ دائمٍ عندما لا يدرك أن الطعام الأبدي هو مصدر الشبع.]

سادسًا: رعايته للخنازير "فمضى والتصق بواحد من أهل تلك الكورة، فأرسله إلى حقوله، ليرعى خنازير، وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله، فلم يُعطه أحد" [15-16]

يقول القديس أمبروسيوس

[يبدو أن هذا الرجل يشير إلى رئيس هذا العالم، وقد أرسل (هذا الابن) إلى حقوله، التي بها يعتذر الشاري عن وليمة الملكوت (لو 14: 18)، وفيها يرعى الخنازير التي طلبت الشياطين أن تدخل فيها فاندفعت إلى جرف هذا العالم (مت 8: 32). هذه الخنازير تعيش على النفايات والنتانة
 
كان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله، فلم يعطه أحد. الخاطئ لا همّ له سوى أن يملأ بطنه، إذ قيل "آلهتهم بطنهم" (في 3: 19). الطعام المناسب لهم هو الخرنوب الفارغ في الداخل ولين في الخارج، الذي يملأ البطن بلا فائدة غذائية، وزنه أكثر من نفعه
 
يرى البعض في الخرنوب إشارة للأجناد الشرِّيرة، أو ضعف الفضيلة البشريَّة، كمن لهم رونق في العظات دون فائدة، تجتذبهم الفلسفة الباطلة. لهم المظهر الخارجي البراّق دون نفع. هذه الزينة الخارجيَّة لا يُكتب لها الدوام

"لم يعطه أحد"، إذ لا يمكن لأحد غير الله أن يهب الحياة.]
 
يقدَّم لنا القديس أغسطينوس ذات التفسير، إذ يرى هذا الإنسان هو "رئيس الهواء" الذي يدخل بالنفس المبتعدة عن الله إلى حقوله، أي يجعله تحت سلطانه، يخدم الأرواح الدنسة (الخنازير)، إذ يعمل لحساب الخطايا المتنوعة. أما الطعام الذي يقدَّمه فهو الخرنوب، أي التعاليم البشريَّة الجوفاء التي تبهج الشياطين وتملأ ذهن الخطاة لكنها لا تشبع النفس، فيعيش الخاطئ في حياة بلا سعادة، ويشعر كأنه لا يجد من يعطه شيئاُ مشبعًا 

 سابعًا: رجوعه إلى نفسه، "فرجع إلى نفسه، وقال: كم من أجير لأبي يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعًا؟! أقوم وأذهب إلى أبي..." [17-18.]
 
هذا هو بداية طريق التوبة: "رجع إلى نفسه"، ماذا يعني هذا؟ قلنا أن الابن الضال حين ترك أباه وسافر إلى كورة بعيدة، إنما ترك طريق الحب وتقوقع حول "الأنا" أو "الذات البشريَّة " ليعيش في أنانيته مؤلهًا ذاته، متمركزًا حول كرامته أو شبعه الجسدي أو ملذّاته. بهذا يكون بالحق قد انطلق حتى من "نفسه". فإنه إذ يتقوقع حول "الذات" إنما يحطم نفسه ويهلك حياته

بمعنى آخر ليتنا نميز بين "الذات" وحب الإنسان لنفسه بمعنى حبه لخلاصها، هذا ما أكده السيِّد المسيح حين أعلن من يهلك نفسه يخلصها، بمعنى من يحطم "الأنا" فيه إنما يعيش في طريق الحب لا لله والناس والملائكة فحسب، وإنما يحب نفسه أيضًا خارج دائرة الأنانية. وهذا ما أعلنه الناموس حين طالبنا أن نحب قريبنا كأنفسنا، إذ يقول القديس أغسطينوس من لا يحب نفسه، أي خلاصها الأبدي، كيف يقدر أن يحب قريبه؟
 
إن كانت الخطيَّة هي تحطيم للنفس بدخول الإنسان إلى "كورة بعيدة" أي الأنا، فإن التوبة هي عودة الإنسان ورجوعه إلى نفسه ليعلن حبه لخلاصها، فيرجع بهذا إلى أبيه السماوي القادر على تجديد النفس وإشباعها الداخلي. بهذا إذ يرجع الإنسان إلى نفسه إنما يعود إلى كورة أبيه، ليمارس الحب كعطيَّة إلهيَّة، ويوجد بالحق كعضو حيّ في بيت الله يفتح قلبه لله وملائكته وكل خليقته حتى للمقاومين له

* إن كان قد رجع إلى نفسه، فلأنه كان قد ترك نفسه، إذ سقط عن نفسه وتركها، لذلك يرجع أولًا إلى نفسه، لكي يرجع إلى حالته الأولى التي سقط منها
* إذ سقط عن نفسه سقط عن أبيه
إذ سقط عن نفسه انطلق إلى الأمور الخارجيَّة
الآن يعود إلى نفسه فيعود إلى أبيه حيث تكون نفسه في آمان تام

القديس أغسطينوس

رجع إلى نفسه بعد أن ابتعد عنها، لأن الرجوع إلى الرب هو رجوع إلى النفس. فمن يبتعد عن المسيح يقاوم نفسه
 
القديس أمبروسيوس

رجوع الإنسان إلى نفسه يحتاج إلى عمل إلهي ينير بصيرة الإنسان الداخليَّة ليكتشف فقره التام بل وموته، وفي نفس الوقت يدرك عمل الله الخلاصي ومحبَّته له، فيمتلئ رجاءً. فالقدِّيس بطرس رجع إلى نفسه عندما تطلع الرب إليه، فخرج سمعان بطرس خارجًا يبكي بمرارة، لكن ليس بدون رجاء، أما يهوذا فندم مدركًا شره، لكنه إذ لم ينظر إلى مخلِّص العالم مضى وشنق نفسه
 
ما أحوجنا أن نجلس مع نفوسنا الداخليَّة تحت رعاية ربَّنا يسوع المسيح نفسه الذي يشرق علينا بروحه القدُّوس فيبكتنا على خطيَّة، وفي نفس الوقت يعزينا بنعمته المجانية، يهبنا تنهدات القلب مع سلامه الفائق، يدفق فينا ينبوع الدموع لتختلط مشاعر التوبة ببهجة عمله الإلهي. فنرجع إلى نفوسنا بالحق، متكئين في حضن الآب الباسط يديه بالحب ليحتضننا

إذ رجع الابن الشارد إلى نفسه أدرك الحقيقة، أنه وهو ابن يشتهي أن يأكل الخرنوب مع الخنازير، بينما يأكل الأجراء في بيت أبيه خبزًا لا خرنوبًا! يعيش بعيدًا عن بيت أبيه في جوعٍ شديدٍ بينما يقترب الأجراء من أبيه ويشبعون!

بعد أن عانى في كورة غريبة ما يستحقه الأشرار، فسقط تحت المصائب التي حلت به، أي الجوع والعوز، أحسّ بهلاكه، مدركًا أنه بإرادته ألقى بنفسه في أيدي الغرباء بعيدًا عن أبيه، فصار في منفى عوض بيته، وفي عوز عوض الغنى، وفي مجاعة عوض الخيرات والترف؛ هذا هو ما عناه بقوله: "وأنا أهلك جوعًا" [17]
 
كأنه يقول: إني لست غريبًا بل ابن لأب صالح وأخ لأخ مطيع. أنا هو الحُر النبيل قد صرت أبأس من العبيد الأجراء، سقطت من الرتبة العاليَّة السامية إلى أحط درجة!
القديس يوحنا ذهبي الفم

* آهأيها الرب يسوع،ليتك ترفع عنا الخرنوب، وتهبنا البركات، لأنك أنت المسئول في بيت أبيك!
 
ليتك تقبلنا عبيدًا، وإن كنا قد جئنا متأخرين، لأنك تقبل الذين يأتون في الساعة الحاديَّة عشر وتدفع لهم ذات الأجرة؛ تهبهم ذات الحياة لكن ليس نفس المجد، فإكليل البرّ لا يحفظ للجميع، بل للذي يستطيع أن يقول "جاهدت الجهاد الحسن" (2 تي 4: 7)!
يرى البعض أن يؤجلوا عمادهم أو توبتهم لحين قرب الموت، لكنك كيف تعرف أنه لا تُطلب نفسك في هذه الليلة (12: 20)؟

القديس أمبروسيوس

هكذا يحثُّنا القديس أمبروسيوس على الرجوع السريع إلى بيت أبينا حتى لا نُحرم نحن الأبناء من التمتع بما يناله ولو الأجراء، الذين يخدمون أبانا السماوي من أجل الأجرة. لنجر سريعًا إليه، يدفعنا في ذلك عوامل كثيرة، أولها أننا لا نعرف متى تُطلب نفوسنا فقد تكون "الآن". وثانيًا لكي نجاهد بالحق، فإن كانت عطيَّة الله لكل داخلٍ ملكوته هي "الحياة الأبديَّة"، لكن "نجمًا يمتاز عن نجم في المجد" (1 كو 15: 41)، وكما يقول رب المجد نفسه: "في بيت أبي منازل كثيرة" (يو 14: 2)
 
لنقم الآن وننطلق نحو بيت أبينا السماوي مجاهدين كل لحظات غربتنا، لنقول بحق: "جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان، وأخيرًا قد وُضع لي إكليل البرّ، الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل" (2 تي 4: 7-8)

ثامنًا:
الدخول في خبرة الحياة المقامة، "أقوم وأذهب إلى أبي" [18]
 
إن كان عمل التوبة يبدأ بعودة الإنسان إلى نفسه بالروح القدس ليكتشف أنه في حالة جوعٍ، مدركًا أن "الأنا" قد أردته على الأرض منهارًا من الفراغ، مكتشفًا أنه قد سقط على الأرض تمامًا، وصار تحت حكم الموت الأبدي. لكن الروح القدس يكشف عن بصيرته، ليرى في مخلِّصه يسوع المسيح القائم من الأموات "سّر القيامة". إنه يهب الموتى "قيامة" ليعيشوا في "خبرة حياته المقامة". التوبة ليست عملًا سلبيًا خلاله يكتشف الإنسان ضعفاته بل وهلاكه التام، إنما هي عمل إيجابي فيه يقبل المؤمن مسيحه كسرّ قيامته وحياته، ليعيش كل أيام غربته مختبرًا الحياة الجديدة، منطلقًا من قوَّة إلى قوَّة، ومتمتعًا بمجد وراء مجدًا، ونعمة فوق نعمة... مشتاقًا أن يبلغ قياس قامة ملء المسيح (أف 4: 13)... التوبة هي تمتع عملي بالقيامة الدائمة

* سبيلنا نحن أيضًاأن نتوسل إلى الله، لكي يجردنا من الإنسان العتيق ويلبسنا المسيح السماوي... لأن الرب عندما شاء أن يشبعنا بذوق ملكوته قال: بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا (يو 15: 5)
 
يجب على كل واحدٍ منا أن يغصب نفسه على التوسل إلى الله، لكي يُحسب أهلًا لنوال ووجود كنز الروح السماوي، لكي يقدر بلا تعب وصعوبة أن يتمم وصايا الرب كلها بطهارة وبدون عيب

القديس مقاريوس الكبير 

الروح القدس - هو القوَّة التي تقيم الحياة، وهو الذي بواسطته قبل الإنسان التبني، وتحول فيه الموت إلى عدم الموت 

القديس باسيليوس الكبير

* إن التجديد الذين جوزه في هذه الحياة، وانتقالنا من حياة أرضية حسب الجسد إلى حياة سمائية روحيَّة، إنما يحدث فينا بفعل الروح القدس

القديس باسيليوس الكبير

تاسعًا: الاعتراف بالخطأ، "وأقول له: يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك، ولست مستحقًا بعد أن أدعى لك ابنا، اجعلني كأحد أجراءك" [18-19]. الروح القدس الذي يعمل فينا للتوبة يفتح قلبنا بالرجاء في الله واهب القيامة من الأموات، لكن بروح التواضع يهبنا أن نعترف بخطايانا. فالابن الضال بثقة يقول: "يا أبي"، وبتواضع يعلن أنه مخطئ وغير مستحق للبنوة طالبًا قبوله كأجير

* إذا سلمت النفس ذاتها للرب بطل قوَّتها، يظهر الله الصالح لها هذه الأوجاع والعيوب واحدة فواحدة لكي تحيد عنها

القديس أنبا أنطونيوس الكبير

لنتعلم كيف نتضرع إلى الآب. قال: "يا أبي"! يا لرحمة الله وعطفه! فمع أنه قد أسيء إليه لكنه لا يرفض مناداته "يا أبي"
"أخطأت إلى السماء وقدامك". وهذا هو الاعتراف الأول... قدام سيد الرحمة، أمام ديان الخطيَّة
الله يعرف كل شيء، لكنه ينتظر الإقرار بالاعتراف، "لأن الفم يعترف به للخلاص" (رو 10: 10)
عندما يلوم الإنسان نفسه يخفف ثقل ضلاله، ويقطع عنه حدة الاتهام... إنك لا تخسر شيئًا عندما تعترف بما معروف لديه
لتقر بخطاياك فيشفع فيك المسيح لأنه هو شفيعنا لدى الآب (1 يو 2: 21)
لتصلِ أيضًا الكنيسة لأجلك، ولتبكِ الجموع عليك، ولا ترتاب فإنك ستأخذ. الشفيع يعدك بالغفران، وصاحب الكرم بالنعمة، والدفاع يؤكد مصالحتك مع العطف الأبوي
ثق أن هذه حقيقة واسترح، لأن الله قوَّة! يهمه أن يشفع فيك حتى لا يكون قد مات لأجلك باطلًا. والآب يهمه أن يغفر، "لأنه إن كان بالناموس برّ، فالمسيح إذًا مات بلا سبب" (غل 2: 21)
"يا أبي أخطأت في السماء وقدامك" الخطيَّة تسيء إلى مواهب الروح السماوي، إذ كان ينبغي بالإنسان ألا ينحرف عن أحشاء هذه الأم "أورشليم" التي هي السماء
يقول: "لست مستحقًا أن أدعى لك أبنًا"، إذ يليق بالساقط ألا يتكبر بل يرجع متضعًا 

القديس أمبروسيوس

* هذه الكلمات تخص من يفكر في التوبة معترفًا بخطاياه، لكنه لم يستخدمها بعد
أنه لا يتحدَّث الآن مع أبيه، إنما يعد بما ينطق به عندما يأتي إلى أبيه
لنفهم "المجيء إلى الآب" يعني الإقامة في الكنيسة بالإيمان، حيث نمارس فيها الاعتراف بالخطايا بطريقة قانونية فعّالة 

القديس أغسطينوس

* كان يوجه الحديث لنفسه، ولكنه لا يكفي الحديث ما لم يأتِ إلى الأب
أين يبحث عنه؟ أين يجده؟
قم أسرع إلى الكنيسة لتجد هناك الأب، هناك الابن، هناك الروح القدس
الأب ينصت إليك، وأنت تتحدَّث في داخلك، ويسرع لمقابلتك

القديس أمبروسيوس

عاشرًا:
البدء بالعمل، "فقام وجاء إلى أبيه" [20]
 
إن كان الابن الشارد قد سافر إلى كورة بعيدة من أجل ما حسبه تمتعًا بالحريَّة الشخصيَّة، يبذر مال أبيه كما يعلن له، فإنه أن رجع بذهنه إلى بيت أبيه أدرك أن المسافة مهما طالت بينه وبين أبيه لا تمثل عائقًا. جذبته أبوة أبيه، وسحبت ذهنه ليجد طريق العودة ليس طويلًا ولا مستحيلًا، فقام منطلقًا أيضًا بالعمل، سائرًا نحو أبيه، وكأنه يسمع صوت النبي زكريا: "هكذا قال رب الجنود: ارجعوا إليّ يقول رب الجنود، فأرجع إليكم يقول رب الجنود" (زك 1: 3)
لنعمل أيضًا، حتى وإن كنا خارج الحدود.َ لنرتفع إلى بيت أبينا، ولا نتوانى خلال الرحلة. إن أردنا فسيكون الرجوع سريعًا وسهلًا جدًا. فقط علينا أن نترك الكورة الغريبة التي هي الخطيَّة، لنتركها حتى نرجع سريعًا إلى بيت أبينا

قد يقول قائل: كيف أرجع؟
 
فقط ابتدئ بالعمل، فيتحقَّق كل شيء

القديس يوحنا الذهبي الفم

حادي عشر: لقاء مع الأب الحنون، "وإذ كان لم يزل بعيدًا رآه أبوه فتحنن، وركض، ووقع على عنقه وقبله. فقال له الابن: يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقًا بعد أن أدعى لك ابنًا. فقال الأب لعبيده: اخرجوا الحلة الأولى..."[20-22]
 
يكشف هذا المثل عن أبوة الله الحانية، فإنه وإن كان لا يلزم الإنسان بالرجوع إليه، لكنه إذ يراه من بعيد منطلقًا نحوه يركض هو مسرعًا لا ليعاتبه أو يوبخه وإنما ليقع على عنقه ويقّبله. إنه ينصت لاعتراف ابنه المخطئ، لكنه لا يسمح له بالمذلة، فلا يتركه يقول: "اجعلني كأحد أجراءك"، إنما يطلب له ثوب الابن وخاتمه، مكرمًا إيَّاه في بيته!

ينصت الآب إليك وأنت تتكلم في داخل نفسك، ويسرع لمقابلتك. عندما تكون لا تزال بعيدًا يراك ويركض
إنه ينظر ما في داخل قلبك، ويُسرع حتى لا يؤخرك أحد، بل ويحتضنك
"مقابلته لك" هي سبق معرفته، و"احتضانه لك" هو إعلان رحمته، وتعبير عن حبه الأبوي
يقع على عنقك لكي يقيمك أنت الساقط تحت ثقل الخطايا، ولكي يرجعك إلى السماء إذ اتجهت إلى الأرض، فتطلب خالقك
يقع المسيح على عنقك، لكي يخلص عنقك من نير العبوديَّة، فيحملك نيره الهين (مت 11: 30)
يقع على عنقك بقوله: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم، احملوا نيري عليكم" (مت 11: 28)
هكذا يحتضنك الرب عندما تتوب

القديس أمبروسيوس

 ماذا يعني: "ركض"؟ إلا أنه بسبب عائق خطايانا لا نستطيع نحن أن نبلغ إلى الله خلال فضيلتنا، لكن الله نفسه قادر أن يأتي للضعيف لذا يقع على عنقه
يُقبل الفمّ، أي يتقبل الآب بفرح ذاك الذي يعترف (بفمه) نادمًا من قلبه
القديس يوحنا الذهبي الفم

  إذ يركض يقع على عنقه، لأن الآب لا يترك ابنه الوحيد الجنس الذي يجري دومًا نحونا نحن الذين ضللنا طويلًا. "الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه" (2 كو 5: 19)
إنه يقع على عنقه، ينحني ليحتضن بذراعه، أي بالرب يسوع المسيح
إذ يتعزى (التائب) بكلمة نعمة الله الواهبة رجاء غفران الخطايا هذا يتّحقَّق بقبلة الحب النابعة عن الأب عند الرجوع إليه في رحلة طويلة
لم يقل: "اجعلني كأحد أجراءك"، لأنه عندما كان في عوز إلى خبز اشتاق أن يكون ولو عبدًا أجيرًا، لكنه إذ تقّبل القبلة من أبيه بنبلٍ كفّ عن ذلك

القديس أغسطينوس

اثنا عشر: العطايا الأبويَّة، "فقال الأب لعبيده: اخرجوا الحلة الأولى وألبسوه، واجعلوا خاتمًا في يده، وحذاء في رجليه. وقدَّموا العجل المسمن واذبحوه فنأكل ونفرح. لأن ابني هذا كان ميتًا فعاش، وكان ضالًا فُوجد، فابتدأوا يفرحون" [22-24] 

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أن الأب لا يوجه حديثه لابنه الراجع بل لعبيده، أو وكلائه، فإن كان التائب هو الذي جاء متوسلًا لكنه ينال الإجابة لا خلال كلمات موجهة إليه، وإنما خلال أعمال الرحمة التي تُقدَّم له

يرى الأب ثيؤفلاكتيوس أن هؤلاء العبيد هم الأرواح الخادمة، أو الكهنة الذين يمارسون العماد ويقدَّمون كلمة التعليم لكي تكتسي النفس بالمسيح نفسه
  يأتيك بالحلة والخاتم والحذاء
الحلة هي ثوب الحكمة التي بها غطى الرسل عري أجسادهم، وبها يكتسي كل إنسان
أخذوا الحلة لكي يستروا ضعفات أجسادهم بقوَّة الحكمة الروحيَّة، وقد قيل عن الحكمة: "غسل بالخمر لباسه" (تك 49: 11). الحلة هي الكساء الروحي وثوب العرس
الخاتم ليس إلا صك الإيمان الصادق وختم الحق
الحذاء يشير إلى الكرازة بالإنجيل

القديس أمبروسيوس

* الحلة الأولى هي الكرامة التي فقدها آدم، وأما العبيد الذين قدَّموها فهم الكارزون بالمصالحة
الخاتم الذي في اليد هو عربون الروح القدس بسبب شركة النعمة، إذ يُشار إلى الروح حسنًا بالإصبع
الحذاء في القدَّمين هما الاستعداد للبشارة بالإنجيل كي لا نمس الأرضيات 

القديس أغسطينوس

  هذا هو عمل الحب الأبوي المترفق وصلاحه، أنه ليس قط يقيم الإنسان من الأموات، بل ويعيد إليه نعمته العظيمة خلال الروح؛ وبدل الفساد يلبسه ثوبًا غير فاسد، وبدل الجوع يذبح العجل المسمن، وعوض المسافة الطويلة التي قطعها في رحلته، فإن الآب المنتظر رجوعه إليه يقدَّم حذاء لرجليه. وما هو أعجب من هذا أنه يعطيه خاتم الخطبة الإلهي في إصبعه، وفي هذا كله يجعله في صورة مجد المسيح

القدِّيس البابا أثناسيوس
 
هذه الأمور الثلاثة (الثوب والخاتم والحذاء) قدَّمها السيِّد المسيح للبشريَّة الخاطئة، ليقيم منها أبناء الله الحيّ، الذين يرتدون ثوب العرس اللائق بالوليمة السماويَّة، ويحملون خاتم البنوة، ويسترون أرجلهم ويحفظونها من أتربة هذا العالم ودنسه أثناء عبورهم خلال كلمة الكرازة

يمكننا أيضًا أن نقول أن هذه الأمور إنما قدَّمها للبشريَّة الراجعة إليه ليقيمها عرُوسًا وملكة له بعد أن عاشت زمانها كزانية روحيًا تجري وراء عريسٍ آخر. قدَّم لها أولًا الثوب المُوشى بالذهب، كقول المرتل: "قامت الملكة عن يمينك بثوب موشى بالذهب" (مز 45). وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لا يقصد هنا ثوبًا حقيقيًا بل الفضيلة... الثوب الموشى بالذهب ثوب به في نسيجه مواد متنوعة]. يكمل القدِّيس حديثه موضحًا أن الكنيسة تضم أصحاب مواهب متنوعة ومتمايزة، لكنها متكاملة، فتنسج ثوبًا واحدًا للعرس السماوي. أما الخاتم فهو عربون الروح، إذ يقول الرسول بولس: "ولكن الذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله، الذي ختمنا أيضًا وأعطى عربون الروح" (2 كو 1: 21-22) هذا هو مهر العرس الذي قدَّمه العريس السماوي لعروسه الكنيسة لكي تحيا به حتى تدخل إلى كمال العرس. والحذاء يشير إلى الانطلاق للكرازة لتضم كل نفس إلى العضويَّة الكنسيَّة الروحيَّة فيكون له نصيب في العرس الأبدي

ما هو العجل المسمن الذي قدَّم في الوليمة ليأكل الكل ويشبعوا ويفرحوا؟ يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إنه الرب يسوع المسيح الذي دعي هكذا مقدَّما جسده الذي بلا عيب ذبيحة، وسمي "المسمن" بسبب غناه وتكلفته، إذ قادر على خلاص العالم كله.] ويقدَّم القديس أغسطينوس ذات التفسير، قائلًا: [قد ذُبح لأجل كل إنسان يؤمن بذبحه.] وجاء تعليق القديس أمبروسيوس هكذا: [بالتناول من الأسرار المقدَّسة يستطيع الإنسان أن يتقوت بجسد الرب الدسم بالقوَّة الروحيَّة... هو الذبيحة الكهنوتيَّة التي قدَّمت عن الخطايا.]
 
إن كان الابن قد أسلم جسده ذبيحة من أجل خلاص البشريَّة، والآب قد فرح وتهلل من أجل هذا العمل المفرح، وطالب السمائيين أن يتقدَّموا لينظروا ويفرحوا بالإنسان القائم إلى الحياة السماويَّة بعد موته، إلا أن الابن الأكبر الذي يشير إلى المتكبرين من اليهود قد وقف خارجًا لا يريد أن يدخل ويفرح مع الكل، إذ يقول السيِّد المسيح

"وكان ابنه الأكبر في الحقل 

فلما جاء وقرب من البيت سمع صوت آلات طربٍ ورقصًا
فدعا واحدًا من الغلمان وسأله ما عسى أن يكون هذا
فقال له: أخوك جاء، فذبح أبوك العجل المسمن، لأنه قبله سالمًا
فغضب، ولم يرد أن يدخل، فخرج أبوه يطلب إليه
فأجاب وقال لأبيه: هاأنا أخدمك سنين هذا عددها
وقط لم أتجاوز وصيتك
وجديًا لم تعطني قط، لأفرح مع أصدقائي
ولكن لما جاء ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني
ذبحت له العجل المسمن
فقال له: يا بني أنت معي في كل حين
وكل ما لي فهو لك
ولكن كان ينبغي أن نفرح ونسر
لأن أخاك هذا كان ميتًا فعاش، وكان ضالًا فُوجد" [25-32]
يُعلِّق القديس أمبروسيوس على تصرف هذا الابن الأكبر، قائلًا
[دين الابن الأكبر، لأنه جاء من الحقل. هنا الحقل يشير إلى الاهتمام بأعمال الأرض والجهل بأعمال روح الله (1 كو 2: 11)
اشتكى لأنه لم يُعط جديًا ليذبحه، مع أن حمل الله قد ذُبح لغفران الخطايا، لا لذة الجسد
يطلب الحاسد جديًا ليذبحه، بينما يشتهي البار أن يُذبح من أجل حمل الله
بسبب الحسد أصيب الأكبر بشيخوخة (روحيَّة) مبكرة، وقد ظل خارجًا بسبب عدم محبَّته. الغيرة (الشرِّيرة) التي فاض بها قلبه طردته خارجًا
إنه أحد الذين لا يبصرون الخشبة التي في أعينهم، بينما ينتقدون القذى التي في الآخرين
إنه يغضب، لأن الغير ينال غفرانًا ونعمة
يا لعدم احتمال جنود الشر الروحيَّة، إذ لا تطيق أن تسمع ترانيم الفرح وتلاوة المزامير

يشير الابنان إلى شعبين، الأصغر يمثل الأمم، والأكبر إسرائيل الذي يحسد الآخر من أجل تمتعه بالبركات الأبديَّة. احتج اليهود عندما دخل المسيح ليأكل عند الأمم، لذا طلبوا جديًا كتقدَّمة أثيمة مكروهة 

يطلب اليهودي الجدي (باراباس)، والمسيحي يطلب حملًا (المسيح)، لذلك أطلق لليهود بارباس وقدَّم لنا المسيح ذبيحة. حل بهم منذ ذلك الحين فساد الإثم بينما نلنا نحن غفران الخطايا

يشير الابن الأكبر للفرِّيسي الذي برر ذاته في صلاته المملوءة غرورًا، هذا الذي حسب نفسه أنه لم يكسر وصيَّة الله مطلقًا، بممارسته لحرف الناموس (18: 11). بقسوة اتهم أخاه أنه بدد ميراث أبيه مع الزواني، مع أنه كان يجب أن يحترس في كلماته لأن الرب يسوع جاء لأجل العشارين والزواني 

لم يُطرد الابن الأكبر، إنما وقف على الباب ولم يرد أن يدخل، إذ لم يقبل إرادة الله التي دعت الأمم للإيمان، بهذا صار الابن عبدًا، "لأن العبد لا يعرف إرادة سيِّده" (يو 10: 14)، وعندما عرفها غار وصار معذبًا من أجل سعادة الكنيسة، وبقي هو خارجًا. مع هذا أراد الأب المحب أن يخلصه، إذ قال له: "أنت معي في كل حين"... يا حبذا لو أبطلت حسدك، "كل ما هو لي فهو لك"، فإذ لك أسرار العهد القديم كيهودي، وتنال أسرار العهد الجديد أن اعتمدت أيضًا.]

الآن إذ كان أخوه الأكبر في الحقل وقد جاء إلى البيت سمع صوت موسيقى ورقصًا، فدعى أحد العبيد وسأله ما عسى أن يكون هذا. الابن الأكبر يُفهم بكونه الشعب اليهودي الذي كان في الحقل يخدم الله لأجل التمتع بممتلكات أرضية. ففي العهد القديم على وجه الخصوص كانت السعادة الأرضية وعدًا لمن يعبد الله

جاء إلى البيت وسمع موسيقى. الصوت المتناغم معًا يُسمى موسيقى، لأنه حينما يتفق كل الذين يخدمون الله في محبَّة يتممون قول الرسول: "أطلب إليكم أن تقولوا جميعكم قولًا واحدًا" (1 كو 1: 10) حينما يصير المسيحيون هكذا يبعثون موسيقى، أي صوتًا متناغمًا يسرّ الله، ويتحقَّق فيهم المكتوب: "كان لهم قلب واحد ونفس واحدة" (راجع أع 4: 32)
 
لقد سأل أحد العبيد، أي قرأ أحد الأنبياء... إشعياء أو إرميا أو دانيال، إذ كرز الكل بمجيء المسيح وبالفرح من أجل مصالحة الأمم
 
قال له العبد: "أخوك جاء فذبح أبوك العجل المسمن" [27]، فغضب ولم يرد أن يدخل [28]. غضبه يعني مقاومة الشعب اليهودي لخلاص الأمم. حقًا فإنهم إلى هذا اليوم في غيرة من الكنيسة يقاومونها 

الحقيقة التاليَّة هي أن الأب "خرج يطلب إليه" [28] ربَّما تعني أنه في نهاية العالم سيقبل كل اليهود الإيمان خلال رحمة الله، كقول الرسول بولس: "إلى أن يخلص ملئ الأمم وهكذا سيخلص جميع إسرائيل" (رو 11: 25-26)

بقوله: "قط لم أتجاوز وصيتك" [29] عني أن اليهود بدوا كمن عبدوا الله الواحد، وعندما اشتكى: "وجديًا لم تعطني قط" تُفهم عن المسيح. فإن المسيح وهو حمل الله دين كجدي بواسطة اليهود، أي دين كخاطئ. لهذا فالمسيح بالنسبة لنا هو حمل، وبالنسبة لهم هو جدي. الذين اعتقدوا أنه خاطئ وليس بارًا لم يستحقوا التمتع بوليمة جدي مذبوح أو حمل كذبيحة

عندما قال الأب: "أنت معي في كل حين وكل ما لي فهو لك" [31] يعني بذلك عبادة الله الواحد وكتابات العهد القديم والأنبياء الأمور التي بالتأكيد تخص الله وقد بقيت مع اليهود على الدوام
الأب قيصريوس أسقف آرل

Share

Saturday, September 12, 2015

يا رب أرفع فأسك


إنه تواضع منك يا رب أن تدعوني إبنًا. تواضع منك ومحبة، أن تسميني إبناً. لأن أعمالي لا تدل على هذا، وأنت قد قلت: مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟ هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، لاَ تَقْدِرُ شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، وَلاَ شَجَرَةٌ رَدِيَّةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا جَيِّدَةً. كُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ. فَإِذًا مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. متى 7: 16 - 20

فماذا تصنع الشجرة التي ليس لها ثمر قدامك؟! وماذا؟! يصنعون بها

أخشى ما أخشاه هو قول عبدك يوحنا المعمدان: وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ. متى 3: 10

لا يا رب.. لا، ارفع فأسك قليلاً عن أصل الشجرة.. يَا سَيِّدُ، اتْرُكْهَا هذِهِ السَّنَةَ أَيْضًا، حَتَّى أَنْقُبَ حَوْلَهَا وَأَضَعَ زِبْلاً. فَإِنْ صَنَعَتْ ثَمَرًا، وَإِلاَّ فَفِيمَا بَعْدُ تَقْطَعُهَا. لوقا 13: 8 - 9. أعطها فرصة أخرى لتصنع توبة. صدقني يا أبي السماوي، إن أبوتك وإن كانت تشرفني كثيرًا، إلا أنها تخجلني بالأكثر أمام ضميري. كلما أقول لك يا أبانا، أتذكر من أنا، ومن أنت الذي في السموات، فتذوب نفسي في داخلي، وتنسحق في التراب والرماد

أنا يارب مكسوف منك. أنت عاملتني بطريقة أخجلتني أمام نفسي. إنني أخجل من أن أخطئ إليك مرة أخرى.. نُبلك يخجلني

أنا يا رب مكسوف منك. خجلان. لا أعرف كيف أرفع وجهي إليك. وكيف أتجرأ وأعود فأخاطبك، :كأن شيئًا لم يحدث. صدقني يا رب، إنني خجلان من محبتك، التي تسمح الآن بأن تسمع لي، وتقبلني مصليًا. محبتك التي ترضى بأن تصطلح معي، بهذه السهولة

أنا يارب في خجل أن أطلب، على الرغم مما أقترفته من خطايا! استحي من الطلب، وقد خالفت الكثير من وصاياك، وقصّرت في واجباتي من نحوك. ولم تعد لي دالة أطلب بها شيئًا. الخجل يغطي وجهي، وتذكر خطاياي يعقد لساني عن الطلب. أنت تعرف يا رب كل شيئ. وأيضًا كيف أطلب شيئًا جديدًا، وأنا لم أشكر على عطاياك السابقة.. آمين

Share

Tuesday, January 20, 2015

عيد الغطاس - البابا تواضروس الثاني


الأحد 18 يناير 2015
قداسة البابا تواضروس الثاني
الكاتدرائية المرقسية -الإسكندرية
مشاهد عيد الظهور الإلهي
قداس عيد الغطاس 2015

بإسم الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد آمين، تحل علينا نعمته وبركاته من الآن وإلى الأبد آمين
أهنئكم أيها الاحباء بعيد الغطاس أحد الأعياد السيدية الكبرى وأنقل لكم تهنئة أعضاء المجمع المقدس في مصر وخارج مصر، المجلس الملي العام وجميع الآباء الأحباء والآباء الحاضرين معنا. عيد الغطاس له طعم خاص وسط أعيادنا و يسبقه قداس اللقان لتقديس الماء في الصباح

عيد الغطاس عيد يخصنا جميعا، لأنه عيد شخصي لكل واحد منا، لانه يذكرنا باليوم المبارك التي نلت به سر المعمودية والميرون و سر الافخارستيا. وكثير من العائلات تسجل كل شئ وكنيستنا تحرص أن تحدث (المعمودية - التعميد - العماد) وهو صغير

و في مثل هذا اليوم نتقابل مع شخصين

المٌعمِد - يوحنا المعمدان
المُعَمد - رب المجد يسوع
مكان - المعمودية


وفي هذا المشهد نتقابل مع ثلاث

نداء التوبة
شهادة الخلاص
إعلان الحب

نداء التوبة
فيوحنا المعمدان هو الملاك المهيئ وهو آخر أنبياء العهد القديم الذي قدم نداء توبة قائلاً
توبوا لأنه اقترب منكم ملكوت السماوات
اصنعوا ثمار تليق بالتوبة
فكأن التوبة هي معمودية ثانية كذلك يقول الآباء أن دموع التوبة معمودية. و كان هذا هو نداء يوحنا المعمدان. الإنسان ممكن أن يسرع في كل شئ ولكن يتباطئ عن توبته، والله دائمًا يتمهل ويصبر . فملكوت السموات لا يضم إلا التائبين. وهي حياة مستمره وهي ثمار كما يقول يوحنا - أي اُسلوب حياة. و التوبة هي التي تفتح باب السماء. والتوبة هي انشغال الإنسان بالعلاقة مع ربنا. وباب التوبة مفتوح دائمًا إلى أن يترك الإنسان الأرض

شهادة خلاص
كان يوحنا شاهد خلاص، وإن قلت انه مات قبل صلب المسيح، ولكن يوحنا بعين النبوة، قال: هوذا حمل الله رافع خطايا العالم
ورأى بعين النبوة أنه مخلص. وقال: وقد رأيت الروح نازلاً عليه مثل حمامة
الحمل ممثل في شخص المسيح، والحمامة تمثل النقاوة والوداعة، فالمسيح قدم الخلاص والروح نازل علي الكنيسة ليقدس الأسرار
ونقول: أيها الملك السمائي المعزي، روح الحق، الحاضر في كل مكان والمالئ الكل، كنز الصالحات، ومعطي الحياة، هلم تفضل وحل فينا، وطهرنا من كل دنس أيها الصالح
نخاطب الروح القدس بهذه الصيغة. إذا نحن أمام شاهد خلاص. والروح القدس يعمل فيَّ

إعلان حب
فكل أفعال السيد المسيح صنعها ويصنعها بعذوبة الحب. كان يوحنا يعمد في نهر الأردن، و لما جاء المسيح ليعتمد استغرب يوحنا - ولا تنسى أنه سجد في بطن أمه كما قالت اليصابات - قال له يوحنا كيف أعمدك، فيقول له المسيح في كل حب "اسمح الآن، لأنه ينبغي أن نكمل كل بر". المسيح جاء لا لينقد بل ليكمل. فالنبوات كثيرة وكلها تتحقق في شخص المسيح، و لم يجادل وعندما قام بتعميد المسيح في (المغطس في الأردن) سمع الصوت "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت". فصوت الأب يقول إبن وحبيب. وهذا هو إعلان حب. وقيلت للسيد المسيح. فالأب السماوي سرَّ أن يكون الإبن هو الذبيحة وكنيستنا تحرص على تعميد الأطفال ولو عمرها ساعة. وليس البداية فقط. ويجب أن تستمر حبيبًا للمسيح. وعندما تعيش حبيب لله يسرّ بيك المسيح، وعندما تنفذ نقاوة قلبك او سيرتك، كيف تسر المسيح؟ ولذلك هذه الآية في يوم معموديتك صرت حبيبا للمسيح. ويقول اشعياء: هوذا حبيبي الذي سرت به نفسي.. وهي نفس العبارة، وهو اعلان حب، عندما تولد من المعمودية و يستمر هذا الحب من خلال التوبة باعلان حب مستمر. فعلى المستوى الجسدي نفرح بأولادنا عندما يصيروا في طريق الطهر.. وهناك فضيلة لمعان النفس البشرية وكذلك الماس تذكرك بأنك يجب أن تكون لامعًا مثلهما. هذا هو نداء التوبة ونتقابل مع شاهد الحب يوحنا، ونتقابل مع اعلان الحب في شخص السيد المسيح. وعيد الغطاس ليس يوم تاريخي، بل يوم لكل واحد فينا. و يسبقه استعداد و لذلك صمنا من يوم الجمعه لأنه ينبغي أن يكون إنقطاعي، واعتاد الأقباط أن يأكلون قلقاس وقصب. والقلقاس نبات مصري أبيض وله طريقة معينة، وأيضًا القصب الذي عندما يتعرض لضغط، يقدم عصير حلو، مثل الإنسان المسيحي. وكذلك اليوسفي الذي يصنع منه الفانوس زي كلمة ابيفانيوس. و هو عيد الأنوار أو عيد الظهور الإلهي أو العماد، ونتقابل فيه مع المسيح. عيد الغطاس عيد مملوء بالمعاني. ربنا يعطي نعمة ومعونه وربنا يبارك في مياه النهر، ويبارك في حياتنا ويعطينا التوبة ونصلي من أجل بلادنا والدول التي حولنا.. فطلبة البار تقتدر كثيرًا في فعلها.. فقوة الصلاة تستطيع أن تفتح الأبواب المغلقة. ومن أجل أن يمنحنا الله السلام الدائم. لإلهنا المجد من الآن وإلى الأبد آمين


Share

Friday, October 24, 2014

السلوك والحكمة بالحياة


هل حاسبت نفسك؟ كل إنسان في عمل ما أو تجارة لابد أن يحاسب نفسه ومن معه هل كسب أم خسر وأنت في نهاية (ختام) كل يوم لا تتوانى ولا تؤجل أن تحاسب نفسك، وكن قاسيًا على نفسك في حسابها لا تجاملها حتى تستطيع أن تضع يدك على مواطن الضعف، وما مدى تقدم حياتك الروحية.. هل أنت قدوة؟ في عملك، في بيتك، في كنيستك.. أفحص نفسك جيدًا ولكن ليمتحن الإنسان نفسه.. وَلكِنْ لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَهكَذَا يَأْكُلُ مِنَ الْخُبْزِ وَيَشْرَبُ مِنَ الْكَأْسِ. رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 11: 28


هل تعرف ما هي وكالتك التي إئتمنك عليها ربنا، هي تلك الوزنات الروحية، والجسدية، والعائلية مثل الغنى، والعلم، والفهم مثل الصلاة والخدمة.. فأجسادنا بكل ما فيها من حواس وعقل وامكانيات هي وزنات أعطيت لنا لنستخدمها لملكوت الله.. لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيِ للهِ. رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 6: 20
لذلك أسهر على أمانتك ولا تغفل عنها.. طُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ الَّذِينَ إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُمْ يَجِدُهُمْ سَاهِرِينَ. لوقا 12: 37


مثل وكيل الظلم هنا يخدم الغرض الأسمى الذي هو دخول ملكوت السموات.. كيف يفكر الإنسان بحكمه؟ في مستقبله الأبدي وماذا بعد ما يفني جسده هنا؟ هل ستجد روحه راحة في أحضان الأحباء الذين صاروا له أصدقاء؟ وهل إذا عزل من وكالة الأرض يجد له مكانًا في السماء؟ السيد لم يمدح وكيل الظلم بشيء إلا أنه بحكمة سلك من جهة المستقبل


كثيرًا ما أسقط في نفس الخطية التي أعترف بها، فما؟ السبب

اما ان تكون التوبة غير حقيقية وتحتاج إلى إخلاص وصدق

اما أن الخطية تمارس كعادة بسبب تكرارها السابق قبل التوبة وتحتاج إلى سهر ويقظة وصبر حتى تنتهي. لنذكر دائمًا أنه قبل إنزعاجنا لخطية معينة يلزمنا أن نفحص حياتنا الداخلية، هل نحن نحب الله حقًا؟ أم نحب ذواتنا


Share

Monday, September 15, 2014

صلاة


التوبة هي أم الحياة، وطوبى لمن يولد منها، فانه لا يموت. وكما ينادي المسيح لخواصه بالتوبة، كذلك يبعد الشيطان الناس عن سماع هذا النداء (نداء المسيح للتوبة)، وبالمكر واللهو يغطي قلوبهم

الشيخ الروحاني - مار يوحنا سابا


صلاة للتوبة - الأنبا شنوده رئيس المتوحدين

بسم الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد آمين

اللهم ( ربي ) أغفر لي أنا الخاطئ لأني لا أستطيع أن أرفع عيني إليك لأني أخزى من أجل كثرة أثامي.. اللهم ( إلهي ) لا تحسب علىَّ أثامي بل إصنع معي رحمة في ملكوتك. اللهم ( يا رب ) إني أتضرع إليك وأسألك من أجل نفسي وجسدي البائسين

أعطني أن أصنع إرادتك، ولترشدني رحمتك. أيها الرب الإله أغفر لي خطاياي وأسترعلى آثامي، نجني من غضبك ورجزك. ماذا أقول حين مثولي بين يديك، وبما أتزكى حين تحاكمني؟ يا يسوع المسيح دبرني واسترني من أهوال لجة الشيطان. ضع سلامك واسمك القدوس علىَّ أيها الرب الساكن في السموات (السماوات)، لتدركني رحمتك وتسترني. لا تسلمني بيد العدو.. إني ألقيت كل إهتمامي عليك أيها المسيح إبن الله فلا تتركني عنك. إذا ملت إلى الشر لا تتركني ولا تدعني أسير حسب شهواتي الرديئة. لا تدع تبكيتي ليوم دينونتك العظيم. لا تقض علىَّ كاستحقاق خطاياي. استر فضيحة عرييِّ أمام منبرك المرهوب. طهرني كي لا يوجد دنس في نفسي بين يديك

أيها الإله محب البشر، حصن نفسي بدمك الكريم. اللهم ( يا ضابط الكل ) أضبط أهواء الخطية التي فيَّ بخوفك، وأيقظني من سنة الغفلة التي تنتج من نبع الخطية الردىء، وأحفظني من الضلالة والزلق بشفتي. إجعل ملاكك الطاهر طاردًا عني كل تجديفات الخطية. أهلني لأن يجد روحك هيكلا فيَّ. هب لي أن تسبحك نفسي وروحي كل أيام حياتي. اللهم ( يا مجيب و مدبر و مستجيب ) استجب لي ككثرة رحمتك، واقبل مني صلاتي وإبتهالي بين يديك. نجني لكي لا أخطىء إليك، وأعطني سبيلاً أن أصنع مشيئتك. لا تنزع نعمتك مني وتبعدني من معونتك. إحفظني لك هيكلاً مقدسًا. طهر قلبي ولساني وجميع حواسي. انتزع مني القلب الحجري وأنعم علىَّ بقلب منسحق لأتضرع أمامك. لا ترفضني بما أنك دعوتني لأني عاجز جدًا لأجل خطاياي. إرحمني يا من له سلطان الرحمة. إجعلني مستحقًا أن أباركك كل الأوقات إلى النفس الأخير

ثبت كلماتك المقدسة في قلبي ونفسي. نجني من جميع فخاخ الشرير. دبر سيرتي كما يرضيك. تراءف علىَّ واسمع صراخي. إستجب لتضرعي وأقبل صلاتي. لا تبعد صلاتي منك ولا رحمتك عني، فلتدخل صلاتي أمامك. أنصت لصوتي وليدخل إليك صراخي. لتستقم صلاتي أمامك كرائحة بخور طيبة بين يديك. لا تحاكم عبدك فانه لا يتزكى أمامك أحد. فان لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد آمين


أبانا الذي في السماوات. ليتقدس اسمك. ليأت ملكوتك
لتكن مشيئتك. كما في السماء كذلك على الأرض
خبزنا الذي للغد أعطنا اليوم
وأغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا
ولا تدخلنا في تجربة. لكن نجنا من الشرير
بالمسيح يسوع ربنا لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد. آمين


Share

Friday, September 12, 2014

زمان النعمة


تصلي الكنيسة باللحن الفرايحي من ليلة النيروز حتى الإنتهاء من الأحتفال بعيد الصليب من 1 توت إلى 19 توت لأن

المسيح مات لأجلنا والشهداء ماتوا لأجله

المسيح تحمل آلام الصليب وكذلك الشهداء تحملوا كل صنوف العذاب من أجله

الشهداء أقبلوا على الموت باستهانه لأنهم أدركوا أن بعد الموت قيامة مثلما قام المسيح من الأموات بعد صلبه بثلاثة أيام


حقًا أنه من احسانات الرب أننا لم نفن لأن مراحمه لا تزول وأعظم الإحسانات هو أن (سنة الرب المقبولة) لم تنته بعد: لقد إنتهت سنوات عديدة من حياتك ولكن لا تزال أناة الرب تنتظر لتخلصك. لأن الله لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة ولكن لابد لإمهال الله وطول أناته من نهاية.. وقد يكون ذلك أقرب مما تفتكر. ومتى انتهى زمان النعمة ووقت القبول يبدأ الغضب.. يوم النقمة ويالهول ذلك اليوم


بارك إكليل السنة بصلاحك يارب الأنهار واليانبيع والزروع والثمار
باركنا في أعمالنا ببركتك السمائية وأرسل لنا من علوك نعمتك وخيراتك
من ذكصولوجية عيد النيروز
 

وقفت إيزابيل الشريرة في أيام إيليا تقاوم طريق الله وتخدم انبياء البعل والنجاسات.. وعندما قتل ايليا أنبياء البعل هاجت ايزابيل وأقسمت بوعد أن تقتل ايليا وتنتقم منه

هكذا أيضًا وقفت هيروديا في أيام يوحنا المعمدان عندما شهد للحق ووقف ضد شهوات هيرودس، ونجاسة هيروديا وقفت تتحين الفرصة وتدبر المكائد حتى قطع رأس القديس يوحنا المعمدان وقدمها لها


نرسل لك التسبيح بأصوات التمجيد يا مخلصنا الصالح ثبتنا إلى الانقضاء
أعطنا يا رب سلامك ونجنا من أيدى أعدائنا وأزل مشورتهم وأشف أمراضنا
من ذكصولوجية عيد النيروز


الكنيسة تلقب القديس يوحنا المعمدان بالسابق الصابغ والشهيد وهو شخص يحوز مكانة خاصة، إذ أنه يحسب ضمن أنبياء العهد القديم وهو آخرهم، كما أنه يحسب من شخصيات العهد الجديد لأنه عاين السيد المسيح وشهد له وعمده في نهر الأردن

لذلك تضع الكنيسة اسم القديس يوحنا المعمدان بعد إسم القديسة العذراء مريم في قائمة القديسين الذين يذكرون في المجمع في صلاة القداس الإلهي. ولأن ربنا حبا القديس يوحنا المعمدان بميزات فريدة وفائقة

أن القديس يوحنا المعمدان ولد بوعد ورؤى بشارة رئيس الملائكة

ولد القديس يوحنا المعمدان من أبوين بارين سالكين في جميع وصايا الله بلا لوم

امتلأ القديس يوحنا المعمدان من الروح القدس وسجد وهو في بطن أمه للمسيح

هيأ القديس يوحنا المعمدان الطريق للمسيح، وقال الحق بشجاعة


Share

Thursday, March 13, 2014

تأملات في إنجيل الثلاثاء الثاني من الصوم الكبير


محاضرة قداسة البابا تواضروس الثاني

الأربعاء 5 مارس 2014م

تأملات في إنجيل الثلاثاء من الأسبوع الثاني من الصوم الكبير

ماذا أعمل لأرِث الحياة الأبدية؟ الحياة الأبدية

قام قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية مساء يوم الأربعاء الموافق 5 مارس 2014 م بإلقاء محاضرته الأسبوعية في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية والتي دارت حول تأملات فى إنجيل يوم الثلاثاء من الأسبوع الثاني من الصوم المقدس.. مرقس 10 : 17 ـ 27

سؤال اليوم: ماذا أعمل لأرِث الحياة الأبدية؟ أرِث الحياة الأبدية

سأل هذا السؤال الغني الحزين لأنه مضى حزيناً أو الغنى المحبوب لأن نظر إليه يسوع وأحبه

كان هذا الشاب يتمتَّع بعدة صفات جيدة: وهي

غنيَّاً، والمال بركة ونعمة من اللَّه

شاباً، يتمتَّع بالنشاط والحيوية والقوة

رئيساً، من رؤساء الدين له وقاره واحترامه

مؤدَّباً، لأنه جثا أمام السيد المسيح

والأهم أنه كان مشتاقاً للمكلوت والسماء، وكان حافظاً للوصايا، هذا الإنسان كان في مظهره جيدا


المال جاء فى الكتاب فى أكثر من 2000 موضوع، وأشهر موضوع فى عبارة: لا يقدر أحد أن يعبد سيدين، لأنه إمَّا أن يُبغض الواحد ويحب الآخر، أو يقبل الواحد ويرفض الآخر. لا تقدرون أن تعبدوا اللَّه والمال

ومشكلة هذا الشاب أنَّ تديُّنَه يُغطي جزء من حياته وليس حياته كلها. اللَّه أعطانا الدين لكيما يرتقي الإنسان.. يرتقي في مشاعره، وفي عبادته، ويكون أكثر رُقيَّاً في عبادته وأفكاره وسلوكه وحياته اليومية وأفعاله. وهذه مشكلة أُناس كثيرون يأخذون جزء من الوصية أو جزء من الحياة المسيحية


وقع هذا الشاب في نقائص كثيرة

خاطب السيد المسيح كمُعلِّم وما أكثر المُعلمين وليس اللَّه الواحد

كان يعبد بالحقيقة صنماً داخلياً لا يراه وهو محبة المال

كان يحفظ الوصايا نظرياً ولا يعيشها عملياً

كان يفترض أن كنزه في الأرض وليس السماء

كان ينقصه أن يتبع الراعي الصالح

كان يعتقد أن غناه المادي دليل الرضا السماوي


اللَّه يعطينا المواهب والمال كوكلاء، ونحن لا نملك شيء، ماذا تفعل بمالك الزائد عن احتياجاتك؟ المال الزائد

تنفقه ببذخ وهذه خطية

تتدخره للمستقبل الأرضي فقط وهذه تحتمل أن تكون خطية

تنفقه لفائدة آخرين وهنا عين الثواب


ماذا أفعل لأرث الحياة الأبدية؟ الحياة الأبدية

اذهب: في طريق التوبة، عيش التوبة وغير طريقتك وفكرك. حياة التوبة

بِع كل مالك: عيش حياة الحرية، لا تربط قلبك بشيء أرضي. حياة الحرية

أعطي الفقراء فيكون لك كنز في السماء: عيش حياة العطاء لتشعر بالسعادة. حياة العطاء

تعال اتبعني: عيش حياة الوصية، واتبع خطوات المسيح. حياة الوصية

حاملاً الصليب: حياة الجهاد اليومي، مُشابهاً سيدك الذي حمل صليب الفداء من أجلي ومن أجل كل إنسان. حياة الجهاد


مضى الشاب الغني حزيناً لأنه كان ذي أموال كثيرة، وأمواله صنعت حاجزاً بينه وبين السماء

أمَّا أنت أيها الحبيب، فاعلم أن كل شيء مُستطاع عند اللَّه فيستطيع المسيح أن يساعدك ويسندك

يعطينا مسيحنا أن تكون حياتنا في هذا الطريق لكي ما نرث جميعاً الحياة الأبدية والملكوت السماوي


مرقس 10 : 17 ـ 27
وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ إِلَى الطَّرِيقِ، رَكَضَ وَاحِدٌ وَجَثَا لَهُ وَسَأَلَهُ: أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ
فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ
أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لاَ تَزْنِ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. لاَ تَسْلُبْ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ
فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي
فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ، وَقَالَ لَهُ: يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلاً الصَّلِيبَ
فَاغْتَمَّ عَلَى الْقَوْلِ وَمَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ
فَنَظَرَ يَسُوعُ حَوْلَهُ وَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ
فَتَحَيَّرَ التَّلاَمِيذُ مِنْ كَلاَمِهِ. فَأَجَابَ يَسُوعُ أَيْضًا وَقَالَ لَهُمْ: يَا بَنِيَّ، مَا أَعْسَرَ دُخُولَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَى الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ
مُرُورُ جَمَل مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ
فَبُهِتُوا إِلَى الْغَايَةِ قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ
فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ: عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلكِنْ لَيْسَ عِنْدَ اللهِ، لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ
مرقس 10 : 17 ـ 27


Share

Tuesday, February 25, 2014

الصوم و الرياء - قداسة البابا تاوضروس الثانى





كثيرا ما يكون الإنسان غير واضح مع نفسه و كأنه يرتدي قناع 

يواجه به الناس و يتكلم به معهم، أخطر ما يواجه الإنسان السائر 
في طريق الرب أن يعاني من خطية الرياء أو ما نسميه بشكلية العبادة 
الصوم هو ممارسه تعبدية و لكن يجب أن تخلوا من الرياء
فالرياء خطية خفية تتسلل إلى نفوس المتعبدين

البابا تواضروس الثاني


الصوم و الرياء 


يطلق البعض على فترة الصوم المقدس موسم التوبة و لكن التوبة هى فى كل وقت و كل حين و لكن فترة الصوم المقدس فترة لا يعادلها فترة فى ايام السنة كلها تحتاج منا لاستعداد و هذا اﻻستعداد هو استعداد زمنى و استعداد قلبى و استعداد جسدى و لكن المهم ان كيان اﻻنسان يستعد لهذه الرحلة المهمة جدا التى تاتى مرة واحده فى كل عام

و اصحاح 58 من سفر اشعياء يتحدث عن الصوم المقدس

فترة الصوم هى فترة مهمة يكون فيها اﻻنسان صادقا مع نفسه لانه خلال العام و بحسب حياة اﻻنسان كثيرا ما يكون اﻻنسان غير واضح مع نفسه و كأنه يرتدى قناع يواجه به الناس و يتكلم به معهم، اخطر ما يواجه اﻻنسان السائر فى طريق الرب ان يعانى من خطية الرياء او ما نسميه بشكلية العبادة
الصوم هو ممارسه تعبدية و لكن يجب ان تخلوا من الرياء فالرياء خطية خفية تتسلل الى نفوس المتعبدين ففى هذا اﻻصحاح يشرح لنا كيف يمكن ان يكون اﻻنسان واقع فى هذه الخطية دون ان يدرى ، فمثلا فى ايات الاصحاح العدد يقول "اياي يطلبون يوما فيوما" و لكن هذه الصلاة الظاهرة هى من الشفتين او من اللسان و لا تتعدى ذلك فالاعماق كما هى لا تتغير، لذلك عندما يترك صلواته تجده يتصرف تصرفات غير مقبولة و غير لائقة و لا تتفق مع تصرفات الصلاة التى عاشها فى صلاة مستمرة و لكن مخادعة للانسان

مظهر اخر من مظاهر الرياء المعرفة العقلانية

تشعر و انت جالس مع الشخص انه موسوعة و لكن ليست موسوعة اتضاع و لكن موسوعة كبرياء يفتخر بذاته و بما حصله من معارف و نقرأ فى متى 23 "ويل لكم ايها الكتبة و الفريسيون المراؤون"و كانت طائفة الكتبة و الفريسيون هم من قمة طوائف اليهود، فكلمة فريسي معناها مفرز و على الكتبة انهم اشخاص متميزون جدا (الكتبة هم الناسخون) و يقول عنهم الكتاب "يسرون بمعرفة طرقى كأمة"

اﻻمر الثالث فى هذا الرياء هو اظهار الغيرة و نسميه احيانا ناموسى

ناموسي بمعنى حرفى، و الحياة المسيحية عندما تقرأها تجدها تعتمد على الحياة القلبية و تعتمد على على الروح و لا تعتمد على الحرف، و من يحيا بالحرف يتأخر و من يعيش بالناموس و فكر الناموس الجاف دون روحه يكون متأخر كثيرا، لذلك قال ربنا يسوع المسيح "ما جئت لانقض بل لاكمل فالمقصود هو ان يكمل الفهم، فتقرأ العهد القديم بروح العهد الجديد، مثل ما تقرأ رسالة العبرانين فهى رسالة فى العهد الجديد و لكنها تحكى كيف نفهم العهد القديم بروح العهد الجديد

صورة رابعة من صور الرياء ان اﻻنسان يتظاهر انه قريب من الله

"و يسرون بالتقرب الى الله" من خلال طقوس و ممارسات معينة يتظاهر انه قريب من الله و حقيقته من الداخل غير ذلك، تصور انسان يقضى يومه صوما و يمارس ممارسات و ياتى بعد فترة الصوم (فى نفس يوم الصوم) غضبه يظهر او سلوكه ينحرف، فترة الصوم هى فترة لكى ما تساعد اﻻنسان فى نموه الروحى
ويأتى السؤال لماذا الصوم الذى تحدث عنه اﻻصحاح كان مرفوضا ؟؟
هناك ثلاث اسباب واضحة فى العدد 3-4-5

اول شئ ان هذا الصوم كان بلا ضبط

هو صوم يسر صاحبه لا يسر الله، فهو صوم غير منضبط لا يسير بنظام هو احيانا يستعرض امكانياته و قدراته

الرفض الثانى ان هذا الصوم كان بلا صمت

الصوم ليس عن الطعام فقط بل ايضا عن الكلام فهذا الصوم المرفوض ليس فيه صمت بل فيه خصومة مع الغير و فيه ادانة للاخرين

ايضا هذا الصوم مرفوض لان هذا الصوم بلا تذلل

هو شكل و بلا جوهر فهو مجرد منظر داخلى، و الكنيسة ترتب قداسات لاوقات متاخره لتساعد اﻻنسان فى هذا كوسيلة تساعدك فى سلامة الحياة الروحية

كيف نصوم و كيف ننال بركات هذا الصوم ؟؟

اول بركة ان هذا الصوم فيه استجابة للصلوات لانك عندما تحيا جو الصوم تشعر بالانسحاق و الخشوع و تخرج صلواتك من داخلك عميقة و تدخل فيها روح اﻻيمان، صلوات مرفوعة من قلب نقى

بركة اخرى من بركات هذا الصوم ان يصير الرب لذة للانسان، فانت تصوم عن الطعام لكى تتحول لذة الطعام فى داخلك الى لذة للرب و يكون المسيح هو لذتك و كما يقول معلمنا داود النبى فى احد مزاميره
"تلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك"

بركة اخرى من بركات الصوم ان اﻻنسان يشعر بارتفاعه و كما يقول داود النبى ليت لى جناحا كالحمامة فاطير و استريح، يرتفع فوق الماديات و حتى فوق احتياجات الجسد و يشعر ان رباطات اﻻرض تصير ضعيفة و يشعر انه يقترب من السماء و يحيا بهذه الروح

ايضا من بركات الصوم ان اﻻنسان ينال الصحة الجسدية، تقريبا ثلث سكان العالم نباتيون و الطعام النباتى يمنح اﻻنسان شكل من الطاقة الهادئة فلا يكون الطعام مثير فى جسده او فى حياته فيعطيه صحة جسدية و يقول فى اﻻصحاح "تنبت صحتك سريعا"

ايضا فى الصوم ينال اﻻنسان استنارة و لا اقصد للعين الجسدية و لكن العين القلبية عندما يقرأ اﻻنجيل يفهم اكثر و عندما يشارك فى التسبيح يعيش اكثر و عندما يمارس مطانيات يتمتع اكثر

لذلك ادعوك فى فترة الصوم القادم اقرأ هذا اﻻصحاح يوميا و قس نفسك عليه كتدريب روحى  ( اصحاح 58 ) من سفر اشعياء النبى
فى فترة الصوم المقدس تقدم لنا ثلاثة انواع من الغذاء


غذاء روحى و غذاء ذهنى و غذاء نسكى

العذاء الروحى:- الذى تقدمة الكنيسة هو كل شكل العبادة و ممارسة اﻻسرار، جميل ان تتقابل مع اب اعترافك قبل الصوم و تضع خطة للصوم و لا تتكاسل فى تنفيذها

الغذاء الذهنى:- الذى يعتمد اساسا على القراءات اﻻنجيلية و الكنيسة تعلمنا فى فترة الصوم المقدس ان تقرأ النبوات، و الكنيسة تقرأ النبوات فى باكر و يتاح لك ان تقرأ سفرا من اسفار النبوات و يمكنك ان تاخذ سفرا واحدا مثل اشعياء ارمياء او تاخذ مجموعة اسفار مثل اسفار اﻻنبياء الصغار لكن يجب ان تقرأ يوميا و ليست قراءة فقط بل ادرس و افهم و عيش، و قراءة النبوات مفيدة جدا و تكشف مقاصد الله فى حياتك

الغذاء النسكى:- نسكياتك هامة جدا فى الصوم الانقطاع شئ مهم لتقوية اﻻرادة فانت امام الطعام مع انه متاح تتوقف عنه قليلا ايضا الطعام النباتى هو طعام هادئ الطاقة و هو طعام صحى و طعام مفيد للانسان ، ايضا المطانيات (سجدات التوبة) من القلب و ليس بالجسد و هى مرتبطة بالصلوات فيها الصلاة القصيرة ياربى يسوع المسيح ارحمنى انا الخاطئ، و انت تسجد و ترشم نفسك بعلامة الصليب ممكن تبتدأ ب12 مطانية فى اول يوم و تزداد كل يوم مع الصوم و تقدمها بروح الصلاة و تقدمها طول النهار او فى اخر الليل و تقدم هذه المطانيات كوسيلة مساعدة لتركيز الذهن فيها تعب و هذا التعب يذكرك باتعاب المسيح من اجلك ، ايضا فترات اعتكاف و يكثر منها و يستفيد منها كفترات تأمل و قراءة و صلاة او ترنيم و تسبيح

فترة الصوم يا أخوتى يحكمها اﻻية التى تقول كل من يجاهد يضبط نفسه فى كل شئ كورينثوس اﻻولى 9:25 و ايضا فترة الصوم ينطبق عليها اﻻية الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج ، الذين يزرعون بدموع التوبة فى فترة الصوم يحصدون بالابتهاج فى القيامة
 
قداسة البابا تاوضروس الثانى 
الاربعاء 19 فبراير 2014م



Share

Facebook Comments

Twitter

I Read

Word of the Day

Quote of the Day

Article of the Day

This Day in History

Today's Birthday

In the News