التجربة أمر طبيعي كان لزامًا للسيّد الذي قبل أن يدخل إلى مياه المعموديّة نيابة عنّا، فاتحًا لنا طريق الملكوت، واهبًا إيّانا حق البنوّة للآب فيه، أن يدخل في صراع مفتوح مع إبليس رئيس مملكة الظلمة. وكأن ملكوت السماوات الذي قدّمه لنا المسيّا لنا الملك قد كلّفه الكثير، فلم يقف الأمر عند تجسّده ودخوله مياه المعموديّة، وإنما دخل معركة طويلة ظهرت إحدى صورها في التجربة على الجبل، وتلألأت في كمالها على الصليب. ونحن أيضًا إذ ندخل المعموديّة، ونلبس المسيح نلتزم بالدخول في المعركة التي تثيرها الظلمة، فوراء كل نعمة إلهيّة حرب روحيّة. أو كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم حيثما وُجد المسيح لابد من معركة روحيّة. لقد فتح لنا السيّد بنفسه طريق التجربة، قائلًا: قَدْ دُسْتُ الْمِعْصَرَةَ وَحْدِي، وَمِنَ الشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ. إشعياء 63: 3، حتى يشتهي كل منّا أن يصعد بقيادة الروح القدس أرض المعركة وحده، ليس من أبٍ يسند أو أمٍ، إنّما يحمل فيه السيّد المسيح الغالب، الذي وحده يقدر أن يحارب بنا وعنّا لحساب مملكته فينا
الصوم هو السلاح الذي يقدمه السيد المسيح لمؤمنيه لكي يتحصنوا به أثناء الحرب الروحية ممتزجًا بالصلاة
لم يكن السيد المسيح محتاجًا للصوم إذ لم يكن للخطية موضع فيه، إنما صام ليقدس أصوامنا ويقويها بصومه، مشجعًا إيانا عليه.. كالأم التي تتذوق الدواء أمام طفلها المريض حتى يشرب منه
في الصوم المقدس (الصوم الكبير)، ليتنا نتذكر ما قاله الآباء أن صوم اللسان عن الكلام الباطل خير من صوم الفم عن الطعام، وصوم القلب عن محبة العالم أفضل من الأثنين
سقطات اللسان خطيرة، ويقول القديس يوحنا الدرجي.. جيد للإنسان أن يسقط من مكان عال ولا يسقط من لسانه
ضع يارب حافظًا لفمي، وبابًا حصينًا لشفتي.. فيصير كلامي نافعًا لكل أحد، ويؤهلني لنوال سلامك وغفرانك
رأى الرسول بولس في السيّد مثالًا حيًا لكل نفس تدخل برية التجارب، لكنه ليس مثالًا خارجيًا بعيدًا عنا نتمثل به، إنما هو المثل الحيّ الذي يفيض علينا بإمكانيات النصرة، فتحسب إمكانياته إمكانياتنا، إذ يقول: مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا للهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ. لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ
العبرانيين 2: 17-18
أما سرّ نصرة السيد يسوع المسيح فهي أنه دخل المعركة دون أن يوجد لإبليس موضعًا فيه، فلا يقدر أن يدخل فيه أو يغتصب ما له، إذ يقول السيد يسوع المسيح: لأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ. يوحنا 14: 30
ويقول الرسول بولس: بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ. العبرانيين 4: 15
من أقوال الآباء عن التجربة والتجارب
أعطانا الرب بمثاله كيف نستطيع أن ننتصر كما انتصر هو حين جُرِّب. الأب سرابيون
إذ هو شفيعنا يساعدنا أن نغلب في التجربة وقد صار مثالًا لنا. القديس أغسطينوس
يسوع قائدنا سمح لنفسه بالتجربة حتى يعلم أولاده كيف يحاربون. القديس أغسطينوس
حقا كان لائقًا بذاك الذي جاء ليحل موتنا بموته، أن يغلب أيضًا تجاربنا بتجاربه. الأب غريغوريوس الكبير