Sunday, May 17, 2009

سيرة القديس موسى الليبي

سيرة القديس موسى الليبي
Moses the Libyan - Libya, Pentapolis

كان من ليبيا وكان متضعا وحنونا جدا، فاستحق أن ينال موهبة شفاء المرضى
وقد روى لنا أخ هذه القصة وقال: "عندما كنت شابا، وأقمت في الدير، وحفرنا بئرا بحوض عرضه 20 ذراعا، واشترك في الحفر 80 رجلا، وبنوا سورا له. ولكنهم لم يجدوا ماء" ولم يستطيعوا أن يحفروا ذراعا آخر، لوجود صخر جامد في القاع، ولما تضايقنا أردنا أن نهجر المكان ونترك البئر


ولكن لما جاء أنبا بيؤور وقت الظهر، وكان شيخا، ألقى علينا التحية وقال لنا "لماذا انخفضت روحكم (المعنوية ونشاطكم) يا قليلي الايمان – لأنني الاحظ ذلك منذ أمس – لأنكم لم تعثروا على المياه".


ثم نزل الى قاع البئر بسلم، وصلى مع الرجال وأخذ آلة حديدية وغرسها في الأرض وقال: "يا اله القديسين، لا تضيع تعب هؤلاء (الرجال) عبثا، بل أرسل لهم المياة بوفرة"!!


وفي الحال ﺇنبثقت المياة من البئر – بكمية كبيرة – حتى بللت كل الموجودين، فصلى ثانية (شاكرا الله على عطاياه واستجابة الصلاة) ثم مضى، ولم يقبل أن يأكل مع الاخوة رغم ﺇلحاحهم عليه، بل قال لهم: "ﺇن الأمر الذى أرسلت من أجله (من الله) قد تم، ولم أرسل لكي آكل".




سيرة القديس موسى الليبي – من كتاب بستان القديسين للقديسين بلاديوس وجيروم – أقوال الآباء وتأملاتهم الروحية – سير 152 من القديسين وتعاليمهم سيرة 69 سيرة القديس موسى الليبي من القديسين وتعاليمهم صفحة 461، 462   دراسات روحية باشراف نيافة الأنبا متاؤس أسقف ورئيس دير السريان العامر – ترجمة وتعليق دياكون دكتور ميخائيل مكسى اسكندر – مكتبة المحبة – 30 شارع شبرا القاهرة – طبع بشركة هارمونى للطباعة – رقم اﻹيداع بدار الكتب 17300 / 1999 – الترقيم الدولي 9 – 0476 – 12 – 977 I.S.B.N. – جزءان، الأول 1300 تأمل وعظة وتفسير وتأمل روحي لكبار آباء الكنيسة القبطية، والثاني 152 سيرة للآباء القديسين الكبار في مصر وسوريا



Share/Save/Bookmark

Friday, May 15, 2009

خطورة خطايا اللسان

خطورة خطايا اللسان
بقلم: البابا شنودة الثالث

أخطاء اللسان كثيرة نذكر عينات منها‏:‏ خطايا الكذب‏،‏ مثل الكذب الصريح‏،‏ انصاف الحقائق‏،‏ كلمات الغش والخداع‏،‏ والتضليل والتلفيق‏،‏ وشهادة الزور‏،‏ والمبالغة والمكر‏.‏ من المبالغة احيانا كأن نقول‏:‏ كل سكان البلدة الفلانية بخلاء‏!‏ وقطعا ليس الكل كذلك‏،‏ او ان تقول‏:‏ جميع الشعب غاضبون‏!‏ بينما انت لاتعرف مشاعر الجميع‏،‏ عموما كلمة كل أو جميع لاتخلو أحيانا من الخطأ‏

ومن اخطاء اللسان ايضا كلمات الإساءة إلي الآخرين‏:‏ مثل كلام الشتيمة والنرفزة‏،‏ والسب واللعن‏،‏ وتحقير الآخرين‏،‏ والتهكم عليهم‏،‏ ومسك سيرتهم‏،‏ والغيبة والنميمة والدسيسة‏.‏ وكذلك الفاظ التهديد والتعيير والتشهير بالآخرين‏،‏ وافشاء اسرار الناس‏،‏ وإلقاء المسئولية عليهم ونشر الشائعات المسيئة‏.‏ ومن أخطاء اللسان ايضا مايتنافي مع العفة‏:‏ مثل القصص البطالة‏،‏ والفكاهات الماجنة‏،‏ والاغاني العالمية‏،‏ وكل كلام الإغراء الجنسي‏، والاسلوب غير المهذب‏،‏ والعبارات الوقحة‏.‏ وكل ماتستحيي الاذن الطاهرة من سماعه‏

ومن الاخطاء ايضا كلام القسوة‏،‏ مثل الكلام الجارح الموجع الذي لايبالي قائله بمشاعر من يتحدث اليه‏،‏ وكذلك ألفاظ التخويف ومااليه‏‏

ومن اخطاء اللسان مايمس العقيدة والإيمان‏:‏ مثل كلام التجديف‏،‏ ونشر الشكوك في المعتقدات والمسلمات‏،‏ ونشر البدع وتشويه أفكار البسطاء بالخرافات والأساطير‏،‏ وغير المعقول ولامقبول واستخدام اسم الله باطلا فيما لايجوز‏

ومن اخطاء اللسان مايتعلق بتعظيم النفس‏:‏ كعبارات الكبرياء والخيلاء‏،‏ والافتخار الباطل بالنفس‏،‏ ومحاولة تبرير الذات في اخطائها‏،‏ ومقاطعة الآخرين اثناء كلامهم‏،‏ والكلام بغطرسة‏،‏ وان يرفع الصغير صوته علي من هو اكبر منه‏،‏ وكذلك كلام العناد والمقاوحة‏‏

ومن الناحية الاخري الكلام الخاص بصغر النفس‏:‏ مثل كلام التملق والمديح الزائد الزائف‏، والسلوك بلسانين‏،‏ وكلام النفاق والرياء وكثرة الشكوي والتذمر وعبارات اليأس‏

ومن خطورة أخطاء اللسان‏:‏

‏إن الكلمة التي تخرج من فمك لاتستطيع ان تسترجعها ابدا‏،‏ وربما تندم عليها‏،‏ او تحاول تبريرها او الاعتذار عنها‏،‏ ومع كل ذلك فكل ماتقوله قد سمعه غيرك بكل مايحمل السماع من تأثرات‏،‏ وهنا تختلف خطايا اللسان عن خطايا الفكر والقلب التي هي في داخلك المقصورة عليك وحدك ولم تنكشف للآخرين‏

خطورة اخري من خطايا اللسان هي تأثيرها علي السامعين‏،‏ ولنفرض مثلا ان مشاعرك ساءت من جهة انسان‏،‏ ومازال الأمر داخل قلبك لم يصل بعد الي من فكرت بالسوء من نحوه‏،‏ فإلي هنا لاتسوء العلاقة بينك وبينه‏،‏ أما إن كشفت مشاعرك بألفاظ اساءت اليه‏،‏ فمن الصعب ان تعالج الامر‏.‏ لم يعد الامر حينئذ مقصورا علي خطية داخلك‏،‏ انما تطور الي علاقة خارجية‏،‏ وربما تحاول ان تصلح هذه العلاقة فلاتستطيع‏،‏ أو أن تصالح من سمع إساءتك اليه فيرفض ذلك‏،‏ لان ردود الفعل التي حدثت نتيجة كلماتك‏،‏ مازال تأثيرها يعمل داخل قلبك‏،‏ وقد لايعرض الامر بسلام‏،‏ لان كلامك قد سمعه آخرون‏.‏ وهنا تتسع الدائرة ويتحمس له الذين سمعوا‏،‏ او قدتتغير قلوبهم من نحوك‏،‏ او قد يرد عليك بالمثل‏..‏ وفي كل ذلك ربما تؤخذ عليك فكرة لاتعجبك ولاتستطيع ان تغيرها‏


وبقدر مايكون كلامك جارحا‏،‏ فعلي هذا القدر يكون تأثيره اعمق‏،‏ وقد يزداد التأثير إن كانت لهجة صوتك تماثل قسوة الفاظك وقد يدخل ذلك لذاكرة الناس ربما لاتنسي‏

خطورة اخري لأخطاء اللسان‏:‏ وهي انك قد تخطيء وتندم وتتوب‏،‏ ولكن اخطاءك تسبب ردود فعل وخطايا لغيرك قد لايتوب عنها‏.‏ وقد تسبب لغيرك عقدا نفسية من جهتك او من جهة أمثالك‏،‏ ويغرس كلامك في قلوب البعض شكوكا بمن قد شهرت بهم‏.‏ وتكون انت المسئول عما سببته لغيرك من أخطاء علي الرغم من توبتك‏

وإن كان ما أخطأت به بلسانك ليس إساءات للناس‏،‏ انما حكايات ماجنة وكلمات بذيئة‏،‏ صار يرددها من سمعها منك علي الرغم من توبتك‏،‏ وتكون انت علي الرغم من التوبة مسئولا عن خطايا لسانك بالنسبة لغيرك‏

واحيانا يكون خطأ لسانك مثالا خاطئا قدمته لمن هو اصغر منك وصار يتبعه‏،‏ وربما تغير انت تعليمك الخاطيء‏،‏ بينما يستمر بعض السامعين في ترديده‏،‏ وتكون مسئولا عنه‏،‏ فماذا يكون موقف ضميرك حينئذ؟

ان خطايا اللسان ليست عقيمة‏،‏ فما اكثر اولادها‏..‏ ولاشك ان الكلمة مسئولية‏،‏ سواء ان سمعت او كتبت‏،‏ وسعيد من يشعر بهذه المسئولية‏،‏ ويقدرها حق قدرها‏

من خطورة خطية اللسان انها ليست مقصورة علي اللسان‏،‏ بل هي اولا خطية قلب عبرت علي العقل ثم عبر عنها اللسان‏،‏ فالذي يتكلم مثلا بألفاظ قاسية‏،‏ واضح ان القسوة في قلبه‏،‏ وكل الفاظه الخاطئة تدل علي وجود نفس الخطأ داخل القلب‏،‏ إذن فخطية اللسان هي خطية مركبة‏:‏ خطية لسان وخطية قلب وخطية فكر‏،‏ لذلك الذي يريد ان يصلح اخطاء لسانه ويتخلص منها عليه ان يصلح أولا جذورها في قلبه‏

خطية اللسان اذن في الترتيب الزمني هي الخطية الثانية او الثالثة‏،‏ اما الاولي ففي القلب‏.‏ واحيانا تكون خطية اللسان ابنة لخطية أم‏.‏ فمثلا الذي يكذب بلسانه‏،‏ قديكون ذلك لكي يغطي علي خطية اخري قد ارتكبها‏،‏ او خطية يريد ان يرتكبها‏،‏ وفي حالة هذه التغطية باللسان تكون في قلبه إما مشاعر الخوف مما ارتكبه‏،‏ او مشاعر الشهوة مما يريد ان يرتكبه‏

وخطية النرفزة مثلا ترتبط بخطية اخري هي عدم الاحتمال‏،‏ وخطية الالفاظ القاسية ترتبط بعدم المحبة او بعدم احترام الذي يسمع‏

إن أدركت خطورة خطايا اللسان وخطورة نتائجها‏،‏ فاحرص دائما علي انك لاتخطيء بلسانك مهما كانت الاسباب‏،‏ تدرب علي ان تترك الالفاظ غير اللائقة التي تعودت عليها‏،‏ وتدرب علي ان تحترم سامعك قبل ان تسيء إليه


مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44715 – يوم الأحد الموافق 10 مايو (أيار) 2009 ميلادية، 2 بشنس 1725 شهداء (قبطية)، 15 جمادى الأولى 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء
http://www.ahram.org.eg




Share/Save/Bookmark

السنكسار 30 برمودة

التقويم القبطي 30 برمودة للشهداء
8 مايو/أيار 2009

استشهاد مارمرقس الرسول اول باباوات الاسكندرية – 30 برمودة

في مثل هذا اليوم الموافق 26 أبريل سنة 68 م استشهد الرسول العظيم القديس مرقس كاروز الديار المصرية، وأول باباوات الإسكندرية، وأحد السبعين رسولا. كان اسمه أولا يوحنا، كما يقول الكتاب: أن الرسل كانوا يصلون في بيت مريم أم يوحنا المدعو مرقس (أع 12 : 12) وهو الذي أشار إليه السيد المسيح له المجد بقوله لتلاميذه: "أذهبوا إلى المدينة إلى فلان وقولوا له. المعلم يقول ﺇن وقتي قريب وعندك أصنع الفصح مع تلاميذي (مت 26 : 18) "ولقد كان بيته أول كنيسة مسيحية، حيث فيه أكلوا الفصح، وفيه اختبأوا بعد موت السيد المسيح، وفي عليته حل عليهم الروح القدس

ولد هذا القديس في ترنا بوليس (من الخمس مدن الغربية بشمال أفريقيا) من أب اسمه أرسطوبولس وأم أسمها مريم، إسرائيلي المذهب وذي يسار وجاه عريض. فعلماه وهذباه بالآداب اليونانية والعبرانية ولقب بمرقس بعد نزوح والديه إلى أورشليم، حيث كان بطرس قد تلمذ للسيد المسيح. ولأن بطرس كان متزوجا بابنة عم أرسطوبولس، فكان مرقس يتردد علي بيته كثيرا، ومنه درس التعاليم المسيحية

وحدث أن أرسطوبولس وولده مرقس كانا يسيران بالقرب من الأردن، وخرج عليهما أسد ولبؤة وهما يزمجران، فخاف أبوه وأيقن بالهلاك، ودفعته الشفقة علي ولده أن يأمره بالهروب للنجاة بنفسه. ولكن مرقس طمأنه قائلا: لا تخف يا أبي، فالمسيح الذي أنا مؤمن به ينجينا منهما. ولما اقتربا منهما صاح بهما القديس قائلا: "السيد المسيح ابن الله الحي يأمركما أن تنشقا وينقطع جنسكما من هذا الجبل" فانشقا ووقعا علي الأرض مائتين. فتعجب والده وطلب من ابنه أن يعرفه عن المسيح، فأرشده إلى ذلك وآمن والده وعمده بالسيد المسيح له المجد

وبعد صعود السيد المسيح استصحبه بولس وبرنابا للبشارة بالإنجيل في إنطاكية وسلوكية وقبرص وسلاميس وبرجة بمفيلية، حيث تركهما وعاد إلى أورشليم. وبعد انتهاء المجمع الرسولي بأورشليم استصحبه برنابا معه إلى قبرص

وبعد نياحة برنابا، ذهب مرقس بأمر السيد المسيح إلى أفريقية وبرقة والخمس المدن الغربية. ونادي في تلك الجهات بالإنجيل، فآمن علي يده أكثر أهلها. ومن هناك ذهب إلى الإسكندرية في أول بشنس سنة 61م. وعندما دخل المدينة انقطع حذاؤه، وكان عند الباب إسكافي، أسمه إنيانوس، فقدم له الحذاء وفيما هو قائم بتصليحه، جرح المخراز إصبعه، فصاح من الألم وقال باليونانية "اس ثيؤس" (يا الله الواحد)، فقال له القديس مرقس: "هل تعرفون الله؟" فقال: "لا وإنما ندعو باسمه ولا نعرفه". فتفل علي التراب وأخذ منه ووضع علي الجرح فشفي للحال. ثم أخذ يشرح له من بدء ما خلق الله السماء والأرض، فمخالفة آدم ومجيء الطوفان، إلى إرسال موسى، وإخراج بني إسرائيل من مصر وإعطائهم الشريعة وسبي بابل. ثم سرد له نبوات الأنبياء الشاهدة بمجيء المسيح. فدعاه إلى بيته وأحضر له أولاده فوعظهم جميعا وعمدهم باسم الأب والابن والروح القدس

ولما كثر المؤمنون باسم المسيح، وسمع أهل المدينة بهذا الآمر، جدوا في طلبه لقتله، فرسم إنيانوس أسقفا وثلاثة قسوس وسبعة شمامسة، ثم سافر إلى الخمس المدن الغربية وأقام هناك سنتين يبشر ويرسم أساقفة وقسوسا وشمامسة

وعاد إلى الإسكندرية، فوجد المؤمنين قد ازدادوا وبنوا لهم كنيسة في الموضع المعروف ببوكوليا (دار البقر) شرقي الإسكندرية علي شاطئ البحر. وحدث وهو يحتفل بعيد الفصح يوم تسعة وعشرين برمودة سنة 68م، وكان الوثنيون في اليوم نفسه يعيدون لألههم سرابيس، أنهم خرجوا من معبدهم إلى حيث القديس، قبضوا عليه وطوقوا عنقه بحبل وكانوا يسحبونه وهم يصيحون "جروا الثور في دار البقر". فتناثر لحمه وتلطخت أرض المدينة من دمه المقدس، وفي المساء أودعوه السجن، فظهر له ملاك الرب وقال له: "افرح يا مرقس عبد الإله، هوذا اسمك قد كتب في سفر الحياة، وقد حسبت ضمن جماعة القديسين" وتواري عنه الملاك. ثم ظهر له السيد المسيح وأعطاه السلام. فابتهجت نفسه وتهللت

وفي اليوم التالي (30 برمودة) أخرجوه من السجن، وأعادوا سحبه في المدينة، حتى أسلم روحه الطاهرة، ولما أضرموا نارا عظيمة لحرقه، حدثت زلازل ورعود وبروق وهطلت أمطار غزيرة، فارتاع الوثنيون وولوا مذعورين. وأخذ المؤمنون جسده المقدس إلى الكنيسة التي شيدوها، وكفنوه وصلوا عليه، وجعلوه في تابوت ووضعوه في مكان خفي من هذه الكنيسة

صلاة هذا القديس العظيم والكاروز الكريم تكون معنا ولربنا المجد دائما. آمين



Share/Save/Bookmark

عيد‏ ‏استشهاد‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏الإنجيلي‏ ‏والرسول

عيد‏ ‏استشهاد‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏الإنجيلي‏ ‏والرسول
للمتنيح: الأنبا غريغوريوس - أسقف عام الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي

إن‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏الرسول‏ ‏هو‏ ‏أحد‏ ‏رسل‏ ‏ربنا‏ ‏يسوع‏ ‏المسيح‏ ‏الذين‏ ‏أرسلهم‏ ‏ليبشروا‏ ‏باسمه‏، ‏ويعلموا‏ ‏الناس‏ ‏عن‏ ‏طريق‏ ‏الكمال‏ ‏المسيحي‏.‏ وبعد‏ ‏أن‏ ‏حل‏ ‏الروح‏ ‏القدس‏ ‏علي‏ ‏التلاميذ‏ ‏والرسل‏ ‏في‏ ‏يوم‏ ‏الخمسين‏، صار‏ ‏من‏ ‏نصيب‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏الرسول‏ ‏أن‏ ‏يبشر‏ ‏بالإنجيل‏ ‏في‏ ‏بلاد‏ ‏مصر‏ ‏وشمال‏ ‏أفريقيا‏. ‏وقد‏ ‏جاء‏ ‏إليها‏ ‏بالفعل‏،‏ وأسس‏ ‏الكنيسة‏ ‏القبطية‏ ‏أو‏ ‏المصرية‏، وهي‏ ‏التي‏ ‏تعرف‏ ‏أيضا‏ ‏بكنيسة‏ ‏الإسكندرية‏ ‏أو‏ ‏الكنيسة‏ ‏المرقسية‏.‏ فهو‏ ‏أول‏ ‏بطريرك‏ ‏للكنيسة‏ ‏القبطية‏ ‏في‏ ‏سلسلة‏ ‏الباباوات‏ ‏الذين‏ ‏رعوا‏ ‏الكنيسة‏. ‏وأصبح‏ ‏جميع‏ ‏الباباوات‏ ‏من‏ ‏بعده‏ ‏يسمون "خلفاء‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏". ‏وكرسي‏ ‏البطريركية‏ ‏يسمي "الكرسي‏ ‏المرقسي" نسبة‏ ‏إلي‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏

فالمسيحيون‏ ‏في‏ ‏مصر‏ ‏مدينون‏ ‏جميعا‏ ‏بمسيحيتهم‏ ‏إلي‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏الرسول‏ ‏الذي‏ ‏أتي‏ ‏إلينا‏ ‏وبشرنا‏ ‏بالسيد‏ ‏المسيح‏، ‏واحتمل‏ ‏في‏ ‏سبيل‏ ‏ذلك‏ ‏آلاما‏ ‏كثيرة‏ ‏ومتاعب‏ ‏جمة‏ ‏من‏ ‏الوثنيين‏ ‏الذين‏ ‏يعبدون‏ ‏الأصنام‏ ‏ولكنه‏ ‏نجح‏ ‏في‏ ‏نقل‏ ‏كثيرين‏ ‏من‏ ‏ظلام‏ ‏الوثنية‏ ‏إلي‏ ‏نور‏ ‏المسيح‏. ‏وأصبحنا‏ ‏نحن‏ ‏بفضله‏ ‏مسيحيين‏ ‏إلي‏ ‏اليوم‏

القديس‏ ‏مرقس‏ ‏أفريقي‏ ‏الأصل‏:‏

ولم‏ ‏يكن‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏الرسول‏ ‏غريبا‏ ‏عنا‏، ‏فإن‏ ‏موطنه‏ ‏الأصلي‏ ‏هو‏ ‏في‏ ‏شمال‏ ‏أفريقيا‏، ‏وعلي‏ ‏وجه‏ ‏الدقة‏، ‏من‏ ‏إحدي‏ ‏البلاد‏ ‏التي‏ ‏كانت‏ ‏تعرف‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏الوقت‏ ‏بالخمس‏ ‏المدن‏ ‏الغربية "بنتابوليس" والتي‏ ‏توجد‏ ‏أكثرها‏ ‏في‏ ‏ليبيا‏. ‏وكان‏ ‏أبوه‏ ‏غنيا‏ ‏يسمي "أرسطوبولوس" وأمه‏ ‏امرأة‏ ‏تقية‏ ‏فاضلة‏ ‏تدعي "مريم" ورد‏ ‏ذكرها‏ ‏في‏ ‏العهد‏ ‏الجديد (أعمال‏ ‏الرسل‏ 12 : 12)، ‏وأخوها‏ ‏هو‏ ‏القديس‏ ‏برنابا‏ ‏الرسول‏ ‏أحد‏ ‏السبعين‏، ‏وعلي‏ ‏ذلك‏ ‏فإن‏ ‏القديس‏ ‏برنابا‏ ‏هو‏ ‏خال‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏الرسول (كولوسي‏ 4 : 10)، ‏وحدث‏ ‏أن‏ ‏بعض‏ ‏القبائل‏ ‏الرحل‏ ‏سطوا‏ ‏علي‏ ‏عائلة‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏وسلبوا‏ ‏مقتنياتها‏، ‏فأمست‏ ‏في‏ ‏حالة‏ ‏فقر‏ ‏شديد‏، ‏فاضطرت‏ ‏العائلة‏ ‏إلي‏ ‏أن‏ ‏تهاجر‏ ‏إلي‏ ‏فلسطين‏ ‏في‏ ‏الأيام‏ ‏التي‏ ‏ظهر‏ ‏فيها‏ ‏مخلصنا‏ ‏يسوع‏ ‏المسيح‏. ‏وقد‏ ‏كانت‏ ‏هذه‏ ‏الهجرة‏ ‏خيرا‏ ‏عظيما‏ ‏للعائلة‏، ‏فقد‏ ‏تشرف‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏بأن‏ ‏صار‏ ‏من‏ ‏تلاميذ‏ ‏سيدنا‏ ‏وواحدا‏ ‏من‏ ‏بين‏ ‏رسله‏ ‏الأطهار‏

والقديس‏ ‏مرقس‏ ‏لم‏ ‏يصبح‏ ‏رسولا‏ ‏فقط‏، ‏ولكن‏ ‏بيته‏ ‏أيضا‏ ‏أصبح‏ ‏مكانا‏ ‏مقدسا‏ ‏صنع‏ ‏فيه‏ ‏الرب‏ ‏يسوع‏ ‏الفصح‏ ‏مع‏ ‏تلاميذه‏ ‏الأطهار‏ ‏(مرقس‏ 14 : 13 – 16)، (لوقا‏ 22 : 10 – 12)، ‏وفيه‏ ‏غسل‏ ‏أرجلهم‏ (‏يوحنا‏ 13 : 4 – 27) ‏وسلمهم‏ ‏سر‏ ‏العشاء‏ ‏الرباني‏ ‏أي‏ ‏سر‏ ‏القربان‏ ‏المقدس‏ ‏(متي‏ 26 : 26 – 29)، (‏مرقس‏ 14 : 22 – 25)، (لوقا‏ 22: 19 – 20) ‏وذلك‏ ‏في‏ ‏يوم‏ ‏الخميس‏ ‏المعروف‏ ‏بخميس‏ ‏العهد‏. ‏وفي‏ ‏بيت‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏اجتمع‏ ‏التلاميذ‏ ‏بعد‏ ‏صلب‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏ ‏ودفنه‏ ‏إلي‏ ‏أن‏ ‏قام‏ ‏من‏ ‏بين‏ ‏الأموات‏، وفيه‏ ‏ظهر‏ ‏لهم‏ ‏المسيح‏ ‏له‏ ‏المجد‏ ‏بعد‏ ‏قيامته‏ ‏المجيدة‏، ‏وكان‏ ‏يجتمع‏ ‏بهم‏ ‏ويعلمهم‏ ‏ويكلمهم‏ ‏عن‏ ‏الأمور‏ ‏المختصة‏ ‏بملكوت‏ ‏الله‏، ‏ويشرح‏ ‏لهم‏ ‏كيف‏ ‏يسوسون‏ ‏الكنيسة‏ ‏ويدبرون‏ ‏شئون‏ ‏المؤمنين‏. ‏وفي‏ ‏هذا‏ ‏البيت‏ ‏صار‏ ‏الرسل‏ ‏ومعهم‏ ‏سيدتنا‏ ‏كلنا‏ ‏والدة‏ ‏الإله‏، ‏مريم‏ ‏العذراء‏، ‏يجتمعون‏ ‏ويصلون‏ ‏حتي‏ ‏حل‏ ‏الروح‏ ‏القدس‏ ‏عليهم‏ ‏في‏ ‏يوم‏ ‏الخميس‏، وهو‏ ‏عيد‏ ‏العنصرة‏. ‏وظل‏ ‏الرسل‏ ‏والمؤمنون‏ ‏بالمسيح‏ ‏يجتمعون‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏البيت‏ ‏للصلاة‏ ‏والتناول‏ ‏من‏ ‏الأسرار‏ ‏المقدسة‏.‏ ولما‏ ‏سجن‏ ‏القديس‏ ‏بطرس‏ ‏كانت‏ ‏الكنيسة‏ ‏كلها‏ ‏مجتمعة‏ ‏في‏ ‏بيت‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏، ‏وكانت‏ ‏تصير‏ ‏منها‏ ‏صلاة‏ ‏بلجاجة‏ ‏إلي‏ ‏الله‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏القديس‏ ‏بطرس‏، ‏وقد‏ ‏أخرجه‏ ‏الملاك‏ ‏من‏ ‏السجن‏ ‏استجابة‏ ‏للصلاة‏، ‏فانطلق‏ ‏ماربطرس‏ ‏الرسول‏ ‏إلي‏ ‏بيت‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏أو‏ ‏كما‏ ‏كان‏ ‏يسمي "بيت‏ ‏مريم‏ ‏أم‏ ‏يوحنا‏ ‏الملقب‏ ‏مرقس‏ ‏حيث‏ ‏كان‏ ‏كثيرون‏ ‏مجتمعين‏ ‏وهم‏ ‏يصلون‏" (‏سفر‏ ‏أعمال‏ ‏الرسل‏ 12 : 12) ‏وقد‏ ‏سمي‏ ‏هذا‏ ‏البيت‏ ‏أيضا‏ ‏علية‏ ‏صهيون‏، ‏وقد‏ ‏أصبح‏ ‏أول‏ ‏كنيسة‏ ‏مسيحية‏

مارمرقس‏ ‏يقود‏ ‏أباه‏ ‏إلي‏ ‏الإيمان‏ ‏بالمسيح‏:

كان‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏الرسول‏ ‏شابا‏ ‏صغيرا‏ ‏عندما‏ ‏عرف‏ ‏السيد‏ ‏المسيح (مرقس‏ 14 : 51 – 52)‏ ولم‏ ‏يتزوج‏، ‏بل‏ ‏عاش‏ ‏بتولا‏ ‏طاهرا‏ ‏كل‏ ‏أيام‏ ‏حياته‏، ‏ولذلك‏ ‏فقد‏ ‏اشتهر‏ ‏بأنه‏ ‏الرسول "البتول" ومع‏ ‏صغر‏ ‏سنه‏ ‏كان‏ ‏يتصف‏ ‏بالتقوي‏ ‏وقوة‏ ‏الإيمان‏ ‏بالسيد‏ ‏المسيح‏، ‏ومن‏ ‏آيات‏ ‏إيمانه‏ ‏العظيم‏ ‏أنه‏ ‏كان‏ ‏سائرا‏ ‏مرة‏ ‏مع‏ ‏والده "أرسطوبولس" في‏ ‏اتجاه‏ ‏نهر‏ ‏الأردن‏ ‏وفي‏ ‏الصحراء‏ ‏أبصرا‏ ‏من‏ ‏بعيد‏ ‏أسدا‏ ‏ولبؤة‏ ‏قادمين‏ ‏نحوهما‏ ‏لافتراسهما‏، ‏فارتاع‏ ‏الوالد‏ ‏جدا‏، ‏وأمر‏ ‏ابنه‏ ‏مرقس‏ ‏بأن‏ ‏يهرب‏ ‏لحياته‏، ‏ويترك‏ ‏الأسد‏ ‏واللبؤة‏ ‏يتلهيان‏ ‏به‏ ‏هو‏ ‏ويقتلانه‏، فطمأن‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏والده‏ ‏الحنون‏ ‏وقال‏ ‏له "لاتخش‏ ‏شيئا‏ ‏يا‏ ‏أبتاه‏، ‏فإن‏ ‏المسيح‏ ‏الذي‏ ‏أؤمن‏ ‏به‏ ‏سينقذنا‏ ‏من‏ ‏أي‏ ‏خطر"‏. ‏وقبل‏ ‏أن‏ ‏يصل‏ ‏الوحشان‏ ‏إليهما‏ ‏اتجه‏ ‏القديس‏ ‏إلي‏ ‏الشرق‏، ‏وبسط‏ ‏يديه‏ ‏وصلي‏ ‏صلاة‏ ‏قصيرة‏ ‏قائلا‏: ‏"يا‏ ‏سيدي‏ ‏يسوع‏ ‏المسيح‏، ‏يا‏ ‏ابن‏ ‏الله‏ ‏الحي‏ ‏الذي‏ ‏نؤمن‏ ‏به‏ ‏نجنا‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏البلية‏، ‏وأنقذنا‏ ‏من‏ ‏شر‏ ‏هذين‏ ‏الوحشين‏ ‏الكاسرين‏"، ‏وما‏ ‏إن‏ ‏فرغ‏ ‏من‏ ‏صلاته‏ ‏حتي‏ ‏سقط‏ ‏الأسد‏ ‏واللبؤة‏ ‏صريعين‏، ‏وماتا‏. ‏فلما‏ ‏رأي‏ ‏أرسطوبولس‏ ‏أبوه‏ ‏هذه‏ ‏المعجزة‏ ‏ذهل‏، ‏وآمن‏ ‏بالسيد‏ ‏المسيح‏ ‏وقال‏ ‏للقديس‏ ‏مرقس‏ ‏ابنه "أنت‏ ‏ولدي‏، ‏ولكنك‏ ‏صرت‏ ‏أبي‏ ‏بالإيمان"‏. ‏وهكذا‏ ‏كسب‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏أباه‏ ‏ودخل‏ ‏به‏ ‏إلي‏ ‏حظيرة‏ ‏الإيمان‏ ‏المسيحي‏

وبعد‏ ‏أن‏ ‏حل‏ ‏الروح‏ ‏القدس‏ ‏علي‏ ‏التلاميذ‏ ‏والرسل‏ ‏الأطهار‏، ‏وانطلقوا‏ ‏من‏ ‏أورشليم‏ ‏للتبشير‏ ‏باسم‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏، ‏انطلق‏ ‏مارمرقس‏ ‏الرسول‏ ‏أيضا‏ ‏لخدمة‏ ‏الإيمان‏، ‏وقد‏ ‏خدم‏ ‏مع‏ ‏القديس‏ ‏بطرس‏ ‏الرسول‏، ‏كما‏ ‏خدم‏ ‏مع‏ ‏القديس‏ ‏بولس‏ ‏الرسول‏، ‏ومع‏ ‏خاله‏ ‏القديس‏ ‏برنابا‏ ‏الرسول‏. ‏ومن‏ ‏البلاد‏ ‏التي‏ ‏خدم‏ ‏فيها‏ ‏غير‏ ‏مصر‏ ‏وأفريقيا‏، ‏بلاد‏ ‏فلسطين‏ ‏وسورية‏، ‏وآسيا‏ ‏الصغري‏ ‏وجزيرة‏ ‏قبرص‏، ‏وروما‏. ‏وقد‏ ‏ذكر‏ ‏سفر‏ ‏"الأعمال" خدمته‏ ‏في‏ ‏فلسطين‏ ‏وسورية‏ ‏وآسيا‏ ‏الصغري‏ ‏وقبرص (أعمال 13 : 5)، (أعمال‏ 15 : 37 – 39)، ‏كما‏ ‏أهدي‏ ‏القديس‏ ‏بولس‏ ‏الرسول‏ ‏سلام‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏من‏ ‏روما‏ ‏إلي‏ ‏كنيسة‏ ‏كولوسي‏ ‏وإلي‏ ‏تلميذه ‏- ‏فليمون‏، ‏مما‏ ‏يدل‏ ‏علي‏ ‏أن‏ ‏مارمرقس‏ ‏خدم‏ ‏أيضا‏ ‏في‏ ‏روما‏ (‏كولوسي‏ 4 : 10)، (‏فليمون : 24) ‏وتظهر‏ ‏محبة‏ ‏الآباء‏ ‏الرسل‏ ‏له‏ ‏من‏ ‏كتاباتهم‏ ‏عنه‏، ‏فماربطرس‏ ‏الرسول‏ ‏يتكلم‏ ‏عنه‏ ‏بلهجة‏ ‏تنم‏ ‏عن‏ ‏حب‏ ‏عظيم‏. (1‏بطرس‏ 5 : 13) ‏وماربولس‏ ‏الرسول‏ ‏يمدحه‏ ‏في‏ ‏خدمته‏ ‏جدا‏ (2‏تيموثيئوس‏ 4 : 11)

القديس‏ ‏مرقس‏ ‏يعود‏ ‏إلي‏ ‏أفريقيا‏ ‏مبشرا‏ ‏بالمسيح‏:‏

ثم‏ ‏جاء‏ ‏مارمرقس‏ ‏إلي‏ ‏شمال‏ ‏أفريقيا‏ ‏وبشر‏ ‏بالإنجيل‏ ‏في‏ ‏وطنه‏ ‏الأصلي‏ ‏أي‏ ‏في‏ ‏الخمس‏ ‏المدن‏ ‏الغربية‏ ‏وتقع‏ ‏في‏ ‏الشمال‏ ‏الغربي‏ ‏لمصر‏ ‏حيث‏ ‏بلاد‏ ‏ليبيا‏ ‏ومن‏ ‏هناك‏ ‏جاء‏ ‏إلي‏ ‏الإسكندرية‏. ‏دخل‏ ‏مارمرقس‏ ‏مدينة‏ ‏الإسكندرية‏ ‏ليغزوها‏ ‏بإنجيل‏ ‏المسيح‏ ‏غزوا‏ ‏روحيا‏ ‏ولم‏ ‏يدخلها‏ ‏بسيف‏ ‏أو‏ ‏رمح‏ ‏أو‏ ‏جيش‏، ‏وإنما‏ ‏دخلها‏ ‏وهو‏ ‏يتوكأ‏ ‏علي‏ ‏عصاه‏، ‏فكانت‏ ‏عصاه‏ ‏كأنها‏ ‏عصا‏ ‏موسي‏ ‏التي‏ ‏صنع‏ ‏بها‏ ‏العجائب‏ ‏والمعجزات‏ ‏وقاد‏ ‏بني‏ ‏إسرائيل‏، ‏ولذلك‏ ‏يحمل‏ ‏الأسقف‏ ‏في‏ ‏الكنيسة‏ ‏عصا‏ ‏تسمي "عصا‏ ‏الرعاية" كما‏ ‏يحمل‏ ‏راعي‏ ‏الخراف‏ ‏عصا‏ ‏لقيادة‏ ‏القطيع‏

وعرف‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏أنه‏ ‏بحاجة‏ ‏إلي‏ ‏معونة‏ ‏الله‏ ‏ليغلب‏ ‏بها‏ ‏قلوب‏ ‏الناس‏ ‏المتحجرة‏، ‏لذلك‏ ‏صلي‏ ‏عند‏ ‏مدخل‏ ‏المدينة‏ ‏صلاة‏ ‏طويلة‏، ‏ثم‏ ‏دخل‏ ‏المدينة‏ ‏وتمشي‏ ‏فيها‏، ‏وأبصر‏ ‏أصنامها‏ ‏وأوثانها‏، ‏وحزن‏ ‏عليها‏ ‏ومن‏ ‏طول‏ ‏المشي‏ ‏تمزق‏ ‏حذاؤه‏، ‏فمال‏ ‏إلي‏ ‏الإسكاف "الخراز‏-‏صانع‏ ‏الأحذية‏ ‏ومصلحها" ليصلحه‏ ‏وكان‏ ‏هذا‏ ‏الإسكاف‏ ‏هو‏ ‏المفتاح‏ ‏الذي‏ ‏أعطاه‏ ‏الله‏ ‏للقديس‏ ‏مرقس‏ ‏ليفتح‏ ‏به‏ ‏مصر‏ ‏للإيمان‏ ‏بالمسيح‏. ‏فبينما‏ ‏يصلح‏ ‏الإسكاف‏ ‏الحذاء‏ ‏نفذ‏ ‏المخرز‏ ‏أو‏ ‏المخراز‏ ‏في‏ ‏يده‏ ‏فأدماها‏، ‏فتألم‏ ‏الإسكاف‏ ‏وصرخ "أيوس‏ ‏ثيئوس" يا‏ ‏الله‏ ‏الواحد‏، ‏فطمأنه‏ ‏القديس‏ ‏وتفل‏ ‏علي‏ ‏الأرض‏، ‏فصار‏ ‏التفل‏ ‏طينا‏، ‏ووضع‏ ‏الطين‏ ‏علي‏ ‏اليد‏ ‏الدامية‏، ‏وصلب‏ ‏عليه‏ ‏بعلامة‏ ‏الصليب‏ ‏وهو‏ ‏يقول‏: "‏باسم‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏ ‏تبرأ‏ ‏في‏ ‏الحال"‏، ‏فوقف‏ ‏الدم‏ ‏عن‏ ‏النزف‏، ‏وشفيت‏ ‏اليد‏ ‏في‏ ‏الحال‏ ‏واختفي‏ ‏الألم‏، ‏وكأن‏ ‏شيئا‏ ‏لم‏ ‏يحدث‏ ‏فذهل‏ ‏حنانيا‏ ‏أو "أنيانوس" الإسكاف‏ ‏من‏ ‏الطريقة‏ ‏المعجزية‏ ‏التي‏ ‏شفيت‏ ‏بها‏ ‏يده‏، ‏وانتهز‏ ‏الرسول‏ ‏فرصة‏ ‏انذهاله‏ ‏وأخذ‏ ‏يبشره‏ ‏بالسيد‏ ‏المسيح‏، ‏الذي‏ ‏باسمه‏ ‏حدثت‏ ‏معجزة‏ ‏الشفاء‏. ‏فدعاه‏ ‏الإسكاف‏ ‏إلي‏ ‏بيته‏، ‏فرحب‏ ‏بدعوته‏ ‏وجمع‏ ‏له‏ ‏الإسكاف‏ ‏أهل‏ ‏بيته‏ ‏وجيرانه‏، ‏فكلمهم‏ ‏ودعاهم‏ ‏إلي‏ ‏الإيمان‏ ‏المسيحي‏ ‏وأجري‏ ‏الله‏ ‏علي‏ ‏يديه‏ ‏جملة‏ ‏معجزات‏ ‏من‏ ‏شفاء‏ ‏مرضي‏ ‏وإخراج‏ ‏شياطين‏.. ‏إلخ‏ ‏فآمن‏ ‏عدد‏ ‏منهم‏ ‏بالسيد‏ ‏المسيح‏. ‏وعمدهم‏ ‏الرسول‏ ‏باسم‏ ‏الآب‏ ‏والابن‏ ‏والروح‏ ‏القدس‏، ‏وأنشأ‏ ‏لهم‏ ‏كنيسة‏ ‏للصلاة‏، ‏ورتب‏ ‏خدمة‏ ‏القداس‏ ‏الإلهي‏. ‏فتمت‏ ‏بذلك‏ ‏كلمات‏ ‏الوحي‏ ‏علي‏ ‏فم‏ ‏إشعياء‏ ‏النبي "في‏ ‏ذلك‏ ‏اليوم‏ ‏يكون‏ ‏مذبح‏ ‏للرب‏ ‏في‏ ‏وسط‏ ‏أرض‏ ‏مصر‏.‏ فيكون‏ ‏علامة‏ ‏وشهادة‏ ‏لرب‏ ‏الجنود‏ ‏في‏ ‏أرض‏ ‏مصر‏. ‏فيعرف‏ ‏الرب‏ ‏في‏ ‏مصر‏، ‏ويعرف‏ ‏المصريون‏ ‏الرب‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏اليوم‏، ‏ويقدمون‏ ‏ذبيحة‏ ‏وتقدمة‏ ‏وينذرون‏ ‏للرب‏ ‏نذرا‏ ‏ويوفون‏ ‏به" (إشعياء‏ 19 : 19 – 21)، ‏وكان‏ ‏هؤلاء‏ ‏هم‏ ‏النواة‏ ‏الأولي‏ ‏للكنيسة‏ ‏المسيحية‏ ‏في‏ ‏مصر‏. ‏وقد‏ ‏تميز‏ ‏هؤلاء‏ ‏المسيحيون‏ ‏الأوائل‏ ‏بصفات‏ ‏الوداعة‏ ‏والطهارة‏ ‏والتقوي‏ ‏والأمانة‏ ‏وغيرها‏ ‏من‏ ‏الصفات‏ ‏المسيحية‏، ‏بصورة‏ ‏أفرزتهم‏ ‏عن‏ ‏سائر‏ ‏الوثنيين‏ ‏حتي‏ ‏قيل‏ ‏إنه‏ ‏إذا‏ ‏رأي‏ ‏أحد‏ ‏الوثنيين‏ ‏وثنيا‏ ‏آخر‏ ‏تبدو‏ ‏في‏ ‏سلوكه‏ ‏وداعة‏ ‏كان‏ ‏يبتدره‏ ‏الآخر‏ ‏بالسؤال‏: ‏هل‏ ‏قابلت‏ ‏اليوم‏ ‏مسيحيا؟ فتأمل‏ ‏كيف‏ ‏كانت‏ ‏مقابلة‏ ‏المسيحي‏ ‏للوثني‏ ‏ذات‏ ‏أثر‏ ‏واضح‏ ‏علي‏ ‏سلوك‏ ‏الوثني‏. ‏فكم‏ ‏كانت‏ ‏إذن‏ ‏وداعة‏ ‏المسيحيين‏ ‏الأوائل‏ ‏وطهارتهم‏ ‏وسمو‏ ‏أخلاقهم‏ ‏ولقد‏ ‏كانوا‏ ‏حقا‏ ‏أفضل‏ ‏دعوة‏ ‏صامتة‏ ‏عن‏ ‏ديانتهم‏، ‏وأخذ‏ ‏الوثنيون‏ ‏يعتنقون‏ ‏المسيحية‏ ‏رويدا‏ ‏رويدا‏، ‏فنمت‏ ‏الكنيسة‏ ‏وازدهرت‏ ‏وازداد‏ ‏عدد‏ ‏أتباعها‏

ينشيء‏ ‏مدرسة‏ ‏دينية‏ ‏بالإسكندرية‏:‏

ورأي‏ ‏مارمرقس‏ ‏الرسول‏ ‏أن‏ ‏مدينة‏ ‏الإسكندرية‏ ‏بلد‏ ‏عالمي‏ ‏كبير‏، ‏وأنه‏ ‏يسكنها‏ ‏خلق‏ ‏كثير‏، ‏وبينهم‏ ‏عدد‏ ‏ضخم‏ ‏من‏ ‏الفلاسفة‏ ‏والمفكرين‏ ‏والعلماء‏ ‏الذين‏ ‏يناقشون‏ ‏النظريات‏ ‏والآراء‏، ‏وكانت‏ ‏بالإسكندرية‏ ‏مدرسة‏ ‏وثنية‏ ‏كبيرة‏، ‏فأنشأ‏ ‏القديس‏ ‏مدرسة‏ ‏دينية‏ ‏مسيحية‏ ‏وأقام‏ ‏عليها‏ ‏العلامة‏ ‏المسيحي‏ ‏يسطس "أي‏ ‏عادل" مديرا‏ ‏لها‏. ‏ولم‏ ‏تلبث‏ ‏هذه‏ ‏المدرسة‏ ‏أن‏ ‏تطورت‏ ‏ونمت‏ ‏حتي‏ ‏أصبحت‏ ‏في‏ ‏القرن‏ ‏الثاني‏ ‏للميلاد‏ ‏مدرسة‏ ‏لاهوتية‏ ‏إكليريكية‏ ‏وجامعة‏ ‏كبري‏ ‏للعلوم‏ ‏الدينية‏ ‏والكنسية‏، ‏كان‏ ‏يقصد‏ ‏إليها‏ ‏طلاب‏ ‏العلم‏ ‏والدين‏ ‏لا‏ ‏من‏ ‏مصر‏ ‏وحدها‏ ‏بل‏ ‏ومن‏ ‏جميع‏ ‏بلاد‏ ‏الشرق‏ ‏وسائر‏ ‏بلاد‏ ‏العالم‏ ‏المسيحي‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏المسكونة‏ ‏وقد‏ ‏استطاعت‏ ‏هذه‏ ‏المدرسة‏ ‏أن‏ ‏تجهز‏ ‏علي‏ ‏المدرسة‏ ‏الوثنية‏ ‏التي‏ ‏انضم‏ ‏أكثر‏ ‏أساتذتها‏ ‏إلي‏ ‏الديانة‏ ‏المسيحية‏ ‏وأصبحوا‏ ‏من‏ ‏أكثر‏ ‏المتحمسين‏ ‏لها‏

استشهاد‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏:‏

وأما‏ ‏مارمرقس‏ ‏فبعد‏ ‏أن‏ ‏بشر‏ ‏بالمسيحية‏ ‏في‏ ‏الإسكندرية‏ ‏وفي‏ ‏مصر‏ ‏وفي‏ ‏بعض‏ ‏بلاد‏ ‏الصعيد‏، وكسب‏ ‏لدين‏ ‏المسيح‏ ‏عددا‏ ‏كبيرا‏ ‏من‏ ‏الوثنيين‏، ‏غادر‏ ‏البلاد‏ ‏المصرية‏ ‏إلي‏ ‏بلاد‏ ‏الخمس‏ ‏المدن‏ ‏الغربية‏، ‏وثبت‏ ‏المؤمنين‏ ‏علي‏ ‏الإيمان‏، ‏وضم‏ ‏عددا‏ ‏آخر‏ ‏إلي‏ ‏الكنيسة‏، ‏ثم‏ ‏رسم‏ ‏لها‏ ‏أساقفة‏ ‏وقسيسين‏ ‏وشمامسة‏ ‏وعاد‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏إلي‏ ‏الإسكندرية‏

فلما‏ ‏رأي‏ ‏رجال‏ ‏الدين‏ ‏من‏ ‏الوثنيين‏ ‏نمو‏ ‏المسيحية‏ ‏وتقدمها‏ ‏حنقوا‏ ‏علي‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏وشكوه‏ ‏إلي‏ ‏الحكومة‏، ‏وصمموا‏ ‏علي‏ ‏قتله‏. ‏وفي‏ ‏يوم‏ ‏الأحد‏ ‏الموافق‏ 29 ‏من‏ ‏برمودة‏، "‏ويقابل‏ 26 ‏من‏ ‏أبريل/نيسان‏ ‏لسنة‏ 68 ‏لميلاد‏ ‏المسيح" كان‏ ‏مارمرقس‏ ‏الرسول‏ ‏ومعه‏ ‏الإكليروس‏ ‏وجميع‏ ‏المسيحيين‏ ‏يحتفلون‏ ‏بعيد‏ ‏القيامة‏ ‏المجيد‏ ‏في‏ ‏الكنيسة‏ ‏المرقسية‏ ‏بالإسكندرية‏، ‏وكان‏ ‏في‏ ‏نفس‏ ‏اليوم‏ ‏عيد‏ "‏سيرابيس‏" ‏عند‏ ‏الوثنيين‏. ‏فقام‏ ‏الوثنيون‏ ‏في‏ ‏هياج‏ ‏شعبي‏ ‏كبير‏، ‏طالبين‏ ‏الانتقام‏ ‏من‏ ‏مارمرقس‏ ‏الرسول‏ ‏وهجموا‏ ‏علي‏ ‏الكنيسة‏ ‏حيث‏ ‏كان‏ ‏القديس‏ ‏واقفا‏ ‏أمام‏ ‏مذبح‏ ‏الكنيسة‏ ‏يصلي‏ ‏ويقدس‏، ‏فأخذوه‏ ‏في‏ ‏عنف‏ ‏شديد‏ ‏من‏ ‏وسط‏ ‏المسيحيين‏ ‏وربطوا‏ ‏عنقه‏ ‏بحبل‏ ‏سميك‏، ‏وشرعوا‏ ‏يجرونه‏ ‏في‏ ‏قسوة‏ ‏بالغة‏ ‏وهم‏ ‏يصيحون‏ ‏"جروا‏ ‏التيتل‏ ‏من‏ ‏دار‏ ‏البقر" وخرجوا‏ ‏به‏ ‏إلي‏ ‏شوارع‏ ‏المدينة‏ ‏وطرقاتها‏، ‏فارتطم‏ ‏جسمه‏ ‏بالأحجار‏ ‏والطوب‏، ‏وتمزقت‏ ‏أوصاله‏، ‏وسال‏ ‏دمه‏، ‏وتسلخ‏ ‏جلده‏، ‏وهم‏ ‏لايشفقون‏ ‏عليه‏، ‏وكاد‏ ‏أن‏ ‏يموت‏ ‏بين‏ ‏أيديهم‏، ‏وأقبل‏ ‏المساء‏، ‏فأودعوه‏ ‏سجنا‏ ‏وطرحوه‏ ‏فيه‏. ‏وفي‏ ‏الليل‏ ‏ظهر‏ ‏له‏ ‏ملاك‏ ‏من‏ ‏السماء‏ ‏بنور‏ ‏عظيم‏، ‏وقواه‏ ‏وعزاه‏ ‏وطوبه‏ ‏وقال‏ ‏له‏: "‏يامرقس‏، ‏ياعبد‏ ‏الله‏، ‏لقد‏ ‏كتب‏ ‏اسمك‏ ‏في‏ ‏سفر‏ ‏الحياة"‏. ‏وبعد‏ ‏قليل‏، ‏تجلي‏ ‏له‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏ ‏له‏ ‏المجد‏ ‏بشخصه‏ ‏المبارك‏، ‏وأعطاه‏ ‏السلام‏ ‏وقال‏ ‏له‏: "‏السلام‏ ‏لك‏ ‏يامرقس" فتشجع‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏، ‏وتقوي‏ ‏بالرؤيا‏، ‏وصار‏ ‏قلبه‏ ‏أقوي‏ ‏من‏ ‏قلب‏ ‏الأسد‏، ‏لأن‏ ‏الإيمان‏ ‏يملأ‏ ‏القلب‏ ‏بالشجاعة‏ ‏والجرأة‏ ‏والتضحية‏. ‏وفي‏ ‏الصباح‏ ‏أقبل‏ ‏عليه‏ ‏الوثنيون‏ ‏وصنعوا‏ ‏به‏ ‏كل‏ ‏شر‏، ‏جروه‏ ‏كما‏ ‏فعلوا‏ ‏بالأمس‏، ‏وأهانوه‏ ‏كثيرا‏ ‏إلي‏ ‏أن‏ ‏فارقت‏ ‏روحه‏ ‏جسدها‏، ‏وعندئذ‏ ‏لم‏ ‏يندموا‏ ‏علي‏ ‏أعمالهم‏ ‏أو‏ ‏يشفقوا‏ ‏عليه‏، بل‏ ‏زادوا‏ ‏وأصروا‏ ‏علي‏ ‏حرق‏ ‏جثته‏ ‏بالنار‏، ‏حتي‏ ‏لايبقوا‏ ‏له‏ ‏أثرا‏ ‏علي‏ ‏الأرض‏، ‏وفعلا‏ ‏جمعوا‏ ‏عليه‏ ‏حطبا‏ ‏كثيرا‏ ‏وأشعلوا‏ ‏فيه‏ ‏النار‏، ‏ولكن‏ ‏الرب‏ ‏شاء‏ ‏أن‏ ‏يحفظ‏ ‏جسد‏ ‏قديسه‏ ‏ذخيرة‏ ‏وبركة‏. ‏ففي‏ ‏الحال‏ ‏أرعدت‏ ‏السماء‏ ‏وأبرقت‏ ‏وسقط‏ ‏مطر‏ ‏غزير‏، ‏فأطفأ‏ ‏النيران‏، وتشتت‏ ‏الجماهير‏ ‏الهائجة‏ ‏بسبب‏ ‏الرعود‏ ‏والبروق‏، فانتهز‏ ‏المؤمنون‏ ‏الفرصة‏ ‏وأخذوا‏ ‏جسد‏ ‏أبيهم‏ ‏القديس‏، وكفنوه‏، ‏ودفنوه‏ ‏بإكرام‏ ‏جزيل‏ ‏في‏ ‏الكنيسة‏ ‏وقد‏ ‏تم‏ ‏ذلك‏ ‏في‏ ‏يوم‏ ‏الاثنين‏ 30 ‏من‏ ‏برمودة‏ ‏لسنة‏ 68‏م‏، ‏ويوافق‏ ‏الآن‏ 8 ‏من‏ ‏مايو‏/آيار‏، ‏وهو‏ ‏عيد‏ ‏استشهاده‏ ‏الذي‏ ‏تحتفل‏ ‏به‏ ‏الكنيسة‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏عام‏

وإذا‏ ‏كان‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏قد‏ ‏جاء‏ ‏إلي‏ ‏بلادنا‏ ‏في‏ ‏سنة‏ 61‏م‏ ‏واستشهد‏ ‏في‏ ‏عام‏ 68‏م‏ ‏فتكون‏ ‏مدة‏ ‏إقامته‏ ‏وخدمته‏ ‏في‏ ‏بلادنا‏ ‏سبع‏ ‏سنوات‏، ‏وكان‏ ‏ذلك‏ ‏في‏ ‏حكم‏ ‏الإمبراطور‏ ‏الروماني‏ ‏نيرون‏ ‏قيصر‏

جسد‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏يؤخذ‏ ‏إلي‏ ‏فينسيا‏ ‏ورأسه‏ ‏تبقي‏ ‏بالإسكندرية‏:‏

أما‏ ‏جسد‏ ‏القديس‏ ‏فظل‏ ‏مدفونا‏ ‏في‏ ‏الكنيسة‏ ‏إلي‏ ‏القرن‏ ‏التاسع‏ ‏للميلاد‏، ‏عندما‏ ‏انتهز‏ ‏بعض‏ ‏التجار‏ ‏من‏ ‏البندقية "فينيسيا" فرصة‏ ‏بعض‏ ‏الاضطرابات‏ ‏والاضطهادات‏ ‏في‏ ‏مدينة‏ ‏الإسكندرية‏، ‏وأقنعوا‏ ‏الحراس‏، فأخذوا‏ ‏جسد‏ ‏القديس‏ ‏وأبحروا‏ ‏به‏ ‏إلي‏ ‏مدينة‏ ‏البندقية "فينيسيا" بإيطاليا‏، ‏فاحتفل‏ ‏به‏ ‏أهلها‏ ‏احتفالا‏ ‏كبيرا‏، وأقاموا‏ ‏له‏ ‏كنيسة‏ ‏عظيمة‏ ‏باسمه‏ ‏أودعوا‏ ‏فيها‏ ‏جسده‏ ‏المقدس‏، ‏وتم‏ ‏عودة‏ ‏الجسد‏ ‏المقدس‏ ‏في‏ ‏اليوم‏ ‏السابع‏ ‏عشر‏ ‏من‏ ‏شهر‏ ‏بؤونة‏ ‏القبطي‏ ‏لسنة‏ 1684 ‏للشهداء‏ ‏الموافق‏ 24 ‏من‏ ‏يونية/حزيران‏ ‏لسنة‏ 1968‏م‏ ‏في‏ ‏السنة‏ ‏العاشرة‏ ‏لحبرية‏ ‏البابا‏ ‏كيرلس‏ ‏السادس‏ ‏وهو‏ ‏البابا‏ ‏المائة‏ ‏والسادس‏ ‏عشر‏ ‏من‏ ‏سلسلة‏ ‏باباوات‏ ‏الكرسي‏ ‏الإسكندري‏

وأما‏ ‏رأس‏ ‏القديس‏ ‏مرقس‏ ‏فلم‏ ‏يشأ‏ ‏الله‏ ‏أن‏ ‏تخرج‏ ‏من‏ ‏كنيسته‏ ‏بالإسكندرية‏، ‏فقد‏ ‏حاول‏ ‏مرة‏ ‏أحد‏ ‏التجار‏ ‏أن‏ ‏يهرب‏ ‏بالرأس‏، فأخذها‏ ‏فعلا‏ ‏وأخفاها‏ ‏في‏ ‏سفينته‏ ‏فلم‏ ‏تستطع‏ ‏السفينة‏ ‏أن‏ ‏تتحرك‏. ‏من‏ ‏موضعها‏، ‏فشعر‏ ‏إنها‏ ‏إرادة‏ ‏الله‏، ‏وعلم‏ ‏بالأمر‏ ‏البابا‏ ‏بنيامين‏ ‏الأول‏ "‏وهو‏ ‏البطريرك‏ ‏الثامن‏ ‏والثلاثون‏ ‏من‏ ‏باباوات‏ ‏الكرسي‏ ‏المرقسي"‏ ‏فحضر‏ ‏وأخذ‏ ‏الرأس‏ ‏المقدسة‏ ‏باحتفال‏ ‏روحي‏ ‏كبير‏، ‏وأودعها‏ ‏صندوقا‏ ‏من‏ ‏الأبنوس‏، ‏ومازالت‏ ‏الرأس‏ ‏محفوظة‏ ‏في‏ ‏الكنيسة‏ ‏المرقسية‏ ‏بالإسكندرية‏. ‏وصار‏ ‏في‏ ‏تقليد‏ ‏كل‏ ‏بابا‏ ‏جديد‏ ‏أن‏ ‏يلف‏ ‏الرأس‏ ‏بكسوة‏ ‏جديدة‏، ‏ويحمل‏ ‏الرأس‏ ‏بين‏ ‏يديه‏، ‏علامة‏ ‏خلافته‏ ‏لمارمرقس‏ ‏الرسول‏ ‏وحمله‏ ‏مسئولية‏ ‏الرئاسة‏، ‏وحماية‏ ‏الإيمان‏ ‏الرسولي‏، ‏ورعاية‏ ‏الكنيسة‏ ‏المقدسة


مقال للمتنيح‏ ‏الأنبا‏ ‏غريغوريوس – أسقف عام الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي – في جريدة وطنى - ﺇصدار أول: السنة 51 العدد 2472 - ﺇصدار ثان: السنة 9 العدد 438 – يوم الأحد الموافق 10 مايو (أيار) 2009 ميلادية، 2 بشنس 1725 شهداء (قبطية(، 15جمادى الأولى 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة الثانية (2)، مقالات دينية
http://www.watani.com.eg

‏‏


Share/Save/Bookmark

Thursday, May 14, 2009

آداب الحديث والمناقشة

آداب الحديث والمناقشة
بقلم: البابا شنودة الثالث

هناك اداب كثيرة للحديث والمناقشة سنذكر في هذا المقال بعضا منها‏:‏ اذا جلست تتحدث مع مجموعة من الناس فلا تأخذ الجلسة كلها لحسابك الخاص‏،‏ لا تحاول ان تكون المتكلم الوحيد‏،‏ او المسيطر علي دفة النقاش‏..‏ اعط فرصة لغيرك لكي يتحدث هو ايضا ويعبر عن رأيه ولا تشعر احدا انه غريب في مجلسك‏،‏ بل شجعه وقل له في مودة‏: (‏ يسرنا ان نسمع رأيك‏).‏ حبذا لو كنت في الحوار آخر المتكلمين وليكن لتأخرك في الحديث هدفان‏:‏ هما الادب والحكمة‏

اما الحكمة فهي لكي تكون لك فرصة في ان تدرس موضوع الحديث جيدا قبل ان تتكلم فيه مع الحاضرين‏،‏ وان تستعرض في ذهنك كل وجهات النظر وبراهينها واسانيدها حتي اذا ما تحدثت يكون ذلك عن دراية ومعرفة وتكون قد أعطيت غيرك فرصة للتعبير واعطيت نفسك فرصة للاستيعاب والتفكير‏.‏ اما الادب فهو ان تفضل غيرك علي نفسك‏..‏ تقدمه عليك في الحديث احتراما لرأيه او لسنه‏،‏ او لرتبته في ابداء الرأي‏،‏ او لخبرته‏

وفي هذا الادب لا تحاول ان تجيب بنفسك عن كل سؤال وبخاصة الموجه الي غيرك وانتظر الي ان يتكلم الآخرون وان كان هناك ما يحتاج الي اضافة‏،‏ اذكره في اتضاع مع احترامك لكل ما قيل من قبل‏

في حديثك راع الدقة والدماثة بهذا تكسب محبة السامعين واحترامهم اذا تستأسرهم برقة اسلوبك وهذه الرقة في الحديث تتماشي مع فضيلة الوداعة والانسان الوديع يتناقش بطريقة طيبة‏،‏ ولا تصدر منه كلمة قاسية او جارحة‏،‏ وفي هذه الرقة اوالوداعة لاتحتد علي احد ولا تتفاخر برأي حسن قد أبديته‏

وان سئلت عن موضوع لم تدرسه‏،‏ فلا تدع معرفتك بكل شئ ويمكن ان تقول‏: (‏آسف انني لم ادرس هذا الموضوع جيدا‏)‏ وعلي رأي المثل‏: (‏من قال لا اعرف فقد افتي‏)‏ ولا تظن ان قولك هذا يقلل من كرامتك‏،‏ بل علي العكس يزيد الناس ثقة بما تقوله‏

وطبعا يقتفي الاتضاع الادب انك لا تقاطع غيرك اثناء حديثه لا تسكته لكي تتكلم انت‏،‏ فإن هذا يدل علي عدم احترامك لمحدثك‏،‏ ويحدث احيانا اذا ما قاطعت غيرك في الحديث‏،‏ انه لا يقبل ذلك منك ويقاطعك هو الآخر‏،‏ ولا يكون مستعدا لسماعك‏،‏ وتتبادلان المقاطعة انتما معا بدون فائدة وتختلط كلماتكما بطريقة مشوشة‏،‏ واسلوب معثر للآخرين ويبدو للسامعين انكما لستما في حوار وإنما في شجار‏

وان كنت في حوار وأخطأ من تحاوره‏،‏ فلا تكشفه بطريقة تحرجه او تخجله‏،‏ ولا تتهكم عليه ولا تتعرض لأخطائه في قسوة‏،‏ اظهر الرأي السليم في ايجابية ووقار دون ان تحطم غيرك‏،‏ خذ الخير الذي في كلام محدثك واترك الباقي وامتدح للنقاط البيضاء السليمة التي في حديث من أخطأ قبل ان تتعرض للرد علي اخطائه وليكن كلامك كله في موضوعية وايجابية‏

ان كنت تعرف ما سيقوله محدثك‏،‏ سواء كان ذلك في قصة او فكاهة او في اقتباس ما فلا تخجله وتسكته بل استمع الي كلامه في هدوء‏،‏ كما لو كنت تسمعه لأول مرة‏،‏ واظهر اعجابك بما يستحق الاعجاب فيما تسمعه ولا تسبقه بالكلام او تكمل له ما يريد ان يقوله فيضطر ان يقطع حديثه ويصمت في خجل‏

لا يكن هدفك من النقاش ان تغلب الناس وتهزمهم بل الافيد ان تريحهم وان تقنعهم لا ان تضرهم بكسب المناقشة‏،‏ ان بعض الناس يظنون ان الانتصار يكون في تحطيم مناقشيهم او في اضحاك الناس عليهم‏،‏ لكن الانسان الناجح هو الذي يريح من يناقشه وبهذا يربح المناقشة‏

إن القديس ديديموس الضرير استطاع ان يهدي الي الايمان كثيرا من الفلاسفة الوثنيين‏،‏ وذلك باسلوبه المهذب في الحوار معهم‏

كن دقيقا في كلامك وفي اختيار الالفاظ وهناك كلمات كثيرة يمكنك ان تستبدل بها غيرها ويكون ذلك افضل واصوب واكثر دقة وايضا يكون اخف وقعا علي آذان الناس وعلي قلوبهم‏،‏ ويؤدي نفس المعني دون ان تخطئ‏

فكن حكيما في اختيار الالفاظ وقل كل كلمة بميزان دقيق ولا تبالغ‏،‏ فالمبالغة تتنافي مع الحق وتكون مكشوفة وغير مقبولة‏.‏ ليكن كلامك بقدر‏،‏ وحافظ علي وقت محدثك فلا يصح أن تطيل الكلام في موضوع لا يستحق الاطالة فيه او في موضوع لا يهم محدثك في قليل أو كثير‏،‏ ولا تطل الحديث مع انسان يكون مشغولا‏،‏ والوقت غير مناسب‏،‏ أو هو يريد ان ينهي الحديث‏،‏ سواء كان صريحا في ذلك او يمنعه خجله‏،‏ لذلك من الخير أن تبادر أنت بإنهاء الحديث في لباقة‏،‏ ولا تنتظر ان يمل هو‏،‏ أو يقلق بسبب مشغولياته الأخري‏.‏ لا تكن كثير الشروخات او طويل المقدمات‏،‏ خاصة ان كنت تتحدث مع انسان ذكي يفهم بسرعة‏،‏ او مع انسان قد ادرك تماما ما تريد ان تقوله‏،‏ وليس في حاجة الي توضيح اكثر‏،‏ والا تصبح شروحاتك واطالتك ضغطا علي اعصابه‏.‏ في حديثك مع الناس‏،‏ لا تضغط عليهم في معرفة اسرارهم‏،‏ او اسرار غيرهم‏،‏ ولا تكن لحوحا في ذلك‏،‏ واحترس جدا من الاسئلة التي تمس حياة الناس الخاصة‏،‏ ولا تحاول ان تعرف ما ليس من حقك ان تعرفه‏،‏ ولا ما يحرص غيرك علي كتمانه‏،‏ سواء كان ذلك فيما يتعلق به‏،‏ او بأقاربه او بأصدقائه أو بمعارفه‏

ينبغي ان تحترم خصوصيات الناس‏،‏ ولا تصر علي كشف ما يريد غيرك ان يستره او يغطيه‏،‏ فليس هذا نافعا لك ولا لهم‏،‏ وان وجدته غير مستعد لما تريده منه‏،‏ فلا تصر علي طلبك‏،‏ متجاهلا اعصابه ونفسيته‏،‏ ان كان عازفا عن الاجابة‏،‏ فلابد ان هناك سببا يدعوه الي ذلك فلا تضغط عليه‏

في المناقشة ان وجدت الحق في الجانب الآخر فلا تغالط فإن المغالطة تفقدك احترام الناس ومن الخير لك ان تقول لمناقشك انت علي حق في هذه النقطة‏،‏ وبهذا تكسب تقديره لك‏،‏ اما اذا كنت صاحب الرأي الصواب وتنازل محدثك عن رأيه‏،‏ تتركه ينسحب دون اذلال‏،‏ ولا تحاول ان تريق ماء وجهه في انسحابه‏.‏ وهناك امور من الافضل ان تناقش فيها غيرك علي انفراد وربما يعترف بخطئه امامك ولا يستطيع ذلك امام الناس‏


مقال قداسة الانبا شنوده الثالث – بابا الاسكندرية 117 وبطريرك الكرازة المرقسية – في جريدة الأهرام – السنة 133 – العدد 44708 – يوم الأحد الموافق 3 مايو (أيار) 2009 ميلادية، 25 برموده 1725 شهداء (قبطية)، 8 جمادى الأولى 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة العاشرة (10)، قضايا وآراء
http://www.ahram.org.eg


Share/Save/Bookmark

Tuesday, May 12, 2009

ذكري‏ ‏رسامة‏ ‏الأنبا غريغوريوس

ذكري‏ ‏رسامة‏ ‏الأنبا غريغوريوس
الإكليريكي‏ ‏منير‏ ‏عطية

كان‏ ‏يوم ‏10‏مايو‏ 1967 ‏يوما‏ ‏مباركا‏ ‏حيث‏ ‏تمت‏ ‏فيه‏ ‏رسامة‏ ‏صاحب‏ ‏النيافة‏ ‏الأنبا‏ ‏غريغوريوس‏ ‏أسقفا‏ ‏علي‏ ‏أسقفية‏ ‏الدراسات‏ ‏العليا‏ والثقافة‏ ‏القبطية‏ ‏والبحث‏ ‏العلمي‏، ‏وهي‏ ‏إحدي‏ ‏الأسقفيات‏ ‏العامة‏ ‏الثلاث‏ ‏التي‏ ‏أسسها‏ ‏صاحب‏ ‏الغبطة‏ ‏والقداسة‏ ‏البابا‏ ‏كيرلس‏ ‏السادس‏

نذكر‏ ‏ذلك‏ ‏في‏ ‏عشية‏ ‏عيد‏ ‏القديس‏ ‏مارمرقس‏ ‏الرسول‏ ‏بالكاتدرائية‏ ‏القديمة‏ ‏بكلوت‏ ‏بك‏ ‏إذ‏ ‏يقول‏ ‏الأنبا‏ ‏غريغوريوس‏ ‏في‏ ‏مذكراته‏... ‏حاولت‏ ‏أتملص‏ ‏من‏ ‏قبضة‏ ‏يده‏، ‏فقد‏ ‏كانت‏ ‏قبضته‏ ‏علي‏ ‏يدي‏ ‏قوية‏ ‏جدا‏ ‏أكثر‏ ‏مما‏ ‏كنت‏ ‏أتصور‏ ‏بالنسبة‏ ‏لرجل‏ ‏مسن‏، ‏حاولت‏ ‏أن‏ ‏أتراجع‏ ‏بل‏ ‏ربما‏ ‏خطر‏ ‏ببالي‏ ‏أن‏ ‏أخرج‏ ‏من‏ ‏الكنيسة‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏اليوم‏، ‏ولكنه‏ ‏كان‏ ‏بيده‏ ‏اليمني‏ ‏أسرع‏ ‏إلي‏، ‏وضع‏ ‏هذه‏ ‏اليد‏ ‏علي‏ ‏رأسي‏ ‏بينما‏ ‏يده‏ ‏اليسري‏ ‏تمسك‏ ‏بيدي‏، ‏وهكذا‏ ‏نطق‏، ‏ونطق‏ ‏بالاسم‏ ‏أيضا‏ ‏وحينما‏ ‏ناقشته ‏- ‏يقصد‏ ‏البابا‏ ‏كيرلس‏ ‏السادس ‏- ‏يعدها‏ ‏علي‏ ‏هذا‏ ‏الأسلوب‏ ‏في‏ ‏اعتقالي‏ ‏بهذه‏ ‏الصورة‏، ‏وكيف‏ ‏كانت‏ ‏يده‏ ‏قوية‏ ‏جدا‏ ‏فوق‏ ‏قدرتي‏ ‏علي‏ ‏مقاومته‏، ‏قال‏ ‏شيئا‏ ‏غريبا‏ ‏إن‏ "‏اليد‏ ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏يدي" ولعل‏ ‏هذه‏ ‏العبارة‏ ‏من‏ ‏رجل‏ ‏كان‏ ‏مكشوف‏ ‏العينين‏ ‏أقعتني‏ ‏وعزتني‏ ‏وألزمتني‏ ‏بأن‏ ‏أقبل‏ ‏بشكر‏ ‏عطية‏ ‏الله‏ ‏التي‏ ‏لا‏ ‏يعبر‏ ‏عنها‏

عاش‏ ‏الأنبا‏ ‏غريغوريوس‏ ‏حياته‏ ‏كلها‏ ‏إلي‏ ‏أن‏ ‏تنيح‏ ‏عاكفا‏ ‏في‏ ‏محراب‏ ‏التعليم‏، ‏علي‏ ‏القراءة‏ ‏والتحصيل‏، كما‏ ‏عاش‏ ‏راهبا‏ ‏ناسكا‏ ‏عابدا‏، ‏مقدما‏ ‏صلواته‏ ‏وأصوامه‏ ‏بخورا‏ ‏طاهرا‏ ‏أمام‏ ‏الله‏، ‏بني‏ ‏نفسه‏ ‏فكريا‏ ‏وروحيا‏ ‏"مدماكا‏ ‏مدماكا" حسب‏ ‏تعبيراته‏، ‏حتي‏ ‏صار‏ ‏صرحا‏ ‏عاليا‏ ‏لا‏ ‏يباري‏ ‏ولا‏ ‏يضارع‏، ‏إلي‏ ‏أن‏ ‏انتقل‏ ‏إلي‏ ‏العالم‏ ‏الآخر‏ ‏منتظرا‏ ‏مع‏ ‏القديسين‏ ‏مجئ‏ ‏يوم‏ ‏الرب‏ ‏العظيم‏، ‏ليرث‏ ‏النصيب‏ ‏الصالح‏ ‏ويكلل‏ ‏بإكليل‏ ‏المجد‏ ‏الذي‏ ‏لا‏ ‏يزوي‏ ‏نظير‏ ‏جهده‏ ‏وتعبه‏ ‏وكفاحه‏ ‏صلواته‏ ‏وشفاعته‏ ‏فلتكن‏ ‏معنا‏...‏ آمين‏


الإكليريكي‏ ‏منير‏ ‏عطية – في جريدة وطنى - ﺇصدار أول: السنة 51 العدد 2472 - ﺇصدار ثان: السنة 9 العدد 438 – يوم الأحد الموافق 10 مايو (أيار) 2009 ميلادية، 2 بشنس 1725 شهداء (قبطية(، 15 جمادى الأولى 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة السابعة (7)، أخبار الأحد
http://www.watani.com.eg
http://www.anba-gregorios.com


Share/Save/Bookmark

Saturday, May 9, 2009

مارجرجس‏ ‏المنتصب‏ ‏القامة‏ ‏الذي‏ ‏لا‏ ‏يركع‏ ‏للخطيئة

مارجرجس‏ ‏المنتصب‏ ‏القامة‏ ‏الذي‏ ‏لا‏ ‏يركع‏ ‏للخطيئة
للمتنيح‏ ‏الأنبا‏ ‏غريغوريوس - أسقف عام الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي

في‏ ‏الثالث‏ ‏والعشرين‏ ‏من‏ ‏شهر‏ ‏برمودة‏ ‏تعيد‏ ‏الكنيسة‏ ‏باستشهاد‏ ‏أمير‏ ‏الشهداء‏ ‏مارجرجس‏، ‏عندما‏ ‏نذكر‏ ‏مارجرجس‏ ‏نذكر‏ ‏هذا‏ ‏التعارض‏ ‏والتناقض‏ ‏بين‏ ‏روح‏ ‏الله‏ ‏وبين‏ ‏روح‏ ‏العالم‏، ‏بين‏ ‏من‏ ‏قام‏ ‏مع‏ ‏المسيح‏ ‏من‏ ‏بين‏ ‏الأموات‏، ‏وصارت‏ ‏له‏ ‏روح‏ ‏القيامة‏ ‏والرفعة‏ ‏والقامة‏ ‏المنتصبة‏ ‏التي‏ ‏لا‏ ‏تتنزل‏ ‏إلي‏ ‏الخطيئة‏ ‏وإلي‏ ‏رغبات‏ ‏الدنيا‏، ‏وإنما‏ ‏تتعارض‏ ‏معها‏ ‏وتعلو‏ ‏عليها‏، ‏وفي‏ ‏هذا‏ ‏تقوم‏ ‏حرب‏ ‏بين‏ ‏العالم‏ ‏والشيطان‏ ‏من‏ ‏جهة‏، ‏وبين‏ ‏الكنيسة‏ ‏ورجالها‏ ‏وأبنائها‏ ‏المقامين‏ ‏مع‏ ‏المسيح‏ ‏من‏ ‏جهة‏ ‏أخري‏، ‏وسيظل‏ ‏هذا‏ ‏التعارض‏ ‏دائما‏ ‏قائما‏، ‏لا‏ ‏مصالحة‏ ‏ولا‏ ‏مهادنة‏، ‏ولو‏ ‏اصطلحت‏ ‏الكنيسة‏ ‏مع‏ ‏العالم‏ ‏لفقدت‏ ‏الكنيسة‏ ‏مقوماتها‏، ‏ولابتلع‏ ‏العالم‏ ‏الكنيسة‏، ‏إنما‏ ‏الكنيسة‏ ‏غريبة‏ ‏لأن‏ ‏المسيح‏ ‏جاء‏ ‏من‏ ‏السماء‏ ‏وأسسها‏، ‏فأصبحت‏ ‏ملكا‏ ‏له‏ ‏في‏ ‏مملكة‏ ‏الشيطان‏ ‏فهنا‏ ‏تعارض‏، ‏فلا‏ ‏يمكن‏ ‏يوم‏ ‏من‏ ‏الأيام‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏هناك‏ ‏تصالح‏ ‏بين‏ ‏روح‏ ‏العالم‏ ‏وبين‏ ‏روح‏ ‏المسيح‏، ‏بين‏ ‏الكنيسة‏ ‏من‏ ‏جهة‏ ‏وبين‏ ‏العالم‏ ‏من‏ ‏جهة‏ ‏أخري‏، ‏فلابد‏ ‏أن‏ ‏تقوم‏ ‏هناك‏ ‏حرب‏ ‏سجال‏ ‏بين‏ ‏الكنيسة‏ ‏وبين‏ ‏العالم‏.‏

هذا‏ ‏الشاب‏ ‏الصغير‏ ‏مارجرجس‏ ‏في‏ ‏نحو‏ ‏العشرين‏ ‏من‏ ‏عمره‏، ‏كان‏ ‏ذلك‏ ‏الإنسان‏ ‏المنتصب‏ ‏القامة‏، ‏الرفيع‏، ‏العالي‏، ‏الذي‏ ‏لا‏ ‏يركع‏ ‏للخطيئة‏ ‏ولا‏ ‏العالم‏ ‏ولا‏ ‏لشهوة‏ ‏ما‏، ‏لأنهم‏ ‏أغروه‏ ‏بالمنصب‏ ‏العالي‏ ‏وقدموا‏ ‏له‏ ‏كل‏ ‏وسائل‏ ‏الإغراء‏، ‏الجاه‏، ‏المنصب‏، الوعد‏ ‏بأن‏ ‏يتزوج‏ ‏ابنة‏ ‏الملك‏، ‏وغيرها‏ ‏من‏ ‏الإغراءات‏ ‏أن‏ ‏يقام‏ ‏قائد‏ ‏أعلي‏.. ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏الإغراءات‏ ‏داسها‏ ‏هذا‏ ‏الشاب‏ ‏المقام‏ ‏مع‏ ‏المسيح‏ ‏من‏ ‏بين‏ ‏الأموات‏، ‏داسها‏ ‏بقدميه‏ ‏وارتفعت‏ ‏رأسه‏ ‏عالية‏، ‏وكان‏ ‏لابد‏ ‏له‏ ‏جزاء‏ ‏كبريائه‏ ‏علي‏ ‏شهوات‏ ‏الدنيا‏، ‏وترفعه‏ ‏علي‏ ‏هذه‏ ‏الرغبات‏ ‏والإغراءات‏ ‏من‏ ‏تأديبه‏، ‏ولابد‏ ‏أن‏ ‏يعاقب‏ ‏عقابا‏ ‏عسيرا‏، ولابد‏ ‏أن‏ ‏ينتقم‏ ‏منه‏ ‏انتقاما‏ ‏شديدا‏، ‏ولذلك‏ ‏لم‏ ‏يكف‏ ‏أن‏ ‏يكلف‏ ‏الملك‏ ‏واليا‏ ‏صغيرا‏ ‏أو‏ ‏إنسانا‏ ‏صغيرا‏ ‏من‏ ‏الضباط‏ ‏العاديين‏ ‏من‏ ‏الناس‏ ‏من‏ ‏الموظفين‏، ‏لإذلاله‏ ‏وتعذيبه‏ ‏وإخضاعه‏ ‏علي‏ ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏صغر‏ ‏سنه‏، ‏لكنهم‏ ‏أدركوا‏ ‏بعد‏ ‏قليل‏ ‏من‏ ‏الزمن‏ ‏أنه‏ ‏نوع‏ ‏آخر‏ ‏ليس‏ ‏من‏ ‏السهل‏ ‏عليهم‏ ‏أن‏ ‏يبتلعوه‏، ‏وليس‏ ‏من‏ ‏السهل‏ ‏أن‏ ‏يخضعوا‏ ‏رأسه‏، ‏وأن‏ ‏يخضعوا‏ ‏إرادته‏، ‏لذلك‏ ‏تقدم‏ ‏إليه‏ ‏الملك‏ ‏بنفسه‏ ‏وبكل‏ ‏إمكانيات‏ ‏الدولة‏، ‏حتي‏ ‏ليكاد‏ ‏يشعر‏ ‏الإنسان‏ ‏من‏ ‏قصة‏ ‏مارجرجس‏ ‏إنه‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏أمام‏ ‏الدولة‏ ‏من‏ ‏مهام‏ ‏إلا‏ ‏مقاومة‏ ‏هذا‏ ‏الشاب‏ ‏الجرئ‏ ‏الشجاع‏، ‏الذي‏ ‏وقف‏ ‏أمام‏ ‏الملك‏ ‏في‏ ‏صرامة‏ ‏وفي‏ ‏شجاعة‏ ‏وفي‏ ‏قوة‏، ‏ونزع‏ ‏منطقته‏ ‏العسكرية‏ ‏ورماها‏ ‏في‏ ‏وجه‏ ‏الملك‏، ‏وأعلن‏ ‏أنه‏ ‏مسيحي‏ ‏ووبخ‏ ‏الملك‏ ‏علي‏ ‏اضطهاده‏ ‏للمسيحيين‏ ‏مبينا‏ ‏له‏ ‏أن‏ ‏المسيحيين‏ ‏أصلح‏ ‏رعيته‏ ‏أمانة‏ ‏وإخلاصا‏ ‏وأدبا‏ ‏وفضيلة‏، وأنه‏ ‏ليس‏ ‏أحد‏ ‏آخر‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏مملكته‏ ‏في‏ ‏نقاوة‏ ‏سيرة‏ ‏المسيحيين‏، ‏تعجب‏ ‏الملك‏ ‏من‏ ‏جرأة‏ ‏هذا‏ ‏الشاب‏ ‏الذي‏ ‏خرج‏ ‏في‏ ‏عرف‏ ‏الملك‏ ‏عن‏ ‏الآداب‏ ‏والطاعة‏، ‏وشتم‏ ‏الملك‏ ‏وآلهته‏ ‏ووصف‏ ‏هذه‏ ‏الآلهة‏ ‏بأنها‏ ‏أحجار‏ ‏وأصنام‏، ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏الأمور‏ ‏جعلت‏ ‏الملك‏ ‏يمتلئ‏ ‏غيظا‏ ‏ويشتعل‏ ‏غضبا‏، ‏ويجهز‏ ‏كل‏ ‏رجاله‏ ‏ومملكته‏ ‏وكل‏ ‏إمكانياته‏ ‏عددا‏ ‏وعدة‏، ‏ليقاوم‏ ‏هذا‏ ‏الشاب‏ ‏الصغير‏ ‏الذي‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏قد‏ ‏تعدي‏ ‏العشرين‏ ‏من‏ ‏عمره‏، ‏وهذا‏ ‏دليل‏ ‏علي‏ ‏علو‏ ‏هذه‏ ‏النفسية‏، ‏علي‏ ‏سموها‏ ‏وعلي‏ ‏قوتها‏، ‏شاب‏ ‏صغير‏ ‏تقف‏ ‏أمامه‏ ‏المملكة‏ ‏وتقف‏ ‏أمامه‏ ‏جحافل‏ ‏قوة‏ ‏المملكة‏ ‏لكتي‏ ‏تذله‏ ‏وتخضعه‏ ‏فلا‏ ‏يستطيعون‏ ‏أن‏ ‏يقدروا‏ ‏عليه‏ ‏وهذا‏ ‏يدل‏ ‏علي‏ ‏أنه‏ ‏شاب‏ ‏غير‏ ‏عادي‏، ‏لم‏ ‏يلن‏ ‏ولم‏ ‏ينثن‏ ‏ولم‏ ‏يتراجع‏، ‏لم‏ ‏يخف‏، ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏في‏ ‏قلبه‏ ‏خوف‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏التهديدات‏ ‏والتوعدات‏، ‏ضربوه‏ ‏ضربا‏ ‏مبرحا‏، ‏ووضعوه‏ ‏علي‏ ‏سرير‏ ‏يحمونه‏ ‏بنار‏ ‏بطيئه‏ ‏كأنه‏ ‏يشوي‏ ‏شيئا‏ ‏بالنار‏، ‏وضعوه‏ ‏علي‏ ‏سرير‏ ‏به‏ ‏مسامير‏، ‏جرحوه‏ ‏بكل‏ ‏أنواع‏ ‏التجريح‏، ‏قدموا‏ ‏له‏ ‏عددا‏ ‏من‏ ‏المرات‏ ‏سما‏ ‏زعافا‏، ‏وكان‏ ‏يرسم‏ ‏علامة‏ ‏الصليب‏ ‏ويشرب‏ ‏فلا‏ ‏يضره‏ ‏السم‏ ‏بشئ‏، ‏أرسلوا‏ ‏إليه‏ ‏أكثر‏ ‏وأعظم‏ ‏وأقوي‏ ‏رجالهم‏، ‏أقوي‏ ‏السحرة‏ ‏وسلطوهم‏ ‏عليه‏، ‏السحرة‏ ‏الذين‏ ‏أذلوا‏ ‏كثيرين‏، ‏ذلوا‏ ‏أمام‏ ‏مارجرجس‏ ‏وبعضهم‏ ‏رفع‏ ‏يده‏ ‏وآمن‏ ‏بالمسيح‏ ‏وإله‏ ‏مارجرجس‏. ‏هذا‏ ‏الرجل‏ ‏أو‏ ‏هذا‏ ‏الشاب‏ ‏القديس‏ ‏بصموده‏ ‏وبصبره‏ ‏كسب‏ ‏للمسيح‏ ‏عشرات‏ ‏الآلاف‏ ‏في‏ ‏حياته‏ ‏والملايين‏ ‏بعد‏ ‏مماته‏، ‏شاب‏ ‏واحد‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏السن‏ ‏الصغير‏، ‏لشجاعته‏ ‏وصموده‏ ‏وطهارة‏ ‏سيرته‏ ‏وأمانته‏ ‏لسيده‏، ‏استطاع‏ ‏أن‏ ‏يكسب‏ ‏الملايين‏ ‏لكنيسة‏ ‏المسيح‏، ‏ولذلك‏ ‏فإن‏ ‏الصورة‏ ‏التقليدية‏ ‏التي‏ ‏يصور‏ ‏بها‏ ‏القديس‏ ‏مارجرجس‏ ‏ممتطيا‏ ‏الحصان‏ ‏الأبيض‏، ‏ويطعن‏ ‏التنين‏، ‏الذي‏ ‏شبه‏ ‏به‏ ‏الشيطان‏، ‏مثل‏ ‏ما‏ ‏قال‏ ‏الكتاب‏ ‏في‏ ‏سفر‏ ‏الرؤيا وحدثت‏ ‏حرب‏ ‏في‏ ‏السماء‏ ‏ميخائيل‏ ‏وملائكته‏ ‏حاربوا‏ ‏التنين‏ ‏وملائكته‏، ‏وهنا‏ ‏التنين‏ ‏يقصد‏ ‏به‏ ‏الشيطان‏، التنين‏ ‏هو‏ ‏الحية‏ ‏القديمة‏ ‏التي‏ ‏عاكست‏ ‏أمنا‏ ‏حواء‏ ‏وكانت‏ ‏سببا‏ ‏في‏ ‏البلية‏ ‏التي‏ ‏ابتليت‏ ‏بها‏ ‏كل‏ ‏البشرية‏.

مارجرجس‏ ‏ممتطي‏ ‏حصانه‏ ‏الأبيض‏ ‏رمز‏ ‏لطهره‏ ‏ونقائه‏، ‏وصفائه‏ ‏وترفعه‏ ‏وقامته‏ ‏المرفوعة‏ ‏في‏ ‏المسيح‏. ‏ممتطي‏ ‏صهوة‏ ‏الحصان‏ ‏الأبيض‏ ‏ويطعن‏ ‏بحربته‏ ‏التنين‏، ‏هذه‏ ‏الصورة‏ ‏ترمز‏ ‏إلي‏ ‏الزمن‏ ‏الذي‏ ‏ظهر‏ ‏فيه‏ ‏مارجرجس‏ ‏وصراعه‏ ‏مع‏ ‏الوثنية‏ ‏وصراعه‏ ‏مع‏ ‏العالم‏، ‏وصراعه‏ ‏مع‏ ‏رجال‏ ‏الملك‏، ‏وصراعه‏ ‏مع‏ ‏أعداء‏ ‏الكنيسة‏، ‏ونصرته‏ ‏علي‏ ‏الملك‏ ‏وعلي‏ ‏الوثنيين‏ ‏وعلي‏ ‏أعداء‏ ‏الكنيسة‏، ‏هذه‏ ‏الصورة‏ ‏لا‏ ‏تمثل‏ ‏الحوادث‏ ‏الجزئية‏ ‏التي‏ ‏صنعها‏ ‏مارجرجس‏ ‏في‏ ‏حياته‏، ‏وإنما‏ ‏تمثل‏ ‏أيضا‏ ‏أن‏ ‏مارجرجس‏ ‏أصبح‏ ‏علما‏، أصبح‏ ‏رمزا‏ ‏لنصرة‏ ‏المسيح‏ ‏علي‏ ‏أعداء‏ ‏المسيح‏، ‏وأصبح‏ ‏مارجرجس‏ ‏ذلك‏ ‏البطل‏ ‏الذي‏ ‏بعد‏ ‏استشهاده‏ ‏صار‏ ‏مثلا‏ ‏يمتثل‏ ‏به‏، ‏هذه‏ ‏القامة‏ ‏المرتفعة‏ ‏في‏ ‏المسيح‏ ‏التي‏ ‏لم‏ ‏تنحن‏ ‏ولم‏ ‏تنثن‏، ‏ولم‏ ‏تركع‏ ‏أمام‏ ‏التوعدات‏ ‏وأمام‏ ‏التهديدات‏ ‏وأمام‏ ‏الإغراءات‏، ‏وصار‏ ‏مارجرجس‏ ‏للأجيال‏ ‏كلها‏ ‏علما‏ ‏وعلامة‏ ‏علي‏ ‏المسيحية‏ ‏ونصرتها‏، وهذه‏ ‏الفتاة‏ ‏صارت‏ ‏أيضا‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏الرسم‏ ‏ترمز‏ ‏للكنيسة‏ ‏المنتصرة‏ ‏بجهاد‏ ‏رجالها‏، ‏ومن‏ ‏بينهم‏ ‏من‏ ‏صار‏ ‏علامة‏ ‏وعلم‏ ‏هذا‏ ‏الشهيد‏ ‏العظيم‏ ‏الذي‏ ‏وصف‏ ‏بأنه‏ ‏أمير‏ ‏الشهداء‏. ‏إن‏ ‏كلمة‏ ‏أمير‏ ‏الشهداء‏ ‏لم‏ ‏تعط‏ ‏جزافا‏، ‏ولكن‏ ‏المعروف‏ ‏أن‏ ‏المسيح‏ ‏له‏ ‏المجد‏ ‏هو‏ ‏بذاته‏ ‏الذي‏ ‏أعطي‏ ‏مارجرجس‏ ‏هذا‏ ‏اللقب‏، ‏ففي‏ ‏إحدي‏ ‏المرات‏ ‏وكان‏ ‏مطروحا‏ ‏في‏ ‏السجن‏ ‏معذبا‏ ‏ومجرحا‏ ‏ومجروحا‏ ‏بآلام‏ ‏شديدة‏، ‏أشرق‏ ‏عليه‏ ‏المسيح‏ ‏بنوره‏ ‏في‏ ‏السجن‏ ‏وشفاه‏ ‏من‏ ‏جراحاته‏، ‏وقال‏ ‏له‏: "لم‏ ‏يقم‏ ‏من‏ ‏بين‏ ‏المولودين‏ ‏من‏ ‏النساء‏ ‏من‏ ‏هو‏ ‏أعظم‏ ‏من‏ ‏يوحنا‏ ‏المعمدان‏ ‏ولم‏ ‏يقم‏ ‏بين‏ ‏الشهداء‏ ‏من‏ ‏هو‏ ‏أعظم‏ ‏منك" نعم‏ ‏يعد‏ ‏أمير‏ ‏الشهداء‏ ‏لأنه‏ ‏تحمل‏ ‏في‏ ‏سبيل‏ ‏المسيح‏ ‏أقسي‏ ‏أنواع‏ ‏العذاب‏، ‏التي‏ ‏لم‏ ‏يعانها‏ ‏أحد‏ ‏من‏ ‏قبل‏ ‏ولا‏ ‏من‏ ‏بعد‏ ‏بالصورة‏ ‏التي‏ ‏عاناها‏ ‏مارجرجس‏، وامتدت‏ ‏مدة‏ ‏تعذيبه‏ ‏سبع‏ ‏سنوات‏ ‏كاملة‏، ‏ولا‏ ‏نعرف‏ ‏في‏ ‏تاريخنا‏ ‏من‏ ‏امتدت‏ ‏عذاباته‏ ‏وآلامه‏ ‏هذه‏ ‏السنوات‏ ‏الطوال‏، ‏فمارجرجس‏ ‏يعد‏ ‏أمير‏ ‏الشهداء‏ ‏بنطق‏ ‏المسيح‏ ‏له‏ ‏المجد‏ ‏ولأنه‏ ‏قاسي‏ ‏عددا‏ ‏وصنوفا‏ ‏ونوعيات‏ ‏من‏ ‏الآلام‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏المسيح‏، ‏لو‏ ‏كان‏ ‏جبل‏ ‏لكان‏ ‏قد‏ ‏انحني‏، ‏كان‏ ‏أعظم‏ ‏من‏ ‏الجبل‏ ‏الأشم‏ ‏علي‏ ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏شبابه‏ ‏الغض‏، كان‏ ‏قويا‏ ‏ولم‏ ‏ينثن‏ ‏ولم‏ ‏يتنازل‏ ‏عن‏ ‏موقفه‏ ‏وعن‏ ‏ثباته‏ ‏في‏ ‏المسيح‏، ‏فكان‏ ‏ولايزال‏ ‏مارجرجس‏ ‏مثلا‏ ‏أعلي‏ ‏للشباب‏ ‏الطاهر‏ ‏النقي‏، ‏الذي‏ ‏أمات‏ ‏أعضاءه‏ ‏علي‏ ‏الأرض‏، ‏ولم‏ ‏تعد‏ ‏له‏ ‏رغبة‏ ‏ولاشهوة‏، ‏ولم‏ ‏يعد‏ ‏يشد‏ ‏انتباهه‏ ‏وعود‏ ‏ولا‏ ‏إغراءات‏ ‏من‏ ‏تلك‏ ‏التي‏ ‏يسيل‏ ‏لها‏ ‏لعاب‏ ‏الشباب‏، ‏كان‏ ‏أقوي‏ ‏من‏ ‏جميع‏ ‏الشباب‏، ‏كانت‏ ‏فيه‏ ‏روح‏ ‏المسيح‏، كان‏ ‏قائما‏ ‏ومنتصبا‏ ‏ومرتفعا‏ ‏وعاليا‏.‏

هذا‏ ‏هو‏ ‏الشهيد‏ ‏العظيم‏ ‏الكريم‏ ‏بين‏ ‏الشهداء‏، ‏الذي‏ ‏تحتفل‏ ‏الكنيسة‏ ‏اليوم‏ ‏باستشهاده‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏العذاب‏ ‏الطويل‏ ‏الذي‏ ‏عاناه‏ ‏سبع‏ ‏سنوات‏، ‏وأخيرا‏ ‏قطعت‏ ‏رأسه‏ ‏بالسيف‏ ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏هو‏ ‏في‏ ‏العالم‏ ‏الباقي‏ ‏الأفضل‏، ‏لكنه‏ ‏لايزال‏ ‏يخدم‏، ‏وأرواح‏ ‏القديسين‏ ‏في‏ ‏إيماننا‏ ‏أنها‏ ‏لاتتوقف‏ ‏عن‏ ‏العمل‏. ‏هذه‏ ‏الأرواح‏ ‏تتردد‏ ‏علي‏ ‏عالمنا‏ ‏وتصنع‏ ‏خيرا‏، ‏وعرف‏ ‏مارجرجس‏ ‏عند‏ ‏المسيحيين‏ ‏بأنه سريع‏ ‏الندهة‏. ‏أي‏ ‏أنه يسمع‏ ‏النداء‏ ‏ومارجرجس‏ ‏حي‏ ‏في‏ ‏ضمير‏ ‏شعبنا‏ ‏القبطي‏ ‏وفي‏ ‏ضمير‏ ‏إخواننا‏ ‏المسلمين‏ ‏أيضا‏. ‏لأن‏ ‏المسلمين‏ ‏يحبون‏ ‏هذا‏ ‏الشهيد‏ ‏ويكرمونه‏ ‏ويعرفون‏ ‏قدره‏ ‏وعظمته‏، ‏وبطولته‏ ‏وشجاعته‏، ‏وكثير‏ ‏من‏ ‏النذور‏ ‏تقدم‏ ‏في‏ ‏ميت‏ ‏دمسيس‏ ‏وفي‏ ‏غيرها‏ ‏من‏ ‏الكنائس‏ ‏التي‏ ‏باسمه‏، ‏تجدون‏ ‏أسماء‏ ‏مسلمين‏ ‏يذهبون‏ ‏ويقدمون‏ ‏نذورهم‏ ‏لهذا‏ ‏الشهيد‏ ‏العظيم‏ ‏مارجرجس‏. ‏هذا‏ ‏الرجل‏ ‏الذي‏ ‏هو‏ ‏انتقل‏ ‏إلي‏ ‏العالم‏ ‏الآخر‏ ‏وهو‏ ‏سعيد‏ ‏هناك‏ ‏في‏ ‏فردوس‏ ‏النعيم‏، ‏لكنه‏ ‏يستجيب‏ ‏النداء‏ ‏للذين‏ ‏يستغيثون‏ ‏به‏، ‏يتحرك‏ ‏مارجرجس‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏العالم‏ ‏ويصنع‏ ‏خيرا‏ ‏ويجيب‏ ‏سؤالات‏ ‏الذين‏ ‏يسألون‏ ‏وفي‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏يتمجد‏ ‏اسم‏ ‏الله‏.

إذا‏ ‏كنا‏ ‏نحيا‏ ‏اليوم‏ ‏فهذا‏ ‏ليس‏ ‏بجهادنا‏ ‏وحدنا‏ ‏ولا‏ ‏بكفاح‏ ‏المسيحيين‏ ‏وحدهم‏، ‏وإنما‏ ‏لأن‏ ‏هناك‏ ‏سحابة‏ ‏من‏ ‏الشهود‏، ‏من‏ ‏الشهداء‏ ‏والقديسين‏، ‏هؤلاء‏ ‏أبطال‏ ‏يدفعون‏ ‏ويستغلون‏ ‏مواهبهم‏ ‏وقدراتهم‏ ‏وإمكاناتهم‏ ‏بل‏ ‏يستغلون‏ ‏صلواتهم‏ ‏وشفاعتهم‏ ‏الدائمة‏ ‏أمام‏ ‏الله‏، ‏والكنيسة‏ ‏الحاضرة‏ ‏مدينة‏ ‏لهؤلاء‏ ‏الآباء‏ ‏بالتدخل‏ ‏وبالتحرك‏ ‏الذي‏ ‏يتحركون‏.

إننا‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏اليوم‏ ‏الذي‏ ‏نذكر‏ ‏فيه‏ ‏استشهاد‏ ‏القديس‏ ‏العظيم‏ ‏مارجرجس‏ ‏نتجه‏ ‏بقلوبنا‏ ‏إلي‏ ‏الله‏ ‏أن‏ ‏يحفظ‏ ‏للمسيحيين‏ ‏كيانهم‏، ‏ويحفظ‏ ‏لمصر‏ ‏سلامها‏، ‏ويجعلنا‏ ‏جميعا‏ ‏مستعدين‏ ‏لهذه‏ ‏المعركة‏ ‏الروحية‏، ‏وأن‏ ‏يعطينا‏ ‏النصرة‏ ‏والغلبة‏ ‏بقوة‏ ‏المسيح‏ ‏الذي‏ ‏قام‏ ‏من‏ ‏بين‏ ‏الأموات‏، وبصلوات‏ ‏وشفاعات‏ ‏هؤلاء‏ ‏القديسين‏ ‏الأبرار‏ ‏وسؤالات‏ ‏الطاهرة‏ ‏القديسة‏ ‏العذراء‏ ‏مريم‏ ‏والشهيد‏ ‏العظيم‏ ‏مارجرجس‏.

ولإلهنا‏ ‏الإكرام‏ ‏والمجد‏ ‏إلي‏ ‏الأبد‏ ‏آمين‏.‏


مقال للمتنيح‏ ‏الأنبا‏ ‏غريغوريوس – أسقف عام الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي – في جريدة وطنى - ﺇصدار أول: السنة 51 العدد 2471 - ﺇصدار ثان: السنة 9 العدد 437 – يوم الأحد الموافق 3 مايو (أيار) 2009 ميلادية، 25 برمودة 1725 شهداء (قبطية)، 8 جمادى الأولى 1430 هجرية (للهجرة) – الصفحة الثانية (2)، مقالات دينية
http://www.watani.com.eg

‏‏‏‏


Share/Save/Bookmark

السنكسار 23 برمودة

التقويم القبطي 23 برمودة للشهداء
1 مايو/أيار 2009

استشهاد مار جرجس الرومانى – 23 برمودة

في مثل هذا اليوم من سنة 307م، استشهد القديس العظيم في الشهداء مار جاؤرجيوس. وقد ولد بالقبادوقية من أب أسمه أنسطاسيوس وأم تدعي ثاؤبستا. ولما صار ابن عشرين سنة، مات والده. فذهب إلى دقلديانوس ليتقلد وظيفة والده، فوجد أن الملك قد كفر وأمر بعبادة الأصنام. فحزن وفرق كل ماله وأعطاه للمساكين وصرف غلمانه، وتقدم إلى الملك معترفا بالسيد المسيح له المجد. وكان ذلك بعد أن رأي منشورات الإمبراطور فصرخ في وسطهم قائلا "إلى متي تصبون غضبكم علي المسيحيين الأبرار، وتكرهون الذين عرفوا الإيمان الحقيقي علي أن يتبعوا الديانة التي أنتم في شك منه لأنه غير حقيقية؟ فأما أن تؤمنوا بهذه الديانة الحقيقية، أو علي الأقل لا تقلقوا بحماقة أولئك المتمسكين بها." فأشار الملك إلى مفنانيوس، أحد وزرائه، لتهدئته فقال له: "من علمك هذه الجرأة" فأجابه: "هو الحق" ثم بدأ يشرحه له، فتدخل الملك وأخذ يذكره بالرتب التي أنعم بها عليه ويعده بالمزيد منها، إذا جحد مسيحه. فرفض بـﺈباء هذه العروض الزائلة. ولم يلتفت إليها. فعذبه كثيرا، وكان الرب يقويه ويشفي جميع جراحاته

ولما حار الملك في تعذيبه، أستحضر ساحرا أسمه أثناسيوس، وهذا أحضر كأسا ملأنا وتلا عليه من أقواله السحرية، وقدمه للقديس فشربه بعد أن رسم عليه علامة الصليب. فلم ينله أذى، مما جعل أن الساحر نفسه يؤمن بالسيد المسيح، ونال إكليل الشهادة. فاغتاظ الملك وأمر بعصر جاؤرجيوس حتى يسلم الروح. فطرحوه خارج المدينة. ولكن السيد المسيح أقامه حيا وعاد هذا الشهيد إلى المدينة، فرآه الجميع وآمن بسببه في تلك اللحظة ثلاثة آلاف وسبعمائة نفس. فأمر دقلديانوس بقطع رؤوسهم جميعا فنالوا إكليل الشهادة

وكان بحضرة دقلديانوس بعض من الملوك، فقالوا للقديس "نريد أن تجعل هذه الكراسي تورق وتثمر". فصلى القديس إلى السيد المسيح فاستجاب طلبه. وأخذوه مرة إلى مقبرة وطلبوا إليه أن يقيم من بها من الموتى. فصلي إلى السيد المسيح، فأقامهم الرب، وبعد أن تحدثوا إليهم عادوا فرقدوا. وقدمت له امرأة فقيرة ابنها وكان أعمي وأصم وأخرس، فصلى إلى السيد المسيح، ورشم الطفل بعلامة الصليب، فشفي من جميع أمراضه. وكان دقلديانوس مستمرا في تعذيبه، فلما تعب من ذلك ومل، صار يلاطفه، ويعده أن يزوجه من أبنته إذا بخر للآلهة. فخادعه جاؤرجيوس وأوهمه أنه قبل ذلك ففرح وأدخله إلى قصره، وبينما كان يصلي سمعته الملكة وهو يقرأ المزامير فطلبت إليه أن يشرح ما كان يقوله. فبدأ يفسر لها كل الأمور من أول خلقة العالم إلى تجسد السيد المسيح، فدخل كلامه في قلبها، وآمنت بالمسيح له المجد

وكان الملك قد أمر أن ينادوا في المدينة باجتماع الناس ليروا جاؤرجيوس يبخر لآلهة الملك. فلما اجتمع جمع كبير عند الأصنام وقف جاؤرجيوس، وصرخ في الأصنام باسم الرب يسوع مخلص العالم. ففتحت الأرض فاها، وابتلعت جميع الأصنام. فخزي الملك ومن معه. ودخل حزينا إلى قصره. فقالت له الملكة: ألم أقل لك "لا تعاند الجليليين لأن إلههم قوي؟" فعلم أن جاؤرجيوس قد أمالها هي الأخرى إلى أيمانه، ودفعه الغيظ إلى أن أمر بتمشيط جسمها، وقطع رأسها فنالت إكليل الشهادة. وأخيرا رأي دقلديانوس أن يضع حدا لتلك الفضائح التي تلحقه، فقرر قطع رأس القديس جاؤرجيوس، فنال إكليل الشهادة. وأخذ أحد المسيحيين جسده ولفه في أكفان فاخرة، ومضي به إلى بلده. وبنوا علي اسمه كنيسة عظيمة. شفاعته تكون معنا. ولربنا المجد دائما. آمين



Share/Save/Bookmark

Thursday, May 7, 2009

ظلمة الآلام.. ونور القيامة

ظلمة الآلام.. ونور القيامة
نيافة الانبا رافائيل

يحتل الأسبوع الأخير في حياة ربنا يسوع المسيح بالجسد على الأرض مكانًا هامًا جدًا في الفكر المسيحي، لدرجة أن القديس يوحنا الإنجيلي أفرد لهذا الأسبوع نصف إنجيله المقدس (عشرة إصحاحات من جملة 21 أصحاح). واشترك باقي الإنجيليين في سرد تفاصيل أحداث هذا الأسبوع المقدس. والكنيسة أيضًا تتعامل مع هذا الأسبوع باعتبار خاص وعالي في طقسها ومتابعتها للسيد المسيح خطوة خطوة حتى الصليب والدفن والقيامة.
والمُطالع لأحداث هذا الأسبوع يُفاجأ بعبارة تتكر كثيرًا هي: "لم يفهموا"، فمن أبرز ما يُميز هذا الأسبوع أن الرب يسوع كان يتكلم مع تلاميذه وهم غير فاهمين، والغريب أنه لم يهتم أن يشرح لهم مؤجلاً ذلك إلى ما بعد القيامة.. فقيل:
+ "وأمّا هم فلم يَفهَموا من ذلك شيئًا، وكان هذا الأمر مُخفى عنهم، ولم يَعلَموا ما قيلَ" (لو18: 34).
+ "وأمّا هم فلم يَفهَموا القول، وخافوا أن يَسألوه" (مر9: 32). وذلك عندما تكلم عن موته وقيامته.
+ "وأمّا هم فلم يَفهَموا هذا القول، وكان مُخفى عنهم لكي لا يَفهَموه، وخافوا أن يَسألوه عن هذا القول" (لو9: 45).
+ "وأمّا هم فلم يَفهَموا ما هو الذي كان يُكلمُهُم به" (يو10: 6).
+ "وهذه الأُمور لم يَفهَمها تلاميذه أولاً، ولكن لمّا تمَجَّد يسوع، حينئذٍ تذَكَّروا أن هذه كانت مَكتوبة عنه، وأنهم صنعوا هذه له" (يو12: 16).
إن عدم الفهم الذي عاش فيه تلاميذ الرب في الأسبوع الأخير يُعبِّر عن الغموض الذي كان يكتنف التدبير الإلهي منذ سقوط آدم وحتى مجيء السيد المسيح متجسدًا.
لقد كان يتكلم الله مع الإنسان بالرموز والإشارات والنبوات، ولم يكن الإنسان يعرف بصورة واضحة فكر الله ومقاصده الإلهية.. كان الأمر يحتاج أن يأتي الله إلينا بنفسه ليكلمنا بفمه الطاهر: "الله، بعد ما كلَّم الآباء بالأنبياء قديمًا، بأنواع وطُرُق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه" (عب1: 1-2).
جاء السيد المسيح يكلّمنا عن الآب:
+ "أنا أظهَرت اسمَكَ للناس الذين أعطَيتَني من العالم. كانوا لكَ وأعطَيتَهُم لي، وقد حَفِظوا كلامَك" (يو17: 6).
+ "لأن الكلام الذي أعطَيتَني قد أعطَيتُهُم" (يو17: 8).
+ أيها الآب البار، إن العالم لم يَعرِفكَ، أمّا أنا فعَرَفتُك، وهؤلاء عَرَفوا أنكَ أنتَ أرسلتني. وعَرَّفتُهُم اسمَك وسأُعَرفُهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم" (يو17: 25-26).
وكذلك كلّمنا عن الروح القدس: "روح الحَق الذي لا يستطيع العالم أن يَقبَلهُ، لأنه لا يَراهُ ولا يَعرِفُه، وأمّا أنتم فتعرِفونَه لأنه ماكِث معكم ويكون فيكم" (يو14: 17).
وكان كلام السيد المسيح واضحًا كل الوضوح، وحتى حينما كان يتكلم بمَثَل كان يشرحه لتلاميذه بناء على طلبهم: "فتقدَّم التلاميذ وقالوا له: لماذا تُكلمُهُم بأمثالٍ؟. فأجاب وقال لهم: لأنه قد أُعطيَ لكم أن تعرِفوا أسرار ملكوت السماوات، وأمّا لأولئك فلم يُعطَ. فإن مَنْ له سيُعطى ويُزاد، وأمّا من ليس له فالذي عنده سيؤخَذ منه. من أجل هذا أُكلمُهُم بأمثالٍ، لأنهم مُبصِرين لا يُبصرون، وسامعين لا يَسمعون ولا يَفهمون" (مت13: 10-13).
حقًا قال الرب يسوع: "أحمَدُك أيها الآب رب السماء والأرض، لأنك أخفَيت هذه عن الحُكماء والفُهماء وأعلَنتَها للأطفال. نعم أيها الآب، لأن هكذا صارت المَسرَّة أمامك. كل شيءٍ قد دُفِع إليَّ من أبي، وليس أحد يَعرِف الابن إلا الآب، ولا أحد يَعرِف الآب إلا الابن ومَنْ أراد الابن أن يُعلِنَ له" (مت11: 25-27).
أما في الأسبوع الأخير فلم يعد الأمر هكذا، بل كان السيد المسيح يتكلم بغموض، ولم يعطِ فرصة لتلاميذه أن يسألوا، ولم يبادرهم بالشرح.. وكأن الزمان يتكثف في هذا الأسبوع ليُعبِّر عن حال البشر قبل الصليب.
إنها حالة اللا فهم واللا إدراك لقصد الله التي عاشها الناس قبل الفداء. لقد أراد السيد المسيح أن يُلامسهم ملامسة كثيفة مع حالة البشرية الساقطة الجاهلة، التي تحتاج إلى نور إعلانه المقدس بالقيامة، لتفهم قصد الله وتدبيراته.
ولعل هذا الغموض أيضًا كان تدبيرًا إلهيًا حتى لا يتعطل تدبير الصليب المقدس، كما قيل: "لو عَرَفوا لَما صَلَبوا رب المجد" (1كو2: 8).
وكذلك لكي يعيشوا في ظلام فكري وعدم معرفة تسبق انبعاث نور القيامة المقدس ليتضح مجد بهاء القيامة، حيث قيل: "حينئذٍ فتح ذهنَهُم ليَفهَموا الكُتُب" (لو24: 45).
وقد عبَّر عن هذه الاستنارة تلميذا عمواس بقولهما: "ألم يكن قلبنا مُلتهِبًا فينا إذ كان يُكلمنا في الطريق ويوضِح لنا الكُتُب؟" (لو24: 32).
لقد أعطاهم السيد المسيح الفرصة للشرح بعد القيامة.. "أما كان ينبغي أن المسيح يتألَّم بهذا ويَدخُل إلى مَجده؟ ثم ابتدأَ من موسى ومن جميع الأنبياء يُفَسر لهما الأمور المُختصة به في جميع الكُتُب" (لو24: 26-27).
ومرة أخرى في العلية مساء عندما ظهر لهم مجتمعين "وقال لهم: هذا هو الكلام الذي كلَّمتكم به وأنا بعد معكم: أنه لا بُد أن يتمَّ جميع ما هو مَكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذٍ فتح ذِهنهُم ليفهموا الكُتُب. وقال لهم: هكذا هو مكتوب، وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألَّم ويَقوم من الأموات في اليوم الثالث، وأن يُكرَز باسمِه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم، مُبتدأً من أورشليم. وأنتم شُهود لذلك" (لو24: 44-48).
لقد نقلهم بشرحه المقدس من وضع اليأس الذي عبّروا عنه بهذه الآية: "ونحن كُنا نَرجو أنه هو المُزمِع أن يَفدي إسرائيل" (لو24: 21) إلى وضع الإيمان بلاهوته حيث قيلت الآية: "رَبي وإلهي" (يو20: 28) التي فاه بها توما الرسول القديس.
لقد أدركوا لاهوت المسيح بقيامته، كما قال معمنا بولس الرسول: "وتعيَّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة، بالقيامة من الأموات: يسوع المسيح ربنا" (رو1: 4). ولم يكن من الممكن أن يكون هذا الامر واضحًا قبل القيامة من الأموات.. وهذا هو سر الغموض الذي اكتنف أحاديث وأعمال السيد المسيح في الأسبوع الأخير.
إن البشرية ستعيش في ظلام الجهل وعدم المعرفة طالما حجبت نفسها عن نور مجد المسيح.
عدم الإيمان بلاهوت المسيح وعدم الاعتراف بموته وقيامته سيجعل الناس يعيشون كما عاش رسل المسيح قبل صليبه وقيامته في عدم معرفة.
أما الإيمان فهو سر الفهم كما قيل: "بالإيمان نفهم" (عب11: 3)، وهو سر الاستنارة الذهنية والفكرية.. بل لا أبالغ إذا قلت أن مصدر الحضارة البشرية الحديثة في الغرب وفي كل العالم سببها الاستنارة التي أعطاها الإيمان بالمسيح للناس. فحتى لو بَعُد العالم اليوم عن المسيح لكن لا ننسى أن جذر هذه الحضارة هو جذر مسيحي.
فلنمجد اسم المسيح الذي ينير عقولنا وأذهاننا بمعرفته الإلهية.
له المجد آمين.

الأنبا رافائيل - الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة
http://www.youthbishopric.com



Share/Save/Bookmark

Facebook Comments

Twitter

I Read

Word of the Day

Quote of the Day

Article of the Day

This Day in History

Today's Birthday

In the News