الصليب في حياة المسيح ليس حادثة عرضية بل غاية، جاء وتجسد من أجلها، ونهجًا شمل حياته كلها جاعلًا من الصليب كأسه المفضل وطاعته العظمى للآب، وبرهان حبه الأبدي للإنسان كل الإنسان، نقض به ناموس الخطيئة وبَّرر به الخطاة، وظفر به على قوات الظلمة، وقتل به العداوة، وجمع تحت لوائه شمل الإنسان كل البعيدين والقريبين، كرعية مع القديسين وأهل بيت ربنا
الأنبا ياكوبوس أسقف الزقازيق ومنيا القمح
29 مايو 1977 م - 19 نوفمبر 2008 م
نستطيع أيضًا في جرأة الإيمان أن نقول أنه ليس من بين أعمال الله كلها عمل بلغ في قوته، بل في شموله، بل في مجده، بل في سلطانه، بل في غايته، مثلما بلغ الصليب!
لأنه رفع الخليقة كلها من دائرة العصيان إلى الصفح الكلى والمصالحة، من الرفض إلى القبول والاختيار، من العبودية إلى البنوة والميراث مع المسيح في الله!!
والصليب مذخر فيه كل مجد الله بل وكل مجد الإنسان. فمن أدرك سر المسيح المصلوب وآمن بالإله المهان، انكشف له السر وانقلب تجديفه إلى دموع وهتاف، وعثرته إلى إيمان وشهادة، وتجلى له الصليب كمصدر وحيد للحق والمعرفة والخلاص
آلاف من المعجزات عملها الله في القديم وعملها المسيح في الإنجيل وكلها معجزات للإنسان، أما الصليب فهو معجزة الله..!
"إذ عرفنا بسر مشيئته حسب مسرته التي قصدها في نفسه لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شيء في المسيح ما في السموات وما على الأرض في ذاك" - أف1: 9، 10
والصليب في حياة المسيح ليس حادثة عرضية بل غاية، جاء وتجسد من أجلها، ونهجًا شمل حياته كلها جاعلًا من الصليب كأسه المفضل وطاعته العظمى للآب، وبرهان حبه الأبدي للإنسان كل الإنسان، نقض به ناموس الخطيئة وبَّرر به الخطاة، وظفر به على قوات الظلمة، وقتل به العداوة، وجمع تحت لوائه شمل الإنسان كل البعيدين والقريبين، كرعية مع القديسين وأهل بيت الله.
لقد حول المسيح صورة الصليب الذي عرفناه يوم الجمعة، صليب الخشب الثقيل الذي لم يقوى هو على حمله فسقط تحت ثقله، الصليب الذي بدا أمام أحبائه كريهًا مشئومًا، والذي تراءى لأعدائه ذلًا وشماتة، وكان بالنسبة للناموس لعنة وعارًا، هذا صار لنا من أجل يسوع وفى يسوع شركة سعادة أبدية ومصدر راحة وسرور وافتخار، وكلما ازدادت الآلام من أجل شهادة يسوع ازدادت رؤية الصليب نورًا وازدادت الحياة قوة وعزاءًا، وارتفع الصليب من التاريخ لينغرس في عمق أعماق الضمير.
وتكريم الصليب نابع من كرامة القيامة، لأن الموت الذي باشره الرب على الصليب، أثمر قيامة وبالتالي مجدًا. فيكون الصليب باختصار هو سبب المجد!!
وفى هذا يصف القديس يوحنا في إنجيله – الصليب بالمجد قائلًا في موضوع انسكاب الروح: "لأن يسوع لم يكن قد مُجِدَّ بعد" - يو7: 39
مشيرًا بذلك الى الصليب، والمسيح نفسه سمَّى الصليب ارتفاعًا: "وأنا إن ارتفعت أجذب إلىَّ الجميع. قال هذا مشيرًا إلى أية ميتة كان مزمعًا أن يموت
"
يو12: 32، 33
إذًا فحق لنا أن نهتف بملء أفواهنا: السلام للصليب مصدر كل ارتفاع ومجد!! فإن كان الصليب هو أقصى صورة للاتضاع والمذلة، فهو قد صار أعظم واسطة للارتفاع والمجد.
كتاب رؤية كنسيّة آبائية: الصليب في المسيحية - الأنبا ياكوبوس