لوقا 4 : 1 - 13
الفصل 4
أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئا من الروح القدس ، وكان يقتاد بالروح في البرية
أربعين يوما يجرب من إبليس . ولم يأكل شيئا في تلك الأيام . ولما تمت جاع أخيرا
وقال له إبليس : إن كنت ابن الله ، فقل لهذا الحجر أن يصير خبزا
فأجابه يسوع قائلا : مكتوب : أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل كلمة من الله
ثم أصعده إبليس إلى جبل عال وأراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان
وقال له إبليس : لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهن ، لأنه إلي قد دفع ، وأنا أعطيه لمن أريد
فإن سجدت أمامي يكون لك الجميع
فأجابه يسوع وقال : اذهب يا شيطان إنه مكتوب : للرب إلهك تسجد وإياه حده تعبد
ثم جاء به إلى أورشليم ، وأقامه على جناح الهيكل وقال له : إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل
لأنه مكتوب : أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك
وأنهم على أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك
فأجاب يسوع وقال له : إنه قيل : لا تجرب الرب إلهك
ولما أكمل إبليس كل تجربة فارقه إلى حين
والمجد لله دائماً أبدياً، آمين
تفسير انجيل القداس
التجربة في البرِّيَّة
في الأصحاحات الثلاثة السابقة (1-2-3) رأينا صديقنا السماوي ينزل إلينا يشاركنا كل شيء، صار جنينًا في الأحشاء مثلنا، وخضع للناموس، وانطلق مع الجموع إلى المعموديَّة، وإذ ليس له خطيَّة يعترف بها، حملنا فيه خليقة جديدة تتمتَّع بالبنوَّة للآب، وتحمل فيها روحه القدُّوس. فما أُعلن في نهر الأردن من أمجاد كان لحسابنا وباسمنا، فيه استرددنا طبيعتنا الأولى الصالحة، وصار لنا حق التمتَّع بالفردوس المفقود واللقاء مع الآب في دالة البنوَّة. الآن إذ صار مثلنا أكَّد هذه الصداقة على صعيد العمل، فانطلق بالروح إلى البرِّيَّة يُجُرَّب أربعين يومًا. عوض البرِّيَّة التيانطلق إليها إسرائيل يحمل روح التذمر المستمر، حملنا هو في جسده إلى البرِّيَّة بطبيعته الغالبة والمنتصرة
تعالوا نسبِّح للرب، ونرتِّل أناشيد الفرح لله مخلِّصنا، ولِندُس الشيطان تحت أقدامنا، ونهلِّل بسقوطه في المذلَّة والمهانة. لنخاطبه بعبارة إرميا النبي: "كيف قُطعتْ وتحطَّمتْ مطرقة كل الأرض... قد وُجدت وأُمسكت لأنك قد خاصمت الرب" (إر50: 23-24)
منذ قديم الزمان وقبل مجيء المسيح مخلِّص العالم أجمع والشيطان عدوُّنا الكبير يفكِّر إثمًا وينضح شرًا، ويشمخ بأنفه على ضعف الجبلة البشريَّة، صارخًا "أصابت يدي ثروة الشعوب كعشٍ، وكما يُجمع بيض مهجور جمعت أنا كل الأرض ولم يكن مرفرف جناح ولا فاتح فم ولا مصفِّف" (إش 10: 14)
والحق يُقال لم يجرؤ أحد على مقاومة إبليس، إلاالابن يسوع المسيح الذي سكن المغارة، كافحه كفاحًا شديدًا وهو على صورتنا، ولذلك انتصرت الطبيعة البشريَّة... في يسوع المسيح، ونالت إكليل الظفر والغلبة، ومنذ القِدم يخاطب الابن على لسان أنبيائه عدوُّنا اللدود إبليس بالقول المشهور: "هأنذا عليك أيها الجبل المُهلك، (يقول الرب) المُهلك كل الأرض" (إر 51: 25)
والآن تعالوا معي لنرى كيف يصف الإنجيلي المغبوط يسوع المسيح وهو يقاتل بالنيابة عنَّا مهلك الأرض بأسرها. "أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئًا من الروح القدس" (لو4: 1).
انظروا طبيعة الإنسان في المسيح وقد دهنتها نعمة الروح القدس، وتوَّجتها بالإجلال والإكرام، فإن الله سبق أن وعد قائلًا: "إنّي أسكب روحي على كل بشر" (يوئيل2: 28). وقد تمَّت هذه النبوَّة لأول مرَّة في يسوع المسيح، لأن الله لم يهب روحه للناس قديمًا، وكانوا ضعاف العقول صغار النفوس، فقد ورد: "لا يدين روحي في الإنسان لزيغانه، وهو بشر" (تك6: 3). ولكن في المسيح وُجدت خليقة جديدة تقدَّست بالماء والروح، فلم نصبح أولاد لحم ودم، بل أبناء الله الآب، فلنا الآن نعمة التبنِّي، وبهذا العطف الأبوي صرنا شركاء في الطبيعة الإلهيَّة
فلم يكن بمستغربٍ إذن أن يكون بِكْرنا أول من يتسلَّم الروح القدس، مع أنه هو مانح الروح القدس حتى يهبه لنا نحن إخوته الأعزَّاء. وأشار إلى ذلك بولس الرسول بالقول: "لأن المقدَّس والمقدَّسين جميعهم من واحد، فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة قائلًا: "أُخبر باسمك إخوتي" (عب2: 12).
لذلك يصف الإنجيلي المسيح: "رجع من الأردن ممتلئًا من الروح القدس" (لو4: 1) وأرجو ألا تنحرفوا عن جادة الحق ولا يُسيئكم القول بأن المسيح الكلمة تقدَّس، بل فكَّروا بالأولى في حكمة الفداء والخلاص، فإن المسيح تأنَّس وتجسَّد لا حبًا في تجنُّب ما اِختصَّ به الإنسان، بل شاركنا في إنسانيَّتنا حتى يزيدنا من غناه، ويشرِّفنا بعظمة مكانته فإن المسيح شاركنا في كل شيء ما عدا الخطيَّة
القديس كيرلس الكبير
كان هدف ربَّنا يسوع المسيح في صومه وخلوته هو شفاؤنا من جاذبيَّة الشهوة، فلأجل الجميع قبِل أن يُجُرَّب من إبليس لنعرف كيف ننتصر نحن فيه.
جاء الرب ليعتمد لأنه صار للكل كل شيء (1 كو9: 20). خضع للناموس لأجل الذين هم تحت الناموس، فاختتن ليكسب الذين تحت الناموس، وشارك الذين بلا ناموس في أكلهم ليربح الذين بلا ناموس. صار للضعفاء كضعيفٍ بالآلام التي تحمَّلها في جسده ليربحهم (2 كو8: 9). فرحًا مع الفرحين، بكاءً مع الباكين (رو12: 15)، جاع مع الجياع... كريمًا مع الأغنياء وسجينًا مع الفقير (إش26: 20)، عطش مع السامريَّة (يو4: 7)، وجاع في البرِّيَّة (مت4: 6) ليُكفِّر بصومه عن سقوط آدم الأول الذي سبَّبه شهوة الطعام والتلذُّذ به، فشبع آدم من معرفة الخير والشر لضررنا، وجاع المسيح لفائدتنا
القديس أمبروسيوس
"وكان يُقتاد بالروح في البرِّيَّة،
أربعين يومًا يجُرَّب من إبليس،
ولم يأكل شيئًا في تلك الأيام،
ولما تمَّت جاع أخيرًا"[1-2]
سكن المسيح البرِّيَّة بالروح، أي روحيًا، وصام فلم يهب الجسم حاجاته الضروريَّة. قد يسأل أحدكم: وأي ضرر ينشأ إن سكن المسيح المدن على الدوام؟ وكيف اِستفاد المسيح من عيشته في البرِّيَّة، وهو لم يكن في حاجة إلى صلاح؟ ولمَ صام المسيح مع أنه لم يكن في حاجة إلى الصوم؟ فقد وُضعت هذه الفريضة لقتل اللذَّات والشهوات وإخضاع ناموس الخطيَّة الذي في داخلنا والمتملُّك على مختلف الانفعالات التي تبعث فينا شهوة الجسد الدنيئة؟ فهل كان المسيح في حاجة إلى الصوم، وهو الذي به قَتل الآب الخطيَّة في الجسد، حتى أن بولس الرسول الحكيم يقول:"لأنه ما كان الناموس عاجزًا عنه فيما كان ضعيفًا بالجسد، فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطيَّة، ولأجل الخطيَّة دان الخطيَّة في الجسد، لكي يتم حكم الناموس فينا، نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رو8: 3)؟
ويشير بولس الرسول إلى أولئك الذين تعوَّدوا العيشة مع المسيح: "ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غل 5: 24). ويُضيف إلى ذلك قولهبأن عيشة الزهد لا بُد منها، وأن ثمار هذه العيشة الصوم والتحمُّل ونبذ الأطعمة قليلًا أو كثيرًا فإنه بذلك يمكن قهر الشيطان، ولكن لاحظوا أن المسيح عُمِّد أولًا ثم امتلأ بالروح القدس، وبعد ذلك سكن البرِّيَّة واتَّخذ الصوم سلاحًا له في محاربة إبليس وجنوده، وكل هذا لتعليمنا، حتى ننسج على منواله، ونحتذي منهجه، فعليكم بادئ ذي بدء أن تلبسوا خوذة الله، وتتمنطقوا بدِرع الإيمان، وتتمسَّكوا بصولجان الخلاص. يجب في بداية الأمر أن تُمنحوا قوَّة من الأعالي، وذلك عن طريق العماد المقدَّس، فيمكنكم بهذه أن تسلكوا حياة شريفة مع الله العظيم، ثم بشجاعة روحيَّة تعتزلون الناس للسكن في البراري، ثم تصومون صومًا مقدَّسا، فتقمعون أهواء الجسم، وتهزمون إبليس إذا ما أراد تجريبكم، ففي المسيح إذن نجد كل سلاح نتقوَّى به
نعم يظهر المسيح بين المقاتلين فيَمنح الجائزة ويتوِّج المنتصرين بإكليل الفوز والغلبة. والآن فلنتأمَّل مصارعات المسيح مع إبليس؟ "صام أربعين يومًا، وجاع أخيرًا"
كيف يجوع المسيح وهو الذي يُشبعنا من دسم نعمته؟ أليس المسيح هو الخبز السماوي الذي نزل من السماء حتى لا يجوع من يتغذى منه؟ صام المسيح "وجاع" لأنه قَبِلَ أن يكون مثلنا، فكان لا بُد أن يتحمَّل ما يجب أن يتحمَّله إنسان بشري
القديس كيرلس الكبير
[يقدِّم لنا مقارنة بين تجرِبة آدم في الفردوس، وتجرِبة آدم الثاني في البرِّيَّة] لنتأمَّل كيف طُرد آدم الأول من الفردوس، ولنعرف كيف رجع آدم الثاني من البرِّيَّة إلى الفردوس، ولنتأمَّل أيضًا كيف تمَّ الإصلاح وبأي ترتيب حدث. وُلد آدم من أرض بكر، ووُلد المسيح من العذراء (البكر)، خُلق آدم على صورة الله، أما المسيح فهو صورة الله (الجوهريَّة). كان للأول سلطان على كل الحيوانات غير العاقلة، أما الثاني فله سلطان على كل شيء
اتَّصفَت حواء بالتردُّد، واتَّصفت العذراء بالحكمة
جاءت الشجرة بالموت، وجاء الصليب بالحياة
كان الأول في الفردوس، أما المسيح فكان في البرِّيَّة، لكنه جاء ليبدِّد ضلال المحكوم عليه ويردُّه للفردوس
أي راع يستطيع أن يعيننا أمام فِخاخ هذه الحياة وخِداعات إبليس "لكي نجاهد ليس ضد لحم ودم، بل ضد الرؤساء والسلاطين وأجناد الشر الروحيَّة في الهواء" (أف6: 11)؟! هل يُرسل الله ملاكًا وقد سقط بعض الملائكة...؟! هل يرسل ساروفًا، هذا الذي نزل على الأرض وسط شعب نجس الشفتين (إش6: 6)، لم يُطهِّر سوى شَفتيّ نبي واحد بجمرَّة من نار؟! إذن كان يلزم البحث عن راعٍ آخر نتبعه جميعنا؛ فمن هو هذا الراعي العظيم الذي يستطيع أن يهيئ الخير للجميع إلا ذاك الذي هو أعلى من الكل؟! من يرفعني فوق هذا العالم إلا مَن هو فوق العالم؟! من هو هذا الراعي العظيم الذي يستطيع بقيادة واحدة يرعى الرجل والمرأة، اليهودي واليوناني، أهل الختان وأهل الغُرلة، البربري والسكِّيثي (كو 3: 11)، العبد والحر، إلا ذاك الذي هو الكل في الكل؟!
الفخاخ كثيرة أينما ذهبنا، فخاخ الجسد، وفخاخ الناموس (حرفيَّته)، والفخاخ التي ينصبها إبليس على جناح الهيكل وعلى قمَّة الجبل، وفخاخ الفلسفات، وفِخاخ الشهوات، لأن العين الزانية هي فخْ الخاطئ (أم 7: 22)، وفِخاخ محبَّة العالم، وفِخاخ التديُّن (الرياء)، وفِخاخ في حياة الطهارة (احتقار سرّ الزواج)... غير أن أفضل طريقة تحطِّم هذه الفِخاخ هو عرض طُعم لإبليس لينقَضْ على فريسته فينطبق الفخْ عليه، عندئذ نستطيع أن نردِّد: "نصبوا لرجلي فخاخًا فسقطوا فيها" (مز 56: 7). ما هذا الطُعم إلا الجسد... فقد أخذ الرب جسد تواضعنا وضعفنا، ليُعطي فرصة للعدو أن يحاربه فينهزم العدو إبليس
الآن المسيح في البرِّيَّة يقود الإنسان ويعلِّمه ويشكِّله ويدرِّبه ويدهنه بالمسحة المقدَّسة، وعندما يراه قويًا يقوده إلى المراعي الخضراء المخصبة... أخيرًا يقوده إلى البستان أثناء الآلام، كما هو مكتوب: "تكلَّم يسوع بهذا ثم خرج مع تلاميذه إلى جبل الزيتون، حيث كان بستان دخله مع تلاميذه" (يو18: 1)... أخيرًا فإن إرجاع الإنسان بقوَّة الرب تؤكِّد لنا هذه الحقيقة التي أبرزها القدّيس لوقا بين كل البشريِّين، بتلك الكلمات التي قالها الرب للِّص: "أنك اليوم تكون معي في الفردوس" (لو23: 44)
القديس أمبروسيوس
"لقد أُصعد يسوع إلى البرِّيَّة من الروح"، بلا شك من الروح القدس، ليس كمن هو مُلزم أو من هو أسير، إنما اُقتيد باشتياق إلى المعركة ليُصارع
القديس جيروم
القديس أغسطينوس
أ. تجربة الخبز
إذ دخل السيِّد المسيح المعركة نيابة عنا، ليغلب باسمنا ولحسابنا، بدأت التجارب بتجربة الخبز، فقد طلب الشيطان من السيِّد المسيح أن يحول الحجر إلى خبز ليأكله في جوعه. من جانب فإن هذه التجربة تقابل تجربة آدم الأول الذي سقط في العصيان خلال الأكل من شجرة معرفة الخير والشر. فجاء السيِّد صائمًا يقاوم العدُو ويغلبه رافضًا السماع له رغم إمكانيَّته من تحويل الحجر إلى خبز، كما حوّل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل. ومن جانب آخر فإن هذه التجربة سمح بها الرب ليُعلن أُبوَّة الشيطان المخادعة للخطاة، فإن الآب الحقيقي لا يقدِّم حجرًا إن طلب منه ابنه خبزًا كقول السيِّد المسيح (لو 11: 11)، أما هذا العدو فيقدِّم حجرًا عوض الخبز ليأكله الإنسان، فيحمل في أحشائه حجرًا قاسيًا
ليتنا نرفض كل حجر يقدِّمه العدو فلا نأكله كخبز لننمو قساة القلب بلا حب ولا حنو
يرى العلامة أوريجينوس أن الحجر الذي يقدِّمه العدو هو الهرطقات التي يقدِّمها العدُو كخبزٍ غاشٍ، فنظنَّها كلمة الله المشبعة
"وقال له إبليس
إن كنتَ ابن الله فقل لهذا الحجر أن يصير خبزًا
فأجابه يسوع، قائلًا
"مكتوب أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان
بل بكل كلمة تخرج من فم الله" [3-4]
قفز إبليس إلى حيث كان المسيح، ونظر إلى الحجر وخاطب المسيح، قائلًا: "إن كنت ابن الله، فقلْ لهذا الحجر أن يصير خبزًا" (لو4: 3). ترون أن إبليس يدنو من المسيح كإنسانٍ، كأحد القدِّيسين، ومع ذلك يرتاب في المسيح. لكن كيف سعى الشيطان ليتحقَّق من لاهوت المسيح؟ كان يعلم أنه لا يمكن تغيير طبيعة المادة إلى طبيعة أخرى تغايرها في الجوهر إلا بقوَّة إلهيَّة، فإما المسيح يُغيِّر المادة فيرتبك إبليس في أمره، أو يعجز عن القيام بهذا العمل، فيُسَر الشيطان لأنه لم يجد أمامه سوى إنسانًا ضعيفًا يمكن مقاومته
علم السيِّد المسيح ما كان يجول بخُلد إبليس، فلم يغيِّر الخبز ولم يعلن عجزه عن تغييره. اِنتهر المسيح الشيطان بالقول: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" (لو4: 5). ومعنى ذلك أنه إذا منح الله الإنسان القوَّة أمكنه أن يحيا بدون أكل، وعاش كما عاش موسى وإيليَّا بقوَّة أربعين يومًا ولم يذوقا شيئًا، فإذًا استطاع المسيح أن يعيش بدون طعام، فلم يحوِّل الحجر خبزًا إلا أن المسيح لم يقل قط أنه "لا يستطيع ذلك" حتى لا يتطرَّق الشك بأنه إنسان لا إله، ولم يقل أستطيع ذلك لئلا يتركه الشيطان وشأنه، وكان المسيح يريد تعليمنا دروسًا أخرى
لاحظوا يا أحبائي كيف أن طبيعة المسيح نبذَت شراهة آدم ونهمه، فبأكل آدم غُلبنا، وبزهد المسيح انتصرنا
الجسم يأكل ما تُخرجه الأرض من دسم، أما النفس العاقلة فطعامها كلمة الله الخالدة. فإن الخبز الذي تجود به الأرض يُغذي جسمًا عناصره هي عناصر الخبز الأرضي، أما الخبز السماوي الذي يبعث به الله من فوق يُغذِّي النفس الباقية. هذا هو الخبز السماوي الذي يتغذَّى به جمهور الملائكة
القديس كيرلس الكبير
ينكشف لنا من هذه التجربة أن لإبليس ثلاثة سهام اعتاد أن يستخدمها ليجْرح قلب الإنسان: شهوة الأكل، المجد الباطل، الطمع! (يبدأ من حيث اِنتصر إبليس) هكذا تبدأ نُصرتي في المسيح من حيث غلبني إبليس في آدم
يقول: "إن كنتَ ابن الله"، فقد كان إبليس يعلم تمامًا أنه ينبغي أن يأتي ابن الله، لكنه لم يكن يعتقد أنه يأتي في ضعف، لهذا أراد أن يتأكَّد ثم يُجرِّبه بعد ذلك
انظروا أسلحة المسيح التي بها اِنتصر من أجلكم وليس لأجل نفسه، فإنه قادر أن يحوِّل العناصر (كما في عرس قانا الجليل)، لكنه يعلِّمنا ألا نطيع إبليس في شيء، ولا لإظهار قوَّتَك. لنعرف أيضًا من هذه التجربة مهارة إبليس الخادعة فهو يجُرِّب ليتأكَّد من الحقيقة ليخترق الإنسان ويُجرِّبه... ولم يستخدم الرب سلطانه كإله وإلا فإننا لم نكن نجني فائدة، إنما استخدم الإمكانيَّة العامة وهي استخدام كلام الله
القديس أمبروسيوس
قل لهذا "الحجر"، أي حجر هو هذا؟ بلا شك الحجر الذي كان إبليس يريه إيّاه طالبًا أن يحوِّله إلى خبز. إذن ما هي التجربة...؟
الشيطان العدو المخادع يقدِّم حجرًا عوض الخبز (لو11: 11). هذا ما يريده الشيطان أن يتحوَّل الحجر إلى خبز، فينمو الناس لا على الخبز، وإنما على الحجر الذي يُريه الشيطان على شكل خبز. وإنني اعتقد أن الشيطان لا يزال يُرينا الحجر ويقول لكل أحد: "قل لهذا الحجر أن يصير خبزًا..." فإن رأيت الهراطقة يأكلون تعاليمهم الكاذبة كخبزٍ، فاِعلم أن مناقشاتهم وتعاليمهم هي الحجر الذي يُظهره الشيطان لنأكله كخبز
لنسهر إذن ولا نأكل حجارة الشيطان ظانِّين أننا ننمو بخبز الرب
العلامة أوريجينوس
تأكَّد تمامًا أن العدو يهاجم القلب عن طريق امتلاء البطن
الأب يوحنا من كرونستادت
في التجربة السابقة أراد إبليس أن يقدِّم للسيِّد الحجر خبزًا، لكن السيِّد رفض تحويل الحجر خبزًا، مقدَّما نفسه "الخبز الحيّ النازل من السماء" شبعًا لمؤمنيه. والآن إذ كان إبليس يعلم أن المسّيا القادم يملك إلى الأبد خلال الصليب والألم. أراه ممالك العالم ليملُك، لكن ليس خلال الصليب، وإنما خلال الطريق السهل والباب الواسع وهو "السجود لإبليس نفسه". رفض المسيح بهذا الطريق الواسع الرحب بقوَّة، فتح لنا الباب لنملُك نحن أيضًا معه خلال آلامه لا خلال الشر
يريد ابن الله كما ضد المسيح أن يملُكا، لكن ضد المسيح يريد أن يملك ليُهلك من له، أما المسيح فيملُك ليخلِّص (بالصليب). فمن كان فينا أمينًا يملُك المسيح عليه بكلمته وبالحكمة والعدل والحق؛ أما إذا فضَّلنا الشهوة عن الله فتملُك الخطيَّة علينا، حيث يقول الرسول: "إذًا لا تملُكنَّ الخطيَّة في جسدكم المائت" (رو6: 12)
إذن ملِكان يبادران لكي يملُكا، تملُك الخطيَّة أو الشيطان على الأشرار، ويملُك العدل أو المسيح على الأبرار
إذ كان إبليس يعلم أن المسيح جاء ليغتصب ملكوته، ويُخضع لقوته وسلطانه أولئك الذي كانوا قبلًا خاضعين للمخادع، "أراه جميع ممالك المسكونة" وكل سكان العالم، أراه كيف يملك على الواحد بالشهوة، وعلى الآخر بالبُخل، وثالث بحب المجد الباطل، ويأسِر آخرين خلال جاذبيَّة الجمال... وكأن الشيطان يقول له: أتريد أن تملك على كل الخليقة؟! وأراه الجموع غير المحصية التي تخضع له، والحق يُقال لو قبلنا أن نعرف في بساطة بؤسنا ونُدرك مصيبتنا لوجدنا الشيطان يملك في معظم العالم، لذلك يسمِّيه الرب "رئيس هذا العالم" (يو12: 31؛ 16: 11). وعندما يقول إبليس ليسوع: أترى جميع الشعب الخاضع لسلطاني؟ يكون قد أراه ذلك "في لحظة من الزمان"، إذ يحسب الوقت الحالي لحظة أن قورن بالأبديَّة... حينئذ قال إبليس للرب: أجئت لتصارع ضدِّي، وتنزع عنِّي كل الذين هم تحت سلطاني؟ لا، لا تحاول أن تقارن نفسك بي، ولا تعرض نفسك لصعاب هذه المعركة. انظر كل ما أطلبه منك، "إن سجدت أمامي يكون لك الجميع"
بدون شك يريد ربَّنا ومخلِّصنا أن يملك، لكن بالعدل والحق وكل فضيلة... لا يريد أن يكلَّل كملكٍ بدون تعب (الصليب)
أجابه الرب قائلًا: "مكتوب للرب إلهك تسجد، وإيّاه وحده تعبد" (تث6: 13). إرادتي هي أن يكون الكل لي يعبدونني، ولا يسجدون لغيري. هذه هي الرغبة الملوكيَّة. أتريدني أن أخطئ أنا الذي جئت لأبيد الخطيَّة وأُحرَّر الناس منها؟!
لنفرح ولنبتهج نحن إذ صرنا له، ولنُصَلِ إليه ليقتل الخطيَّة التي ملَكت في أجسادنا (رو 6: 6) فيملك وحده علينا
العلامة أوريجينوس
"وأراه جميع ممالك المسكونة" [5] كيف تجرؤ أيها الشيطان المارد اللعين فتُري السيِّد ممالك العالم وتخاطبه بالقول: "لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهن... إن سجدتَ أمامي" (لو 4: 6)؟ كيف تعد بأن تهب ما ليس لك؟! من الذي نصَّبك وارثًا على مملكة الله؟!؟إنك اِغتصبت هذه الممالك غشًا وزورًا، فرُد ما اغتصبته إلى الابن المتجسِّد رب العالم بأسره، واسمع ما يصرح به النبي إشعياء ضد إبليس وجنوده: "لأن تُفتة مرتَّبة منذ الأمس مهيَّأة، هيأيضًا للملِكِ عميقة واسعة، كومتها نار وحطب بكثرة، نفخة الرب كنهر كبريت توقدها" (إش30: 33)
فكيف تتقدَّم أيها الشيطان، ونصيبك الهاويَّة السحيقة مِلكًا...؟ وكيف يسجد السيِّد لك، والسيرافيم وجميع طغمات الملائكة لا يغفلون طرفة عين عن التسبيح لاسمه لأنه مكتوب: "للرب إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد" (لو4: 8)؟
حقًا لقد أصابت هذه الآية مقتلًا من إبليس لأنه كان قبل نزول المسيح ومجيئه يخدع كل الذين تظلِّلهم القبَّة الزرقاء، فتجثو له كل ركبة، أما وقد جاء المسيح فقد شاءت رحمته أن يرجع الناس عن غلوائهم ويقدِّموا له السجود والعبادة والإكرام
القديس كيرلس الكبير
ليس العيب في السلطان في ذاته، وإنما في الطمع الباطل، وعلى هذا فإن تأسيس السلطان يأتي من قِِبل الله، ومن يستعمله يكون سفيرًا لله بكونه خادم الله للصلاح (رو13:3-4). العمل في ذاته ليس خطيَّة، لكن العيب في الذي ينفِّذه... يجب أن نميِّز بين الاستخدام الصالح للسلطان والاستخدام الطالح
القديس أمبروسيوس
أراه مجد العالم على قمَّة جبل، هذا الذي يزول، أما المخلِّص فنزل إلى الأماكن السفليَّة ليهزم إبليس بالتواضع
القديس جيروم
أعلن الرب أن الشيطان كذَّاب من البدء، وليس فيه الحق (يو8: 44)، وبكونه كذَّابًا وليس فيه الحق فإنه لا ينطق بالحق بل بالكذب، عندما قال: "إليّ قد دُفع وأنا أعطيه لمن يريد" (لو4: 6)
لقد كذب الشيطان في البداية وبقي في كذبه حتى النهاية، فإنه ليس هو الذي يقيم ممالك هذا العالم بل الله إذ"قلْب الملك في يد الله" (أم21: 1). كما يقول الكلمة خلال سليمان: "بي تملك الملوك وتقضي العظماء عدلًا، بي تترآس الرؤساء والشرفاء وكل قضاة (ملوك) الأرض" (أم8: 15)
لقد فضحه الرب كاشفًا حقيقة شخصيَّته، إذ قال له: "اذهب يا شيطان" [8]... مُظهرًا ذلك من ذات اسمه، فإن كلمة "شيطان" في العبريَّة تعني "مرتد"
القدِّيس إيريناؤس
ج. تجربة في المقدَّسات
إن كان عدو الخير إبليس قد حاول أن يُجرِّب "يسوع" في لقمة العيش بتحويل الحجر إلى خبزٍ، وقد فشل إذ قدَّم السيِّد المسيح نفسه خبزًا حقيقيًا يُنعش النفس وينزع عنها طبيعتها الحجريَّة، وفي التجربة السابقة أراد تحطيم هدفه بفتح طريق سهل وقصير لكي يملك دون الحاجة إلى صليب، لكن الرب أصرَّ ألا يقبل إلا أن يدخل دائرة الصليب (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). أما التجربة التي بين أيدينا فتمس العبادة ذاتها، إذ تمّت في أورشليم على جناح الهيكل، وقدَّم الشيطان عبارة من الكتاب المقدَّس: "لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظونك، وأنهم على أياديهم يحملونك، لكي لاتصدم بحجر رجلك"[10-11]، سائلًا إيّاه أن يطرح نفسه من جناح الهيكل إلى أسفل
هذه التجربة يتعرَّض لها بالأكثر الرعاة والخدَّام والمتديِّنون، فإن عدو الخير يحاربهم في أورشليم في هيكل الرب، يقدِّم لهم كلمات الكتاب المقدَّس مشوَّهة سواء في بعض كلماتها أو في فهمها ليحوِّل عبادتهم إلى شكليَّات واستعراضات ورياء، طالبًا منهم عوض أن يصعدوا منطلقين نحو السماويَّات أن ينطرحوا من جناح الهيكل إلى أسفل، إذ يحدرهم الشكل أو الرياء عن غايتهم الحقَّة
* لنلاحظ بداية هذا الإنجيل الذي سمعناه اليوم، ولنضع في النور الأمور المخفية فيه "جاء (إبليس) به إلى أورشليم"،الأمر الذي يبدو غير مُصدق أن إبليس يقود ابن الله، وهو يتبعه؛ فإنه يشبه المصارع الذي يذهب إلى التجربة ولا يخشاها، ولا يرهب مصيدة العدو المخادع للغاية وغير المحتملة، وكأنه يقول: ستجدني أقوى منك
قاده إلى قمَّة الهيكل وطلب منه أن يطرح نفسه من فوق، وكان هذا العرض تحت ستار أنه يتم لمجد الله
يتكلَّم الشيطان ويستند على الكتاب المقدَّس... لكن ليته لا يخدعني الشيطان حتى وإن استخدم الكتاب المقدَّس
تأمَّل العبارة التي يعرضها إبليس على الرب: "مكتوب أن يوصي ملائكته بك لكي يحفظونك وعلى أيديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك". انظر كم هو مخادع حتى في اختياره للعبارات، فإنه يريد أن يقلِّل من مجد الرب، كما لو كان يسوع محتاجًا إلى معونة الملائكة؛ كما لو كان يمارس عملًا خاطئًا ما لم تسنده الملائكة. هكذا يقتبس إبليس عبارة من الكتاب لا تناسب المسيح ويطبِّقها عليه، إنما تناسب القدِّيسين بوجَّه عام... المسيح ليس بمحتاج لمعونة الملائكة، إذ هو أعظم منهم، ويرث اسمًا أعظم وأسمى: "لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت ابني أنا اليوم ولدتك؟!" (عب 1: 5-7؛ مز2: 7)
بعد ما قال: "إنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك، وأنهم على أياديهم يحملونك لكي لا تصطدم بحجر رجليك"، يصمت إبليس عن التكملة وهي: "على الأسد والصل تطأ، الشبل والثعبان تدوس" (مز91: 13). فلماذا تعبر على هذه العبارة بصمت أيها الشيطان؟! لأنك أنت هو الصل وملك كل الحيَّات. أنت تعرف أنك تحمل على جانبيك قوَّة عدوانيَّة أخرى تسمى "الأسد"، تخضع للأبرار تحت أقدامهم، لذلك لا تتكلَّم عن هذا الأمر
أنت هو الشِبل والثعبان، حيث مكتوب: "لي الأسد والصل تطأ، الشِبل والثعبان تدوس". إن كنت تصمت ولا تذكر شيئًا ضدَّك، لكننا نحن إذ نقرأ الكتاب باستقامة ندرك تمامًا أن لدينا سلطانًا أن نطأك بالأقدام، هذا السلطان لم يوهب لنا في العهد القديم حيث كان المزمور يرنَّم به، وإنما أيضًا في العهد الجديد. ألم يقل المخلِّص: "ها أنا أعطيكم السلطان أن تدوسوا الحيَّات والعقارب وكل قوَّة العدو ولايضرُّكم شيء؟!" (لو 10: 19). لنستند على هذا السلطان ونأخذ سلاحنا، ونطأ بسلوكنا الشِبل والثعبان
العلامة أوريجينوس
"إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل"[9]. أما التجربة الثالثة فكان محورها الزَهْو والخيلاء "اطرح نفسك من هنا" حتى تثبت أمام المِلأ لاهوتك، إلا أن المسيح أجابه: "لا تجُرِّب الرب إلهك" (لو4: 12) فإن الله لا يساعد من يجرؤ على تجربته ولم يُعط المسيح قط آية لمن جاءه بقصد تجربته، إذ ورد: "فأجاب وقال لهم جيل شرِّير وفاسق يطلب آية ولا يُعطى له آية إلا آية يونان النبي" (مت 12: 39).
لاغرابة أن يتقهقر أمام المسيح بعد هذه الثلاث تجارب، فيقدِّم لنا المسيح المنتصر إكليل الفوز والغلبة على حد قول الصادق: "ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيَّات والعقارب وكل قوَّة العدو ولا يضرُّكم شيء" (لو10: 19)
"لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظونك"[10]
وانظروا كيف يقتبس إبليس من الأسفار الإلهيَّة ليستعين بها على تصويب سهمه الدنيء، لأن هذه الآية التي وردت في المزامير لا تشير إلى المسيح، لأن المسيح ليس في حاجة إلى ملائكة. أما جناح الهيكل فقصد به البناء المرتفع الذي أقيم بجوار الهيكل
القديس كيرلس الكبير
قال له: "إن كنتَ ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل" لا ينطق بهذه الكلمات إلا الشيطان الذي يحاول أن يُحدر الروح الإنسانيَّة إلى أسفل من حيث سمت بفضائلها؟! هل شيء يوافق الشيطان إلا النصح بالانحدار إلى أسفل...؟!
لا يستطيع إبليس أن يؤذي إلا من يدفع نفسه إلى أسفل، أي يترك السماء ليختار الأرض
القديس أمبروسيوس
ختم حديثه عن التجربة "ولما أكمل إبليس كل تجاربه فارقه إلى حين" [13]. إن كان الشيطان لا يمِلّ عن المصارعة بالرغم من هزيمته المُرَّة في كل التجارب، إذ يقول"فارقه إلى حين"... فقد جاء بقيَّة السفر عبارة عن صراع مستمر بين السيِّد المسيح وإبليس بكل طريقة، سواء مباشرة أو خلال خدَّامه، لهذا يليق بنا ألا ننخدع إن تركنا العدو، فإنه يفارقنا إلى حين لكي يعود فيصارعنا
لما سمع إبليس اسم "الله" فارقه إلى حين، إذ جاء بعد ذلك لا ليُجربه وإنما ليُحاربه علانيَّة. والكتاب المقدَّس يُعرِّفك أنك في حرب ليس مع لحم ودم بل مع السلاطين والرؤساء مع أجناد الشر الروحيَّة (أف6: 12).
اُنظر رِفعة المسيحي الذي يُحارب رؤساء العالم (الشياطين)، فمع أنه يعيش على الأرض لكنه يبسط قوَّته الروحيَّة أمام أرواح الشرّ في السماويَّات. ونحن لا نُكافأ بأمور أرضيَّة في حربنا من أجله إنما مكافآتنا روحيَّة هي ملكوت السماوات وميراث المسيح
يليق بنا أن نجاهد بكل مقاومة لإبليس، فالإكليل مقدَّم لنا، ويلزمنا أن نقبل الدخول معه في حرب. لا يكلَّل أحد ما لم يَغلب، ولا يمكن له أن يغلب ما لم يحارِب (2 تي2: 5). والإكليل يعظُم كلما كثر الألم، لأنه ضيق وكرب هو الطريق المؤدِّي للحياة، وقليلون هم الذين يجدونه، وواسع هو الطريق المؤدِّي للموت (مت 7: 13)
يليق بنا ألا نخشى تجارب هذه الحياة قط، فهي فرصة مقدَّمة للغلبة ومادة للنصرة...
المُضل يُكثر من جرح المجاهد، ومع ذلك فالمُجاهد في شجاعته لا يضطرب قلبه...
إن تعرَّضت للتجارب فاعلم أن الأكاليل تُعد
أُلقي يوسف في السجن كثمرة لطهارته، لكنه ما كان يشارك في حكم مصر لو لم يبعه إخوته