Sunday, January 6, 2013

التجسد


من جهة التجسد كان لائقاً أن يتجسد اقنوم الابن دون الاقنومين الاخرين لان هذا الاقنوم يدعى اقنوم الكلمة أو النطق (اللوغوس) ولما كان النطق هو سبب اتصال الانسان بالله لهذا لاق بهذا الاقنوم ان يتجسد ويظهر للناس كما قال القديس بولس الرسول: اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ، الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي، صَائِرًا أَعْظَمَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ اسْمًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ. لأَنَّهُ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ؟ وَأَيْضًا: أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا؟ وَأَيْضًا مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ. رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 1: 1 - 6

تتسم الأرثوذكسية - بالذات - بالتركيز على سرَ التجسد الإلهى، ويتضح ذلك في أمور كثيرة مثل

تهتم الكنيسة جدًا بشرح هذا السّر لشعبها، ليعرفوا ما لهم فيه من: تعليم، وفداء، وسكنى إلهية فينا، وتأسيس للكنيسة المقدسة، جسد المسيح وعروسه

تقدم الكنيسة حياة الرب يسوع كاملة، في سّر الافخارستيا، منذ اختيار حمل بلا عيب، إلى مسحه بالماء، ثم تقميطه، ثم الدوران به حول المذبح إشارة للكرازة، ثم موته، ودفنه، وقيامته المجيدة

وتحرص الكنيسة أن تقدم لنا الافخارستيا يوميًا، وذلك تنفيذًا لوصية الرب: اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي. لوقا 22: 19. ومن غير المعقول أن نتذكر الرب كل بضعة أشهر، بل من المناسب أن نفعل ذلك يوميًا

والذكرى هنا ليست فكرية أو معنوية، بل من نفس نوع ما قدمه الرب بيديه الطاهرتين، في خميس العهد، جسدًا هو مأكل حق، ودمًا هو مشرب حق.. لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌ. يوحنا 6: 55. تمامًا كما وضع بنو إسرائيل بعض المن، في قسط خاص، في تابوت العهد، وذلك من نفس المن الذي كان ينزل من السماء لغذائهم، إشارة للمن السماوى، جسد الرب ودمه

ولقبت الأرثوذكسية السيدة العذراء: بوالدة الإله، إيمانًا منها بأن المولود من أحشائها ليس مجرد إنسان، بل هو الإله المتجسد، أو الكلمة المتأنس

واستمرت الكنيسة تطوَّب أم النور، تتميمًا لما قالته بالروح القدس: لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي. لوقا 1: 48.. وهذا ما نفعله كل يوم، وبخاصة فى التسبحة اليومية، وبالذات في شهر كيهك

إن تمجيدنا لسر التجسد، هو تمجيد لرب المجد يسوع الذي تجسَد لخلاصنا، كما أنه تمجيد لهذا السّر المقدس، سّر التقوى: عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ. رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 3: 16.. فالتجسد من أمنا العذراء هو سر التقوى البشرية، وبدونه ليس لنا خلاص

الصورة الأساسية للسيدة العذراء في الطقس القبطى، هي صورتها واقفة عين يمين الرب، تحمله طفلًا على ذراعها، وترتدى ثوبًا أزرق به نجوم، رمز السماء... وبهذا نعبر عن النبوة القائلة: جُعِلَتِ الْمَلِكَةُ عَنْ يَمِينِكَ بِذَهَبِ أُوفِيرٍ. المزامير 45: 9

والبشارة الموضوعة دائمًا على المذبح، وكذلك الكرسى، يحملان صورة السيدة العذراء، حاملة الطفل الإلهي

والأساقفة يحملون على صدورهم صورة الثيؤطوكوس (العذراء والدة الإله)، تأكيدًا لإيمانهم بهذه الحقيقة، ورفضهم للنسطورية التي فصلت الطبيعتين ونادت بأن العذراء هي أم المسيح كريستوطوكوس أي أنها والدة الإنسان، الذي حلّ عليه بعد ذلك اللاهوت حينًا، وتركه حينًا آخر


إن ميلاد السيد المسيح صار نقطة تحول في تاريخ البشرية يجعلنا نؤرخ الأحداث الزمنية إلى قبل الميلاد وبعد الميلاد

إن ميلاد السيد المسيح هو ميلادنا جميعا ففي الميلاد كان التجسد، وفي التجسد كان الفداء، وبالفداء نلنا التبني وصرنا وارثين الملكوت


حتمية التجسد الإلهي وأهميته لخلاص الإنسان

معنى التجسد.. أن الله أخذ جسداً وصار إنساناً وهذا التجسد من العذراء مريم عندما حل في بطنها بالروح القدس: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ. إشعياء 7: 14


ولماذا التجسد؟ لعل أهم سبب للتجسد هو حل قضية الفداء وإرجاع الإنسان إلى رتبته الأولى التي سقط منها بالخطية فقد خلق الله آدم ووضعه في الجنة وأوصاه ألا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر وحذره أنه يوم يأكل منها موتاً يموت.. وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ. التكوين 2: 17

ومن خلال اتحاد اللاهوت بالناسوت تكتمل مواصفات الفادي المطلوب وهو
بلاهوته.. غير المحدود يوفي عقاب خطايانا غير المحدودة وبلا خطية يفدي الخطاة ببره
وبناسوته.. يمثل الإنسان لأن الإنسان هو الذي أخطأ ويمكن أن يموت ليوفي أجرة الخطية وهي الموت
وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ. رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 3: 16


بركات التجسد
التبني: وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ. رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 4: 4 - 5
صرنا شركاء الطبيعة الإلهية: كما تقول تسابيح الكنيسة: أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له. وهكذا صار لنا شركة معه وصرنا شركاء الروح القدس.. لأَنَّ الَّذِينَ اسْتُنِيرُوا مَرَّةً، وَذَاقُوا الْمَوْهِبَةَ السَّمَاوِيَّةَ وَصَارُوا شُرَكَاءَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَذَاقُوا كَلِمَةَ اللهِ الصَّالِحَةَ وَقُوَّاتِ الدَّهْرِ الآتِي. رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 6: 4 - 5
بارك طبيعتنا فيه: وأصبح إنساننا الجديد متجدد حسب صورة خالقه.. إِذْ خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ. رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي 3: 9 - 10. وأعطى طبيعتنا روح القوة والغلبة: لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ. أعمال الرسل 1: 8
صار الله قريباً للإنسان: اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. رسالة يوحنا الرسول الأولى 1: 1
حل السلام على الأرض: ظهر مع الملاك جبرائيل جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين: وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ. لوقا 2: 13 - 14

جاء الشيطان بمكره وأغوى حواء بالأكل من ثمار الشجرة المنهي عنها وأعطت حواء رجلها آدم فأخذ وأكل وعصى الله وكسر وصاياه

وهنا يجب أن يموت الإنسان حتى يوفى العدل الإلهي حقه وإلا لا يكون الله عادلاً ولا يكون صادقاً في إنذاره السابق لآدم. إذن لابد أن يموت الإنسان ويهلك


لكن موت الإنسان تقابله عقبات كثيرة منها
موت الإنسان ضد رحمة الله: وخصوصاً أن الإنسان سقط بغواية الحية
موت الإنسان ضد كرامة الله: لأن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله وجعله متسلطاً على كل مخلوقاته فكيف تتمزق صورة الله بهذه السهولة
موت الإنسان ضد حكمة الله: لقد خلق الله الإنسان بحكمة لكي يتمتع ببركات الله وبنوته له فكيف يحرمه الشيطان بمكره من التمتع بهذه البركات وهذه البنوة والمحبة الإلهية. ويقول القديس اثناسيوس الرسولي : كان خيراً للإنسان لو لم يخلق من أن يخلق ليلقى هذا المصير
موت الإنسان ضد قوة الله: كأن الله خلق خليقة ولم يستطع أن يحميها من شر الشيطان. وهنا يظهر الشيطان كأنه أقوى من الله وقد انتصر عليه


في التجسد كان الفداء
لقد أخطأ الإنسان ضد الله والله غير محدود لذلك صارت خطيته غير محدودة والخطية غير المحدودة عقوبتها غير محدودة لا تمحوها توبة الإنسان المحدود الذي فسدت طبيعته بالخطية وإذا قدمت عنها كفارة يجب أن تكون كفارة غير محدودة. ولا يوجد غير محدود غير الله لذلك كان ينبغي أن يقوم الله بنفسه بعمل الكفارة والفداء لينقذ الإنسان من الموت الأبدي


شروط الفادي
ويشترط العدل الإلهي في الفادي الذي يفدي الإنسان بأن يكون
طاهر قدوس بلا خطية - يعجز الإنسان عن الخلاص بنفسه لأن الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحداً
غير محدود - ليكون أقوى من إبليس المتسلط على البشر كذلك يكون غير محدود لتكون قدرته كافية لأداء ما على البشر من ديون ولكي يوفي العقوبة غير المحدودة للخطية غير المحدودة ولا يوجد غير محدود إلا الله
إنسان - لأن الحكم صدر ضد الإنسان. فلا يصلح الحيوان الأعجم. ولا الملاك لأن الملاك روح وليس له دم يسفك
يموت بإرادته بدلا عن الإنسان - فكيف يقدم الله شخصاً يموت بغير إرادته وإلا يكون الله ظالماً وحاشا لله أن يكون ظالماً


وبذلك تتضح حتمية التجسد الإلهي

 يستحيل أن يفدي الإنسان سوى الإله المتجسد لأنه: بناسوته.. يمثل الإنسان.. وقابل للموت، وبلاهوته.. غير محدود.. وبلا خطية


يمكن الرجوع إلى

الكلمة صار جسداً
 
http://coptictales.blogspot.com/2011/12/blog-post_24.html

التجسد اﻹلهي
 
http://coptictales.blogspot.com/2012/01/blog-post_1787.html

عن التجسد الالهي للقديس أثناسيوس
 
http://coptictales.blogspot.com/2011/03/blog-post_20.html

الأربعة حيوانات غير المتجسدين
 
http://coptictales.blogspot.com/2010/11/blog-post_6145.html

الفقر والغنى والأمانة
 
http://coptictales.blogspot.com/2011/06/blog-post_3141.html

التجسد
 
http://coptictales.blogspot.com/2011/03/blog-post_1655.html 

Share

No comments:

Post a Comment

Facebook Comments

Twitter

I Read

Word of the Day

Quote of the Day

Article of the Day

This Day in History

Today's Birthday

In the News